ترجمة وتحرير: نون بوست
يخطط مستشار الأمن القومي السابق، جون روبرت بولتون، لنشر كتاب ناقد الأسبوع المقبل يرسم فيه صورة مدمرة للرئيس ترامب كزعيم فاسد ومتهور وجاهل استغل قوة منصبه لخدمة مصالحه الشخصية والسياسية حتى قبل مصالح الأمة. في الواقع، يصف كتاب “في الغرفة حيث حدث ذلك” الأوقات العصيبة التي مر بها بولتون طيلة 17 شهرا من خدمته لصالح إدارة ترامب من خلال العديد من الأزمات وتحديات السياسة الخارجية، لكن الاهتمام تركز بشكل رئيسي على تأكيداته بأن الرئيس اتخذ إجراءات متنوعة كان ينبغي التحقيق في شأنها لتوجيه أقصى العقوبات، والتي تتعدّى مجرّد حملة الضغط على أوكرانيا لتجريم الديمقراطيين.
يؤكّد السيد بولتون، الذي لم يُدلي بشهادته خلال مداولات مجلس النواب والذي منع الجمهوريون عرضه للإدلاء بشهادته في محاكمة مجلس الشيوخ، على العديد من العناصر الحاسمة في مخطط أوكرانيا الذي أدى إلى عزل السيد ترامب في كانون الثاني/ ديسمبر. كما يؤكد على أن الرئيس كان على استعداد للتدخل في التحقيقات الجنائية من أجل كسب تأييد الديكتاتوريين الأجانب. وقال بولتون إن ترامب استنجد بالرئيس الصيني لمساعدته في إعادة انتخابه من خلال شراء المحاصيل الأمريكية المزروعة في ولايات زراعية رئيسية. وفيما يلي بعض من العناوين الرئيسية في كتاب بولتون.
عرض من الأدلة المباشرة بشأن المسألة الأوكرانية
يقدم الكتاب دليلا مباشرا على أن السيد ترامب ربط حجبه للمساعدات الأمنية الموجهة لأوكرانيا التي تبلغ قيمتها 391 مليون دولار بمطالبه التي دعا فيها أوكرانيا إلى الإعلان علنًا عن تحقيقات في مخالفات مفترضة ارتكبها الديمقراطيين، بما في ذلك نائب الرئيس السابق جوزيف روبينيت بايدن الابن، الذي كان في قلب قضية العزل ضد الرئيس.
إذا كان لنا أن نصدّق رواية السيد بولتون، فهذا يعني أن ترامب سعى بشكل واضح لاستغلال مستحقات الضرائب كوسيلة ضغط لاستخلاص المساعدة من بلد آخر لحملته السياسية الحزبية، وهي المقايضة التي وصفها الديمقراطيون في مجلس النواب بأنها إساءة استخدام للسلطة، وخلال جلسات الاستماع الخاصة بالعزل، دحض الجمهوريون الاتهام بقولهم إن الشهود لم يُقدّموا سوى أدلة ثانوية. وفي المقابل، كان السيد بولتون متواجدا في غرفة الاستماع.
من جهة أخرى، قال السيد بولتون إنه حاول حوالي ثمانية أو 10 مرات هو ووزير الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع مارك توماس إسبر إقناع الرئيس بتحرير المساعدات، التي تحتاجها أوكرانيا بشدة للدفاع عن نفسها ضد الحرب المستمرة مع القوات المدعومة من روسيا. وقد ذكر بولتون بأن الاجتماع الحاسم عُقد في 20 آب/ أغسطس، حيث قال ترامب إنه “لم يكن يؤيد فكرة إرسال أية مساعدات إلى أن يقع تسليم ملف التحقيق الروسي بأكمله المتعلق بكلينتون وبايدن”، في إشارة لهيلاري كلينتون.
هاجم العديد من الديمقراطيين في الكونغرس السيد بولتون بسرعة لعدم سرده لروايته أثناء مداولات العزل
من ناحية أخرى، يؤكد بولتون على الإفادة التي أدلت بها مستشارته السابقة في الشؤون الروسية، فيونا هيل، واعتراضه على “صفقة المخدرات” التي يُخطط إليها شركاء ترامب لإرغام أوكرانيا على تقديم المساعدة، كما وصف برودولف ويليام جولياني، المحامي الشخصي للرئيس والذي كان متعمّقا في هذه القضية، “بالقنبلة اليدوية التي ستفجّر الجميع”. كما كتب بولتون بأنه يشتبه في أن مصالح السيد جولياني التجارية والشخصية كانت على المحك ويضيف بأنه أبلغ مكتب مستشار البيت الأبيض بهذه المسألة.
حيال هذا الشأن، كتب بولتون قائلا “اعتقدت أن القضية برمتها كانت مجرّد سوء استخدام للسلطة، وموضع شك من الناحية القانونية، وغير مقبولة كسلوك رئاسي. فهل كان ذلك سبب استقالتي بعد ذلك؟ نعم، ولكنها كانت من ضمن العديد من “العوامل” التي ساهمت في انسحابي”.
شرح عدم الإدلاء بالشهادة وإلقاء اللوم على الديمقراطيين.
مع اقتراب موعد نشر الكتاب وتسريب التفاصيل، هاجم العديد من الديمقراطيين في الكونغرس السيد بولتون بسرعة لعدم سرده لروايته أثناء مداولات العزل، وبدلا من ذلك دوّنها في كتابه الذي يبلغ ثمنه مليوني دولار.
أما في الخاتمة، شرح السيد بولتون موقفه، قائلا إنه يريد الانتظار لمعرفة ما إذا كان القاضي سيأمر نائبه السابق بالشهادة بشأن اعتراضات البيت الأبيض. ذلك أن الديمقراطيين في مجلس النواب فضلوا عدم متابعة القضية خوفا من تبعات الدعوة القضائية. بمجرد أن يوجّه مجلس النواب تهمة لترامب بشأن مسألة أوكرانيا، سيتطوع بولتون للشهادة في محاكمة مجلس الشيوخ التي أعقبت ذلك، في حال طلب منه ذلك.
في المقابل، صوّت الجمهوريون في مجلس الشيوخ لمنعه من إدلاء أية شهادة جديدة من جانبه وأي شهود آخرين، حتى بعد أن ذكرت صحيفة نيويورك تايمز أن كتابه القادم سيؤكد طلب ترامب المساعدة من بولتون. في هذا السياق، قال بعض هؤلاء أعضاء مجلس الشيوخ الجمهوريين إنه “حتى لو كان السيد بولتون على صواب، فلن يكون كافيا في أذهانهم لجعل ترامب أول رئيس في التاريخ الأمريكي مدان ومعزول عن منصبه”.
بالإضافة إلى ذلك، يلقي السيد بولتون باللوم على الديمقراطيين في مجلس النواب لكونهم في عجلة من أمرهم بدلا من انتظار نظام المحكمة للحكم على ما إذا كان يتعين على الشهود أمثاله أن يدلو بشهادتهم. كما يلومهم لعرقلة التحقيق المتعلق بقضية أوكرانيا فقط بدلا من بناء قضية أوسع مع المزيد من الأمثلة حول سوء سلوك الرئيس. في هذا السياق، كتب جون بولتون: “لو وافقت أغلبية مجلس الشيوخ على استدعاء الشهود، وأدليت بشهادتي، فأنا مقتنع، بالنظر إلى البيئة الموجودة آنذاك بسبب سوء التصرف في مجلس النواب، بأنه لن يكون هناك فرق كبير في نتائج مجلس الشيوخ”.
تحديد حلقات من “عرقلة العدالة كأسلوب حياة”
من جانب آخر، تشمل الحلقات الأخرى، التي قال عنها بولتون إنه كان ينبغي على مجلس النواب التحقيق فيها، رغبة السيد ترامب في التدخل في تحقيقات وزارة العدل ضد الشركات الأجنبية “لتقديم خدمات شخصية للديكتاتوريين الذين يميل إليهم”. وقال السيد بولتون إنه يبدو أن “عرقلة العدالة كانت ضمن أساليب حياته”.
كما خص بالذكر “بنك خلق” في تركيا، وهي مؤسسة مالية مملوكة للدولة وقع إجراء تحقيق معها من أجل مخطط بمليارات الدولارات للتهرب من العقوبات الأمريكية المسلطة على إيران. في لقاء جانبي خلال اجتماع قمة بوينس آيرس في أواخر سنة 2018، سلم الرئيس التركي رجب طيب أردوغان السيد ترامب مذكرة من شركة المحاماة التي تمثل بنك خلق، ولكن”لم يفعل ترامب شيئا أكثر من تصفح المذكرة قبل الإعلان عن اعتقاده أن بنك خلق كان بريئا تماما”، ثم أخبر السيد أردوغان “أنه سيهتم بالأمر”.
قضى المدعي العام وليام بي. بار بعد ذلك شهورًا محاولًا التفاوض على تسوية مع البنك، ولكن انتهى ذلك في تشرين الأول/أكتوبر، بعد ترك بولتون منصبه، عندما وجهت وزارة العدل لبنك خلق لائحة اتهام تتضمن ستة تهم.
علاوة على ذلك، يذكر السيد بولتون أيضا “زد تي إي”، شركة الاتصالات العملاقة الصينية التي أدينت بالتهرب من العقوبات المفروضة على إيران وكوريا الشمالية ثم واجهت عقوبات جديدة بسبب المزيد من الانتهاكات خلال قرار الموافقة على المتابعة. خلال محادثة حول المبادلات التجارية مع رئيس الصين شي جين بينغ، عرض السيد ترامب تخفيف العقوبات.
كتب بولتون: “رد شي بأنه إذا حدث ذلك، فإنه سيدين لترامب بخدمة ورد ترامب على الفور أنه فعل ذلك من أجله”. ووصف نفسه بأنه يشعر بالفزع والذهول من فكرة التدخل في تحقيق جنائي من أجل إلغاء بعض العقوبات. في النهاية، وبناء على طلب السيد ترامب، قبلت وزارة العدل غرامة قدرها مليار دولار ورفعت حظرا مدته سبع سنوات على شراء المنتجات الأمريكية، وهو عمل ينم عن التساهل مع الشركة الصينية وساهم في إنقاذها من إفلاس وشيك.
من جهة أخرى، وجه بولتون اتهاما جديدا لترامب يتعلق بطلب المساعدة من شي لإعادة انتخابه من خلال شراء منتجات زراعية أمريكية، الأمر الذي سيساعد الرئيس في الولايات الزراعية. لم ينكر السيد ترامب ذلك عندما سُئل عن المسألة ليلة الأربعاء من قبل شون هانيتي على شبكة فوكس نيوز، لكن روبرت لايتهايزر، ممثله التجاري، قام بذلك نيابة عنه في وقت سابق من ذلك اليوم، ونفى تلك الادعاءات.
وصف البيئة السامة داخل الإدارة
على مدار مسيرة مهنية طويلة داخل وخارج الإدارات الجمهورية في واشنطن، نادرا ما امتنع بولتون عن إبداء آرائه، والتي ولدت عادة من قناعات راسخة ومحافظة في مجال الأمن القومي، جعلت منه أحد أكثر المحرضين في العاصمة صراحة والذين يدعون إلى استخدام القوة العسكرية و العقوبات.
بينما اتفق بولتون مع ترامب حول قضايا مثل الانسحاب من الاتفاق النووي مع إيران، وجد بولتون نفسه يحاول مرارا وتكرارا منع الرئيس من تقديم تنازلات لدول مارقة أخرى أو من إبرام اتفاق سلام غير مدروس مع حركة طالبان في أفغانستان، أثناء تشجيعه في الوقت ذاته على تكثيف استخدام القوة ضد المتطرفين مثل إيران أو سوريا. عموما، اعتبر بولتون دبلوماسية ترامب على أنها حماقة.
لا يزال هناك معلومات سرية في الكتاب، فمن الصعب معرفة ما قد تكون هذه المعلومات
بالنسبة لبولتون، كان قرار ترامب بمقابلة زعيم كوريا الشمالية، كيم جونغ أون في سنغافورة “خطأ أحمقا”، وكانت رغبة الرئيس في دعوة كيم إلى البيت الأبيض “كارثة محتملة كبيرة الحجم”. كانت سلسلة المنشورات الرئاسية على تويتر حول الصين وكوريا الشمالية “مثيرة للضحك في الغالب”، وكان لقاء ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في هلسنكي بمثابة “جرح ذاتي” و “كان على بوتين أن يضحك بشكل صاخب على ما تخلص منه في هلسنكي”.
يصف بولتون أيضا البيئة داخل الإدارة على أنها تتسم بالاقتتال الداخلي الساخر حيث يهاجم العديد من الأطراف بعضهم البعض في مسابقة لتقديم الاستشارة للرئيس، في المقابل، ينتقد الرئيس جميعهم. عندما تولى بولتون منصب مستشار الأمن القومي في سنة 2018، استخف جون كيلي، الذي مثل رئيس موظفي البيت الأبيض حينها، بالمستشار السابق، هربرت ماكماستر من خلال قوله: “لم يكن لدى الرئيس مستشار للأمن القومي في السنة الماضية وهو بحاجة إلى واحد الآن”. من جهة أخرى، يقول الكتاب إن بومبيو استهزأ من نيكي هيلي التي مثلت سفيرة الأمم المتحدة حينها، واصفا إياها بأنها “خفيفة كالريشة”.
شجار حول ما يعتبر معلومات سرية
لجأت وزارة العدل إلى المحكمة لمنع نشر الكتاب، بحجة أنه يحتوي على معلومات سرية وأنه لم يخضع للمراجعة قبل النشر، والتي تعد مطلوبة من المسؤولين الحكوميين السابقين مثل بولتون. في الواقع، ووفقًا لمحاميه تشارلز جاي كوبر، شارك بولتون في نقاش شامل حول الكتاب ووافق على جميع المراجعات التي أمر بها الموظف المسؤول الذي راجعه أو اقترح بدائل مقبولة. عندما انتهت المراجعة، تدخل مسؤول آخر معين سياسيا، وهو مايكل إليس لمراجعة الكتاب مرة أخرى بناء على تعليمات روبرت أوبراين، وهو خلف بولتون كمستشار للأمن القومي.
إذا كان لا يزال هناك معلومات سرية في الكتاب، فمن الصعب معرفة ما قد تكون هذه المعلومات. لا توجد إشارات إلى برامج المخابرات السرية أو مصادر وطرق التجسس. لكن ترامب أصر هذا الأسبوع على أن كل محادثة جرت بينهما كانت “سرية للغاية“، وبالتالي لا يمكن الكشف عنها، وهو قول يختلف كثيرا عما تعودنا عليه.
يقول بولتون في خاتمة الكتاب أنه في حالات قليلة، “مُنعت من نقل معلومات اعتقدت أنها غير قابلة للنشر، لأنها كشفت عن معلومات لا يمكن وصفها سوى بأنها محرجة بالنسبة لترامب أو تشير إلى سلوك غير مسموح به”. يتمثل أحد الأمثلة في الاقتباس المباشر لما قاله ترامب للسيد شي حول مساعدته في الفوز بالانتخابات من جديد.
الأهم من ذلك، يشرح بولتون على الرغم من ذلك في خاتمة كتابه أن الموظف المسؤول الذي راجع الكتاب جعله يحذف علامات الاقتباس من الأقوال التي قالها الرئيس وتركها تقرأ بشكل عام. وهكذا يقدم بولتون دليلا للقراء، حيث يقول: “في بعض الحالات، ضع علامات الاقتباس الخاصة بك حول الأقوال المناسبة؛ لن تخطئ كثيرا”.
المصدر: نيويورك تايمز