تصريحات متتابعة أطلقتها العواصم العربية، ردًا على تصريحات رئيس وزراء الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو التي أعلن فيها عزمه ضم أجزاء من الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن للسيادة الإسرائيلية، وكان نتنياهو قد أعلن رغبته تلك في أوج حملاته الانتخابية بجولاتها الثلاثة، وفُسر الإعلان حينها على أنه دعائي يهدف إلى جمع الأصوات واستقطاب الناخبين، إلا أن رئيس الوزراء الإسرائيلي وبعد تمكُنه في 17 من مايو/أيار 2020 من تشكيل الحكومة الإسرائيلية الـ35، أكد جديته تنفيذ الضم حيث صرح بتاريخ 8 من يونيو/حزيران 2020 خلال ندوة جمعته بقادة 12 مستوطنة بالضفة الغربية أن “تنفيذ خطة الضم سيتم خلال أسابيع، ولن يتضمن إقامة دولة فلسطينية”.
تباينت التصريحات العربية في قوتها وحدتها، لكنها اتفقت على رفض الإعلان والتنديد به والاحتجاج عليه، وقد جاءت غالبيتها عبر بيانات رسمية صدرت من أعلى المستويات الحكومية، وحذرت جميعها من خطورة ضم “إسرائيل” أجزاءً من الضفة المحتلة لسيادتها وتبعاته الكارثية ليس على الساحة الفلسطينية فحسب بل على المنطقة بأسرها، وقررت البيانات العربية المختلفة أن الضم سيفتح الباب أمام توترات ومخاطر يصعب التكهن بمآلاتها، وسيؤدي إلى حالة كبيرة من الفوضى وعدم الاستقرار وقد يتسبب في حدوث صدام مع “إسرائيل”.
واعتبرت التصريحات العربية أن توجهات الحكومة الإسرائيلية الجديدة، غير قانونية وتمثل انتهاكات خطيرة لقرارات الشرعية الدولية، وتقوض فرص استئناف عملية السلام ومساعي تحقيق الأمن والاستقرار في المنطقة، وتتعارض مع كل الجهود التي يبذلها المجتمع الدولي للوصول إلى حل سياسي دائم وفقًا للقرارات الدولية ذات الصلة، وقد طالبت غالبيتها المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته وإلزام حكومة الاحتلال بوقف سياستها الاستيطانية في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
مشيرة إلى أن حكومة الاحتلال تسعى إلى فرض واقع جديد على الأرض عبر خطوات أحادية الجانب، مستغلة حالة الانشغال العالمي بمواجهة وباء كورونا، ومستفيدة من الانحياز والدعم اللامحدود الذي حظيت به من الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، واُختُتمت البيانات العربية جَمعاء بتأكيد موقف حكوماتها الثابت من القضية الفلسطينية والداعم لحقوق الشعب الفلسطيني المشروعة بما يضمن إقامة دولته المستقلة على حدود 1967 وعاصمتها القدس الشريف.
ثمة مفارقة واضحة بين التصريحات العربية المفعمة بتأييد الفلسطينيين ودعمهم في معركتهم ضد الاحتلال الإسرائيلي الغاشم، والسلوك الفعلي على أرض الواقع الصادر من بعض الحكومات العربية، المستمرة بشكل علني في تطوير علاقاتها التطبيعية مع تل أبيب حتى في هذه الفترة الحرجة من تاريخ القضية الفلسطينية، الذي يَصب بشكل فاضح في المصلحة الإسرائيلية ويعزز من تغولها وعربدتها على الحقوق الفلسطينية.
تنطلق في المجتمع السعودي وعبر منصات الإعلام الجديد تصريحات من أعلام وسياسيين وفنانين سعوديين حملات تشويه وإساءة للفلسطينيين
رغم تصريحات نتنياهو وتأكيده المضي في تنفيذ خطة الضم، تصاعدت وتيرة التطبيع العلني بين “إسرائيل” والإمارات العربية المتحدة، حيث سَيَّرت الإمارات بشكل علني رحلتين جويتين انطلقتا مباشرة من أبو ظبي إلى تل أبيب دون أن تُخفيا معالمهما وهويتهما، في سابقة خطيرة وصفها المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أفيخاي أدرعي “بالحدث التاريخي”، تبع ذلك نشر يوسف العتيبة السفير الإماراتي لدى واشنطن مقالًا في صحيفة “يديعوت أحرونوت” الإسرائيلية وصف فيه “علاقة أبو ظبي مع إسرائيل بالعلاقة الحميمية”، وأشاد بالجيش الإسرائيلي مشيرًا إلى أنه والجيش الإماراتي أفضل جيوش المنطقة، وكشف العتيبة “أن للدبلوماسيين الإسرائيليين حضورًا مهمًا في أبو ظبي”، وأضاف “الإمارات وجزء كبير من العالم العربي تطلعوا إلى أن تكون إسرائيل فرصةً وليس عدوًا”.
على ذات النهج جرت الأحداث في المملكة العربية السعودية، بل قد تكون أكثر خطرًا على القضية الفلسطينية، لتمهيدها الطريق أمام التطبيع المجتمعي مع “إسرائيل”، حيث ومن فينة لأخرى تنطلق في المجتمع السعودي وعبر منصات الإعلام الجديد تصريحات من أعلام وسياسيين وفنانين سعوديين حملات تشويه وإساءة للفلسطينيين، تُصغر من تضحياتهم ونضالهم، وقد عرضت الفضائيات السعودية مسلسلات في شهر رمضان الماضي تروج للرواية الإسرائيلية في الصراع وتسوق ادعاءاتها المزعومة بحقها في أرض فلسطين منها مسلسل “أم هارون” و”مخرج 7″، والمثير للدهشة أن السطات السعودية لا تحرك ساكنًا لِلجم تلك الحملات والأعمال أو الاعتذار عنها أو تبريرها، بل هناك احتمالات في تنظيم مسؤولين سعوديين لتلك الحملات ورعايتها.
هذا عدا عن الميدان السياسي المزدحم بالشواهد على تناقضات الفعل السياسي السعودي وتصريحاته، فقد كشفت صحيفة “يسرائيل هيوم” أن “النظام السعودي أعطى الكيان الإسرائيلي الضوء الأخضر للمضي في مخطط الضم في الضفة الغربية المحتلة على خلاف الموقف العلني المعارض، مقابل منح السعودية دور جوهري في إدارة المقدسات بالقدس المحتلة”، وتملقًا منه لإدارة ترامب.
الدكتور إبراهيم أبراش أستاذ العلوم السياسية بجامعة الأزهر ووزير الثقافة الأسبق، قال لـ”نون بوست”، إن الخطاب السياسي العربي لا يعبر عن الواقع ولا يتوافر على مصداقية، وهذا بسبب غياب الديمقراطية وغياب المحاسبة الشعبية في هذه الدول، وأضاف أبراش أنه وبسبب الممانعة الشعبية للتطبيع لا تستطيع الأنظمة العربية الجهر بحقيقة مواقفها تجاه “إسرائيل” وبالتالي تصدر هذه الخطابات المتناقضة التي تحمل رسائل طمأنة لـ”إسرائيل” وأمريكا بأنهم مع تطبيع العلاقات، وفي نفس الوقت ترسل لشعوبها رسائل بأنهم ما زالوا ملتزمين بتأييد القضية الفلسطينية.
صائب عريقات أمين سر اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية وجه خلال ورشة عمل عقدت في رام الله بتاريخ 3 من يونيو/حزيران نقدًا لاذعًا للمملكة العربية السعودية وشكك في موقفها تجاه القضية الفلسطينية ودعاها “لعدم إلهاء الفلسطينيين عن معركتهم مع الاحتلال”، وأضاف عريقات “موقف السعودية من ضم الأراضي مؤسف ولا يعبر عن موقف عربي أصيل، وأنها تمارس الابتزاز السياسي ضد السلطة مقابل دعمها بمعونات مالية”.
وطالب حازم قاسم الناطق باسم حركة حماس في بيان نشر بتاريخ 8 من يونيو/حزيران 2020 الدول العربية “باتخاذ خطوات جادة وفعلية على الأرض للضغط على الاحتلال والإدارة الأمريكية لمنع تنفيذ هذه السياسة”، وأضاف قاسم “لا يمكن الاكتفاء بالمواقف الإعلامية والسياسية لأن الكيان الصهيوني تعود على التمرد على الإجماع الدولي، ويتصرف على الدوام كبلطجي خارج عن القانون”.
في حال أقدمت “إسرائيل” فعليًا على ضم أجزاء من الضفة الغربية تحت سيادتها سواء بخطوة واحدة أم بخطوات تدريجية، فإن الرد العربي لن يزيد عن إصدار بيانات التنديد
الدكتور بلال الشوبكي رئيس قسم العلوم السياسية في جامعة الخليل قال لـ”نون بوست” إن التناقض بين القول والفعل العربي هو جزء من الضغط على الفلسطينيين لإجبارهم على التنازل عن حقوقهم، وسيؤثر سلبًا على الموقف الفلسطيني، في ظل إحساسهم بغياب الإسناد العربي، وهذا سيساعد “إسرائيل” في تنفيذ مخططاتها، وأردف الشوبكي قائلًا: “سيصل الفلسطينيون إلى مرحلة يقتنعوا فيها أن الجهد المناوئ للاحتلال الإسرائيلي يجب أن يكون جهدًا فلسطينيًا خالصًا، ويجب عليهم تكريس الاهتمام بالجهود الفلسطينية الداخلية، وألا ينتظروا الإسناد من المحيط العربي”.
في حال أقدمت “إسرائيل” فعليًا على ضم أجزاء من الضفة الغربية تحت سيادتها سواء بخطوة واحدة أم بخطوات تدريجية، فإن الرد العربي لن يزيد برأي الدكتور إبراهيم أبراش عن إصدار بيانات التنديد، وربما دعوة لعقد اجتماع لمجلس الجامعة العربية على مستوى وزراء الخارجية، فالحكومات العربية لا تستطيع التمرد على الإدارة الأمريكية، ووافقه في ذلك الدكتور بلال الشوبكي الذي رجح أن الدول العربية في حال تم الضم لن تقدم على فعل شيء، ولن تفي بأي من تصريحاتها وستكون رسالتها لـ”إسرائيل” رسالة عتاب ليس أكثر.