ترجمة وتحرير: نون بوست
كنا في شقة رجل الأعمال العراقي والسياسي السني خميس الخنجر في إسطنبول، وعندما سألته عن سبب إدراج اسمه في قائمة عقوبات الحكومة الأمريكية إلى جانب ثلاثة من زعماء الميليشيات الشيعية المدعومة من إيران، انفجر ضاحكا بينما كان يجلس على كرسيه.
خلال مقابلة أجراها مؤخرا مع “موقع ميدل إيست آي”، علّق الخنجر على قائمة وزارة الخزانة الأمريكية للعقوبات التي أعلنت عنها في كانون الأول/ ديسمبر 2019 قائلا: “إنها ذات طابع سياسي بحت”، وأضاف قائلا: “في الواقع، كان السعوديون يهددونني مباشرة. قالوا لرئيس الوزراء العراقي آنذاك، عادل عبد المهدي، إنهم سيعملون على إدراج اسمي ضمن قائمة العقوبات”، ومن جهته أخبرهم عبد المهدي بأن ذلك سيكون “خطأ فادحا”، حسب ما أفاد به الخنجر.
في هذا السياق، أوضح الخنجر: “لكن السعوديين لا يفهمون. هم يعتقدون أن كل شيء يمكن أن يشترى بالمال، لكن لا يتعلق الأمر بالمال دائما. عندما فشل المرشحون الذين اشتروهم في الفوز بمقاعد في البرلمان، اعتقدوا أنني دفعت للناس أكثر مما دفعوا، بيد أنهم لا يرون مدى غباء استراتيجيتهم”. يشير الخنجر إلى الانتخابات البرلمانية العراقية التي أجريت سنة 2018 التي سعى خلالها إلى بناء كتلة سياسية تمثل مصالح العراقيين السنة، حيث يقول إنهم تعرضوا للتهميش لمدة سنوات من قبل الزعماء السياسيين الشيعة المهيمنين في العراق، وكانوا ضحايا إساءة المليشيات الشيعية التي يسيطرون عليها.
حسب الخنجر، كانت السعودية تحاول أيضا التأثير على الانتخابات بهدف إبقاء حيدر العبادي، رئيس الوزراء الذي تفضله الولايات المتحدة، في السلطة، وعندما فشلت خطتهم، انتقم السعوديون منه.
يتهم إشعار وزارة الخزانة الأمريكية الخنجر بالتورط في أعمال فساد ودفع رشاوى من بين جرائم أخرى غير مثبتة، والادعاء بأنه “خطط لدفع ملايين الدولارات لشخصيات سياسية عراقية من أجل تأمين دعمهم”، حيث نسبت هذه المزاعم إلى “مسؤول كبير سابق في الحكومة العراقية” لم يُذكر اسمه، كما يصف الإشعار “رجل الأعمال والمليونير العراقي بالتمتع بقوة كبيرة على المستوى الإقليمي والدولي”.
في هذا الصدد على الأقل، يمكن لمسؤولي واشنطن أن يروا أن تجربة الخنجر ليست الأولى من نوعها بالنسبة للسفارة الأمريكية في بغداد. إن الصور التي توجد على هاتفه الآيفون توثق تاريخا دبلوماسيا يعود لـ 17 سنة خلت، منذ الغزو الأمريكي وسقوط صدام حسين في 2003، حين كان مطلعًا على كل النقاشات حول العراق التي شارك في جميعها تقريبًا.
لقد كان الخنجر – ولا يزال – على علاقة شخصية بلاعبين إقليميين رئيسيين: على غرار ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، وولي عهد أبو ظبي الأمير محمد بن زايد، والجنرال الإيراني الراحل قاسم سليماني، بالإضافة إلى دبلوماسيين غربيين بمن فيهم المتخصص في العراق والمبعوث الرئاسي الأمريكي السابق إلى التحالف الدولي المناهض لتنظيم الدولة بريت ماكغورك، والسفير البريطاني السابق في بغداد جون جينكينز، وقد كان يجتمع معهم جميعا بانتظام.
كان الدبلوماسيون يسعون جاهدين للتواصل معه لسبب وجيه، ففي حال أردت أن تعرف ما الذي كان يفكر فيه زعماء القبائل السنية أو الزعماء السنة، فعليك أن تذهب للخنجر. لذلك، لجأ الأمريكيون إلى القادة السنّة مثل الخنجر عندما كانوا يسعون إلى تجنيد وتمويل جيش ميليشيا سنية لقيادة حملة الصحوة ضد تنظيم القاعدة في ذروة التمرد المسلح ضد قوات الاحتلال الأمريكية في سنة 2006.
شارك الخنجر في مشروع تشكيل تحالف “القائمة العراقية الوطنية” التي تعد أول قائمة حزبية غير طائفية في العراق، والتي حُرمت من فرصة تشكيل الحكومة على الرغم من الفوز بأغلبية المقاعد البرلمانية في انتخابات 2010. كان الخنجر هو الذي توجهت له وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالسؤال عندما أرادوا معرفة سبب تخلي الزعماء السنة في العراق عن النفوذ الأمريكي والسعودي والارتماء في أحضان إيران.
هذه قصة الخنجر حول كيفية تحوله في غضون بضعة أشهر من محاور عراقي إلى أحد أهداف العقوبات الأمريكية التي تشمل عادة الأفراد المتورطين في الإرهاب والفظائع. لقد كان شخصا مثيرا للجدل بحسب أولئك الذين يتحدث عنهم، وهي حقيقة أكدتها شهادة مباشرة من شخص كان على الطاولة في اجتماعات رئيسية مع رؤساء الوزراء العراقيين المتعاقبين.
أنشأ بريمر مجلسا حاكما على أساس طائفي، بتعلة أنه يصحح بذلك خطأ ارتُكب عندما تأسس العراق سنة 1921 تحت الانتداب البريطاني
إن ما حدث معه ليس مجرد قصة شخصية، بل قصة توضح كيف خسرت الولايات المتحدة العراق، وخلال لقاء له مع أحد رجال وكالة المخابرات المركزية صرّح الخنجر: “أنت لا تعرف كيف حدث ذلك، لكن يمكنني أن أخبرك كيف تخسر الولايات المتحدة الدعم في العراق”.
كيف أضحى أبطال التحرير مستعمِرين؟
لقد كان موقف الخنجر بشأن غزو العراق واضحًا، فقد رحّب بالغزو الأمريكي خلال شهر آذار/ مارس 2003 والانهيار السريع لدكتاتورية صدام حسين التي استمرت لعقود. لقد فرّ من العراق قبل ست سنوات من سقوط النظام، وتحديدًا في أوائل سنة 1997. في حديثه عن ذلك، قال الخنجر: “لو عدت في ذلك الوقت لكان مصيري الإعدام. ما ينساه الناس الآن هو أن جميع العراقيين كانوا متساوين في عهد صدام. في حال كنت خصمًا، ستكون عدوا إلى الأبد. كما كان الناس يُقتلون لأي سبب”.
يقول الخنجر إن معظم العراقيين كانوا بطيئين في إدراك مخاطر الاحتلال، عندما غزا الأمريكيون العراق، لم يواجهوا مقاومة شديدة من قبل الشعب العراقي، لذلك شعرت القوات الأمريكية بالارتياح، فساروا في الشوارع وذهبوا إلى المطاعم، فقد كان غالبية العراقيين يعتقدون أن الأمريكيين جاؤوا لتطوير الاقتصاد ثم مغادرة البلاد.
لكن شهر العسل كان قصيرًا، فقد دام حتى قرار الأمم المتحدة عدد 1483، الذي تم تمريره خلال شهر أيار/ مايو 2003، الذي اعترف بموجبه مجلس الأمن رسميًا بأن الولايات المتحدة قوة احتلال ذات مسؤوليات إدارية، ثم جاء القرار المصيري لبول بريمر، أول رئيس للإدارة الأمريكية في عراق ما بعد الغزو الذي كان يُعرف رسميًا بمدير سلطة الائتلاف المؤقتة، بحلّ الجيش العراقي.
أنشأ بريمر مجلسا حاكما على أساس طائفي، بتعلة أنه يصحح بذلك خطأ ارتُكب عندما تأسس العراق سنة 1921 تحت الانتداب البريطاني بعد انهيار الحكم العثماني. كانت سلطة الائتلاف الحكومة الأولى من نوعها القائمة على أساس طائفي في العراق. وقد ساهم كل قرار من هذه القرارات في زرع بذور الحرب الأهلية التي تلت ذلك.
وفقًا للخنجر، تفاقمت هذه الأخطاء بسبب سلوك المقاولين الأمريكيين وتفتيش المنازل ومضايقة النساء، كما أشار إلى الاستياء الشعبي من استخدام الفسفور الأبيض المحظور من قبل القوات الأمريكية خلال الهجوم الذي استهدف مسقط رأسه الفلوجة سنة 2005، التي أضحت فيما بعد معقلًا للمتشددين، وتسببت كل هذه العوامل في ظهور المزيد من المقاومة.
في سياق متصل، أوضح الخنجر: “نعلم الآن أنه كانت هناك اتصالات بين الأمريكيين والإيرانيين خلال تلك الفترة حول العراق الجديد وكيفية إدارته. تتوفر حاليًا الكثير من الوثائق التي تتمحور حول التعاون بين الدولتين. أكثر من نصف بغداد كان تحت سيطرة قوات المقاومة ولم يكن تنظيم القاعدة من بينهم، كما كانت المقاومة تسيطر على معظم المناطق ذات الأغلبية السنية”.
أضاف الخنجر قائلا: “بدأ الأمريكيون في مهاجمة منطقة تلو الأخرى، وبعد أن سيطروا عليها، سلموها إلى قوات الأمن التي تهيمن عليها الميليشيات الشيعية، التي انتهجت سلوكيات طائفية بشكل جذري. كان واضحا أن الأمريكيين يدمرون المجتمعات السنية، ففي الفلوجة، كانوا يستخدمون أسلحة غير مشروعة، وبشكل تدريجي، استولى تنظيم القاعدة على البلدة”.
في سنة 2007، وقع ترتيب اجتماع في عمان، وكان خنجر من بين ممثلي السنة الذين التقوا بالقادة الشيعة. حيال هذا الشأن، قال الخنجر: عندما سألنا الشيعة عما نريده لتهدئة الوضع. قلنا لهم ‘نريد دولة عادلة يتساوى فيها جميع العراقيين أمام القانون’، وأوضحنا لهم كيف وقع استبعاد السنة من الأجهزة الأمنية ووزارتي الدفاع والنفط”. وقد أجاب معسكر الشيعة (الذين تردد الخنجر في تسميتهم): “لدينا مشكلة، نخشى بقايا نظام صدام ونخشى عناصر القاعدة. وفي حال لم تتخلوا عن دعمه، لا يمكننا أن نعيد لكم حقوقكم على الرغم من أننا نعلم أنها من حقوقكم”.
خيانة قوات الصحوة
قال الخنجر إنه دعم قوات الصحوة لأنه رأى أنها تستهدف القاعدة، موضحًا: “كانوا يهاجمون الجميع من السنة والشيعة، وقد كانت سياسة القاعدة تقوم على مهاجمة المجتمع الشيعي بأكمله. كانت مشكلتنا مع السياسيين الشيعة، وليس مع المواطن العادي”. وافق الأمريكيون مقابل ذلك على دفع وتسليح المقاتلين السنة وتجنيد 70 ألف منهم في الجيش العراقي بعد هزيمة القاعدة.
في حديثه عن ذلك، أشار الخنجر إلى أن “ما حدث بالفعل هو أن هذا الجيش العراقي، الشيعي، الذي أسسه بريمر، بدأ يسيء التصرف في المناطق ذات الأغلبية السنية حيث هاجم النساء ومنع الناس من دخول المسجد، وأهان الناس عند نقاط التفتيش، وأحيانًا قتلوهم بسبب أسمائهم السنية. بدأ السنة بالحديث معنا قائلين: ‘حسنًا، لقد تمكنا من إزالة شر، لكننا جلبنا شرًا أكبر'”.
لكن الأسوأ من ذلك كان نكث الأمريكيين وعدهم باستيعاب 70 ألف مقاتل سني في الجيش. وبدلاً من ذلك، قالوا إن هذا القرار لا يمكن اتخاذه إلا من قبل الحكومة العراقية التي كان يترأسها آنذاك رئيس الوزراء العراقي بين سنتي 2006 و2014، نوري المالكي.
حسب ما أفاد به خميس الخنجر فإنه “من وجهة النظر السنية، كانت هذه خيانة أمريكية. توقف الأميركيون عن التحدث إلينا وسلموا الملف إلى المالكي، في الوقت الذي بدأ يظهر فيه أسوأ مشاعره الطائفية. توقف المالكي عن دفع 80 بالمئة من رواتب المقاتلين، وقتل العشرات من قادتهم، وألقى القبض أيضا على البعض منهم فيما هرب آخرون إلى خارج العراق”.
نتيجة لذلك، وجد مقاتلو الصحوة السنة أنفسهم تحت الضغط، حيث انقلب كل من الرأي العام السني وحكومة المالكي ضدهم. في سنة 2008، وبعد سنتين من تولي المالكي منصب رئيس الوزراء، التقت مجموعة من قادة الصحوة مع السفير الأمريكي في الأردن وأخبروه بصراحة: “لقد خنتنا”. بعد ذلك، تشاور السفير مع وزارة الخارجية في واشنطن وعاد إليهم بعد خمسة أيام، وكان كل ما استطاعت الوزارة والسفير تقديمه هو توطين خمسة منهم في ولاية نيفادا غرب الولايات المتحدة، وهو ما حدث فعلا. بيّن الخنجر أنه “كان من الواضح أن الأمريكيين تجاهلوهم وكان المالكي يلاحقهم. ذهب البعض منهم إلى الجانب الإيراني لتقديم أنفسهم. لقد ارتموا في أحضان الإيرانيين”.
كيف تشكلت القائمة العراقية الوطنية
مع انقطاع التواصل مع الأمريكيين، استمر الخنجر والزعماء السنيون الآخرون في التحدث مع القادة السياسيين الشيعة، رغم اعتبار أولئك الذين ساعدوا في حشد مقاتلي الصحوة إرهابيين.
ظل الخنجر مصرًا على أنه لا يمكن حل المشكلة بتطبيق حل أمني. كانوا بحاجة إلى التوصل إلى تسوية سياسية، وقد تطورت هذه الفكرة إلى المشاركة في الانتخابات المقبلة، التي كان آنذاك لا يزال على انعقادها سوى 18 شهرًا، وذلك بتشكيل القائمة العراقية الوطنية برئاسة زعيم شيعي يتمتع بمؤهلات غير طائفية.
في هذا الصدد، أورد الخنجر: “لقد تحدثنا إلى ثلاث مجموعات، بما في ذلك جماعة المالكي وأحضرنا كل القوى السنية إلى منزلي في عمان بموافقة من الحكومة الأردنية… دامت الاجتماعات لمدة يومين تقريبًا، وقررنا على إثرها المشاركة في الانتخابات التي يمكن من خلالها تغيير الأوضاع في العراق. كان الهدف من وراء ذلك إقناع الشباب السنة بأن التغيير في البلاد يمكن تحقيقه من خلال الانتخابات ومنحهم الأمل بدلًا من السماح لهم بالعودة إلى السلاح”.
لقد كانوا بحاجة إلى شخصية رئيسية لرئاسة القائمة. اتصلوا بالمالكي وإياد علاوي، الذي شغل منصب رئيس الوزراء العراقي المؤقت بعد الغزو العراق في 2003 ما بين 2004 و2005، ووزير الداخلية في ذلك الوقت، جواد البولاني.
قال الخنجر: “اتصل بي المالكي عبر الهاتف. وشكرني على الاتصال وقال إنه سينظم لقاءً بعد الانتخابات، وقد وافق الاثنان الآخران. لم يكن المالكي مهتمًا بفكرة الوحدة الوطنية، ولكن بعد أسابيع قليلة، حدث خلاف بينه وبين البولاني، وبهذه الطريقة ظهرت القائمة العراقية الوطنية. أصبح علاوي رئيس القائمة التي كانت بمثابة إنجاز كبير في ضم السياسيين السنة والشيعة”.
فازت القائمة العراقية بـ 91 مقعدا بما يكفي لجعلها أكبر كتلة داخل البرلمان. تلاها “ائتلاف دولة القانون” بزعامة المالكي في المرتبة الثانية بواقع 89 مقعدا، وقضت المحكمة الدستورية بأنه من الممكن تشكيل الائتلافات الحكومية بعد الانتخابات وليس قبلها، وذلك حسب العرف السياسي في ذلك الوقت، وهو ما سمح بتسعة أشهر من المناورة ولي الذراع الأمر الذي مكن المالكي من البقاء في السلطة كرئيس للوزراء.
في الحقيقة، لم يكن المالكي رجل واشنطن فحسب، بل كان رجل طهران أيضًا، وكشف الخنجر بأن الجانبين التقيا بشكل متكرر، لكن “جُنّ جنون الأمريكيين، فقد أرادوا أن يفوز المالكي بأي ثمن، لكننا فزنا”.
ثم أعقب ذلك ثمانية أشهر من الصراع السياسي الذي توسطت فيه كل من سوريا وقطر وتركيا. في النهاية، نجح تفاهم الولايات المتحدة مع إيران لإبقاء المالكي في السلطة، لكن مشكلة أخرى ظلت قائمة ألا وهي أن المالكي لم يكن الرجل المفضل لدى باراك أوباما. مرة أخرى، استدعي بريت ماكغورك، الذي يعد من بين المعينين السياسيين لإدارة جورج بوش الذي بقوا مع إدارة أوباما، لحل الوضع السياسي الذي يشهده العراق.
قاد ماكغورك المجموعة الأمريكية التي أقنعت أوباما بأن الحل الوحيد في العراق يكمن في عقد صفقة جديدة مع إيران، وهذا يعني إعادة منح المالكي فرصة ثانية، ومنذ ذلك الحين، بدأ الأمريكيون بممارسة الضغوط على الجماعات السياسية السنية لمساندة المالكي.
قيل للسنة “إذهبوا إلى إيران”
“عاد المالكي إلى السلطة بشعور عميق بالانتقام، حيث أراد تدمير القادة السنة والمناطق السنية التي صوتت ضده، فقد انقلب ضد زعماء سنة مثل نائب رئيس الجمهورية طارق الهاشمي، ووزير المالية ونائب رئيس الوزراء رافع العيساوي، اللذين كانا يتمتعان بشعبية وبذلك أجبرهما على مغادرة البلاد”، وذلك حسب ما أفاد به رجل الأعمال العراقي والسياسي السني خميس الخنجر.
على خلفية ذلك، وُجهت إلى الهاشمي – الذي فرّ في البداية إلى المناطق الكردية ذات الحكم الذاتي ويعيش حاليا في تركيا – تهم على غرار تدبير هجمات بالقنابل ضد سياسيين شيعة. وقد حكم عليه بالإعدام غيابيًا. في هذا الصدد، أفاد الخنجر بأن “السجون العراقية في الوقت الحالي مليئة بالمئات من السنّة، خاصة الشباب. اعتُقلت النساء وتعرضت بعضهن إلى اعتداءات دون توجيه أي تهمة، وذلك ببساطة لأن أشقاءهن يشتبه في كونهم تابعين إلى تنظيم القاعدة”.
تتوافق رواية الخنجر مع المخاوف التي أثارتها في ذلك الوقت هيئات مراقبة حقوق الإنسان الدولية التي اتهمت قوات الأمن الخاضعة لسيطرة المالكي بإدارة السجون السرية والتعذيب. بحلول سنة 2011، كان الوضع الأمني ينهار بسرعة. أشعلت موجة الاعتقالات مظاهرات حاشدة في المدن ذات الأغلبية السنية مثل الرمادي، وعندما اشتبك متظاهرون مع قوات الأمن في الحويجة، بالقرب من كركوك، قُتل العشرات منهم.
في الواقع، كان زعماء القائمة العراقية الوطنية يائسين وطلبوا المساعدة من الأمريكيين والبريطانيين، وقد صل سفير المملكة المتحدة في العراق آنذاك، جون جنكينز، إلى منزل الخنجر في عمان. سأله القادة السنة المجتمعون هناك عما يجب عليهم فعله، معتقدين أنهم فازوا في الانتخابات، وقد كان رد جنكينز صريحًا: “اذهبوا إلى إيران، ليس لديكم أي خيار آخر”، وذلك حسب ما أورده الخنجر.
تعليقا على ذلك نزولا عند طلب “ميدل إيست آي”، يتذكر جنكينز اجتماعه مع الخنجر ولكنه يشك في أنه أخبره بأن “يذهب إلى إيران”، ولكنه يوافق على أنه “معاد للمالكي وإيران”. وفي ذلك قال: “أنا متأكد من أنني لم أقل شيئًا من هذا القبيل. والسياق الذي تصفه صحيح بالطبع. ورأيي في ذلك الوقت – ولم يتغير منذ ذلك الحين – هو أن انتخابات التي نظمت في شهر آذار/ مارس وكل استطلاعات الرأي اللاحقة أظهرت أن أغلبية العراقيين أرادوا حكومة غير طائفية بقيادة إياد علاوي”.
وأضاف “لقد لاحظنا الإشارات ذاتها في اتجاهات التصويت خلال الانتخابات المحلية مطلع سنة 2009. لذلك لم يكن الأمر مؤقتًا. فازت القائمة العراقية في الانتخابات البرلمانية لسنة 2010 على الرغم من العقبات الكثيرة. في الواقع، استنجد المالكي آنذاك بالدعم الإيراني، وتواطؤ رئيس مجلس القضاء الأعلى القاضي مدحت محمود، ومحاباة الولايات المتحدة، لقلب هذه النتيجة والبقاء في السلطة. كان ذلك يصب في صالح إيران، والمالكي بطبيعة الحال. بيد أنني لم أفهم سبب عدم تحرّك أي من العواصم الغربية لوضع حد لما حدث”.
يتذكر جنكينز كيف اتُّهم آنذاك بمعاداة الشيعة، وقال إن “ذلك لم يكن صحيحا. كنت بكل تأكيد مناهضاً للمالكي وإيران. لم يكن ذلك بسبب اعتقادي أن إيران دولة شريرة مثلما هو راسخ لدى البعض. كنت أنظر للأمر من زاوية المصالح، فقد تصورت أن المالكي كان يكنّ لنا العداوة، وأن احتلال إيران للعراق سوف يشكل تهديداً للمصالح البريطانية والغربية في المنطقة بأكملها. كما أنه سيزعزع استقرار الدول المجاورة بشكل خطير”.
استغلّت الميليشيات الشيعية دعوة السيستاني وشكّلت ما يُعرف بقوات الحشد الشعبي للدفاع عن مدن العراق ضد التنظيم.
رغم إنكاره أنه طلب من الخنجر جديا “الذهاب إلى إيران”، إلا أن جنكينز أقرّ بأن جزءًا من النقاش ربما دار حول ذهاب علاوي إلى إيران. وأوضح قائلا: “ربما دار جزء من النقاش حول ما إذا كانت إيران مستعدّة للقبول بعلاوي في منصب رئاسة الوزراء. لقد زار إياد بالفعل طهران مرة أو مرتين، ولكن بالنظر إلى أن خامنئي وسليماني كانا يؤكدان على أهمية بقاء الكتلة الانتخابية الشيعية موحدة باعتبارها ركيزة أساسية لهيمنة شيعية إيرانية على العراق، كانت هذه الفرصة بعيدة المنال”.
ووفقا لـ الخنجر، التقى زعيم سني آخر مع أوباما في البيت الأبيض. لكن الرد لم يختلف، فقد نفى الأمريكيون مسؤوليتهم عن تلميع المالكي، وكان الخنجر قد خاطب الزعماء الشيعة العراقيين في اجتماع في بروكسل قائلا: “لقد قلنا لهم إنكم تدفعون شعبنا نحو الإرهاب. فعندما قاوم السنة الاحتلال، قلتم إنهم إرهابيون، وعندما قاومت جماعة الصحوة القاعدة وصفتُموهم بالإرهابيين، وعندما فاز السياسيون السنة في الانتخابات وصفتُموهم بالإرهابيين. كيف سنتواصل؟”. بالنسبة للقادة السنة، كان من الواضح أن الولايات المتحدة وإيران على حد سواء تدعمان الجماعات الشيعية.
“اندلاع الحرب الشاملة”
جاءت نقطة اللاعودة عندما شنت قوات المالكي ما سماه الخنجر “هجوما” ضد العشائر السنية في محافظة الأنبار في شباط/ فبراير 2014 في خضم تنامي الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
دعا زعماء العشائر السنية شبابهم إلى التسلّح لمواجهة الجيش العراقي القوي الذي يتألّف في معظمه من ميليشيات شيعية.
خلال المواجهات الأولى بين الجيش والمقاتلين السنة، لم يكن تنظيم الدولة الناشئ والمتكون من فلول تنظيم القاعدة في العراق والناشط آنذاك في سوريا، جزءا من المعركة. يقول الخنجر إن مقاتلي التنظيم ظهروا بسبب الفراغ الناجم عن هروب الجيش.
ويوضح الخنجر: “مهّد ذلك لعودة تنظيم القاعدة والذي سرعان ما تحوّل إلى تنظيم الدولة. كانوا أكثر تنظيماً مما سهّل دخولهم إلى المناطق ذات الأغلبية السنية التي يدخلوها من قبل، وانطلاقا من الأنبار، اقتربوا من بغداد ودخلوا محافظة صلاح الدين مما دفع القادة الشيعة إلى الفرار من البلاد”.
يواصل الخنجر بيأس: “كان مقاتلو تنظيم الدولة مجرمين. لقد كفّروا زعماء العشائر، وقتلوا علماء الشيعة، واعتبروا الإخوان المسلمين والقوميين العراقيين خارجين عن الإسلام. كما كانوا يُعدمون كل من يخالفهم وكل من يشارك في العملية السياسية، لهذا السبب فرّ الكثير من السُنّة إلى تركيا والأردن”.
قررت العشائر السنية مواجهة تنظيم مثلما قاومت تنظيم القاعدة، وقد كانت الأرضية السياسية في بغداد ملائمة أيضًا، حيث رحل المالكي وتولى حيدر العبادي رئاسة الوزراء، وقد اعتبر الخنجر أن العبادي “كان شخصا محترمًا”، حيث بدأ عهدته باتخاذ خطوات نحو المصالحة. فقد أوقف الاعتقالات وأطلق سراح الكثير من السجناء، ولكن حربا شاملة اندلعت بعد ذلك، ولم تكن تميز بين قوات تنظيم الدولة والسكان المحليين وتسببت في تدمير العديد من المدن السنية.
ولأول مرة منذ ظهورالصحوات، أبدى الأمريكيون اهتمامًا بالسنة. كان الخنجر على رأس وفد التقى في أبو ظبي مع المبعوث الرئاسي الأمريكي للتحالف الدولي ضد تنظيم الدولة بريت ماكغورك، وممثل عن الحكومة العراقية.
كان من بين القضايا الرئيسية التي ناقشها ذلك اللقاء، قوات الحشد الشعبي التي تشكلت بدعم من الحكومة العراقية، بعد فتوى من المرجع الشيعي الأعلى في العراق علي السيستاني بضرورة الانضمام لقوات الأمن. استغلّت الميليشيات الشيعية دعوة السيستاني وشكّلت ما يُعرف بقوات الحشد الشعبي للدفاع عن مدن العراق ضد التنظيم.
جاء ذلك بعد اتفاق مع العبادي على نشر قوات الشرطة العراقية في جميع أنحاء العراق، مما أتاح للسُنّة فرصة المشاركة في حماية محافظاتهم. وأكد الخنجر أن ماكغورك قال لهم: نريدكم أن تشاركوا في الحرب ضد تنظيم الدولة، وسوف نعطيكم المال. “لقد ذكّرنا الوفد الأمريكي بما حدث مع الصحوات. أخبرناهم بأننا على استعداد للقتال بشرط واحد. كانت قوات “البيشمركة” تقاتل في المناطق الكردية، وأصبحت قوات الحشد الشعبي تقاتل في المناطق الشيعية. قلنا لهم أننا نريد قوات أمن تتكون من مقاتلين سُنّة للدفاع عن المناطق السنية، وأن تكون على صلة مباشرة بمكتب رئيس الوزراء”.
ووفقًا للخنجر، فقد وعد ماكغورك في اجتماع في بغداد بأن قوات الحشد الشعبي لن تتقدم إلى ما بعد الكرمة غرب بغداد وسامراء شمالًا. وكان الاتفاق أن قوات الحشد الشعبي لن تدخل المناطق ذات الأغلبية السنية. ضم ذلك الاجتماع الوزير السابق سلمان الجميلي.
تحدث الخنجر عن ذلك الاجتماع قائلا “اقترحنا في الاجتماع خارطة طريق تتضمن نهجين متوازيين، أحدهما سياسي والآخر عسكري، وهذا يعني التعامل مع تنظيم الدولة عسكريا وتناول الأسباب السياسية والاجتماعية التي أدت إلى ظهوره في العراق في المقام الأول. بيد أن ماكغورك لم يكن مهتمًا بذلك، وإنما كان مهتمًا فقط بهزيمة تنظيم الدولة عسكريًا”.
أضاف الخنجر أن “الجميع كان يُدرك أن قوات الحشد الشعبي لا تستطيع التقدم عشرة أمتار دون غطاء جوي أمريكي، ولكن الأمريكيين تراجعوا عن الوعد الذي قطعوه، حيث توغّلت قوات الحشد الشعبي في المناطق السنية في كل من الغرب والشمال”.
عرض موقع “ميدل إيست آي” رواية الخنجر على ماكغورك، لكنه رفض التعليق. غير أن مسؤولًا أمريكيًا سابقًا مطلعا على تلك المحادثات نفى بشدة رواية الخنجر وقال إن الجانب الأمريكي لم يقدم إليه أي ضمانات. وأضاف أن الخنجر لم يوفر أي جندي للتدريب على القتال ضد تنظيم الدولة رغم أنه وعدهم بذلك مرات عدة.
وزعم المسؤول السابق أن الخنجر تعامل بشكل مباشر مع الأحزاب المدعومة من إيران وسعى بشكل دائم إلى تقديم الرشوة للسياسيين العراقيين، مما جعل يقع تحت طائلة العقوبات الأمريكية في السنة الماضية.
عرض “ميدل إيست آي” هذا الادعاء على الخنجر الذي رد قائلاً: “هذا غير صحيح، إنه ادعاء كاذب. لقد شاركنا في الجهود السياسية لتشكيل ائتلاف حاكم بعد انتخابات 2018 بعلم ماكغورك، وبمشاركته أحيانا. تكمن المفارقة هنا أننا كنا نشكّل الفصيل الأكثر اعتدالا”.
حسب الخنجر، تركت الميليشيات الشيعية صورة سيئة داخل المحافظات التي حررتها من تنظيم الدولة. ويتهمهم الخنجر بنهب السنة وقتلهم عند نقاط التفتيش، ومنع المهجرين من العودة إلى قراهم. ويقول إن المناطق السنية “دُمّرت” نتيجة لذلك. كما تحدثت منظمات حقوقية عن فظائع ارتكبتها القوات المدعومة من الحكومة العراقية.
تسببت تجربة قوات الحشد الشعبي على الأرض في عودة الخلافات السياسية بين القادة السنة.
ويقول الخنجر: “قررنا في سنة 2017 أن ندخل انتخابات 2018 بقوة من خلال التوافق بين أحزابنا (السنية) من أجل وضع حد لانتهاكات قوات الحشد الشعبي في مناطق سيطرتها”.
عاد الخنجر حينها إلى بغداد للمرة الأولى منذ 20 سنة لتنظيم تلك الحملة.
السعوديون يهددون الخنجر
صرّح الخنجر بأن السعوديين تدخلوا في هذه المرحلة، فقد كانوا ينظرون إلى العراق فقط باعتباره منافسا للرياض إلى جانب تركيا وقطر، كما أرسل محمد بن سلمان ساعده الأيمن في الخليج تامر صبحان، لمقابلة الخنجر، وقد عُقد الاجتماع في منزل الخنجر في عمان.
أشار الخنجر إلى أن صبحان طلب منه “بهدوء” عدم خوض الانتخابات في سنة 2018، وقال له إنه “لا ينبغي على عدد قليل من الزعماء السنة أن يخوضوا في الانتخابات. فأجبته بأننا لا نأخذ الإذن منك وأنك لست من مؤيدي العراق. لقد تركتنا السعودية طوال هذه السنوات لنُقتل. في مناطقنا، يتعرض الناس للاضطهاد والحرمان من حقوقهم في التصويت وأصبحوا لاجئين. ما هي خطتك؟ ما هو مشروعك؟”.
تابع الخنجر قائلا: “شعرت أنه غير مهتم. ما أراده هو اتخاذ موقف ضد الإخوان المسلمين وقطر وتركيا. عندما فقدوا الأمل في الولايات المتحدة، بدأوا في تجنيد شخصيات سنية هامشية، أي أشخاص لا يمتلكون أي سلطة بإمكانهم أن يدفعوا لهم ليكسبوا دعمهم”. عموما، تمثل الهدف الشامل للسعوديين، الذي شاركتها فيه الولايات المتحدة أيضًا، في إبقاء العبادي في منصبه.
أنشأ الخنجر تكتلا سنيا يسمى “تحالف المحور الوطني” ضم 50 عضو برلمان، وهي مجموعة يعادل حجمها حجم مجموعة الصدريين، التي تمثل كتلة قومية شيعية ذات نفوذ تابعة لمقتدى الصدر. وقد حافظت هذه الكتلة على توازن القوى في العراق وجذبت اهتمام الولايات المتحدة.
في ذلك الوقت، شارك العبادي قيادة كتلته مع الزعيم السياسي ورئيس قوات الحشد الشعبي والرئيس السابق لمجلس الأمن القومي ومستشاره، فالح الفياض، لكن الرجلين كانا على وشك التشاجر حول إصرار العبادي على كونه زعيم الكتلة الوحيد.
قبل حدوث ذلك، يقول الخنجر إن ماكغورك سعى للضغط أو إقناع الكتلة السنية بدعم العبادي. كما يفيد الخنجر بأن ماكغورك عرض عليه حوافز مثل لقاء شخصي مع محمد بن سلمان. حيال هذا الشأن، قال: “حاول أن يجذبنا ووعدنا بأشياء بشرط دعمنا للعبادي، حيث قال لي ذات مرة: ‘سنحضر أنا وأنت في لقاءات خاصة وسنلتقي بمحمد بن سلمان وسأدفع السعوديين للتحدث بصراحة معك’. فأجبته: ‘أيها السيد بريت، لقد قابلت محمد بن سلمان أكثر من مرة. لا يمثل ذلك أحد اهتماماتي. لم أخض الانتخابات لأصبح هدفا سهلا لأحد هؤلاء الأمراء. لدينا مشاكل في مناطقنا'”.
أربعة مطالب
قدم الخنجر أربعة مطالب تمثلت في الإفراج عن سجين والتحقيق في أمر المختفين، وانسحاب قوات الحشد الشعبي من المناطق ذات الأغلبية السنية، وإشراك السنة في المؤسسات الأمنية الحكومية، وإعادة إعمار المناطق السنية التي تضررت من النزاع الذي استمر لسنوات. وقد أخبر الخنجر ماكغورك أنه “سيدعم من يوافق على هذه المطالب. مشكلتي ليست مع السعوديين. اتبع السعوديين وستجد أن النتيجة هي فشل تام”.
لكن الخنجر وعد أيضًا بفتح مفاوضات مع العبادي، بيد أنه لم يكن متفائلًا. في هذا الإطار، أورد قائلا: “كانت تجربتي مع العبادي على هذا النحو: عندما شكل حكومته في سنة 2013، وعد بتشكيل حرس وطني وتفكيك قوات الحشد الشعبي. وقد دعمت الولايات المتحدة أيضا هذه الخطوة. بعد أن شكل العبادي حكومته، أقر بشرعية قوات الحشد الشعبي. هذه هي التجربة الراسخة في ذهني عندما قابلته”.
تبع ذلك ثلاثة اجتماعات قدم فيها الخنجر المطالب السنية إلى العبادي، لكن رئيس الوزراء كان غامضا بشأن كل منها.”كان الرجل عديم الفائدة، ولم يقدم تعهدات”، على حد تعبير الخنجر. ومع ذلك، عرض الخنجر تحالفًا بين الكتل، لأنه كان متأكدا من قدرته على التعامل مع فالح الفياض، الذي كان لا يزال حليفا للعبادي آنذاك. في الواقع، ينتمي كلاهما إلى نفس الخلفيات القبلية.
أورد الخنجر: “اعتقدت أن التعامل مع الفياض أسهل بكثير. تعد هذه النقطة حساسة لأن الأمريكيين يقولون إن إيران جمعتني وفالح معا. والحقيقة أن ما جمعنا هو الخلفيات القبلية التي نشترك فيها وليس إيران. رفض العبادي اقتراحي، فقلت له: ‘كتلتك سوف تتفكك'”، وهذا بالضبط ما حدث، حيث انشق نواب الفياض عن العبادي، ووقع تقسيم البرلمان. في إحدى الكتل الشيعية، اجتمع الفياض والمالكي ورئيس منظمة بدر شبه العسكرية المدعومة من إيران، هادي العامري.
في الكتلة الأخرى، اجتمع العبادي والصدر. احتوت كل كتلة على حوالي 100 عضو برلمان، وهو ما جعل السنة والأكراد وسطاء للسلطة. يقول الخنجر إنه لا يزال في حيرة من أمره بشأن سبب تفضيل الأمريكيين والسعوديين لكتلة شيعية على أخرى. إذا كانت درجة النفوذ الذي تمارسه عليهم طهران عاملاً وراء ذلك، يشير الخنجر إلى أن الأفراد من جميع الأطراف يمتلكون علاقات ذات درجات متفاوتة مع إيران، وميليشياتهم الخاصة التي يمكنهم من خلالها فرض نفوذهم.
في شأن ذي صلة، قال الخنجر: “سألت ماكغورك عن أي فصيل سيستجيب لمطالبنا الأساسية؟ فأجاب: ‘قوات الحشد الشعبي’. ثم سألته من سيعطيني التزاما يمكنني الوثوق به؟ فأجاب: ‘قوات الحشد الشعبي'”. ووفقا للخنجر، مثل ذلك مؤشراً آخر على أن الأمريكيين أدركوا أو رضخوا لحقيقة أن السلطة في العراق تقع على عاتق قوات الحشد الشعبي المدعومة من إيران، وهي القوة نفسها المسؤولة عن قمع المناطق ذات الأغلبية السنية.
كانت الإشارة واضحة: تخلى الأمريكيون عن مسؤوليتهم تجاه مصير العراق السني. “إذن هو يعلم”، هذا هو ما قاله الخنجر لنفسه أثناء استماعه في حالة من الذهول إلى النصيحة التي قدمها له ماكغورك. في المقابل، طعن المسؤول الأمريكي السابق الملم بهذه المناقشات في صحة رواية الخنجر لهذه المحادثة.
في غضون ذلك، استمر السعوديون في وضع الخنجر تحت الضغط، حيث قال: “بدأ صبحان [الرجل السعودي المكلف في الخليج] بتوجيه تهديدات قائلاً إنه إذا لم يشغل العبادي المنصب، فسوف نوقف الدعم. لن تحصل على شيء. نحن ندير ظهرنا لكم كسنّة وعراقيين”.
لكن مرة أخرى خسر الأمريكيون والسعوديون في لعبة السيطرة، حيث فاز العبادي بـ 45 مقعداً فقط وأصبح عادل عبد المهدي رئيسًا للوزراء كشخصية محايدة تدعمها أغلبية أعضاء البرلمان وانتهت اللقاءات بين الخنجر ومغجورك. وقال خنجر إن هذه المرحلة مثلت “نقطة التحول” أيضا عندما وجد نفسه هداف للسعوديين وحلفائهم الإماراتيين.
في هذا الإطار، أفاد الخنجر قائلا: “في تلك المرحلة، كان من الواضح أن السعوديين فقدوا كل شيء في العراق وهكذا بدأوا هجومهم الإعلامي ضد كل سني شارك في تشكيل حكومة عادل عبد المهدي. هذه هي بالضبط أسباب المشكلة بيني وبين السعوديين والأمريكيين”.
بعد ذلك بوقت قصير، التقى الخنجر بوفد أمريكي يشمل شخصا تابعا لوكالة المخابرات المركزية. سأل هذا الوفد الخنجر عن سبب انحيازه إلى “الجانب الإيراني”. وفي حديثه عن ذلك، قال الخنجر: “قلت لهم بسخرية: ‘نحن نستمع إليهم ونستمع إليكم ونتبع مثالكم. لمدة ثماني سنوات في عهد أوباما، كنتم تشجعوننا على الانفتاح على إيران، ويقول الرئيس ترامب كل يوم ‘هذه ليست حربي. إذا أردت حوارًا مع إيران، خضه’. يبلغ طول حدودنا مع إيران 1500 كيلومتر. سأطرح عليك سؤالا”.
حقق دعم عبد المهدي نتائج سريعة. في السنة التي قضاها في السلطة
وتابع الخنجر: “اسمع، لم نجري انتخابات مع إيران. أجرينا انتخابات مع القادة السياسيين العراقيين الذين تربطهم علاقات مع إيران. لماذا تحرموننا من هذا الحق؟ أنتم تحضرون اجتماعات مع الجميع وتدعمون المالكي وتتحدثون إلى فالح الفياض. لماذا تفعلون هذا وتحرموننا من حقنا في التحدث إلى الأشخاص الموجودين في هذا البلد؟”.
حقق دعم عبد المهدي نتائج سريعة. في السنة التي قضاها في السلطة، وقع تفكيك معظم نقاط التفتيش في المناطق التي يسيطر عليها السنة، ووقعت إزالة أكثر من 20 ميليشيا شيعية تعمل في المناطق ذات الأغلبية السنية. وأُلغيت أحكام الإعدام الصادرة بحق المئات، وأُطلق سراح آلاف السجناء السُنّة.
استقال عبد المهدي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 وسط مظاهرات حاشدة بعد أن استخدمت قوات الأمن القوة المميتة ضد المتظاهرين. واستغرق البرلمان العراقي حتى الشهر الماضي للموافقة على تعيين رئيس المخابرات السابق مصطفى الكاظمي خلفا له. لكن الولايات المتحدة والسعودية لا يغفران ولا ينسيان، ففي الواقع، وقع إدراج الخنجر في القائمة السوداء في كانون الأول/ ديسمبر الماضي، وهو ما يعني أن السعودية قررت إما “نحن أو هم”، حيث تشمل “هم” في الوقت الراهن السياسيين العراقيين من أمثال خميس الخنجر.
المصدر: ميدل أيست آي