نعاني نحن الشرقيون من أزمة التخلف التي تفتت الإنسان كلما سنحت لها الفرصة، وهذه الأفة تأتي وتتغلغل بفضل الأفكار المتحجرة في عقل هذا الإنسان، وبحكم العادات التي تعّود أن يمارسها دونما تفكير أو قياس مسبق لصحتها، وكأنه ألة تنفذ ما تتلقاه وتحرك خيوط دماغها المتوقف عن طريق وضعها حاجزًا فولاذيًا مكتوبًا عليه “خطر سريع الاشتعال”، فلا يغير ما يتعلمه ولا يبدل آراءه التي طغى عليها غبار الزمن، ويرفض تلوين قرارته تيممًا باتجاهاته القديمة الخشنة، ولفظة الإنسان يقصد بها أن يمتلك طموحات وأمنيات وتغييرات في الأفكار حسب الظروف المتسارعة، وانسجامًا مع مبادئه الثابتة، وهذا ما هو غائب بشكل واضح عن سلسلة مخططات هذا “الإنسان” في سبيل تحقيق الحرية التي يحاول التحرر من قيودها.
في زماننا هذا ترى العجائب والغرائب، وتدخل في عوالم مختلفة، وتتيه في تشعباتها دون معرفة ذاتك، فتنطحك السحب المجرفة للأحلام، وتغرس سهام المعاناة في الأحشاء، وترفع رايات التخاذل، وتجرك إلى القعود عند الأرصفة المكسرة، كي تحكي حكايات النضال المسروقة من الأوهام.
قد أكون متفلسفًا في كلماتي الصريحة، محاولاً إثارة الهواجس المضطربة في أعماق نفسي، لكن للضرورة أحكام، وضرورة عصرنا، تلزمنا الخروج من المألوف، وملامسة التشويق، ومواكبة السرعة والتطور الملحوظين، وتغيير بعض القرارات المصيرية.
يقول فيكتور هوجو: “تبدأ الحرية حيث ينتهي الجهل”، من هنا كان من الضروري جدًا أن نسأل أنفسنا، كيف سيتجرد الإنسان من قيوده، وهو لا يستطيع أساسًا أن ينفتح فكريًا، ويترفع ثقافيًا، ويرسم أحلامه الواقعية، ويرتقي بآرائه قدمًا؟
إن الحرية الحقيقية هي التي لا تعرف المستحيل، والتي تدعو إلى التحرر من جميع السلبيات، وهجر مختلف المعتقدات السارية التي تجبر على تسلق سلم اليأس، ومحو قانون المعوقات من قاموس الحرية الفكرية، وتقمص دور المتحدي في مواجهة أفة التخلف المميتة من خلال الارتقاء بالذات فكريًا.
لكي نكون غير منحازين، ونضع التسبب على عاتق الإنسان فقط، يجب علينا أن نسرد تأثيرات الطرفين بإنصاف، فالطرف الثاني هو البيئة وتعتبر هي أيضًا عامل أساسي مؤثر يحاول التحرش بطموحات الإنسان وأفكاره واتجاهاته وقناعاته، ويحاول بشدة تحويل عقرب الساعة في دماغ الإنسان ليحرمه لذة ما يريد ويضطره لفعل ما تريد.
إذا كانت البيئة لا تحترم مواهب وإمكانيات وإنجازات أبنائها، وتهمش الطاقات ولا تعيرها اهتمامًا، ستكون عاملاً سلبيًا مؤثرًا جدًا على الإنسان، فتحاول بدورها شلّ أهدابه المميزة، وهناك من اعتبر نفسه لقمة سهلة للبيئة، وهناك من يرفض أن يكون إنسانًا عاديًا، ولا يسمح أن يكون طعمًا لتأثيرات خارجية، وهو المنتصر في نهاية المعركة، بقيامه ببعض التحديات واستخدام أسلحة تخرجه من أسر أفكاره المعقدة، ومعتقداته المتحجرة، محاولاً أن ينهض بنفسه دون إلقاء اللوم على أسباب تُطمئن قلبه لفترة مؤقتة، بل من قرر أن يسعى لمنح نفسه الكريمة فرصة للعيش في حياة تأبى أن تقتل أحلامه وطماحه السمينة بالإنجازات المرتقبة.
إذن لا حياة بدون أعمال غير مألوفة، ونحن في مجتمعات للأسف تتبنى مفاهيم خاطئة محجوزة في سجون الظلام، وتحت أكوام من الأفكار المقيدة بسلاسل حديدية تخنق كل ما هو جديد بثنائي أوكسيد الكربون المستمد من الإحباط.
هذا الموضوع مرتبط ارتباطًا وثيقًا بعلم الإدارة بكافة اختصاصاته، بل هو القاعدة الأساسية التي تنطلق منها جميع العلوم الأخرى، فمن الجدير توضيح مثال حي ليظهر طبيعة العلاقة، وفضلت أن يكون المثال متصلاً بجانب إدارة الأعمال، فقد كانت شركة “نوكيا” المختصة بتصنيع وتجارة الهواتف الخلوية، هي الشركة المسيطرة على الأسواق العالمية في هذا المجال قبل أكثر من 8 سنوات، لكن بسبب رفضها لجميع أنواع الاختلاف وأسرها في بودقة دائرية تدور باستمرار حول نفسها في عين النقطة، دون التقدم إلى الأمام وثبات أساليبها في إنتاج المنتجات الخلوية مختلفة الحاجات والاستخدامات، فقد أدى بها الحال إلى انخفاض مبيعاتها إلى أدنى المستويات، وكانت النتيجة هبوط أرباحها وارتفاع نسبة مبيعات المنتج الجديد الفريد من نوعه الذي يسمى “بالآيفون” لصاحبه ستيف جوبز، وسيطرته على الأسواق واكتساحها؛ الأمر الذي دفع شركة “سامسونج” إلى ضرورة تبديل أساليبها في التعامل مع منتجاتها، واستخدام تكنولوجيا حديثة متطورة في مجال الأجهزة الخلوية، وتقبلها لواقعها الحالي والذي يتطلب السرعة في التغيير لمقابلة الاحتياجات الكثيرة وإشباعها، فاحتلت المرتبة الأولى في عام 2013 بما يتعلق بنسبة مبيعاتها وزيادة معدلات أرباحها.
إذن نحن من يقرر كيف يعيش، سواء بالبقاء في حجرة الحياة العادية التي لا تضع لنفسها سوى مفاهيم معقدة وأفكارًا غير منفتحة ومعتقدات مكبدة بخشونة العادات المفروضة، أم بالتحرر من المعتقدات الجافة وتلوين أدمغتنا باختلاف الآراء والأفكار، واتخاذ القرارات المتصلة بالحياة بمرونةٍ تتأقلم مع الظروف المتغيرة، فالحل بين أيدينا.