قالت وزيرة الخارجية السودانية أسماء محمد عبد الله، إن رفع اسم بلادها من اللائحة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب بات وشيكًا، لافتة إلى أنه يجري حاليًّا وضع اللمسات الأخيرة لاتفاق بشأن تسوية آخر المسائل العالقة بين البلدين، والمتعلقة بتعويضات ضحايا تفجيري السفارتين الأمريكيتين في كينيا وتنزانيا عام 1998.
وأشارت إلى أن هناك وفدًا رسميًا من الحكومة السودانية الآن في واشنطن للتفاوض مع محاميي ضحايا التفجيرين في مقر وزارة الخارجية، إكمالًا لخطوة سابقة اتخذتها الخرطوم مطلع أبريل/نيسان الماضي بشأن اكتمال التسوية مع ضحايا المدمرة يو إس إس كول التي تم تفجيرها قبالة ميناء عدن عام 2000 ما أسفر عن مقتل 17 من بحارتها.
الوزيرة في تصريحاتها التي أدلت بها خلال مقابلة لها مع “فرانس برس” كشفت أن “السودان يكون بذلك قد أوفى بكل متطلبات رفع اسمه من قائمة (الولايات المتحدة) للدول الراعية للارهاب”، معربة عن توقعها أن تتخذ الإدارة الأمريكية مسارًا سريعًا لتكملة الإجراءات التشريعية لهذه الخطوة في أقرب وقت.
نبرة إيجابية في حديث الوزيرة السودانية تعكس حالة من التفاؤل بشأن إتمام هذه الخطوة التي تسعى الخرطوم من خلالها لطي صفحة العقوبات التي فرضت عليها منذ إدراجها على لائحة الإرهاب عام 1993 بسبب علاقاتها ببعض التنظيمات المسلحة وعلى رأسها “القاعدة”، وتكللت بطرد واشنطن للسفير السوداني لديها وتخفيض التمثيل إلى قائم بالأعمال عام 1998.
يذكر أن واشنطن رفعت يوم 6 من أكتوبر/تشرين الأول 2017 عقوبات اقتصادية كانت مفروضة على السودان منذ 1997، غير أنها لم ترفع اسمها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهو الهدف الذي يسعى إليه السودانيون طيلة السنوات الماضية.
تفاؤل ليس الأول من نوعه، وتصريحات شبه مكررة، وسط انقسام بشأن واقعيتها ومدى إمكانية أن تسفر عن جديد هذه المرة، ليبقى السؤال: ماذا قدمت الحكومة السودانية الجديدة من أجل رفع اسم بلادها من قوائم الإرهاب؟ وهل تقتنع واشنطن بمثل تلك المبادرات خاصة أنها تقاعست قبل ذلك أكثر من مرة رغم تدخل بعض الوسطاء؟
تعنت أمريكي
فريق وازن من النخبة السودانية كان ينظر لملف رفع اسم السودان من لائحة الدول الراعية للإرهاب على أنه مسألة وقت ليس إلا، وأن الأمور أيسر من أن تطرح للتعقيدات النقاشية على موائد التناول، مستندين في هذا الموقف إلى المقاربة الأمريكية التي صدرتها للعالم بدعمها تجارب التحول الديمقراطي في العالم.
لكن سرعان ما تعرضت هذه المقاربة، ومعها التفاؤل بالطبع، لحالة من التشويه، بسبب التعنت الأمريكي المستمر ضد السودان، فبين الحين والآخر تستحدث السلطات الأمريكية شروطًا وقيودًا بعضها تعجيزية، لما تسميه “إظهار حسن النوايا” من الجانب السوداني في المسائل المتعلقة بملف العقوبات.
بات من الواضح أن واشنطن بمنظورها الجديد تحمّل الخرطوم – سياسيًا واقتصاديًا – مسؤولية جرائم نظام عمر البشير، وهو ما تكشفه المواقف الأخيرة، فبعد نبرة التفاؤل التي خيمت على المشهد في أعقاب زيارة رئيس الحكومة السودانية عبد الله حمدوك لواشنطن، ديسمبر الماضي، إذ بالمطالب الأمريكية تتجدد بإلزام السودان تسديد 11 مليار دولار إلى أسر ضحايا حادثتي السفارتين.
حمدوك في المؤتمر الذي نظمه مركز أبحاث المجلس الأطلسي بعد اجتماعه بكبار المسؤولين بوزارتي الخارجية والخزانة والكونغرس ألمح إلى أن “المحادثات التي بدأت خلال الأشهر الأخيرة مع الأمريكيين تتقدم في شكل جيد جدًا”، وتابع “نحن نصل لتفاهم أفضل لهذا الملف كل مرة نتحدث فيها معًا”.
مؤشرات إيجابية
العديد من المؤشرات تذهب باتجاه إيجابية الأجواء هذه المرة مقارنة بغيرها، وفق ما أشارت خبيرة الشؤون السودانية بمركز الأهرام للدراسات السياسية والإستراتيجية، الدكتورة أماني الطويل، التي كشفت أن الحكومة الجديدة نجحت في تقديم نفسها كسلطة تسعى بجدية لإنهاء هذا الملف.
الطويل في مقال لها استعرضت بعض تلك المؤشرات التفاؤلية من بينها إلغاء المحكمة الأمريكيَّة العليا حكمًا يأمر السودان بدفع تعويضات إلى عائلات 17 بحارًا أمريكيًا قُتِلوا في تفجير المدمرة كول عام 2000، ورغم أن استناد المحكمة في هذا القرار إلى أسباب إجرائية، فإنها خطوة يمكن أن تسهم في “الدفع نحو بلورة الإجراءات لسن تشريع بقانون من الكونغرس الأمريكي بشأن رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعيَّة للإرهاب، وذلك حتى يمكن هيكلته في منظومة عمل الدولة الأمريكيَّة وتنفيذه”.
علاوة على ذلك نجحت حكومة حمدوك في الحصول على قرار أمريكي برفع مستوى التمثيل الدبلوماسي بين البلدين إلى مستوى السفراء بعد أن خُفِّض منذ العام 1996 على خلفيَّة استهداف سفارتي واشنطن في تنزانيا وكينيا، وهي الخطوة التي بلا شك سيكون لها دور في استشراف مستقبل العلاقات السودانية الأمريكية.
وفي مايو الماضي تلقى السودان موافقة أمريكا على ترشيح نور الدين ساتي، سفيرًا للخرطوم لدى واشنطن، ما دفع المراقبين إلى التفاؤل بشأن مستقبل العلاقات بين البلدين، فيما علق الناطق باسم الخارجية السودانية، السفير حيدر بدوي صادق على هذه الخطوة بأنها “فارقة في ملف إعادة العلاقات والتطبيع مع الولايات المتحدة”.
وأضاف في تصريحاته لـ”القدس العربي” أن الخطوة المقبلة التي يرجوها السودانيون هي تعيين السفير الأمريكي لدى الخرطوم، لافتًا إلى أن هذا الأمر ربما يكون قيد التداول في وزارة الخارجية الأمريكية، وتابع “هذه نقلة في العلاقات بعد نحو ربع قرن من عدم التمثيل المتبادل على مستوى السفراء، وهي خطوة كبيرة في طريق التطبيع الكامل، وبالضرورة، في اتجاه رفع اسم السودان من قائمة الدول الراعية للإرهاب”.
ماذا قدمت الخرطوم؟
منذ الوهلة الأولى لسقوط نظام البشير في أبريل 2019 حرصت السلطة الجديدة ممثلة في حكومة حمدوك على التصدي للتحديات التي تعيق مسيرة النمو والنهوض بالدولة، والتخلص رويدًا رويدًا من إرث نظام “الإنقاذ” الذي يكبل أي تحركات من شأنها الخروج من عنق الزجاجة، على المستويين، السياسي والاقتصادي.
وكان وضع الخرطوم على لائحة الإرهاب وما تلاها من عقوبات أمريكية هي المعوق الأول والتحدي الأبرز أمام الحكومة الجديدة التي أخذت على عاتقها المضي قدمًا للتخلص من هذا القيد الذي دفع السودانيون ثمنه غاليًا، وعليه كانت بعض الخطوات لمغازلة واشنطن وإبداء جدية التحركات هذه المرة.
وبعد أسابيع قليلة من تولي حمدوك رئاسة الحكومة، وقبيل توجهه لواشنطن، أصدر قرارًا بحل حزب المؤتمر الوطني الحاكم وقت البشير، الذي كان مسؤولًا عن وضع السودان على قائمة الدول الراعية للإرهاب، وهي الخطوة التي لاقت ترحيبًا كبيرًا داخل الشارع السوداني وفي الأوساط الأمريكية على حد سواء.
كما تبنت الخرطوم حزمة من الإستراتيجيات المتعلقة بتخفيف التوتر في مناطق النزاع وإيصال المساعدات الإنسانية لتلك المناطق، بجانب المضي قدمًا في تعزيز مسار حقوق الإنسان وحرية التعبير، وهي المطالب التي وضعت واشنطن الحكومة السودانية تحت مجهر الاختبار بشأنها كشرط لرفع اسمها من لائحة الإرهاب.
ورغم ما يبذله السودان لتقديم أوراق اعتماده كدولة تحترم الحقوق والحريات وتناهض الإرهاب ومساراته، بجانب دخول بعض الوساطات على خط الأزمة، فإن الموقف الأمريكي لا يزال غامضًا، وإن بدت إيجابية المؤشرات التي تخيم على الأجواء.
حالة من التخوف تنتاب البعض بشأن خضوع الخرطوم لابتزاز يضع استقلالية قرارها السياسي على المحك في مقابل الحصول على شهادة الإعفاء الأمريكية، إلا أن ذلك لا ينكر حالة التقارب في العلاقات بين البلدين خلال الفترة الماضية، التي كانت للظروف والمستجدات الأخيرة دور كبير في تعزيزها.
تلك المستجدات ربما تصب في النهاية في صالح السودانيين خاصة أن الإدارة الأمريكية الحاليّة تسعى لتعميق حضورها الإفريقي عبر تعضيد تحالفاتها مع بعض الدول داخل القارة، في ظل المنافسة الشرسة من القوى الدولية الأخرى وفي مقدمتها الصين التي تسبق الخطى لتوسيع شبكة حلفائها الأفارقة، ولعل هذا ما يفسر دخولها على خط الأزمة بشأن ملف سد النهضة.
كان للعقوبات الاقتصادية التي فرضت على الخرطوم منذ 2003 تأثير فادح على خطط التنمية، حيث أعاقت جهود الدولة للاستفادة من مواردها الاقتصادية، كما حالت في الوقت ذاته دون الحصول على المنح والقروض من المؤسسات المالية الدولية، وهو ما أسفر عن تأزم الوضع بصورة لم يشهدها السودان من عقود طويلة.