ترجمة وتحرير نون بوست
اندلعت الاشتباكات بين الجماعات المسلحة في إدلب – آخر معقل للمعارضة شمال غرب سوريا – وسط حملة قمع تقوم بها هيئة تحرير الشام تستهدف المنشقين البازرين عن صفوفها والمليشيات المنافسة والمواطنين الأجانب.
دار آخر قتال بين هيئة تحرير الشام وتحالف منافس من فصائل مقاتلة أطلقوا على أنفسهم غرفة عمليات “فاثبتوا” التي تضم “حراس الدين” التي تعد الفرع الرئيسي للقاعدة الآن في إدلب.
تعرض المقاتلون من الطرفين للقتل بالإضافة إلى مدني على الأقل في معركة بالأسلحة النارية في المنطقة المعروفة باسم “طريق السجن” غرب محافظة إدلب، كما أصيب 2 من المدنيين اللذين اتضح أنهما نازحين.
تقول المصادر المحلية إن هيئة تحرير الشام قامت بتقوية نقاط التفتيش العسكرية الخاصة بها خلال المحافظة بتزويدها بعدد أكبر من المقاتلين والأسلحة، إضافة إلى تأسيس نقاط تفتيش جديدة وفرض عمليات تفتيش واسعة على حركة المرور.
قالت وسائل إعلامية أخرى موالية لهيئة تحرير الشام إن بعض الفصائل المتحالفة مع “فاثبتوا” ومن بينها تنسيقية الجهاد تجنبوا مقاتلة هيئة تحرير الشام والتزموا الحياد
أضاف المصدر أن مقاتلي هيئة تحرير الشام حاولوا اقتحام المناطق التي يسيطر عليها “حراس الدين” 6 مرات، لكنهم فشلوا في ذلك وفقدوا دبابتين وعربة مصفحة ورشاشات.
دبابات خفية
في يوم الخميس ووفقًا لمقاطع الفيديو فقد شوهدت دبابات هيئة تحرير الشام وهي متجهة إلى المناطق التي شهدت اشتباكات مستمرة مع رشاشات ثقيلة، قالت علا شريف المقاتلة المقيمة في إدلب عبر قناتها على تليجرام إن أبو محمد الجولاني القائد العام لهيئة تحرير الشام اقتحم قرية عرب سعيد غرب إدلب بالدبابات، كان الجولاني قد أخفى دباباته في معاركه ضد روسيا، ثم أظهرها عندما برزت جماعة قادرة على إيقاف هجماته.
في الوقت نفسه شاركت عشرات الغرف الإخبارية الموالية لهيئة تحرير الشام على تليجرام مزاعم عن قادة غرف العمليات الجديدة والمعتقلين الآخرين في حملة القمع، بالإضافة إلى مطالبة مقاتلي هيئة تحرير الشام بالانضمام لمقاتلة الجماعة المنافسة.
اتهمت وكالة “إباء” الإخبارية الموالية لهيئة تحرير الشام المقاتلين المرتبطين بغرف العمليات بسرقة منشآت مدنية غرب إدلب، ومحاصرة منزل محمد الشيخ الرئيس السابق للإدارة المدنية المدعومة من هيئة تحرير الشام والمعروفة باسم “حكومة الإنقاذ”.
بينما قالت وسائل إعلامية أخرى موالية لهيئة تحرير الشام إن بعض الفصائل المتحالفة مع “فاثبتوا” ومن بينها تنسيقية الجهاد تجنبوا مقاتلة هيئة تحرير الشام والتزموا الحياد.
يقود تنسيقية الجهاد أبو مالك التلي وهو قائد سابق في هيئة تحرير الشام انشق عنها في أبريل بسبب معارضته للاتفاق التركي الروسي الذي أوقف هجوم الحكومة السورية على إدلب مبكرًا هذا العام.
كان التلي – الذي كان عنصرًا رئيسيًا في تشكيل غرفة العمليات الجديدة – قد اعتقل يوم الإثنين عندما حاصرت قوات هيئة تحرير الشام منزله في سرمدا، وكان الجولاني قد دعا التلي سابقًا للعودة إلى هيئة تحرير الشام وطلب منه عدم تشكيل مجموعات جديدة.
عقب اعتقاله قالت هيئة تحرير الشام في بيان لها إن التلي اتخذ طريقًا خاطئًا وكان من واجبها إيقافه باستخدام كل الطرق المتاحة، كما أصدرت بيانًا يمنع مقاتليها من الانشقاق أو تكوين مجموعات جديدة دون إذن مسبق.
غطرسة وعدوان
ردًا على ذلك اتهم أبو العبد أشداء – منشق آخر عن هيئة تحرير الشام والمسؤول الحاليّ عن تنسيقية الجهاد – وسائل الإعلام الموالية لهيئة تحرير الشام بنشر الأكاذيب عن غرفة العمليات الجديدة.
قال أشداء عبر تليجرام: “بعد اعتقال تحرير الشام لمهاجرين وقادة جهاديين وفشلها في الامتثال للشريعة وإصرارها على الغطرسة والعدوان، وضعت فصائل “فاثبتوا” حواجزها غرب إدلب لوقف الاعتقالات”.
إن مشاركة التلي وأشداء – من حلب – في غرفة العمليات الجديدة قد تجذب مقاتلين آخرين نازحين من كل مكان في سوريا مع طموحات بالعودة إلى أراضيهم
ويضيف أشداء: “لا نريد القتال، لكننا ندافع عن أنفسنا، ونحن قادرون على توسيع نطاق سيطرتنا ونشر العديد من الحواجز”، يعد إنشاء الحواجز ونقاط التفتيش بين المناطق الخاضعة لسيطرة الفصائل المنافسة أساسًا لتحقيق توازن القوى والحد من التوترات في أثناء النزاعات المحلية.
في خطوة أخرى واضحة لتخفيف التوتر أصدر الجانبان بيانًا مشتركًا يوم الجمعة قالا فيه إنهما اتفقا على وقف إطلاق النار وإزالة بعض الحواجز، كما اتفقا على إحالة الأشخاص الذين اعتقلتهم هيئة تحرير الشام إلى الهيئة القضائية للحزب الإسلامي التركستاني؛ وهو جماعة إيغورية مسلحة مستقلة قبل بها الجانبان كوسيط.
من بين هؤلاء المعتقلين موظف إغاثة بريطاني يُدعى توقير شريف اعتقل مساء الإثنين، أنكر شريف علاقته بأي من الجماعات المسلحة، لكن ليس واضحًا إذا ما كانت قضية شريف ستُحال إلى قضاة الإيغور أم لا، يبدو أن الاتفاق لا يزال هشًا.
كان التلي – الذي اشتق اسمه من مدينة التل في ضواحي دمشق – قد اشتهر سابقًا بتنسيقه لحادثة خطف مجموعة من الراهبات في مدينة معلولا عام 2013، لكن أطلق سراحهن بعد ذلك مقابل فدية كبيرة.
على كل حال لم يكن التلي قائدًا فعالًا في مسقط رأسه ولم يقدم دعمًا عسكريًا للمعارضة المعتدلة المحاصرة فانتقل في النهاية إلى إدلب، إن مشاركة التلي وأشداء – من حلب – في غرفة العمليات الجديدة قد تجذب مقاتلين آخرين نازحين من كل مكان في سوريا مع طموحات بالعودة إلى أراضيهم.
حلفاء ساحة المعركة
لقد تغير الوضع في إدلب خلال الستة أشهر الماضية بعد أن تمكنت القوات الأسد المدعومة من روسيا من السيطرة على أجزاء كبيرة من إدلب وقوضت نفوذ هيئة تحرير الشام وأدت إلى ظهور معارضة داخلية.
تضم حراس الدين عدة قادة بارزين سابقين من هيئة تحرير الشام بين صفوفها والذين ما زالوا يحتفظون ببعض السيطرة على عدد من مقاتلي هيئة تحرير الشام
سعت هيئة تحرير الشام دائمًا إلى تأكيد هيمنتها على الفصائل العسكرية المنافسة، فقد قامت سابقًا بتحييد أحرار الشام ونور الدين الزنكي التي خاضت معهما قتالًا طويلًا ضد القوات الأسد.
لكن الانشقاقات تسارعت منذ أن سمحت هيئة تحرير الشام للقوات الروسية في إدلب بإدارة دوريات مشتركة مع القوات التركية، وأصبح الكثيرون ينظرون إلى حراس الدين وغرفة العمليات الجديدة كبديل.
لكن المعضلة التي تواجهها هيئة تحرير الشام هو حاجتها إلى حراس الدين كحليف في القتال ضد القوات الأسد والقوات المتحالفة في مناطق سيطرة المعارضة قرب الساحل السوري في جبل الزاوية وجنوب غرب مدينة إدلب.
تحتفظ حراس الدين بقيادة العمليات في تلك المناطق والتي ساهمت في الفصل بين مقاتليها الأشداء في المعارك وهؤلاء الخاضعون لقيادة هيئة تحرير الشام في كل مكان آخر في إدلب.
تضم حراس الدين أيضًا عدة قادة بارزين سابقين من هيئة تحرير الشام بين صفوفها والذين ما زالوا يحتفظون ببعض السيطرة على عدد من مقاتلي هيئة تحرير الشام.
يقول ناشط من إدلب: “كل مقاتل من حراس الدين يعادل 5 من مقاتلي هيئة تحرير الشام فيما يتعلق بقوة العقيدة القتالية وضراوته في القتال، معظم مقاتلي هيئة تحرير الشام هم بقايا جماعات سابقة وقد انضموا إليها تحت ضغط وقد ينشقون في أي لحظة”.
بينما قال ناشط آخر إن حراس الدين قد تسطو بالقوة على هيئة تحرير الشام نظرًا لاستعدادها الواضح للتحضير لمفاوضات دولية لوقف إطلاق النار طويل المدى في إدلب، سيؤدي ذلك إلى مزيد من التدخل الدولي لطرد تنظيم القاعدة.
وأضاف: “ولأنها رفضت حل نفسها استعدادًا لوقف إطلاق نار طويل المدى، فربما تتعرض هيئة تحرير الشام للحل من قبل حراس الدين، ثم تكتسب الدول شرعية أكبر للتدخل من أجل التخلص من جناح القاعدة في البلاد”.
المصدر: ميدل إيست آي