ترجمة: نهى خالد
في مطلع هذا الشهر، وضع كلٌ من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونائب رئيس الوزراء الصيني شانغ جاولي، توقيعيّهما على قسم من أنبوب غاز قرب مدينة ياقوتسك، عاصمة جمهورية ياقوتيا الروسية. سيبدأ ضخ الغاز عبر هذا القسم بدءًا من عام ٢٠١٩، مرورًا ببقية خط أنابيب “طاقة سيبريا” البالغ طوله ٣٩٦٨ًا كيلومتر، ليصل من حقول الغاز الروسية إلى المستهلك الصيني. هذا المشروع، الذي يصل بين شبكتي أنابيب موجودتين بالفعل، هو أكبر مشروع إنشاء في العالم، كما قال بوتين وشانغ.
تتسارع خطى روسيا والصين نحو بناء تحالف طاقة. ففي أكتوبر الماضي، وقعت شركة روسنِفط المملوكة لموسكو، وشركة البترول الوطنية الصينية، صفقةً تاريخية تعطي الصين حصة من حقل بترول بشرق سيبريا. وفي مايو، بدأت كل من شركة غازبروم الروسية ونفس الشركة الصينية، اتفاقًا مدته ٣٠ عامًا وقيمته ٤٠٠ مليار دولار، فيما اعتُبِر قفزة تاريخية أخرى.
وأخيرًا، هذا الشهر، عرض بوتين جزءًا من حقل نفط فانكور، المملوك لـروسنِفط، للشركة الصينية ذاتها في اتفاق قالت عنه “فاينانشال تايمز” أنه يمثّل “تحولًا استراتيجيًا مفاجئًا”. في الماضي، كانت روسيا تشارك شركة طاقة أجنبية إذا احتاجت إلى التكنولوجيا، غير أنها فيما يخص حقل فانكور تملك كل الخبرة التي تحتاجها، وهو بالفعل حقل مُنتِج للنفط. لماذا إذن عرض حصة منه للصين؟ إن الكرملين متعطّش لسيولة بكين النقدية.
هذا التقارب الجديد علامة ضعف لا قوة. فمنذ ٢٠٠٩ والصين تُقرِض شركة روسنِفط، التي تعاني ضعفًا في السيولة النقدية، وبالنظر للعقوبات المؤخرة التي أقرتها الدول الغربية، أصبح وضع الشركة أسوأ، وهو ما يدفعها الآن للبحث عن طوق النجاة لدفع ديونها التي تفوق ٣٠ مليار دولار.
يبدو أن روسيا اكتفت من الغرب وبدأت في الاتجاه شرقًا. فكما قال بوتين هذا الشهر عن موارد الطاقة في بلاده واستغلالها، “إننا نتوخى الحذر دومًا فيما يخص موافقة شركائنا الأجانب، ولكن، بالطبع، ليست هناك أي قيود فيما يخص أصدقاءنا الصينيين.”
أموال الصين ستزوّد بوتين بما يحتاجه، وستجعله أقل عُرضة للتأثر بضغوطات الغرب الاقتصادية، ولكن هذا الحل يخلق مشكلات جديدة. أولًا، على الرئيس الروسي البحث عن طريقة للتعامل مع قوة سيكون -اقتصاديًا- تحت رحمتها. فالكرملين لعب طويلًا لعبة فرّق تَسُد مع الدول الأوربية وشركاتها المستهلِكة، ولكن بكين، على الناحية الأخرى، لن تترك نفسها عُرضة كالأوربيين، إذ تستخدم شركة البترول الوطنية في كل صفقاتها الكبرى مع موسكو، بما فيها صفقة إنشاء محطة “يَمال” للغاز الطبيعي المُسال في سيبريا. سيعاني بوتين كثيرًا من جحيم التعامل مع مستهلك أكبر واحد في آسيا للنفط والغاز والروسيَّين.
ثانيًا، قد لا يحتاج الصينيون كل النفط والغاز الذي وقعّوا للحصول عليه. يبدو للوهلة الأولى أن الصينيين سيظلون متعطشين للطاقة طويلًا، إذ تشي الكثير من التنبؤات بارتفاع الطلب على النفط والغاز هناك. على سبيل المثال، أوردت إدارة معلومات الطاقة الأمريكية أن الصين ستستهلك أكثر من ضعف ما ستستهلكه الولايات المتحدة من طاقة بحلول عام ٢٠٤٠. ولكن هذه التنبؤات استقرائية فقط، وتعتمد على الأنماط الحالية. في الواقع، طلب الصين على الطاقة قد يستقر عند مستوى معيّن إذا استمر قطاعها الصناعي في الهبوط (وهو يتدهور بالفعل). قد يكون هناك مستهلكون آخرون للنفط الروسي في آسيا، لاسيما اليابان وكوريا الجنوبية، ولكن إذا لم تلتزم الصين بما وقعّت عليه مستقبلًا، فإن هؤلاء سيتفاوضون مع موسكو حول أسعارها.
المشكلة الأساسية لبوتين وشركاه هو أن الصين ليست جيدة بما يكفي للاقتصاد الروسي. نعم، الصين هي أكبر شريك اقتصادي لروسيا، بتبادل تجاري بلغ ٩٠ مليار دولار العام الماضي، يتطلع كلاهما أن يصل لمائتي مليار في عشر سنوات، غير أن لهذا النمو الاقتصادي حدود.
الصين لا تريد سوى بضائع روسيا وتقنياتها العسكرية، ولكنها لن تعطي الروس، على المدى الطويل، ما يبغونه: تقنيات تكرير النفط المتطورة والبضائع الكمالية الفاخرة. كما تقول مارلِن كروزكوف، من شركة جوسرِه كابلان نوسباوم الكائنة في نيويورك، لا تزال كلٌ من أوربا والولايات المتحدة شريكًا أفضل اقتصاديًا لروسيا.
ستبني موسكو اقتصادها بالأساس على مبيعات الطاقة للصين، لأسباب جيوسياسية، وستجد في بكين دعمًا وتشجيعًا ربما لن تلقاه في عواصم أخرى يضيرها تصرّف الكرملين على الساحة الدولية. بيد أنه على المدى البعيد، ستكون قدرة روسيا على الاحتفاظ بحيويتها الاقتصادية عبر اعتمادها أساسًا على الصين، أمرًا غير مرجّح.
المصدر: وورلد أفيرز جورنال