ترجمة وتحرير نون بوست
التسمية الصحيحة لهذا القرار بالعربية هي “منع السفر”، لكن التأثير العملي لسياسة ولي العهد السعودي محمد بن سلمان بتقييد الرحلات إلى الخارج لآلاف السعوديين هو تخويف كل من يعتبرهم تهديدًا سياسيًا. وفي هذا الشأن، صرح خالد الجبري – طبيب القلب السعودي الذي يعيش في تورونتو – بأن بن سلمان “يستخدمهم مثل الرهائن لفرض سيطرته”. فقد مُنع اثنين من أشقاء الجبري الأصغر منه، عمر وسارة وكلاهما في أوائل العشرينات، من السفر في حزيران/ يونيو 2017 بعد فترة وجيزة من تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد. لقد أراد بن سلمان من خلال هذا التصرف التأثير على والدهم، سعد الجبري، مسؤول الاستخبارات السابق، على أمل إجباره على العودة لمواجهة القضايا المتعلقة بالفساد التي يقول ابنه خالد إنه لا أساس لها من الصحة.
يظهر أحد التحقيقات أن منع السفر إلى الخارج ممارسة أوسع بكثير مما هو معترف به بشكل عام، ذلك أنها جزء من نظام أكبر من القمع المُنظّم في المملكة. استخدم بن سلمان هذه الأدوات لتعزيز السلطة بينما يتحرك نحو ما يعتقد بعض المسؤولين الأمريكيين أنه قد يكون محاولة – ربما هذا العام – للاستيلاء على السلطات الكاملة للحكومة من والده المريض، الملك سلمان.
وفقًا للمحللين السعوديين والأمريكيين، يصل العدد الإجمالي للسعوديين الذين يخضعون لقيود السفر إلى الآلاف. ولا يعرف المحظورون عادةً أن أسماءهم مدرجة ضمن قائمة الممنوعين من السفر حتى يذهبوا إلى المطار أو يحاولوا عبور نقطة حدودية، حيث يتم إيقافهم وإخبارهم بأن السفر خارج البلاد ممنوع بأمر من رئاسة أمن الدولة، التي تعمل من خلال الديوان الملكي، علما بأنهم لا يتلقون قرارا رسميا مكتوبا لسبب منعهم من السفر. وحسب العديد من أفراد عائلات الأشخاص المحظورين من السفر، فهم يعتقدون أن التقييد كان محاولة للضغط أو إجبار أولئك الذين يعتبرهم بن سلمان منتقدين أو يشكلون تهديدا على النظام على العودة إلى المملكة.
في الحقيقة، إن بعض قيود السفر إلى الخارج مفروضة منذ وقت طويل على السعوديين حتى قبل تعيين محمد بن سلمان وليا للعهد، لتكون بذلك المملكة الدولة الشرق أوسطية الوحيدة تقريبا التي تفعل ذلك. ففي بعض المجالات، مثل سماح سفر النساء دون ولي أمرها، يعتبر محمد بن سلمان قد حرّر النظام السعودي. لكن بعض المحللين الأمريكيين والسعوديين يقولون إنه استخدم السيطرة على السفر كجزء من جهوده الأوسع لقمع أي تحد قد يواجهه من داخل العائلة المالكة ونخبة رجال الأعمال.
ينطبق حظر السفر أيضًا على زوجة وابنتي محمد بن نايف، ولي العهد السابق
تشمل قائمة السعوديين المحظورين في المقام الأول أسرة الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز، سلف سلمان، الذي تسبب موته سنة 2015 في انطلاق منافسة مشابهة لـ “صراع العروش” في المملكة لا تزال مستمرة حتى اليوم. ووفقا لرجل أعمال غربي مقرّب من عشيرة عبد الله، مُنع 27 من أبناء وبنات الملك الراحل من السفر إلى الخارج منذ سنة 2017. بالإضافة إلى ذلك، مُنع ما بين 52 و57 من الأحفاد وثمانية من أبناء الأحفاد من السفر.
لم يحدد المصدر – الذي طلب عدم الكشف عن هويته بسبب حساسية المعلومات حول المملكة – هوية أفراد عشيرة عبد الله الممنوعين من السفر. وحسب التقارير الإخبارية المنشورة، فإن أربعة من أبناء عبد الله البارزين: متعب، الرئيس السابق للحرس الوطني؛ مشعل، حاكم مكة السابق؛ وفيصل، الرئيس السابق لجمعية الهلال الأحمر السعودي الذي تم اعتقاله؛ وتركي، محافظ الرياض السابق، احتُجزوا في فندق ريتز كارلتون في الرياض في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 في حملة قمع بن سلمان على الفساد المزعوم. كما قالت مصادر غربية وسعودية إنهم لا يزالون إما قيد الاعتقال أو الإقامة الجبرية، ولا يمكن لأفراد عائلتهم مغادرة المملكة.
ينطبق حظر السفر أيضًا على زوجة وابنتي محمد بن نايف، ولي العهد السابق الذي عزله محمد بن سلمان في حزيران/ يونيو 2017. وفي هذا الصدد، قال مصدر سعودي وآخر غربي إن زوجة محمد بن نايف، ريما بنت سلطان، ابنة ولي العهد السابق سلطان، سُمح لها لفترة وجيزة بالسفر إلى الخارج السنة الماضية لتلقي العلاج الطبي، لكن ابنتيها سارة ولولوا ممنوعتان من السفر. علاوة على ذلك، قالت المصادر إن بعض أفراد عائلة محمد بن سلمان لا يمكنهم السفر إلى الخارج أيضا.
يشكل السعوديون الذين كانوا محتجزين في فندق ريتز كارلتون، حوالي 300 شخص، نسبة كبيرة من الفئة “الممنوعة من السفر”. ومن بين المعتقلين بعض أبرز رجال الأعمال في المملكة، مثل الأمير الوليد بن طلال الذي استثمر في البنوك والفنادق حول العالم، والذي تم الإفراج عنه ومعظم الآخرين بعد أن أجبروا على التفريط في نسبة مئوية من أصولهم المالية، والتي زعم محمد بن سلمان أنهم حصلوا عليها بشكل مشبوه.
كان أحد الأمثلة الأولى التي أظهرت كيف يعمل النظام في العاشر من أيلول/ سبتمبر 2017، عندما اعتُقل رجل الدين سلمان العودة. قام شقيقه خالد بنشر الخبر على تويتر على الفور، ونتيجة لذلك، وقع اعتقاله بعد يومين.
لكن حتى الأشخاص الذين “وصلوا إلى تسوية” في قضاياهم، البالغ عددهم 200 أو أكثر، مُنعوا من السفر بحرية مع عائلاتهم، حسب ما أفادت به مصادر مختلفة. في الواقع، قدّر مصدر من عائلة ممنوعة من السفر أن عدد المعتقلين في فندق ريتز كارلتون وأفراد الأسرة الذين وقع تقييد سفرهم يتراوح ما بين 2000 و2500، ولكن لا يمكن تأكيد هذا الرقم. وإلى جانب قضايا ريتز كارلتون للفساد المزعوم، احتجز محمد بن سلمان 131 شخصية سياسية ودينية بارزة منذ أيلول/ سبتمبر 2017، وذلك حسب قائمة جمعتها منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تشرين الثاني/ نوفمبر. كما تعرضت عائلاتهم لحظر السفر.
أشار تقرير “هيومن رايتس ووتش” نفسه إلى هذه القيود العائلية باعتبارها واحدة من الانتهاكات القمعية في المملكة. وقد ورد في التقرير أنه “بالإضافة إلى استهداف المواطنين السعوديين بشكل مباشر للقبض عليهم، عاقبت السلطات في بعض الحالات، أفراد أسرهم من خلال فرض حظر تعسفي على السفر خارج البلاد أو تجميد أصولهم ومنع حصولهم على الخدمات”.
كان أحد الأمثلة الأولى التي أظهرت كيف يعمل النظام في العاشر من أيلول/ سبتمبر 2017، عندما اعتُقل رجل الدين سلمان العودة. قام شقيقه خالد بنشر الخبر على تويتر على الفور، ونتيجة لذلك، وقع اعتقاله بعد يومين. ويُذكر أن كلاهما لا يزالان في السجن، وذلك وفقا لمراقبي حقوق الإنسان. منذ ذلك الحين، مُنع 17 فردا من عائلة العودة، بعضهم دون سن العاشرة، من السفر إلى الخارج، بحسب نجل العودة، عبد الله، الأستاذ المساعد في جامعة جورج واشنطن. كان عبد لله خارج البلاد عندما سُجن والده ورفض طلبات المملكة العربية السعودية العودة إلى الوطن. وقال عبد الله “إنها ممارسة منتشرة الآن في المملكة العربية السعودية. إنهم يستخدمونها لتهديد أو تخويف أو إسكات أسرة ما”.
أما المثال الكلاسيكي على أسلوب الضغط هذا هو حظر السفر المفروض سنة 2017 على نجل كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست”، جمال خاشقجي. عندما مُنع الابن الأكبر لخاشقجي، صلاح، من مغادرة المملكة، أُبلغ خاشقجي بأن ابنه سيكون حرا في المغادرة إذا عاد الصحفي المعارض إلى وطنه. لكن قُتل خاشقجي، الذي قاوم مثل هذا الترهيب، في القنصلية السعودية في إسطنبول في تشرين الأول/ أكتوبر 2018، بناء على ما تعتقد وكالة المخابرات المركزية أنها أوامر من محمد بن سلمان.
إن احتجاز أفراد هذه الأسر الأبرياء لابتزازهم بهدف التعاون هو ممارسة مميزة لمعظم الأنظمة الوحشية عبر التاريخ.
ركز مسؤولو وزارة الخارجية على قضايا حظر السفر التي تشمل السعوديين الذين يحملون الجنسية الأمريكية المزدوجة. أحد هؤلاء السعوديين هو وليد فتيحي، طبيب وشخصية تلفزيونية. اعتُقل فتيحي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2017 وأطلق سراحه في آب/ أغسطس الماضي تحت ضغط أمريكي. ولكن لا يزال هو وأسرته ممنوعين من السفر إلى الخارج. وتضغط وزارة الخارجية على السعوديين في حالتين متشابهتين تتعلقان بشخصيتين تحملان الجنسيتين السعودية والأمريكية، وهما صلاح الحيدر وبدر الإبراهيم.
في بعض الأحيان، تسمح السلطات السعودية لأحد أفراد عائلة بارزة بمغادرة المملكة، ولكن فقط إذا بقي آخر خلفه على أنه “ضمان”، حسب ما وضحه أحد السعوديين من عائلة ممنوعة من السفر. لعل خير مثال على ذلك عائلة مليارديرة متكونة من ثلاثة إخوة تعمل في مجال التجارة، توسعت أملاكهم من محلين فقط للملابس الرجالية إلى امتلاك شبكة من 19 مركزا للتسوق. وأوضح سعودي يعرف هذه العائلة أنه إذا غادر أحد الإخوة، فيجب أن يبقى الآخرون.
تنطبق قيود مماثلة على أفراد عائلة بن لادن الذين، بالإضافة إلى علاقتهم مع مؤسس القاعدة أسامة بن لادن، يديرون أعمال بناء ضخمة. وقع إيقاف شابين من عشيرة بن لادن سنة 2017، أحدهما في مطار جدة، والآخر عندما كان يحاول عبور الجسر الرابط بين المملكة والبحرين.
برّر محمد بن سلمان الضغوط التي يسلطها على هذه العائلات البارزة بأنها جزء من محاولته لوقف الفساد، والتي كانت لعقود عديدة حقيقة مؤسفة للحياة في المملكة. ويقول مساعدو محمد بن سلمان إنه يُعدّ تهما متعلقة بالفساد ضد محمد بن نايف، زاعمين أنه قام بتفكيك أموال عمليات المخابرات عندما كان وزيرا للداخلية. وقال خالد، إن السعوديين نشروا مزاعم مماثلة حول والده سعد الجبري. لكنه قال إن منظمة الشرطة الجنائية الدولية رفضت مثل هذه الاتهامات التي كانت بدوافع سياسية قبل سنتين.
إن احتجاز أفراد هذه الأسر الأبرياء لابتزازهم بهدف التعاون هو ممارسة مميزة لمعظم الأنظمة الوحشية عبر التاريخ. ولكن مع تسارع آلة القمع السعودية، أصبحت هذه الممارسة للأسف جزءًا قياسيًا من حوكمة محمد بن سلمان.
المصدر: واشنطن بوست