قبل 4 سنوات من الآن، أثبتت قرية جمنة في محافظة قبلي جنوب تونس، نجاح تجربة الاقتصاد التضامني، حينها نجح الأهالي في استرجاع ضيعة تمور هناك ورفعوا من إنتاجيتها، وضاعفوا أرباحها السنوية، لتصل إلى مليون و700 ألف دينار بعد أن كانت تباع بأبخس الأثمان.
تجربة استثنائية بقيت راسخة في أذهان التونسيين، فالاقتصاد التضامني الاجتماعي أثبت نجاعته في ظل اقتصاد رأسمالي بدأ في الانحسار في ظل تهميشه من الدولة، حتى جاء القانون الجديد المنظم لهذا القطاع، وجاء حاملًا معه أمالًا عريضة للقضاء على البطالة في تونس بعد أن استشرت وبلغت مستويات قياسية نتيجة وباء كورونا.
الاقتصادي التضامني
خبر انتظره التونسيون منذ سنوات، حيث صادق البرلمان التونسي، أمس، بالأغلبية، على مشروع قانون يتعلّق بتنظيم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني. وقد شهد التصويت على القانون موافقة 131 نائبًا وتحفّظ نائب واحد ودون اعتراض (132 نائبًا شاركوا في عملية التصويت من أصل 217).
وينص القانون على تعريف مؤسسة الاقتصاد الاجتماعي والتضامني على أنها كل مؤسسة خاضعة للقانون ومن بينها “التعاضديات والشركات التعاونية للخدمات الفلاحية ومجامع التنمية الفلاحية والجمعيات التعاونية”، كما تم دمج “جمعيات التمويل الصغيرة وشركات التأمين ذات الصبغة التعاونية”.
يأمل التونسيون أن يساهم الاقتصاد التضامني في إحداث نقلة نوعية في اقتصاد البلاد واحتواء نسب البطالة المتضخمة في المدن الأقل تنمية
ينص القانون أيضًا على إحداث هيئة عمومية تحمل اسم “الهيئة التونسية للاقتصاد الاجتماعي والتضامني”. وجاء هذا القانون نتيجة لمشاورات بين الأطراف الموقعة على العقد الاجتماعي (الحكومة التونسية والاتحاد العام التونسي للشغل والاتحاد التونسي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية).
وتتحدث النقطة الأولى في القانون حول إرساء العدالة الاجتماعية والتنمية المستدامة، فيما تتحدث النقطة الثانية عن خلق مواطن الشغل والنهوض بالعمل اللائق، إلى جانب خلق ديناميكية محلية لتحقيق التوازن بين الجهات كنقطة ثالثة.
أما النقطة الرابعة فهي تشير إلى هيكلة الأنشطة غير المنظمة وترمي إلى حصر وإدماج الفئات التي تشتغل بالتهريب والتجارة الموازية في مجال الاقتصاد التضامني والاجتماعي. وتشير النقطة الخامسة من القانون إلى دفع المبادرة الجماعية، أما عن النقطة السادسة فتشير إلى خلق الثروة وتحقيق الرفاه الاقتصادي والاجتماعي للمواطن لتحسين جودة الحياة.
المصادقة على مشروع قانون متعلق بالإقتصاد الإجتماعي والتضامني بـــــرمّته بــ 131 نعم 01 محتفظ ودون رفض pic.twitter.com/2PMDWfW98a
— مجلس نوّاب الشعب (@ARPtn) June 17, 2020
وصادّق البرلمان التونسي في 12 أبريل / نيسان 2017 على تضمين الاقتصاد التضامني والاجتماعي في المخطط التنموي الرباعي 2016 – 2020، بهدف رفع النمو وإيجاد فرص عمل خاصة للشباب، وتنمية المناطق الفقيرة، ودعم القطاعين العام والخاص.
توفير مواطن شغل إضافية
يأمل التونسيون أن يساهم الاقتصاد التضامني في إحداث نقلة نوعية في اقتصاد البلاد واحتواء نسب البطالة المتضخمة في المدن الأقل تنمية، خاصة بعد فقدان آلاف التونسيين لوظائفهم بسبب تداعيات فيروس كورونا الجديد.
وزير التكوين المهني والتشغيل فتحي بالحاج، أكد أن تنظيم الاقتصاد الاجتماعي والتضامني يمكن أن يوفر أكثر من 200 ألف موطن شغل إضافي، فضلًا عن المساهمة بنسبة 10% في الناتج الداخلي الخام للبلاد.
وتوقّعت دراسة أنجزتها وزارة التنمية والاستثمار والتعاون الدولي في تونس بالشراكة مع برنامج الأمم المتّحدة الإنمائي، بأنّ تتسبّب أزمة فيروس كورونا في زيادة في معدل البطالة لتصل إلي 21.6% مقارنة بـ15% حاليًا، أي ما يقارب 274.500 عاطل جديد عن العمل، وهو ما يضع الدولة في تحدي كبير.
يعتبر الاقتصاد التضامني بابا أساسيا في أي منوال تنمية عادل، وأفق لفض بعض مظاهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها تونس
بلغ عدد العاطلين عن العمل في الربع الأول من السنة الحالية، 634.8 ألفًا من مجموع السكان النشيطين مقابل 623.9 ألفًا خلال الثلاثي الرابع من سنة 2019، وقدرت نسبة البطالة بنحو 15.1% خلال الربع الأول من 2020 بنسبة 12.3% لدى الذكور و22% لدى الإناث، وفق نتائج المسح الوطني للسكان والتشغيل لمعهد الإحصاء الحكومي.
ويلعب الاقتصاد الاجتماعي دورا هاما في تعزيز الإدماج الاجتماعي للناس خاصة الأكثر تهميشًا، من خلال توفير النفاذ المستدام إلى سوق العمل، فهو يوفر لعدد هام منهم فرص عمل جيدة تساعدهم على توفير مقومات العيش الكريم.
ومثلت تجربة واحة جمنة، نموذجًا ناجحًا للاقتصاد التضامني الاجتماعي في مستوى محلي، دعا العديد من التونسيين إلى العمل على تعميمها وتطوريها حتى تعود بالفائدة على البلاد، خاصة وأنها وفرت فرص شغل كثيرة وساهمت في تنمية الجهة.
ويساهم الاقتصاد التضامني والاجتماعي في العالم، وفق ما ورد في وثيقة شرح أسباب القانون في تشغيل ما يقارب 100 مليون عامل، ويساهم في بلدان الاتحاد الأوروبي بنحو 12,9% في التشغيل، وتأمل السلطات التونسية أن تكون نسبة التشغيل في القطاع الجديد مرتفعة.
قطاع ثالث
ضعف مؤشرات الاقتصاد في تونس وعدم قدرته على الشباب العاطلين عن العكل، والجهات الداخلية المحرومة من التنمية والتشغيل، يستوجب التوجه نحو الاقتصاد التضامني الاجتماعي الذي يعتبر قطاعًا ثالثًا سيضاف إلى القطاعين العام والخاص ويشمل كلّ المجالات الاقتصادية باعتباره نمطًا جديدًا وخاصًا بالمبادرات الاقتصادية.
ويقوم الاقتصاد التضامني والاجتماعي عادة على أنشطة إنتاجية للسلع والخدمات ضمن هياكل (جمعيات وتعاونيات) تدار بطريقة تشاركية بين أعضائها، الذين لهم حرية الانخراط فيها من عدمه.
وبدأ الاقتصاد التضامني والاجتماعي في تونس مع البنك التونسي للتضامن، حيث يقول النص القانوني ما يلي: يمول البنك التونسي للتضامن المؤسسات ذات الصبغة التضامني، بعد ذلك عرفت البلاد تأسيس عديد الجمعيات التنموية المحلية في كل معتمدية والتي تشتغل بالتوازي مع البنك التونسي للتضامن لتمويل المشاريع الصغرى، وتسمى هذه الجمعيات التنموية المحلية بالجمعيات ذات البعد التضامني.
يشبه الاقتصاد التضامني التوفيق بين النشاط الاقتصادي والعدالة الاجتماعية من خلال الابتكارات الاجتماعية، من أجل مكافحة الاستبعاد وضمان تكافؤ الفرص، ويعتبر إرساء اقتصاد اجتماعي وتضامني أمر ضروري لخلق فرص اقتصادية لصالح الفئات المهمشة.
يمثل هذا القطاع الثالث فرصة لبناء منوال تنموي جديد في تونس يقوم على الاقتصاد التشاركي التلقائي والتسيير الديمقراطي، انطلاقًا من تشخيص المواطنين لاحتياجاتهم وتصور مشاريعهم وتسييرها، كما يسهم في بلورة مجالات ترابية متضامنة، لها هوية محلية، ويضفي قيمة على الموارد المحلية البشرية والمادية، لأجل إحداث أنشطة ومشروعات، وإيجاد فرص شغل، وتقديم خدمات مميزة للمواطنين.
ويأمل التونسيون في تركيز اقتصاد اجتماعي تضامني يحقق استدامة التنمية بمختلف أبعادها ويساهم في خلق الدينامكية الاقتصادية المحلية ويضمن الربح وخلق مواطن الشغل، على عكس منوال التنمية الحالي الذي أثبت فشله.
يعتبر الاقتصاد التضامني بابًا أساسيًا في أي منوال تنمية عادل، وأفق لفض بعض مظاهر الأزمة الاقتصادية والاجتماعية التي تعرفها تونس منذ سنوات عدة نتيجة أسباب كثيرة، لذلك على السلطات التونسية أن تطورها وألا تقتصر على مجرد المصادقة على قانون لتنظيم يذهب بعد إقراره إلى أدرج الطاولات.