يصل عدد مستخدمي هذه المنصات ما يقارب نصف سكان كرتنا الأرضية (3.5 مليار إنسان أي ما يعادل 45% من سكان الأرض) بمعدل 3 ساعات يوميًا يقضيها هؤلاء المستخدمون على مواقع التواصل الاجتماعي، ومع هذه الحشود التي أنتجت مجتمعات ضخمة من الجماهير التي تمضي وقتها على تلك الصفحات، تقرأ وتتواصل وتشاهد حياة الناس وصورهم وتتفاعل معها، تظهر في مجتمعات اليوم ظواهر غير صحيّة أفرزتها منصات التواصل الاجتماعي.
حسد الفيسبوك Facebook Envy
ربما يكون مصطلح “حسد الفيسبوك” أكثر شهرة من مصطلح “حسد منصات التواصل الاجتماعي” وقد يكون المصطلح قاسيًا بعض الشيء أو مبالغ به، لكن الامتعاض والاستياء الذي يشعر به البعض فقط لرؤية ترقية أحدهم في عمله أو ربما صورة رحلة لأحد الأقارب أو لمجرد منشور سيلفي جميل، يجعلنا نتساءل عن حقيقة مشاعر الغيرة والحسد التي تثيرها منصات التواصل الاجتماعي التي بدورها تنعكس على حياتنا بإحساس عدم الرضا وقلة احترام الذات المصاحب للمقارنات التي تغذيها منشورات منصات التواصل الاجتماعي التي تخلق حالة من القلق المستمر وربما الاكتئاب.
في مراجعة لعدد من الأبحاث التي أجريت لإيجاد علاقة سببية بين حسد الفيسبوك والمقارنات التي تحدث في أثناء تصفح منصات التواصل الاجتماعي وبين المزاج المكتئب، ورغم كون الدراسات لم تصل حتى الآن إلى إيجاد السلسلة السببية الكاملة لحدوث المزاج المكتئب نتيجة المقارنة والحسد، فإنها ترجح أن الإحساس بضياع الوقت والاتصال الزائد والمقارنات التي تحدث بعد تصفح هذه المنصات لها تأثير سلبي على مزاج الإنسان.
تقول عالمة النفس راشيل أندرو إنها ترى الحسد أكثر فأكثر في غرفتها الاستشارية من الأشخاص الذين “لا يمكنهم تحقيق نمط الحياة الذي يريدونه بالمقارنة مع نمط حياة الآخرين”، وتضيف “استخدامنا للمنصات يضاعف هذا الخلاف النفسي المقلق للغاية”.
تلك المقارنات أصبحت الآن أقل واقعية بكثير لأن الصور معدلة وتحاول إعطاء انطباع عن حياة مثالية لا وجود حقيقي لها.
أفادت الدراسات أن معدل نسبة الضغط النفسي والإجهاد لفئة الـCONSTANT CHECKER 4.4، أعلى بكثير من غيرهم الذين لا يصنفون ضمن هذه الفئة
الخوف من فقدان الفرصة Fear of missing out FOMO
مصطلح جديد نسبيًا يشير إلى مشاعر القلق التي تنشأ من إدراك تفويت فرصة ما يجربها الآخرون وتدفع الأشخاص إلى البقاء على اطلاع بما يفعله الآخرون على منصات التواصل الاجتماعي.
تشير الدراسات إلى ازدياد مخاوف الـFOMO كلما ازداد الوقت الذي يقضيه الشخص على منصات التواصل الاجتماعي، هذه المخاوف تؤثر على الصحة النفسية والسلوك كظهور الاكتئاب وقلة التركيز والأعراض الجسدية المتعلقة بذلك.
يمكنك إجراء اختبار مخاوف الـFOMO عبر هذا النموذج إن رغبت.
المتعقب المستمر CONSTANT CHECKER
نقابل كثيرين ممن يبدون كأن الهاتف الذكي قد التصق بأيديهم بواسطة الصمغ، في أثناء اجتماع العمل، على طاولة الطعام، خلال قيادة السيارة، في الجلسات العائلية، فتلاحظهم يلقون نظرة على حساب الفيسبوك أو الإيميل أو غيرها.
هنا يظهر مصطلح الـCONSTANT CHECKER الذي يشير للأشخاص الذين لا يستطيعون إبعاد أصابعهم عن هواتفهم، وهنا نتحدث عن نسبة كبيرة نحو 43% من الشعب الأمريكي على سبيل المثال شخصوا كـCONSTANT CHECKER بدرجات متفاوتة من الارتباط بالهاتف، فعلى مقياس من 1-10(1 ضغوط قليلة أو معدومة و10 عبارة عن قدر كبيرمن الضغط)، فقد أفادت الدراسات أن معدل نسبة الضغط النفسي والإجهاد لفئة الـCONSTANT CHECKER 4.4، وهي أعلى بكثير من غيرهم الذين لا يصنفون ضمن هذه الفئة.
حيث لاحظت جمعية علم النفس الأمريكية أن أعلى مستويات التوتر والإجهاد النفسي مرتبطة بالـCONSTANT CHECKER، بالإضافة إلى التوتر يشعر هؤلاء بالانفصال عن عائلاتهم، وبأنهم أقل عرضة للقاء العائلة والأصدقاء شخصيًا بسبب الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي.
أصبح من المستحيل الحفاظ على علاقات اجتماعية صحية ورائعة بوجود مواقع التواصل الاجتماعي التي تمتص الوقت والاهتمام بالمقام الأول
السلامة العاطفية ومنصات التواصل الاجتماعي
أفادت دراسة أجريت عن مدى تأثير استخدام مواقع التواصل الاجتماعي على السلامة العاطفية، أنه كلما ازداد الوقت الذي يقضيه الشخص على منصات التواصل الاجتماعي زاد احتمال تعرضه لتأثير سلبي على سلامته العاطفية بشكل عام وانخفاض الجودة في علاقاته، حيث يشعر مستخدمو مواقع التواصل الاجتماعي بالتشتت والتهيج والمشاعر السلبية.
منصات التواصل الاجتماعي وخطرها على العلاقات الاجتماعية
ربما أصبح من المستحيل الحفاظ على علاقات اجتماعية صحية ورائعة بوجود مواقع التواصل الاجتماعي التي تمتص الوقت والاهتمام بالمقام الأول.
إن الدمار الذي يلحق بالعلاقات غالبًا يكون سببه أن طاقة مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي وعاطفتهم واهتمامهم يضعونها في العالم الافتراضي، ويستثمرون طاقة أقل بالعلاقات الواقعية على أرض الواقع مما يخلق بالتالي نوعًا من الفتور والاغتراب الاجتماعي الذي يقتل العلاقة بمن حولنا.
الرهاب الاجتماعي ومنصات التواصل الاجتماعي
الرهاب الاجتماعي هو نوع من الاضطرابات النفسية التي يشعر فيها المصاب بالخوف والقلق والاضطراب الشديد من التعرض لموقف اجتماعي فيه إذلال للذات وكأن تصرفاته تحت المجهر أو إحساسه بأن الكل يراقب ما يفعله مما يؤدي إلى انعزال الشخص كمحاولة لتجنب هذه المواقف.
منصات التواصل الاجتماعي كانت السبب الأكبر لتفشي مثل هذه الاضطرابات النفسية، على سبيل المثال أصبح الهروب إلى الرسائل النصية كوسيلة لتجنب القلق الذي قد يحدث عند اللقاء المباشر بالأشخاص، هذا الهروب من التجارب الاجتماعية بشكل يومي يحرم الناس فرص الخوض في التجارب الاجتماعية وفرص التعلم منها، وبالتالي يعزز الإحساس السلبي بالذات المصاحب للرهاب الاجتماعي.
يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي مكانًا للتواصل مع الأصدقاء والعائلة أو الاستمتاع، لكن في الوقت ذاته قد تكون مصدر ضرر لعلاقاتنا الاجتماعية
تأثير مواقع التواصل الاجتماعي على اتخاذ القرار
يكثر الكلام عن دور مواقع التواصل الاجتماعي في التأثير على السلوك البشري بما في ذلك اتخاذ القرار، هذه الحقيقة التي تدركها الشركات والمؤسسات الكبرى وحتى الحكومات كوسيلة للتأثير على المتلقي فيما يخدم مصالحها، والأمثلة كثيرة منها تأثير مواقع التواصل الاجتماعي لجذب الناخبين أو تغيير شكل الانتخابات في دولة ما أو مثلًا الحملة التي رفعها فيسبوك للتبرع بالأعضاء ووصل عدد متبرعيها إلى 500.000.
تشير الإحصاءات إلى أن 81% من المستهلكين يتأثرون بتوصيات المشاركات والأصدقاء عند اتخاذ قرار الشراء الخاص بهم.
الأثر الذي تتركه مواقع التواصل الاجتماعي على رؤيتنا لذاتنا وأجسامنا
منصات التواصل الاجتماعي بما فيها من المؤثرين الذين يغذون فكرة الكمال والجسد المثالي والوظيفة المثالية والشريك المثالي والحياة المرفهة المثالية والمنزل المثالي والأطفال الأذكياء المهذبين المثاليين وغيرها من الصور، تجعل المتلقي يُخيل إليه أن هذه المثالية هي الحالة الطبيعية التي يجب امتلاكها وعندما يعيد النظر إلى حياته يجد الهوة الكبيرة بين ما يرى وما يطمح إليه وإمكاناته الحقيقة تصيبه حالة من الإحباط أو يصل ربما إلى كره الذات أو كره الجسد الذي هو عليه.
تشجع وسائل التواصل الاجتماعي ضرورة عرض كل صورة شخصية وعرض نجاحات الأفراد وبالتالي يصل المستخدمون إلى اليأس من خلال زيادة رغبتهم في الوصول للكمال.
يمكن أن تكون وسائل التواصل الاجتماعي مكانًا للتواصل مع الأصدقاء والعائلة والاستمتاع، لكن في الوقت ذاته قد تكون مصدر ضرر لعلاقاتنا الاجتماعية وإدراكنا لذواتنا، وما يحدد تأثيرها هو طريقة استخدامنا لها.