ترجمة وتحرير: نون بوست
ضرب شريط الفيديو لضابط الشرطة الأبيض وهو يضغط بركبته على عنق الأمريكي الأعزل من أصول إفريقية، جورج فلويد لمدة تسع دقائق تقريبًا والتي تسببت في وفاته تدريجيا بعد أن كان يحاول جاهدا التنفس، وترًا مألوفًا مع العديد من الفلسطينيين والنشطاء المناهضين للاحتلال. في الواقع، منذ وفاته في أواخر شهر أيار/مايو، ظهرت لقطات لفلويد وهو يتوسّل قائلا “لا أستطيع التنفس، سوف يقتلونني”، في موازاة لمقاطع وشرائط الفيديو لقوات الأمن الإسرائيلية وهي تتعامل مع الفلسطينيين العزل في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر بنفس الطريقة.
حاولت قوات الشرطة الإسرائيلية أن تنأى بنفسها عن أية أوجه تشابه متصورة، حيث أصدرت بيانات تندد بما حدث وتصرح بأن ضباطها ليسوا مدربين على استخدام أساليب وضع الركبة إلى العنق. لكن الصور التي التُقطت مؤخرًا في شهر آذار/ مارس أظهرت أن القوات الإسرائيلية تستخدم نفس تقنية التقييد على المتظاهرين العزل على بعد أمتار قليلة من المسجد الأقصى في البلدة القديمة في القدس.
في الحقيقة، أحيت هذه الصور المخزية الشكايات ضد البرامج الأمريكية التي ترسل ضباط الشرطة الأميركيين للتدريب تحت إشراف المسؤولين عن إنفاذ القانون والمسؤولين العسكريين الإسرائيليين، حيث بدأت الدعوات على الصعيد الوطني لإلغاء تمويل إدارات الشرطة الأمريكية في إحداث تأثير.
منذ أوائل التسعينات، أُرسل مئات من ضباط إنفاذ القانون، بما في ذلك ضباط الشرطة وعملاء من مكتب التحقيقات الفدرالي ووكالة المخابرات المركزية وكالة إنفاذ قوانين الهجرة والجمارك بالولايات المتحدة، إلى “إسرائيل” من خلال مبادلات الشرطة أو حضور قمم داخل الولايات المتحدة ترعاها منظمات اللوبي الإسرائيلية.
علاوة على ذلك، شاركت قوات التدريب من فلوريدا ونيوجيرسي وبنسلفانيا وكاليفورنيا وأريزونا وكونيتيكت ونيويورك وماريلاند وماساتشوستس ومينيسوتا وكارولاينا الشمالية وجورجيا وواشنطن وغيرها في التدريب، بما في ذلك التدريب الذي تم في مدينة مينيابوليس التي قُتل فيها فلويد. وقد نددت المنظمات الرائدة في مجال حقوق الإنسان ببرامج التبادل، وحذّرت من أن معايير وتكتيكات الشرطة الإسرائيلية لن تؤدي إلا إلى تفاقم التنميط العنصري ووحشية الشرطة في الولايات المتحدة.
حيال هذا الشأن، صرّح الباحث في شؤون تجارة الأسلحة والأمن وحقوق الإنسان في منظمة العفو الدولية بالولايات المتحدة الأمريكية، باتريك ويلكن “لميدل إيست آي” بأنه “بالنظر إلى سجلها الطويل في انتهاكات حقوق الإنسان، فإن قوات الأمن الإسرائيلية تعد شريكا في التدريب مثيرا للمشاكل بشكل لا يصدق”. من جهته، رفض ميكي روزنفيلد، المتحدث باسم الشرطة الإسرائيلية، الانتقادات الموجهة لخطة التدريب، حيث صرّح “لميدل إيست آي” بأن تبادلات الشرطة في “إسرائيل” تزود القوات الأمريكية بمعلومات قيمة عن كيفية “التصدي للهجمات”.
علاوة على ذلك، أضاف روزنفيلد قائلا “التعلم والمشاركة قد أنقذا الكثير من الأرواح داخل وخارج “إسرائيل” على مر السنين. لذلك، فإن المنظمات، وخاصة في الولايات المتحدة، التي تناهض التعلم والمشاركة في إنفاذ القانون من شأنها أن تضعف استعداد الدولة للتصدي للهجمات الإرهابية وجرائم الكراهية والمتطرفين الذين يخالفون القانون”.
“السياسة أم الممارسة؟”
منذ وفاة فلويد، وُجّهت اتهامات بالقتل من الدرجة الثانية ضد ديريك تشوفين، الضابط الذي ضغط بركبته على عنق فلويد، بينما يواجه الضباط الثلاثة الآخرون اتهامات بالمساعدة والتحريض على القتل. وقد وصف روزنفيلد الحادث “بالمحزن”، وقال إنه “لا يوجد إجراء يسمح لضابط من قسم الشرطة الإسرائيلية بتنفيذ عملية اعتقال عن طريق وضع الركبة على عنق المشتبه به”.
هناك الكثير من الوثائق حول الاعتقالات العنيفة التي تنطوي على الركوع على رؤوس ورقاب المعتقلين
مع ذلك، قبل فصلهم وتوجيه التهم إليهم في هذا الحادث، عُيّن هؤلاء الضباط الأربعة من قبل قسم شرطة مينيابوليس، الذي شارك في مؤتمر تدريب سنة 2012 في مينيابوليس والذي عقده كل من مكتب التحقيقات الفدرالي والقنصلية الإسرائيلية في شيكاغو. كما نقل موقع “مينت برس نيوز” عن نائب القنصل شاهار أرييلي قوله في ذلك الوقت: “إننا نجلب في كل سنة محترفين من الدرجة الأولى من الشرطة الإسرائيلية لتبادل بعض المعرفة”.
في هذا الصدد، تواصل موقع “ميدل إيست آي” مع قسم شرطة مينيابوليس عدة مرات للاستفسار عما إذا كان تشوفين أحد ضباط شرطة مينيسوتا المئة الذين شاركوا في التدريب، بيد أن القسم رفض التعليق. ويُذكر أن تشوفين كان ضابط تدريب في القسم قبل أن يُفصل، حيث كان يعمل هناك طيلة الثمانية عشر سنة الماضية. كما تواصل موقع “ميدل إيست آي” مع القنصلية الإسرائيلية في شيكاغو للتعليق، لكنه فشل في تلقي رد.
من جانبه، قال روزنفيلد إنه لن ينطوي أي تبادل التدريب مع قوات الشرطة الإسرائيلية “على مثل هذه التدابير” مثل الإجراء الذي استخدمه تشوفين ضد فلويد. وقال إن “هذا الإجراء غير موجود في أي دليل تعليمي للشرطة الإسرائيلية”. ولكن المحامي المدني والسياسي في كلية الحقوق بجامعة هارفارد بمركز عدالة القانوني لحماية حقوق الأقلية العربية في “إسرائيل”، فادي خوري، قال إن الكتب التعليمية واللوائح الداخلية لا يمكن أن تنفي الأدلة المادية لمثل هذه الأساليب التي يستخدمها الضباط الإسرائيليون على أرض الواقع.
كذلك، أضاف خوري قائلا: “إن هناك الكثير من الوثائق حول الاعتقالات العنيفة التي تنطوي على الركوع على رؤوس ورقاب المعتقلين. ولقد شهدنا ذلك في الأراضي المحتلة عندما يقوم الجنود بعمليات اعتقال، وداخل “إسرائيل” أيضا على يد ضباط الشرطة”.
بعد أيام من مقتل فلويد، نشر عدّاء الماراثون الفلسطيني من الضفة الغربية المحتلة، محمد القاضي، عدة صور لـ”إسرائيل”يين يرتدون الزي العسكري وهم يعتقلون فلسطينيين باستخدام أساليب الضغط على العنق المشابهة لتلك التي أدت إلى وفاة فلويد. وعلّق القاضي قائلا “من الغريب أن يحدث الشيء نفسه في فلسطين لكن العالم يختار تجاهله”.
أشار خوري إلى أنه من الصعب على الشعب معرفة ما هو مسموح به وما هو غير مسموح به فيما يتعلق بأساليب الشرطة الإسرائيلية بسبب انعدام الشفافية داخل نظام إنفاذ القانون. وأوضح أنه “نظرا لأن معظم لوائح الشرطة الإسرائيلية المتعلقة بهذه القضايا تعدّ سرية، فمن الصعب أن نجزم بما إذا كانت هذه المسألة تتعلق بالسياسة أو الممارسة”.
على غرار روزنفيلد، قالت مديرة شرطة مينيابوليس ميداريا أرادوندو يوم الأربعاء إن استخدام تشوفين للقوة ضد فلويد لم يكن جزء من أي تدريب لقسم شرطة مينيابوليس. ومنذ وفاة فلويد، حظر قسم شرطة مينيابوليس أساليب الخنق وتطويق الرقبة بشكل صريح، فحذت حذوه ما لا يقل عن 12 ولاية أخرى في تطبيق هذا القرار وبدأت في تنفيذ تدابير لحظر اعتماد الخنق.
“قوتان قمعيتان فعليتان”
مع ذلك، ورغم تنديد نشطاء حقوق الإنسان منذ فترة طويلة بعمليات تبادل الشرطة الأمريكية والإسرائيلية للمعلومات، فإن من تحدثت إليهم “ميدل إيست آي” أشاروا إلى أن تاريخ الولايات المتحدة حافل بوحشية الشرطة والعنصرية النظامية.
الحملات التي تسعى إلى إلغاء تبادلات الشرطة قد أبرزت أن “إسرائيل” تعرضت منذ فترة طويلة لانتقادات من جماعات حقوق الإنسان
حيال هذا الشأن، قالت ناشطة يركز عملها على تعزيز التضامن بين السود والفلسطينيين، لموقع لميدل إيست آي: “من المهم أن نفهم أن الشرطة الأمريكية أضرت بالسود قبل فترة طويلة من وجود “إسرائيل”، وأن “إسرائيل” تضر الفلسطينيين دون أي تدريب خاص من الولايات المتحدة”. وأضافت الناشطة أن هذه التبادلات التدريبية مع السلطات لإنفاذ القانون “يجب أن يقع معارضتها”، لأنها “تساعد قوتين قمعيتين بالفعل على تعلم كيفية تعزيز عنف الدولة ضد السكان الذين يحاربون العنصرية والاستعمار”.
من جهتهم، عارض النشطاء التدريبات الجارية بين البلدين منذ اكتسابها شعبية بعد هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، حيث قامت “إسرائيل” ساعتها بتسويق نفسها كرائدة عالمية في مكافحة الإرهاب. أما عن عمليات التبادل مع سلطات إنفاذ القانون والجيش الإسرائيلي، فقد وقع تمويلها من الأموال العامة، وكذلك من قبل مجموعة من الجماعات الموالية ل”إسرائيل”، مثل لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية ورابطة مكافحة التشهير والمعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي.
وفي أعقاب أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، أرسل المعهد اليهودي لشؤون الأمن القومي وحده ما لا يقل عن 200 ضابط شرطة أمريكي إلى “إسرائيل” للتدريب واستضاف 10 مؤتمرات في جميع أنحاء الولايات المتحدة، بحضور مشترك لما يزيد عن 10500 من أفراد إنفاذ القانون.
في الوقت نفسه، فإن قسم شرطة نيويورك لديه فرع خاص به في “إسرائيل”، وقع افتتاحه في مقر شرطة منطقة شارون في سنة 2012. في الواقع، وقع تصميم برنامج المراقبة الإسلامية التمييزي التابع للوزارة جزئيًا على منوال برنامج المراقبة الإسرائيلي المستخدم على الفلسطينيين في الضفة الغربية. كما أنشأت وزارة الأمن الداخلي في سنة 2003 مكتبا خاصا في “إسرائيل”، حيث قام بإضفاء طابع مؤسسي على العلاقة بين إنفاذ القانون الإسرائيلي والأمريكي.
في ذلك الوقت، قالت السيناتور سوزان كولينز عن المكتب الخاص خلال جلسة استماع في الكونغرس: “أعتقد أننا يمكن أن نتعلم الكثير من دول أخرى، وخاصة “إسرائيل”، التي لديها للأسف تاريخ طويل في الاستعداد للهجمات الإرهابية والرد عليه”.
في المقابل، فإن الحملات التي تسعى إلى إلغاء تبادلات الشرطة قد أبرزت أن “إسرائيل” تعرضت منذ فترة طويلة لانتقادات من جماعات حقوق الإنسان في جميع أنحاء العالم بسبب “عمليات القتل خارج نطاق القضاء” و”الاستخدام غير المتناسب للقوة” ضد الفلسطينيين. حتى وزارة الخارجية الأمريكية استشهدت في الماضي بالشرطة الإسرائيلية لقيامها “بعمليات قتل تعسفية أو غير قانونية”.
خوري، الذي يمثل بشكل أساسي المتظاهرين الذين واجهوا وحشية الشرطة، أكد أنه من غير المألوف أن يقع تحميل ضابط أو جندي إسرائيلي المسؤولية عن استخدام القوة المفرطة ضد المدنيين الفلسطينيين. وأضاف خوري: “في الواقع، من الأدق القول إنه من النادر فتح تحقيق. هذا صحيح في سياق المواطنين الفلسطينيين في “إسرائيل”، والأكثر من ذلك عندما يتعلق الأمر بالفلسطينيين الذين يعيشون في الأراضي المحتلة، حيث تُستخدم القوة المفرطة بشكل أكثر شيوعًا من قبل كل من الشرطة والجيش”.
بين سنتي 2018 و2019، قتلت القوات الإسرائيلية مئات المتظاهرين في غزة أثناء مظاهرات العودة الكبرى، في حين أصيب آلاف آخرون بجروح ناجمة عن طلقات نارية مدمرة. ولم يُدن على خلفية ذلك سوى جندي واحد، حكم عليه بالسجن لمدة شهر، رغم إطلاقه النار على طفل أعزل يبلغ من العمر 14 سنة وقتله.
واجهت الرحلات المدعمة إلى “إسرائيل” عقبات، وهي رحلات يقع فيها تدريب قوات إنفاذ القانون الأمريكية من قبل الجيش والشرطة الإسرائيليين
الجدير بالذكر أنه في اليوم الذي نقلت فيه الولايات المتحدة سفارتها إلى القدس، قتلت القوات الإسرائيلية 50 فلسطينيًا كانوا يحتجون على طول السياج الحدودي لغزة، فيما أصيب ما لا يقل عن 2400 آخرون. إلا أن السلطات الإسرائيلية لم تحرك ساكنا إثر هذه الحملة القمعية. وبالإضافة إلى آلاف الفلسطينيين الذين قتلتهم القوات الإسرائيلية في الميدان، فقد قُتل منذ سنة 1967 نحو 222 فلسطينيا أثناء احتجازهم لدى “إسرائيل” بالفعل.
حملة ضد التدريب الإسرائيلي
بسبب سمعة “إسرائيل” في استخدامها المفرط لتكتيكات القوة، شنت العديد من جماعات حقوق الإنسان حملات تهدف إلى إنهاء برامج تدريب الشرطة الإسرائيلية والأمريكية. بدورها، ساعدت منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، وهي عبارة عن جماعة شعبية مناهضة للاحتلال، في خلق العديد من حملات التحالف المحلية التي تعمل على وقف عسكرة قوات الشرطة الأمريكية، والتي تركز بشكل خاص على إنهاء التبادلات بين أجهزة إنفاذ القانون و”إسرائيل”.
بعد سنوات من الضغط من قبل أحد ائتلافات منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام، صوّت مجلس المدينة في دورهام، كارولاينا الشمالية، في نيسان/ أبريل 2018، بالإجماع على منع قسم الشرطة من المشاركة في برامج “التدريب العسكري” في الخارج، لتصبح دورهام أول مدينة أمريكية تمنع تدريب الشرطة في “إسرائيل”.
في نفس السنة، نجح تحالف آخر من مجموعات العدالة الاجتماعية المدعومة من منظمة الصوت اليهودي من أجل السلام في جعل مجلس المشرفين في مقاطعة ألاميدا في كاليفورنيا ينهي برنامج الدرع الحضري، الذي رعى التبادلات مع “إسرائيل” ودول أخرى. وبحسب الموقع الإلكتروني للبرنامج، فقد كان أكبر تدريب عسكري في العالم لقوات التدخل السريع وعرض الأسلحة، وقد وقع تمويله جزئيا بمنحة قدرها 5.5 مليون دولار من وزارة الأمن الداخلي.
علاوة على ذلك، وقع إنفاق حوالي 75 ألف دولار من الصندوق الاستئماني للدرع الحضري سنة 2010 على السفر إلى “إسرائيل”. شمل المسافرون ما لا يقل عن ثلاثة من كبار المسؤولين من مكتب شريف مقاطعة ألاميدا. وفي سنة 2018، انسحبت أقسام الشرطة في فيرمونت وماساتشوسيتس من رحلة إلى “إسرائيل” نظمت عبر رابطة مكافحة التشهير عقب ضغوط من إحدى مجموعات ائتلاف صوت اليهود من أجل السلام. وقالت منظمة صوت اليهود من أجل السلام في بيان لها في ذلك الوقت: “للمرة الأولى منذ 20 سنة، واجهت الرحلات المدعمة إلى “إسرائيل” عقبات، وهي رحلات يقع فيها تدريب قوات إنفاذ القانون الأمريكية من قبل الجيش والشرطة الإسرائيليين”.
“تعميق العلاقات والولاء”
فضلا عن ذلك، تعمل مجموعة التحالف في واشنطن، المعروفة باسم حملة “لا للاحتلال – واشنطن”، على إنهاء شراكة إدارة شرطة العاصمة مع “إسرائيل” وعسكرة القوة. وقال سكوت براون، وهو يضطلع بدور التنظيم في خضم المجموعة، إن التدريب مع “إسرائيل” يتعلق بالأيديولوجية وكذلك بالتكتيكات والمعدات. وأورد قائلا: “تعدّ الولايات المتحدة و”إسرائيل” حليفتين سياسيتين وعسكريتين ضخمين، لذلك فإن لهما مصلحة في تعميق العلاقات والولاء بينهما. وهذا ما تفعله عندما ترسل الشرطة إلى هناك، أي أنك توطد العلاقات على نحو يدعم بقوة “إسرائيل” وأفعالها”.
تدريب الشرطة الأمريكية في “إسرائيل” يشجع على إضفاء الطابع العسكري على الشرطة
هذا ما أحسه كذلك ديفيد فريدمان، الذي كان مديرا إقليميًا لرابطة مكافحة التشهير، عند الحديث عن الفوائد المزعومة لرحلة ممولة من قبل رابطة مكافحة التشهير لمديري تنفيذ القانون الأمريكيين إلى “إسرائيل” في سنة 2015. وقال فريدمان: “لقد عادوا صهاينة. إنهم يفهمون “إسرائيل” واحتياجاتها الأمنية على نحو لا يفقهه الكثير من العامة”.
تضمنت رحلة رابطة مكافحة التشهير في تلك السنة مسؤولين تنفيذيين من إدارة الهجرة والجمارك الأمريكية وخدمة المارشال الأمريكية وخدمة التحقيق بجرائم البحرية الأمريكية والرابطة الدولية لرؤساء الشرطة وضباط من أقسام الشرطة في شيكاغو ولاس فيغاس وأوستن وسياتل وأوكلاند ومقاطعة ميامي داد.
في العاصمة واشنطن، شارك قائد الشرطة بيتر نيوسام صحبة اثنين على الأقل من القادة المحليين الآخرين في التبادلات التدريبية، ويعتقد المنظمون في حملة “لا للاحتلال – واشنطن” أن عناصر أخرى من الإدارة قد شاركوا أيضًا. وقال براون: “لا نعرف ما إذا يقع التخطيط لرحلة أخرى في المستقبل القريب بسبب نقص الشفافية حول هذه الأمور، لكننا نعلم بالتأكيد أن كبار الضباط ذهبوا في السابق”.
في سنة 2017، أرسل عضو مجلس الإدارة في واشنطن العاصمة، ديفيد غروسو، رسالة إلى قائد الشرطة بيتر نيوسام، مستنكرا رحلة وقع التخطيط لها من أجل للقسم. وكتب غروسو في رسالته: “لئن كنت أؤمن بشدة بالتبادلات بين الثقافات وأهمية تدريب ضباطنا المكلفين بإنفاذ القانون، فإن التعلم عن المستشارين العسكريين ليس هو ما تحتاجه وحدات إنفاذ القانون. لقد قامت العديد من منظمات الرقابة وجمعية الحقوق المدنية في “إسرائيل” وهيومان رايتس ووتش ومنظمة العفو الدولية بتوثيق انتهاكات حقوق الإنسان التي تمارسها الشرطة وقوات الأمن الإسرائيلية. أنا قلق من حقيقة أننا لا نتخذ ما يكفي من الإجراءات لمنع عسكرة تطبيق القانون في مقاطعة كولومبيا”.
في الواقع، بين الانتقادات العديدة التي يقع فرضها بانتظام على برامج التبادل هذه، هي المزاعم بأن تدريب الشرطة الأمريكية في “إسرائيل” يشجع على إضفاء الطابع العسكري على الشرطة. وعلى مدى العقدين الماضيين، قدم البنتاغون لأقسام الشرطة الأمريكية ما يناهز عن 7.2 مليار دولار من المعدات العسكرية الإضافية، وهو ما يعادل كمية المساعدات العسكرية الأمريكية السنوية التي تتلقاها “إسرائيل” خلال سنتين. في الوقت نفسه، قد يصعب التمييز بين الشرطة والقوات العسكرية الإسرائيلية فيما يتعلق بالأسلحة والتكتيكات، كما أن تدريب ضباط الشرطة الأمريكيين غالبا ما يشرف عليه المسؤولون العسكريون.
الاحتجاجات وطرق “السيطرة على الشغب” التي تعتمدها اسرائيل
ازدادت الحجج المناهضة للعسكرة في خضم الاحتجاجات المتصاعدة والمتواصلة على الصعيد الوطني التي اندلعت في أعقاب مقتل جورج فلويد، حيث أشار عديد النشطاء إلى وجود أوجه تشابه عديدة بين أساليب السيطرة على الحشود التي تعتمدها قوات الشرطة الأمريكية خلال حملات القمع الحكومية في جميع أنحاء البلاد وتلك التي تعتمدها “إسرائيل”.
أطلقت السلطات الأمريكية، بما في ذلك الشرطة والحرس الوطني، الغاز المسيل للدموع على تجمعات سلمية، كما أطلقت النار على المتظاهرين بالرصاص المطاطي مما تسبب في إصابة العديد من المتظاهرين بعمى في عين واحدة بالإضافة إلى اعتقال المتظاهرين، واحتجاز المشرعين وتنفيذ حظر التجول واستهداف الصحفيين بشكل عشوائي، وكل هذه الممارسات تستخدمها “إسرائيل” عادة ضد الفلسطينيين.
تُستخدم ضد المتظاهرين تكتيكات قاسية وعنيفة، تستحضر في الأذهان صورة قوات الأمن في أجزاء أخرى من العالم
على الرغم من أن كلا من الولايات المتحدة و”إسرائيل” تستخدمان الغاز المسيل للدموع ورذاذ الفلفل ضد المتظاهرين، فكلاهما وسيلتان كيميائيتان يحظرهما القانون الدولي في الحروب. كما يشمل هذا الحظر أحدث الأساليب التي تستعملها “إسرائيل” للسيطرة على الحشود، على غرار “المياه النتنة”، التي اعتمدتها “إسرائيل” لأول مرة ضد المحتجين الفلسطينيين في سنة 2008.
بعد رش المتظاهرين بخراطيم المياه، تبقى الرائحة الكريهة للسوائل لأيام على أي سطح تلامسه، كالأسفلت والمباني والملابس وحتى الجلد. وقال الاتحاد الأمريكي للحقوق المدنية في تقرير صدر سنة 2016: “قد تشمل الآثار الجانبية المادية للرش بالمياه النتنة الغثيان والطفح الجلدي والقيء”. هذا وتضمنت جلسات التدريب الإسرائيلية على مكافحة الإرهاب ندوات حول فوائد اعتماد الرش بالمياه ذات الرائحة الكريهة.
في هذا الشأن، قال خوري لموقع ميدل إيست آي: “تكمن المشكلة في عشوائية هذه الطريقة، لأنها تستهدف مجموعات من المتظاهرين دون تمييز. وفي كثير من الحالات، تتضرر المنازل والأفراد والشركات على الرغم من عدم المشاركة في الاحتجاجات”.
رغم أن التقارير افادت أنه لم يقع تشريع استخدام هذه الطريقة بعد في الولايات المتحدة، بدأت إدارة شرطة سانت لويس بتخزين المياه النتنة بعد اندلاع الاحتجاجات الشعبية الضخمة في فيرغسون في سنة 2014 بعد إطلاق الشرطة النار على مراهق أسود أعزل.
بالغضافة إلى ذلك، اشترت إدارة شرطة مدينة بوسير بولاية لويزيانا مياه نتنة، وفقًا للسجلات التي تحصل عليها موقع “ديفانس وان”. وبدأت شركات الأمن الأمريكية الخاصة في الترويج لإمكانية استخدام هذه الطريقة على “المعابر الحدودية و في المرافق الإصلاحية والمظاهرات والاعتصامات”.
بعد أن نقلت تقارير أخرى وحشية الشرطة خلال عمليات القمع ضد الاحتجاجات الأخيرة التي شهدتها الولايات المتحدة في جميع أنحاءها، أشار أنتوني لورينزو غرين، المفوض الاستشاري في الحي السابع في العاصمة واشنطن، بشكل مباشر إلى تدريب “إسرائيل” للشرطة الأمريكية. في الحقيقة، شارك غرين مقطع فيديو نشره ناشط كان قد ربط أساليب السيطرة على الحشود التي تستخدمها شرطة في العاصمة مع تلك التي استخدمتها القوات الإسرائيلية عندما كان في الضفة الغربية المحتلة السنة الماضية.
في هذا الصدد، قال المفوض غرين في تغريدة على تويتر: “يقع تدريب الشرطة من قبل الجيش الإسرائيلي. وهم لا يريدون أن تعرفوا ذلك”. وقال ويلكن، عضو منظمة العفو الدولية في الولايات المتحدة، إنه في ظل الظروف الحالية، ليس من المستغرب أن أولئك الذين صُدموا من استخدام الشرطة للقوة يجرون مثل هذه المقارنات. وقال ويلكن إن “المتظاهرين السلميين في الولايات المتحدة يجدون أنفسهم عرضة للهجوم من قبل قوات الشرطة. تُستخدم ضد المتظاهرين تكتيكات قاسية وعنيفة، تستحضر في الأذهان صورة قوات الأمن في أجزاء أخرى من العالم التي استخدمت أساليب مشابهة وأكثر صرامة، و”إسرائيل” هي إحدى هذه الدول”.
المصدر: ميدل إيست آي