للعراق 34 منفذًا بحريًا وبريًا وجويًا، يعمل منها 20 منفذًا مع 4 دول بشكل دائم وفاعل، وهي (تركيا وإيران والكويت والأردن)، أما مع سوريا والسعودية فلا تزال المنافذ غير فاعلة، ومعظم هذه المنافذ لا تخضع لسلطة الحكومة الاتحادية إنما لسلطة المحافظات ومسؤوليها والأحزاب والميليشيات وعوامل اللادولة، رغم ما تشكله من أهمية وخطورة على البلاد أمنيًا وغذائيًا وسياسيًا وصحيًا واجتماعيًا.. إلخ، وآثارها الكارثية على العراق كدولة ومجتمع.
الفساد أصبح جائحة تشمل الدولة العراقية ومؤسساتها ودوائرها وهيئاتها، فالمعنيون بالمنافذ الحدودية على وجه التحديد، من هيئة المنافذ ومكاتب المفتشين العموميين وحرس الحدود وديوان الرقابة المالية وهيئة النزاهة والأجهزة الأمنية التابعة لوزارة الداخلية والبرلمان ولجانه المسؤولة والقضاء والجهات التنفيذية، جميعهم بلا استثناء مشتركون بالفساد إما أفراد أو مؤسسات أو متواطئون بصمتهم أو خائفون من التهديدات التي يتعرضون لها.
الكاظمي ومنافذ الفساد
بعد زيادة العجز المالي في الموازنة العامة للدولة وعدم قدرة الحكومة العراقية على دفع مرتبات الموظفين والمتقاعدين، بدأ رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي البحث عن مصادر دخل مهمة كانت طيلة السنوات الـ17 الماضية عُرضة للنهب والفساد – ولا تزال – من ميليشيات وأحزاب وشخصيات متنفذة تُعيق وتمنع أي إجراء تصحيحي أو إصلاحي في المنافذ الحدودية مهما كان صغيرًا.
الكاظمي يبحث عن مصادر ليسد عجز الموازنة واتخذ قرارًا باستقطاع رواتب المتقاعدين، مما ألب الرأي العام العراقي ضده وهو بأمس الحاجة للدعم الشعبي ورضاه بقرارات صحيحة ضد الفاسدين، خاصة وهو يفتقد للدعم الحزبي داخل مجلس النواب، فالرأي العام الغاضب انتقد خطوة ترك الفاسدين واستمرار فسادهم ومحاولة تقديم حلول تُفرض على المواطن البسيط والموظف والمتقاعد، لذا دفعه للتراجع عن قراراته وإعلان خطة للسيطرة على المنافذ الحدودية التي تُدر للدولة أكثر من 10 مليارات دولار سنويًا يُسرق منها بسبب الفساد أكثر من 8 مليارات دولار!
لماذا جهاز مكافحة الإرهاب؟
هناك دعوات عديدة لرئيس الوزراء من جهات وشخصيات وإعلاميين وباحثين على اطلاع أو صلات بما يدور في المنافذ الحدودية والمؤسسات المعنية، تدفع باتجاه نشر جهاز مكافحة الإرهاب للسيطرة عليها وضبطها وحماية الموظفين من تهديدات الميليشيات والأحزاب ولوبيات الفساد الممسكة بها وإيقاف الاستهتار بالدولة وأمنها والمجتمع واستقراره.
إن الرغبة بنشر الجهاز على المنافذ الحدودية وليس غيره، تأتي بسبب الثقة التي كسبها في معارك استعادة المدن من داعش، فهو الجهاز الوحيد الذي عليه شبهات فساد قليلة، ولديه مهنية عالية وأداء قتالي مميز وتدريب احترافي على حرب الشوارع، ومجهز ومسلح لأداء أعقد المهام الخاصة.
من جهة أخرى، ساهمت أجهزة أخرى – بعد الاستعانة بها – في الفساد الذي ذهبت لمنعه ومحاربته، ودخلت في لوبياته، وأدى ذلك لتعاظم حجم الفساد وتوسعه بسبب زيادة عدد الجهات الفاسدة والمتسترة وحصصها.
تطبيع الفساد
إن سبب تمدد الفساد في العراق ووصوله لنقطة لا يمكن لأي إصلاحي – إن وجد – إيقافه، هو انعدام الرادع الأخلاقي أو القانوني، بل على العكس أصبحت الهيئات والدوائر المعنية بمحاربته، تشترك فيه وتنال من مكاسبه وامتيازاته، وأصبحت أبوابه مصادر لتمويل الأحزاب والميليشيات، والجميع يعمل وفق مبدأ “غطي على فسادي.. أغطي على فسادك”، من جهة أخرى، ظهرت طبقة جديدة من الأغنياء من موظفي الدولة في المنافذ والجمارك والمفارز الأمنية والأماكن الحساسة والمهمة، هؤلاء الموظفون والضباط يحصل بعضهم على مرتب لا يتجاوز 600 دولار، لكنهم أصبحوا يمتلكون العقارات الضخمة ويعيشون بمستوى عالٍ جدًا جراء الأموال التي تجنى بالفساد وأبوابه.
أخيرًا، إن عدم السيطرة على المنافذ الحدودية يُعد كسرًا لإرادة الدولة واهتزازًا للثقة بها، فالفساد ينخر الدولة وركائزها وأسسها وهيبتها ومؤسساتها ودوائرها، والعراق بحاجة لمحاربة الفساد كما حارب الإرهاب وقضى على تنظيماته وتمددها، فتنظيمات الفساد ولوبياته أخطر على الدولة من الإرهاب لأنها تنخر وتدمر بصمت وهناك من يُشرع لها ويدعمها ويتستر عليها دون توقف.