ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما سعى المهندس شيغيو شينغو لتطبيق مبدأ “بوكا يوكي” على عملية التصنيع في شركة تويوتا في ستينات القرن الماضي، وصفه بأنه طريقة لتطوير المنتجات من خلال “ردع الأحمق” في إشارة إلى الأخطاء التي يرتكبها العمال. ولكن مراعاة لمشاعر العمال سرعان ما غيّر المصطلح إلى “تفادي الخطأ” بعد أن انفجرت إحدى العاملات بالبكاء من نعت “الأحمق”. بعد عقود، وقع إحياء فلسفة “بوكا يوكي” خلال جائحة فيروس كورونا.
يتمثل الهدف من هذا المفهوم في إنشاء عمليات تنطوي على ارتكاب أقل عدد ممكن من الأخطاء. ينطبق هذا المبدأ على كل شيء، انطلاقا من التأكد من تجميع المنتجات بشكل صحيح دون حدوث أخطاء، إلى إعطاء الطيارين وجبات مختلفة أثناء الرحلات الجوية في حال تعرّض أحدهم لوعكة صحية جراء الطعام.
تعتمد شركة “أولستيل” المتخصصة في تصنيع أثاث المكاتب منذ منتصف التسعينات فلسفة بوكا يوكي، وتواصل الاعتماد على الاستشاريين اليابانيين للحصول على المشورة بشأن كيفية الاستمرار في الالتزام بمبادئها. في الوقت الراهن، تساعد هذه الفلسفة الشركة التي تتخذ من موسكاتاين بولاية آيوا مقرا لها، على تصنيع منتجات جديدة تهدف إلى مساعدة العملاء على إعادة موظفيهم إلى المكتب بأمان. وتجدر الإشارة إلى أنها تستخدم مكتبها لتجربة منتجاتها.
بينما تقوم الشركات في جميع أنحاء العالم بإعادة تصميم مساحات مكاتبها ونماذج التشغيل النموذجية الخاصة بها بسرعة لمحاولة إعادة الموظفين إلى المكتب، فإن إعادة تصميم مخططات الطوابق يعد جزءًا لا يتجزأ من هذا التحدي. وهنا يأتي دور فلسفة بوكا يوكي، حيث تحاول شركة “أولستيل” المزاوجة بين التصميمات الجديدة وأنظمة تفادي الأخطاء لضمان التزام الموظفين بالتغييرات.
في حوار له مع “بيزنس إنسايدر”، صرح مدير الشركة كريس ييتس بأن “ما نحاول القيام به في عصر ما بعد كوفيد-19 هو الارتقاء بأماكن العمل إلى مستوى يمكننا من خلاله توجيه البشر نحو ممارسات تباعد اجتماعي آمنة”. وأضاف ييتس أن “هذا الأمر يتعلق بتطبيق الكثير من البروتوكولات، لأنه لا يمكنك تصميم نظام عمل لا يأخذ بعين الاعتبار ما نطلب من الأشخاص القيام به”.
في هذا الإطار، أجرى كل من ييتس وليزا ميلر، مديرة رؤى المنتجات والتطبيقات في شركة “إتش أن إي” التابعة لشركة أولستيل، جولة في مقر “بيزنس إنسايدر” لتوضيح كيف يمكن استخدام فلسفة بوكا يوكي لإنشاء مكان عمل أكثر أمانًا.
تتمثل أول خطوة من عملية إعادة الموظفين إلى المكتب في التأكد من شعورهم بالأمان – مثل إزالة الكراسي الإضافية من المكاتب لتوفير مساحة أكبر.
ثم وضع لافتات في أرجاء المكتب لتذكير الموظفين بالبروتوكولات الجديدة المتعلقة بالتباعد الاجتماعي.
هذا إلى جانب تركيب قواطع مكتبية بين الممرات ومساحات العمل، التي من شأنها منح مساحة شخصية أكبر للموظفين.
يمكن استخدام المساحات الخضراء أيضًا لتقسيم الفضاء وإدخال المزيد من المعالم الخاصة بالعالم الخارجي في صلب المكاتب المغلقة.
لكن شركة أولستيل قد خطت خطوة أخرى إلى الأمام واستخدمت فلسفة “تفادي الخطأ” داخل المنشأة من خلال إضافة بروتوكولات وفرض متطلبات جديدة للموظفين.
في هذا السياق، قالت ميلر: “يمكننا أن نضع كل الإشارات التي نريدها. يمكننا أن نستغني عن كل المقاعد الزائدة. ولكن علينا إيلاء أهمية كبرى للعنصر البشري الذي يعد الورقة الرابحة”. فعلى سبيل المثال، يمكن منح كل موظف قلما لبديا خاصا به لاستخدامه على القواطع المكتبية التي يمكن استعمالها كسبروة.
بالنسبة للكراسي التي ينبغي الاستغناء عنها، على الشركة أن تحرص على اختيار شريط ألوان غير مثير للقلق.
حيال هذا الشأن، قالت ميلر: “في حال كنت تفكر في اختيار شريط تحذير أصفر مثل تلك التي يستخدمها رجال الشرطة، فإن ذلك لن يؤثر إلا على الراحة الفسيولوجية للموظفين بطريقة سلبية. فعلى الرغم من أن هذا اللون محفز للإنتاجية، إلا أنه يؤثر على الناس والكثير من العمليات الأخرى”.
تستخدم أولستيل أيضًا تصميمات أثاث جديدة التي تعتمدها كحاجز طبيعي لإبقاء الموظفين على بعد ستة أقدام عن بعضهم.
أفادت ميلر بأن “هذه الفلسفة تركز على دمج المنتجات والحلول الفعالة ومتعددة الأغراض”. كما تستخدم الشركة مواد قابلة للتنظيف بطبيعتها ولا تحتوي على فجوات أو مساحات صغيرة أخرى يكون من الصعب الوصول إليها من خلال أساليب التنظيف المعروفة.
يمكن أن تساعد الأشكال المضلعة في تحديد المساحة الشخصية للمستخدمين وخلق مسافة طبيعية بين الموظفين.
أشارت ميلر إلى أن “أهمية هذه الاستراتيجية لا تكمن في استخدام الأدوات المكتبية بشكل أكثر كفاءة فحسب ومجرد الاحتفاظ بطاولة مستطيلة وإزالة الكراسي، بل هذا التصميم قادر على أن يحول دون تجاهل الموظفين نصيحة المهنيين الصحيين والجلوس بالقرب من بعضهم البعض. وأوردت ميلر “نحن أمام تحدٍ جديد، فمن خلال هذه الطريقة يمكننا التفكير في أشياء يمكن أن تكون متعددة الأغراض”.
من جانب آخر، تساعد المكاتب النظيفة الجديدة وزيادة جهود التنظيف في الحفاظ على راحة بال الموظفين.
لتعزيز الأمان النفسي للموظفين، تفكر شركة أولستيل حتى في رائحة منتجات التنظيف المستخدمة. وقد أوضحت ميلر أنه “يبقى التذكير البصري من الأمور التي تؤكد ما يحدث من تغييرات. قد تكون رائحة المبيض جيدة في البداية… ولكن بمرور الوقت قد تصبح من عوامل التشتيت”.
تذكر علامات مثل هذه الموظفين بتنظيف الأسطح في المناطق ذات الاستخدام المشترك.
تعزز إعدادات “يين يانغ” التجمعات الصغيرة وتساعد على سير الأشخاص في اتجاهين معاكسين.
تجمع المنتجات المكتبية الجديدة بين إمكانية تعديل الارتفاع والفصل المادي.
يفي المنتج بمطالب بعض الموظفين الذين يفضلون مكتبا يمكن تعديل ارتفاعه وفي الوقت ذاته يضمن متطلبات السلامة الجديدة التي تساعد على منع انتشار الفيروس. وأوضحت ميلر: “لقد قمنا ببناء المكاتب مع عزل مساحة التعاون، لذا لا يزال بإمكانك الحفاظ على مسافة التباعد الاجتماعي ولكن في مساحة أصغر”.
إن تنظيم المقاعد “على طراز المدارج” من شأنه أن يساعد الموظفين على الشعور براحة أكبر للعمل في بيئات تعاونية.
تضمن هذه التغييرات وغيرها عودة الموظفين بأمان إلى المكتب واستئناف نشاطهم الطبيعي لكن بنسخة معدلة بعض الشيء.
من المؤكد أن روتين العمل في المكتب سيتغير في عصر ما بعد جائحة كورونا. لكن التغييرات البسيطة مثل وضع المزيد من الحواجز بين الممرات والطاولات يمكن أن تمنح الموظفين بعض مظاهر روتينهم السابق.
المصدر: بيزنس إنسايدر