يدخل الجولان السوري المحتل في هذا الشهر عامه الـ54 تحت الاحتلال، سبقته 53 عامًا من المقاومة الشعبية والمحلية، التي لم تتوقف منذ اللحظة الأولى سنة 1967 حتى يومنا هذا.
بعد تهجير 130 ألف سوري من الجولان، استولت “إسرائيل” على 95% من الأراضي السورية، لتبقى 5% فقط بيد السوريين في شمال الجولان، الذين بقوا بعد التهجير، وبلغ عددهم عام 1967، 13 ألفًا، واليوم تقريبًا 25 ألفًا، يعيشون في خمس قرى: مجدل شمس ومسعدة وبقعاثا وعين قينيا والغجر.
أراضي الجولان السوري المحتل
للجولان والسوريون المتبقين فيه تاريخ حافل بالمقاومة والانتصارات على مخططات المحتل الإسرائيلي رغم كل شيء، وبعد اندلاع الثورة والحرب في سوريا، بدأ الاحتلال بتعميق سيطرته على الأراضي السورية، وتوسيع مخططات التهويد والأسرلة، مستغلًا انشغال الوطن السوري بالتراجيديا الداخلية، ومستغلًا الإحباط الجمعي الناجم عن هذه الحرب التي تأثر بها الجولانيون ككل السوريين، وأهم التحديات التي تقف اليوم في وجه الجولانيين هو ما يسمى “مشروع المراوح”.
مشروع المراوح ومسارات الرفض
عام 2013، وضع الاحتلال خطة جديدة لمشروع تقام فيه 25 مروحة جديدة لتوليد الطاقة البديلة في شمال الجولان، على ما يقارب 3674 دونمًا من أراضي المزارعين السوريين، أبناء قريتي مجدل شمس ومسعدة بالتحديد، بحيث يبلغ طول كل مروحة 200 متر، ذلك عدا عن الطرقات المؤدية والخارجة من منطقة المشروع والمساحات التي ستصادر من أجل إقامة منشآت صيانة ومخازن تخدمه.
ينشط الشارع الجولاني في السنوات الأخيرة ضد هذا المشروع، وبشكل خاص في السنتين الأخيرتين، وذلك عبر عدة مسارات، منها المسار القانوني المتمثل برفع القضايا ضد الشركة الموكلة من الاحتلال، بالمشاركة مع مؤسسات حقوقية، لمحاولة إيقاف المشروع أو على الأقل تأجيله عبر المحاكم، بذريعة حقوق الإنسان والحيوان والمحافظة على البيئة والزراعة في المنطقة.
وقد آل هذا المسار إلى مكان مسدود، بشكل خاص بعد إعلان حكومة الاحتلال الإسرائيلية بشكل رسمي مشروع المراوح “مشروعًا قوميًا”، يخدم مصالح الدولة القومية اليهودية، مما يتيح للحكومة بموجب القانون الإسرائيلي مصادرة الأراضي الزراعية لأجل إقامته.
مظاهرات أهالي مجدل شمس ضد مشروع المراوح في يناير 2020
إضافة للمسار القانوني الذي يبدو أنه استنزفت فيه جميع الإمكانات حتى اللحظة، فقد شهد الجولان عدة إضرابات ومظاهرات واحتجاجات، أكبرها كان يوم 24 من يناير/كانون الثاني 2020، حيث تجمع نحو 2000 متظاهر ومتظاهرة من الجولانيين في ساحة سلطان باشا الأطرش في مجدل شمس، للتعبير عن رفضهم لهذا المشروع، إضافة إلى حملات التوعية وكتابة المقالات الصحفية والإعلامية، وإعلان الحرم الاجتماعي والديني على كل من يشارك أو يساعد في بناء هذا المشروع من أبناء الجولان.
ومن أجل مناهضة المشروع، أسس الجولانيون هيئة مكونة من لجان شعبية، فيها تمثيل شعبي وشبابي وقانوني وإعلامي ولجنة لتجنيد الموارد لتقود المجتمع ضد هذا المشروع، وقد صَعُبَ العمل مؤخرًا على كل الأصعدة، بسبب انتشار فيروس كورونا وفرض حظر التجول والتجمع على السكان، كما استغل الاحتلال عبر قواته الأمنية الوضع الناجم عن كوفيد-19 من أجل تقييد وقمع العمل ضد المشروع، حيث فض اجتماعات اللجان الشعبية ومخالفة المشتركين فيها.
أضرار المشروع
أما عن أضرار المشروع، فهي كثيرة، عدا عن الضرر الأكبر مباشرة المتمثل بمصادرة الأراضي، فيتضرر بسبب المشروع في حال قيامه الكثير من الحيوانات والنباتات مما سيؤدي لأضرار كبيرة في الغطاء الطبيعي في شمال الجولان.
للمشروع أيضًا أضرار بيئية ستساهم في محو التراث الزراعي لأهل الجولان الذي يعود إلى مئات السنين، إضافة للتضييق على مصدر الرزق الأساسي الجولانيين ألا وهو الزراعة، كما أن المشروع سيساهم في خنق القرى السورية المتبقية وتقطيع أوصالها – بسبب المنطقة التي سيقام عليها، التي تقع في الوسط بين القرى – إضافة إلى الحد من توسعها العمراني، فمثلًا، المشروع سيقام جنوب قرية مجدل شمس التي لا تستطيع التوسع أصلًا شمالًا أو شرقًا بسبب حقول الألغام وخط إطلاق وقف النار، ولا غربًا بسبب المعسكرات التي أقامها جيش الاحتلال هناك مؤخرًا، وبسبب المستوطنات الصهيونية المقامة على أنقاض قرية “جباثا الزيت” السورية المهجرة، ليأتي المشروع فيحد مجدل شمس من المنطقة الوحيدة المتاحة للتوسع وهي جنوبًا.
كل هذا إضافة لبعض الأبحاث العلمية التي تثبت الضرر الصحي لهكذا مشروع يبعد عن التجمعات السكنية فقط كيلومتر واحد، بسبب صوت المراوح القوي الذي سيصدح يوميًا في سمائنا على مدار 24 ساعة.
مظاهرات أهالي مجدل شمس ضد مشروع المراوح في يناير 2020
ما ذكرته أعلاه يثبت كون هذا المشروع مشروعًا لجعل الحياة في شمالي الجولان مستحيلة، من جميع النواحي، مما يؤسس للتهجير “الطوعي” للقرى السورية المتبقية، وقد صدقت إحدى اللافتات التي رفعت في المظاهرات ضد المشروع، التي كتب عليها: “لا لمشروع التهجير الممنهج”.
إن الاستيلاء على الأراضي ومصادرتها وخنق السكان الأصليين والقضاء على إرثهم الزراعي بحجة المشاريع البيئية هي طريقة إسرائيلية معروفة، استعملتها “إسرائيل” قبل هذا في الجولان وفلسطين، فقد صودرت آلاف الدونمات من أراضي السوريين والفلسطينيين بحجة إقامة “محميات طبيعية” مثلًا.
أيضًا انتهزت شركة الطاقة الإسرائيلية، إنرجكس، في الفترة الماضية عقب انتشار وباء كوڤيد-19 حالة الإغلاق العام في الجولان السوري المحتل لتطوير المواقع التي تستهدفها حيث تفقد ممثلو الشركة، تحت حماية شرطة الاحتلال الإسرائيلي، منطقة المشروع لترسيم المواقع ووضع اللافتات.
في هذه الأثناء، وبسبب القيود المفروضة على حرية الحركة، لم يستطع السكان مراقبة هذا النشاط أو الاعتراض عليه، أما الذين خاطروا بأنفسهم للخروج وتصوير زيارات إنرجكس وشرطة الاحتلال الإسرائيلي لمواقع المشروع، تعرضوا لاحقًا للمضايقة والاستجواب من شرطة الاحتلال الإسرائيلي.
في يوم 17 يونيو/حزيران 2020، أعلنت شركة الرياح الإسرائيلية، عبر إشعار تلقاه المزارعون أصحاب الأراضي المزمع مصادرتها، عزمها دخول الأراضي والبدء في الاستيلاء عليها يوم السبت 27 يونيو/حزيران 2020، مما يبقي الجولانيين مع القليل من إمكانات المواجهة، فتم الإعلان عن اعتصام ودعوة الأهالي للحضور في الأراضي يوم السبت من الساعة العاشرة صباحًا.
لا نعلم تحديدًا كيف ستدخل الشركة إلى الأراضي، لكن من المرجح دخولها بمرافقة قوات الشرطة والجيش، مما قد يتطور إلى مواجهات أو قمع لاعتصام الأهالي هناك.
قد تكون إمكانات المواجهة الباقية بين أيادينا قليلة الآن، لكنها ما زالت موجودة، فالمعركة طويلة ومشروع ضخم كمشروع المراوح سوف يأخذ الكثير من الوقت لبنائه وتشييده، ونحن، لن نذهب إلى أي مكان.
يقف السوريون في الجولان المحتل اليوم على مفترق طرق في تاريخهم النضالي ضد الاحتلال الإسرائيلي، فانتصار معركتهم ضد مشروع المراوح الذي سوف يجعل الحياة في شمالي الجولان لا تطاق، هو انتصار لسوريا المنكوبة، هذه المعركة، في صلبها، جولة جديدة من معركة على هوية الأرض، على سورية الأرض، هذا هو سياقها وهذه حقيقتها.