يزخر الوطن العربي بالأمثال الشعبية التي تمثل نصائح وتوصيات الأولين، وتقدم لنا خلاصة خبرتهم في الحياة على شكل ألفاظ رنانة متناغمة وذات إيقاع مميز، يساعدها على الالتصاق بالذاكرة عند سماعها من المرة الأولي أحيانًا، ولهذا النوع من التراث الشعبي – الذي يجسد صورة من صور الأعراف الاجتماعية – قوة تضاهي قوة التعاليم الدينية من حيث الانتشار لدى العامة وقابليتهم للانصياع لها.
قد تصيب الأمثال الشعبية أحيانًا، لكنها نقلت لنا أيضًا إرثًا كبيرًا من الأفكار الخاطئة، منها الأمثال التي تدعو للعنصرية أو اضطهاد المرأة، حيث تتناول هذه الأقوال جوانب مختلفة من حياة المرأة، سواء كانت ممن يعتبرونها جميلة أم قبيحة، كبيرة أم صغيرة، أم حتى إذا كانت ما زالت في علم الغيب أو في رحم والدتها مثل قول “لما قالولي ولد انشد ضهري واتسند.. قالولي خلفت بنية اتهدت الحيطة عليا”، فما الصورة التي نقلتها الأمثال الشعبية عن المرأة؟ ولماذا ما زلنا نتداول بعضها حتى اليوم في مجتمعاتنا العربية؟
رفع شأن الرجل في مقابل تحقير المرأة
يقال في مصر “اللي يقولها جوزها يا عورة يلعبوا بيها الكورة، واللي يقولها جوزها يا هانم يقابلوها على السلالم” ويقصد بذلك أن الزوج من يعطي للمرأة قيمتها، فإذا عاملها بطريقة جيدة اعتبرها المجتمع سيدة محترمة، وإذا أذلها كان ذلك مبررًا يسمح للناس أن يذلوها أيضًا، وفي نفس السياق يقال “مرا من غير راجل زي الطربوش من غير زر”، أي أن الرجل هو الذي يعطي للمرأة أهميتها ووجوده في حياتها ضرورة.
ومن الأمثال الشائعة جدًا “الرجال لو فحمة رحمة” بمعنى أن الرجل حتى لو كان شخص سيء فهو أفضل من كون المرأة عزباء، وقول “الرجالة غابت والنسوان سابت” بمعني أن المرأة غير قادرة على اتخاذ قرارات سليمة في غياب الرجل، وبدونه فهي لا تتبع طريق الصواب، وتسير على هواها من دون رادع لها.
يشرح كتاب “التخلف الاجتماعي/مدخل إلى سيكولوجية الإنسان المقهور” للدكتور مصطفى حجازي ضمن شرحه عن أنواع الاستلاب الذي تتعرض له المرأة في المجتمع المتخلف، أنه يتم إقناع المرأة من خلال الاستلاب العقائدي بسذاجة تكوينها العقلي وبساطة تفكيرها، فتصبح هي نفسها تُعارض أي فكرة لا تتناسب مع هذه العقيدة التي تم إنشاؤها وربطها ببيولوجية المرأة بشكل أساسي، وعليه امتناعها عن الخوض في دراسة تخصصات معينة أو مهن معينة، ويمكننا ملاحظة ذلك في المثل الشعبي القائل “المرا لو وصلت للمريخ آخرتها للطبيخ”.
قيمة المرأة بمظهرها الخارجي
خصصت الأمثال الشعبية حصة كبيرة للحديث عن جمال المرأة واعتباره المقياس الوحيد لتقييمها، فيقال “إن عشقت اعشق قمر وإن سرقت اسرق جمل” ويرادف هذا المعنى “اعشق غزال وإلا فضها”، ولأن الجمال يسبق حتى الغنى فقالوا “تغور العورة بفدانها”، كما شجعت هذه الأمثال على الزواج من المرأة الجميلة حتى ولو كان الزوج لا يملك قوت يومه “خد الحلو واقعد قباله.. وإن جعت شاهد جماله”.
قديمًا فضل العرب الذكر على الأنثى، ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها تخوفهم من سبي البنات في الحروب وجلب العار لهم
من جهة أخرى، وصفت الأمثال الشعبية بعض النساء بالقبيحات، ولم تعاملهم بالكثير من اللطف، فقالت “إيش تعمل الماشطة في الوجه العكر؟” بمعنى أن المرأة الدميمة ليس هنالك ما يساعدها على تخفيف قبحها، ولكن رغم ذلك تدعوها للتجمل فيقال في مصر ” لبس البوصة تبقى عروسة” ويقابلها في سوريا “لبّس المكنسة بتصير ست النسى”، وفي وصف الفتاة الدميمة يقال “تبقى عورة وبنت عبد ودخلتها ليلة الحد” أي العورة القبيحة لا تحتاج إلى إعلان وحفل زفاف وتهاني، بل الأفضل لها الزواج في صمت، وكذلك يقال “العرْس بزوبعة والعروسة ضفدعة”، ولكن تعود الأمثال لتنصح المرأة أن تتحلى بصفات يمكن من خلالها أن تحول القبح إلى جمال “يا وحشة كوني نغشة”.
أما الرجل فقد قالوا عنه بالمقابل “الرجال لو فحمة رحمة” و”الرجل لا يعيبه شيء”، ولعل انتشار هذا النوع من الأمثال التي تقدس دور الرجل في حياة النساء هو انتشار الأمية بين النساء قديمًا، وعدم قدرتهن على إعالة أنفسهن أو تحمل أعباء الحياة بمفردهن، فقالوا “ظل راجل ولا ظل حيطة”.
تفضيل الصبيان على البنات
قديمًا فضل العرب الذكر على الأنثى، ويعود ذلك إلى عدة أسباب منها تخوفهم من سبي البنات عند الحروب وجلب العار لهم، فوأدوا المولودات الإناث، حتى جاء الإسلام وحرّم هذه الممارسة، لكن حتى بعد آلاف السنين استرجع أجدادنا هذا الإرث بطريقة ما، ورغم التحريم الصريح الموجود في القرآن والسنة النبوية للتمييز بين الذكور والإناث من الأولاد، فإن الكثير من المسلمين يتداولون العديد من الأمثال الشعبية التي تشجّع على الاحتفاء بالصبيان وكره البنات.
ومن هذه الأمثال “هم البنات للممات”، وقول “البنت إذا ما جابت العار بتجيب العدو للدار”، ويقال في مصر عن حال الأهل عند إخبارهم بأن الجنين أو المولود أنثى “قالولي بنية اتهدت الحيطة عليا”، ويقال في بعض بلاد الشام “أم البنت مسنودة بخيط وأم الصبي مسنودة بحيط”، أو “عقربتين عالحيط ولا بنتين بالبيت”.
كما أن هنالك بعض الأمثال التي تدعو علانية للتمييز بين الأولاد بناء على الجنس، مثل “دلل ابنك بيغنيك ودلل بنتك بتخزيك”، ويقال في تونس “بنتك لا تعلمها حروف ولا تسكنها غروف”، وفي مصر قالوا قديمًا “يابو البنت ما تعوزها مسيرها لبيت جوزها”، ويردد بعض الصبيان الصغار مقولة “النظافة من الإيمان والقذارة من النسوان” على سبيل اللعب والمزاح.
ويتم تداول هذه الأمثلة على ألسنة الرجال والنساء، ولكن أكثر من يستخدمها النساء، وفي هذا الخصوص يشرح مصطفى حجازي في كتابه التخلف الاجتماعي دور المرأة في نقل الموروث الشعبي لأطفالها، وتلقينهم جميع النظم الاجتماعية حتى وإن كانت مجحفة في حقها:
“يكمن دور هذا الاستلاب باعتبار المرأة هي المسؤولة عن التنشئة المبكرة واللاحقة للأطفال، فعند اقتناعها بالنّظم الاجتماعية مجملة تستطيع نقلها لأبنائها وهنا تكمن وظيفة هذا الاستلاب باعتبار المرأة قناة وصل مهمة في نقل الثقافة، بضرورة اقتناعها بمجمل أساسيات هذه الثقافة. إنّ الموروث الشعبي ذو قوة تأثيرية قوية في ترسيخ العادات والتقاليد، والذي ليس من السهل تغييره إلا على المدى الطويل والمراحل المتدرجة والانتقالية إلى مجتمع مرن أكثر”.
في أمثال أخرى يظهر نوع من أنواع تمني الموت للبنت خوفًا من العار أو سوء السمعة في المجتمع
التشجيع على العنف
تتصاعد حدة الأمثال الشعبية تجاه المرأة في بعض الأحيان حتى تصل إلى درجة الدعوة الصريحة للعنف، وتقديمه على أنه حل للمشاكل، فيقال مثلًا في مصر “اكسر للبنت ضلع يطلعلها أربع وعشرين”، أما في سوريا يردد البعض “النسوان متل الزيتون ما بيحلو غير بالرص” أي أن التعامل القاسي مع النساء يجعلهن أحسن خلقًا وتعاملًا واحترامًا للرجل.
وبنفس المعنى يقال “المرا مثل السجادة من فترة لفترة بدها ضرب ونفض”، أما إذا كثُر عناد المرأة قالوا “إذا بدك مرتك تلين عليك بحطب التين”، أي اضربها فتتحسن طباعها ويلين تعاملها معك، كما يقال “البنت باللدح والولد بالمدح” واللدح بمعنى الضرب.
وفي أمثال أخرى يظهر نوع من أنواع تمني الموت للبنت خوفًا من العار أو سوء السمعة في المجتمع، فقالوا قديمًا “مات أخوي انكسر ظهري، ماتت أختي انستر عرضي”، وهنالك أيضًا “البنت يا تسترها يا تقبرها”.
ونشرت الصحف المصرية في الشهر الأول من هذا العام خبر جريمة شنيعة، كانت ضحيتها سيدة مصرية قُتلت على يد ابنها، بعد ما استفزه أبناء الحي بقول “اللي عنده معزة يربطها”، في إشارة إلى سوء سمعة والدته بين الجيران.
حصر المرأة ضمن أدوار نمطية
حصرت بعض الأمثال الشعبية المرأة ضمن دورها كربة منزل مهمتها الطبخ والإنجاب والاعتناء بزوجها وأطفالها فقط، وسخرت منها عند محاولتها لتجاوز هذا الدور، فقالوا “المرا لو راحت للمريخ آخرتها للطبيخ” كما انتشر في بعض الدول العربية قول “للبنت بحياتها تلات طلعات: من بطن أمها لبيت أهلها، ومن بيت أهلها لبيت زوجها، ومن بيت زوجها للقبر”.
برر البعض هذا القول بأسباب دينية، من خلال فهم النصوص الإسلامية التي تدعو المرأة إلى الحشمة على أنها دعوة لغياب دور المرأة كليًا في المجتمع، ويقال في قمع المرأة ودعوتها لقلة الكلام “قصي من لسانك وزيدي عالتنورة، منه بتدفي سيقانك ومنه بتضلي مستورة”.
كما روّجت الأمثال الشعبية إلى فكرة عدم أهلية المرأة وقدرتها على تربية الأبناء، فهنالك مثل شائع في بلاد الشام يقول “المرا ربّت ثور ما حرث” أي أن المرأة لا تستطيع أن تربي أطفالها لوحدها تربية جيدة تصنع منهم أفرادًا مفيدين، وفي نفس المعنى يقول البعض في مصر “عمر المرا ما تربي عجل وينفع”، وفي دول أخرى يقال بعدم قدرة المرأة العقلية على تقديم الاستشارات الجيدة “شورة المرا بخراب سنة”.
لا تقتصر ظاهرة الأمثال الشعبية المجحفة بحق المرأة على العالم العربي، بل انتشرت الكثير من الأقوال التميزية ضدها على مر التاريخ وفي جميع أنحاء العالم
وتعتبر هذه الأمثال جزءًا من ثقافة ذكورية انتشرت فيما مضى، وما زلنا نشاهد امتدادها حتى أيامنا هذه، ويعبّر مصطفى حجازي في كتابه “سيكولوجية الإنسان المقهور” عن وضع المرأة الذي يعكس حالة المجتمع، بتراجعه وتخلفه أو بتقدمه، فالمرأة التي تعاني من النقص والقهر في مجتمعها تكون في الغالب في مجتمع متخلف.
“الاستلاب العقائدي هو أن توقن المرأة أنها كائن قاصر وجاهل وثرثار وعاطفي ولا يستطيع مجابهة أي وضعية بشيء من الجدية والمسؤولية وبالتالي لا تستطيع الاستقلال وبناء كيان ذاتي له”.
وقدمت الأمثلة الشعبية أيضًا بعض الأقوال التي تثني على الإناث أحيانًا مثل “أبو البنات مرزوق” الذي يعاكسه مثل آخر هو “البنت بتمسك رزقة أبوها” في إشارة واضحة للتشاؤم من المواليد الإناث وهو الشيء الذي نهى عنه الإسلام بآيات قرآنية.
ولا تقتصر ظاهرة الأمثال الشعبية المجحفة بحق المرأة على العالم العربي، بل انتشرت الكثير من الأقوال التمييزية ضدها على مر التاريخ وفي جميع أنحاء العالم، ومن جهة أخرى أوصى الإسلام بالنساء، وقيل بالمرأة الكثير من الشعر والغزل على لسان الشعراء والأدباء والفلاسفة وفي جميع اللغات، حتى تبقى للأجيال الجديدة مهمة مراقبة ما يصل إليهم من الأسلاف والتخلي عن ما لا يناسب قيمهم وآراءهم الحاليّة.