من غرفة الصف في المدرسة إلى الغرفة الإلكترونية التي تبث من غرفة منزل الأستاذ إلى غرفة الطالب، ومن التفاعل المباشر في الفصول إلى التفاعل الافتراضي عبر الهاتف الجوال أو الحاسب المحمول، ومن السبورة أو اللوح إلى عرض عبر الشرائح المصممة على برنامج البوربوينت، هذه كانت النقلة النوعية التي حدثت للمدارس خلال أقل من شهر في جميع أنحاء العالم قبل انتهاء الربع الأول من العام الحاليّ 2020 حين تحول انتشار فيروس كوفيد 19 أو كما هو معروف بكورونا من مجرد فيروس جديد من عائلة الإنفلونزا إلى جائحة انتشرت في أنحاء العالم بسرعة لم يكن يتخيلها أحد.
وكانت المدارس أول ما تم إغلاقه في شهر مارس من العام الحاليّ قبل وقت قصير من انتهاء العام الدراسي حسب التقويم الدراسي في أغلب دول العالم، وحسب اليونسكو فإنه حتى الآن أغلقت المدارس في 123 بلدًا كاملًا عدا البلاد التي أغلقت جزئيًا.
عقبات
هنا، وجد المسؤولون عن التعليم أنفسهم في أزمة جعلتهم ينقلون الدروس من المدرسة إلى الواقع الافتراضي عبر البرامج المتاحة لإكمال المنهج التعليمي، ووجد المدرسون أنفسهم أمام وضع غير اعتيادي وربما كثير منهم لم يكن يعرف كيف يتعامل مع تلك المنصات التعليمية الجديدة بالنسبة لهم، فواجه المعلمون صعوبات كثيرة بعضها كان يتعلق بهم وبعضها متعلق بالطلاب أنفسهم.
مشكلات تقنية
إحدى أهم العقبات التي تواجه التعليم عبر الإنترنت هي عدم توافر شبكات إنترنت قوية وسريعة في كثير من الدول العربية، إذا استثنينا بعض الدول المتقدمة في مجال خدمات الاتصالات، فإن أغلب الدول العربية تعاني من ضعف الشبكة وبطئها وسوئها عدا التكلفة العالية التي سيجد المدرس نفسه مضطرًا لتحملها بنفسه وأغلب الوزارات لم تكن مستعدة لهذه التكاليف الإضافية لتقوم بتأمين أجهزة وخطوط إنترنت خاصة بالعمل.
الإنترنت كوسيلة للترفيه
هذه هي النظرة التي ينظر إليها أغلب الطلاب وأغلب هذا الجيل بالنسبة للإنترنت وأجهزتهم المحمولة، فهم يقتنونها للعب البوبجي وعمل حساب على تيك توك والتواصل مع أصدقائهم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، لكن التعلم عبر الإنترنت يحتاج إلى انضباط والتزام بالوقت وأدبيات التعامل مع المعلم وزملاء المدرسة وعمل الواجبات والاختبارات في أوقاتها مع الحفاظ على أمانة الإجابة غيبًا إذا كانت شرطًا من شروط هذه الاختبارات.
وهذه النظرة من الطلاب جعلت المهمة بالنسبة للمعلمين أصعب بكثير مما هي عليه، مما زادهم عبئًا فوق عبء وسيلة التعليم الجديدة التي وجدوا أنفسهم مضطرين للتعامل معها.
تحضير الدروس بطريقة جديدة
كمدرس يعطي نفس المادة لسنوات سابقة ولا يحتاج إلا إلى مراجعة الدرس وربما تحضيره بشكل سريع وتطوير طريقة إعطاء بعض الدروس، فإن عملية التعليم تكون أسهل مع مرور الوقت واكتساب المزيد من الخبرة، ولكن التعليم عبر الإنترنت لا ينفع معه نفس الطريقة التي تقدم بها المعلومة ضمن الفصل أمام الطلاب، فربما كنت تستعين ببعض الأنشطة العملية والحركية التي تساهم في إيصال الفكرة للطلاب، ولهذا سيكون عليك تحضير الدروس من جديد بطريقة تتناسب مع التعليم عبر الإنترنت.
ولمعرفة كيفية عمل هذا من المفيد أن تتابع بعض المساقات المجانية على إدراك مثلًا أو رواق حتى لو كانت لمادة تختلف عما تعطيه، لكن طريقة الإعطاء وكيفية جعل الطلاب والمتابعين يتفاعلون معك هو ما تحتاج إلى معرفته.
لحسن الحظ فأنت تمتلك المادة فعلًا، وكل ما عليك هو تحضير عرض بسيط على برنامج البوربوينت يتضمن الأفكار الرئيسة وبعض الصور الجذابة التي تساعد على توضيح المعلومة، يمكن إضافة روابط خارجية لفيديوهات متعلقة بنفس المادة وفتح المجال للنقاش فيها مع الطلاب.
التنظيم المفقود
للسبب الذي ذكرناه ويجعل الإنترنت كما هو معتاد لأكثر الطلاب وسيلة للترفيه من غير تنظيم، فإنه سيكون من الصعب على المدرس التحكم بالوقت الذي يتواصل معه الطلاب، وفي بداية هذه الأزمة العالمية عانى الكثير من المدرسين من تواصل الأهل والطلاب معهم في أوقات متأخرة من الليل وغير مناسبة ولا علاقة لها بأوقات التعليم، ولذلك فإن مجموعات الفيسبوك والواتس آب غير مناسبة للتعامل مع الطلاب ووضع الدروس والأنشطة والنقاشات عليها لأنه سيكون عسيرًا على المدرس أن يتحكم في مجموعات عديدة لكل فصل منفصل ويتابع المنشورات والرسائل والتسالي التي سيرسلها الطلاب عبر هذه المجموعات، لذلك وجد المسؤولون في المنصات التعليمية بديلًا ممتازًا لهذه الحال.
مهارات
أهم المهارات التي يجب على المعلم التمكن منها في التعليم الافتراضي:
نبرة الصوت
يُعد الصوت وسيلة التواصل الأساسية في التعليم عبر الإنترنت، لأن الطالب أول ما يجذبه أو يجعله ينفر من المادة هو صوت المقدم، لذلك يفضل أن تتدرب على نبرة صوت مريحة للأذن وغير عالية بشكل فج وتكون بذات الوقت صحيحة المخارج بحيث تكون الحروف والكلمات واضحة للمستمع دون الحاجة للنظر إلى المدرس لأنك غالبًا لن تظهر وسيكون عرض ppt أو صفحات word هي التي تظهر للطالب.
ومن الأفضل الاستماع إلى الدرس قبل أن ترسله إذا لم يكن مطلوب منك أن يكون درسك عبر بث مباشر أو بعد الانتهاء منه كي تتدارك الأخطاء في المرة المقبلة، أو تسجيل جزء منه وسماعه والتأكد من جودة الصوت والميكروفون.
عروض جذابة
العروض التقديمية ليست مجرد شرائح عبر برنامج بوربوينت أو غيره من البرامج، لكنها خلاصة ما ستقدمه في الدرس بشكل يجعل الأساسيات والعبارات الرئيسة والأفكار المهمة في الدرس ثابتة أمام الطالب بحيث يساهم هذا العرض في ترسيخ هذه المعلومات في عقل الطالب.
لذلك يفضل أن يكون العرض لا يحمل الكثير من الجمل والاستطراد في كل شريحة، بل خمس أو ست عبارات مع صورة معبرة ويكون الخط كبيرًا وواضحًا مراعيًا أن بعض الطلبة قد يشاهدون هذه المحاضرة أو الدرس عبر جهازهم المحمول الصغير.
الكثير من التفاعل الافتراضي
وجودك خلف الشاشات لا يعني أن يكون الدرس عبارة عن إلقاء من طرف واحد، بل من الممكن أن يكون درسًا تفاعليًا ممتعًا بينك وبين الطلاب، وذلك عبر طرح الكثير من الأسئلة وفتح المجال للإجابة عنها من خلال الكتابة أو الصوت وقراءة بعض هذه الإجابات أو كلها حسب الوقت المتاح والتعقيب عليها بشكل إيجابي.
أيضًا استخدام أساليب التشويق التي تُستخدم في الدروس بالمدرسة مثل القصص المفتوحة التي تُطرح في بداية الدرس وتترك نهايتها للخاتمة أو لا تجيب عنها لتجعل الطلاب يفكرون بنهايتها وربما تجعلهم يطرحون المزيد من الأسئلة.
في السنوات الأخيرة غزت الدروس الخصوصية عالم التعليم في الوطن العربي، ولسنا بصدد نقاش محاسن ومساوئ هذه الدروس الخصوصية والمجموعات التي حلت في بعض الدول مكان المدرسة، إلا أن التعليم عبر الإنترنت سيفتح الفرصة أمام المدرسين المبدعين لعمل حصصهم الخاصة عبر الشبكة وتقديم كورسات مختلفة للطلاب من منازلهم أو وضع برامج تدريبية في مجالات جديدة وتقديمها عبر المنصات المنفصلة أو عبر المنصات التعليمية مثل رواق وإدراك.
ورغم أن التعلم عبر الإنترنت ليس جديدًا، لكن الحجر الصحي جعل الكثير من الطلاب والخريجين الجدد يعون أهميته وميزاته التي تفوقت في بعض الأحيان على التعلم المباشر وسيكون مستقبل التعليم له في الفترة القادمة.