ترجمة وتحرير نون بوست
ما زالت الاضطرابات التي سببها مقتل المواطن الأمريكي الإفريقي جورج فلويد على يد ضابط شرطة أبيض في مينيابوليس يوم 25 مايو تتردد صداها عالميًا، حيث استمر الأمريكيون الأفارقة في الاحتجاج في الشوارع ضد العنصرية ووحشية الشرطة.
لكن في إثيوبيا كانت التعبيرات العامة المتضامنة مع مسيرات أمريكا قليلة ومتباعدة، تُظهر فصول من مقاومة إثيوبيا المتعددة ضد الفاشية كيف يجب أن يتردد صدى حركة “حياة السود مهمة” في الولايات المتحدة أكثر من ذلك مع الإثيوبيين شبابًا وشيبًا.
هناك تاريخ يربط بين تاريخ مقاومة الأمريكيين الأفارقة وبين الجهود الإفريقية المناهضة للاستعمار أثناء الحركة الأوروبية في القرن الـ19 المعروفة باسم “التدافع على إفريقيا”، استلهم الآباء المؤسسون لحركات تحرير السود من مرونة الدولة الإفريقية السوداء البعيدة التي نجحت في صد عدوان الاستعمار الإيطالي.
تمكنت إثيوبيا -المعروفة بالحبشة آنذاك- من الحصول على اعتراف دولي بسيادتها الإقليمية بعد هزيمتها لإيطاليا في معركة عدوة عام 1896، كان انقلاب ساحة المعركة قد بلغ ذروته في نهاية الحملة التي وصفتها صحيفة نيويورك تايمز حينها بواحدة من أكثر الكوارث التي شاركت فيها الأسلحة الإيطالية، فالقوات الإثيوبية هزمت الغزاة على جبال عدوة.
كان لتلك الهزيمة المذهلة موجات صادمة حول العالم خاصة لهؤلاء الذين اعتبروا الأفارقة دائمًا مجرد عبيد للعمل من أجل الماكينة الاقتصادية للقوى الاستعمارية، أو “متوحشين غير منضبطين” مثلما أطلق عليهم الجنرال الإيطالي المهزوم أوريستو باراتيري.
امتد تأثير أحداث 1896 خارج إثيوبيا، فقد أصبحت ألوان العلم الإثيوبي الأحمر والأخضر والأصفر راية جماعية للأفارقة ورمزًا للمقاومة الإفريقية الرائدة، وبعد نصف قرن اعتمدت الدول الإفريقية المستقلة حديثًا تلك الألوان كجزء من أعلامها الوطنية.
ولدت ثمار الإيدولوجية من البذور التي زرعتها معركة عدوة، هذه البذور نبتت وعبرت المحيط الأطلسي أيضًا حيث كان الأمريكيون الأفارقة يخضعون لقوانين جيم كرو وسيادة المؤسسة البيضاء.
استلهمت القوميات السوداء مما رأته صراعًا مشابهًا للمستضعفين من إثيوبيا ضد القوى الأوروبية، كان النشيد الرسمي للرابطة العالمية لتنمية الزنوج “إثيوبيا؛ أرض آبائنا” وقد حصل مؤلفه الموسيقي الشهير المقيم في هارلم جوسيا فورد على دعوة للهجرة إلى إثيوبيا.
احتشد الأمريكيون الأفارقة لدعم إثيوبيا بعد 40 عام عندما جاءت الأخبار بغزو إيطالي ثاني وشيك، كانت دعوات رئيس الوزراء الإيطالي بينيتو موسوليني للحرب قد زادت من التوترات بين المجتمعات الإيطالية والسوداء في هارلم.
كان سقوط إثيوبيا يُصور على أنه الطريقة الوحيدة لإخماد اللهب الذي اشتعل بين الشتات الإفريقي، لكن أخبار الأعمال الوحشية التي ارتكبتها القوات الإيطالية وحملة القصف العشوائي للقوات الجوية الإيطالية أثارت غضبًا شديدًا بين الأمريكيين الأفارقة، هناك أدلة على العديد من الجهود ومن بينها مقاطعة المنتجات الإيطالية، وتنظيم الاحتجاجات.
بينما كانت الصحف التي يدريها السود مثل “Negro Liberator” تسلط الضوء على الأعمال الوحشية التي يرتكبها الغزاة في إثيوبيا وتنشر عن المظاهرات المؤيدة لإثيوبيا، كانت نيويورك تايمز تنشر بعنوان “400 من الغوغاء يقاتلون الشرطة في هارلم، اقتحام المتاجر الإيطالية ومقتل رجل من الحشود”، استخدمت الصحيفة كلمة “غوغاء” لوصف المظاهرين المؤيدين لإثيوبيا.
تمكنت حملة لتجنيد المتطوعين للانضمام للمقاومة الإثيوبية من حشد الآلاف من بينهم 1500 على الأقل من هارلم وحدها و600 آخرون من تكساس وفقًا للقصاصات الصحفية من ذلك الوقت، في النهاية منعت الخارجية الأمريكية أي شخص من السفر وحظرت مشاركة مواطنيها في حروب أجنبية، لكن القليلون تمكنوا من ذلك ومن بينهم الطيار الشهير جون روبنسون الذي تولى قيادة القوات الجوية الإثيوبية الوليدة.
جون روبنسون أحد أعضاء سلاح الجو الإثيوبي الذي حارب ضد قوات الاحتلال إلإيطالي.
وصلت حصيلة القتلي بسبب الغزو في إثيوبيا من 1935 وحتى نهاية الاحتلال عام 1941 إلى أكثر من نصف مليون قتيل معظمهم من المدنيين الأبرياء، لكن لم تكن إثيوبيا تعاني من نقص الداعمين في أمريكا فقد لعبوا دورًا بارزًا في الحديث عن محنة ضحايا موسوليني في إثيوبيا.
في عام 1954 زار الإمبراطور الإثيوبي هيلا سيلاسي هارلم ليشكر سكانها، وبحسب تعليق أسوشتد برس على الصورة: “اصطف ما يقرب من 200 ألف شخص في الشوارع لتحية الإمبراطور خلال زيارته الأولى لهارلم، وقد قدم الإمبراطور صليبًا ذهبيًا للكنيسة من إثيوبيا وحصل على لوحة زيتية تضم صورته والتي قام برسمها الفنان الأمريكي الإفريقي إيفان تيت”.
يقول المؤرخ والمولف الإثيوبي باهرو زويدي أنه خلال تلك الزيارة تبرع الإمبراطور بصليب أرثوذكسي مقدس من كنيسته إلى الكنسية الحبشية في هارلم والتي كان لها تاريخًا فريدًا يربط بين سكان البلدين.
يضيف زويدي: “أسس الكنيسة الحبشية في هارلم بحارة إثيوبيين وأمريكيون أفارقة رفضوا حضور الكنائس المنعزلة في ذلك الوقت، وأسسسو كنيستهم الخاصة المستقلة”.
فشلت إثيوبيا بشكل كبير في نقل هذا التاريخ للأجيال الحديثة، فالنظام الجديد في إثيوبيا يشير إلى قادة يسعون إلى محو كل الأفعال الإيجابية التي قام بها أسلافهم من الذاكرة الجمعية، أطاحت الطغمة العسكرية الشيوعية “ديرغ” بقيادة منغستو هيلاماريام بالإمبراطور عام 1974 وبذلت جهدًا كبيرًا لمحو جزء كبير من التاريخ المرتبط بالأسرة المالكة المخلوعة.
كانت جهود النشطاء الأمريكيين الأفارقة الشجعان في الحرب الإيطالي الثانية على الحبشة ضحية التغيير في هذا العصر، ولولا جهود المؤرخين مثل زويدي لحفظهم، لكان هذا التاريخ طي النسيان، تمتلك إثيوبيا اليوم القليل من المعرفة بشأن تلك الأحداث، وهذا ما تؤكده تعليقات رئيس الوزراء الإثيوبي قبل عدة سنوات.
في يونيو 2018، ألقى رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد خطابًا على أعضاء من مجمتع الفنانين الإثيوبي ووصف فيه الأمريكين الأفارقة بأنهم “أحرار لكن فقراء” لأنهم لا يرغبون في الانتقال من الماضي.
لقد تنصل رئيس الوزراء -المولود عام 1976- من التأثير الحقيقي للصدمة بين الأجيال مثل تصوير الأشخاص الذين حافظوا على تاريخ النضال الإثيوبي الذي استمر 6 سنوات ضد الفاشية وكأنه نضالهم الشخصي بأنهم متبلدو الشعور.
يعتقد باهرو زويدي أن التاريخ يشير إلى امتلاك الإثيوبيين التزامات أخلاقية يجب أن يعترفوا بها، ويضيف: “نظرًا لكل هذه الروابط التاريخية الحميمية بين إثيوبيا والعالم الأسود بشكل عام والمجتمع الأمريكي الإفريقي بشكل خاص، يجب على الإثيوبيين أن يقفوا بجانب أخوانهم الأمريكيين الأفارقة في نضالهم لتحقيق المساواة والكرامة التي يستحقونها”.
المصدر: كوارتز