يستطيع أي متابع للدراما العربية أن يلاحظ وجود الكثير من الصور المسيئة أو العنصرية، سواء تناولت هذه الصور ابن الريف أم أصحاب البشرة السوداء أم حتى اللاجئين، كما تحتوي بعض الأعمال الفنية العربية على إساءات موجهة لبعض الجنسيات العربية من خلال تقديمهم على شكل صور نمطية مهينة.
نستعرض في هذا التقرير بعض أشكال العنصرية في الأعمال الدرامية العربية، وكيف تسيء إلى فئات مجتمعية كاملة بلا مبالاة ولا وازع.
التمثيل العنصري من حيث المظهر
ومن أبرز أشكاله ما يعرف بالـ”الوجه الأسود” أو “الوجه البني”، حيث يتم تلوين وجه ممثل أو ممثلة من أصحاب البشرة البيضاء باللون الأسود أو البني، لتمثيل دور شخصية ذات بشرة داكنة، والأجدر والأصح هو توظيف ممثل من أصحاب اللون المطلوب بصورة طبيعية دون استخدام ملونات، وتعد هذه الممارسة عنصرية لعدة أسباب:
1- غالبًا يطلى الممثل الأبيض باللون الأسود لأداء أدوار كوميدية هدفها التسلية، وتصور هذه الأدوار أصحاب البشرة السوداء بطريقة غير واقعية وتكرس صورًا نمطيةً غير دقيقة ومهينة لهم، مما يشوه ثقافة هذا الشعب أو العرق بما تحمله من لهجة أو رقصة أو أي عادات وتقاليد أخرى، ويمكننا مشاهدة ذلك في العديد من الأدوار التي تصور شخصيات المفترض أنها سودانية، جسدها ممثلون بيض مطليين باللون الأسود، لعل أشهرها المسلسل المصري “عزمي وأشجان”، كما ظهرت هذه الممارسة في الدراما السورية في عدة أعمال منها المسلسل الشهير “جميل وهناء” عندما تقوم شخصية هناء بالتنكر بزي خادمة سوداء.
2- سبب آخر يجعل تغيير لون الجلد بهدف التسلية فعلًا عنصريًا أنه عمل يجرد أصحاب اللون الأصلي من إنسانيتهم، ويجعل منهم أشكالًا أو مخلوقات خارجة عن المألوف يمكن استخدامها كزي تنكري، وهو أمر غير مقبول، وكمثال على ذلك، أثار أحد الإعلانات الحكومية في سنغافورة غضب الشعب، لأن الإعلان يظهر ممثلًا واحدًا يجسد أعراقًا مختلفة، نظرًا لأن سنغافورة بلد متعدد عرقيًا، ولكن الإعلان لم يلق استحسان العامة مما اضطر الحكومة للاعتذار.
كما أثار أحد الفيديوهات المصورة للمغنية ميريام فارس بعنوان “قومي” ضجة مشابهة، بسبب ظهور ميريام في الأغنية وهي مطلية باللون الأسود في أثناء تنفيذها لرقصة يفترض أنها إفريقية، واعتبر البعض هذا التصرف عنصريًا وغير لائق.
التمثيل العنصري من حيث السلوك
دائمًا ما يأتي هذا النوع جنبًا إلى جنب مع التمثيل العنصري من حيث المظهر، فبعد تلوين الوجه بألوان اصطناعية لتجسيد عرق آخر، يكتمل الدور من خلال قيام الممثل بتكريس صور نمطية خاطئة عن الثقافة التي يحاول تمثيلها، ولعل الضحية الأولى لهذا النوع من العنصرية في الدراما العربية عمومًا والمصرية والخليجية خصوصًا هم شعب السودان، حيث يتم تناولهم على نحو مثير للسخرية والاستهزاء، ومن الأمثلة على ذلك مسلسل “بلوك غشمرة” الذي يعرض في إحدى حلقاته أشخاصًا سودانيين لا يجيدون الكلام ويميلون للنوم والكسل طوال الوقت، وقد تكررت هذه الصورة في الأعمال العربية مرات كثيرة.
من جهة أخرى، كثيرًا ما نشاهد إساءة لأبناء الريف عند تصويرهم بالأعمال التليفزيونية، ويمكننا ملاحظة ذلك بسهولة بالأعمال الفنية السورية، التي غالبًا ما تصور ابن الريف وهو يتكلم لهجة غريبة مبالغ فيها، وقد كانت لهجة موحدة يستخدمها جميع الممثلين عند أدائهم لدور شخص ريفي، وكأن جميع أبناء الريف يتحدثون نفس اللكنة وبالطريقة الغريبة نفسها، إلى أن جاء مسلسل “ضيعة ضايعة” الذي استطاع تقديم العمل بلكنة مميزة تشبه فعلًا المنطقة التي يحكي قصتها العمل، وعلى نفس النسق مسلسل “الخربة” الذي استعرض لهجة بعض مناطق السويداء بطريقة مميزة أيضًا.
كما يتم تصوير ابن الريف في معظم الأحيان بصورة متكررة تنمّط أبناء الريف وتحصرهم ضمنها، فيظهر الشخص الريفي بملابس غير أنيقة وهو يعيش نمط حياة بسيط جدًا، وهي نظرة خاطئة، ففي الواقع نادرًا ما نستطيع تمييز أبناء الريف عن أبناء المدن من حيث المظهر أو نمط حياتهم.
ومن الأمثلة على ذلك شخصية لبنى في مسلسل صبايا الجزء الأول، التي لعبت دورها الممثلة ديمة الجندي، حيث تجسد فتاة ريفية بسيطة، غالبًا ما تتصرف بطريقة بلهاء لا تليق بمظهر بقية الصبايا، كما يظهر المسلسل بعض زميلاتها في السكن وهن يعاملنها بطريقة فوقية على امتداد المسلسل.
نفس الموضوع ينطبق على البدو أيضًا، وهم من أكثر الفئات التي أساءت لها الدراما السورية، من خلال تصويرهم الدائم على أنهم يقطنون الخيام ويعيشون حياة بدائية بقيادة شيوخ ساذجين، والحقيقة أن بدو سوريا ينقسمون إلى قسمين: منهم من بقي في البادية ومنهم من غادرها منذ سنين طويلة إلى المدن أو الأرياف، وعمل في الزراعة أو الصناعة، وبالتالي تصويرهم الدائم على هذا النحو يعد فعلًا عنصريًا أيضًا، ولا نتحدث هنا بالطبع عن المسلسلات التي تقدم أعمالًا بدوية خالصة وتعرض حياة البدو كما هي، بل الأعمال الكوميدية التي تظهر شخصيات بدوية ساذجة
كما أساءت الدراما السورية إلى سكان الجزيرة، وغيرها من المدن المنسية والمهمشة إعلاميًا في سوريا، فصورتهم بصور نمطية متكررة غير صحيحة ولا يمكن تعميمها، مثل تصوير ابن مدينة إدلب على أنه شرطي مرور دائمًا، وإظهار أبناء منطقة الفرات بصورة متخلفة في معظم الأحيان، ولطالما أثار هذا التنميط غضب سكان تلك المناطق ورفضهم لتصويرهم بهذه الطريقة.
استخدام عبارات عنصرية في الحوارات
يقول محمد هنيدي في أحد مشاهد فيلم “صعيدي في الجامعة الأمريكية” عندما تقوم فتاة سمراء بإغلاق النور في غرفتها: “وبتطفي النور ليه، ما أنتِ مضلمة خلقة” وفي مشهد لاحق يقول لها معلقًا على خبر وفاة أحدهم “ماتت من وشك الأسود”.
في فيلم “اللي بالي بالك”، يجامل محمد سعد زوجته “إيه الشمس اللي منورة الدنيا دي”، ثم يفاجأ بأحد الخدم أسمر البشرة فيعلق “إيه الليل اللي هجم ده”.
أما أحمد السقا وأحمد عيد عند دخولهم أحد الملاهي الليلية في فيلم أفريكانو، ليقابلا فتيات إفريقيات أنهين سهرتهن، فيعلق عيد “هو النور قاطع جوة ولا إيه”.
في المحصلة، أظهرت السينما المصرية تنميطًا واضحًا في أدوار أصحاب البشرة السمراء على مدار تاريخها، ونخص بالذكر السينما المصرية دون سواها هنا لأنها الأكثر شهرة على مستوى الوطن العربي، فقديمًا استخدمت الأفلام المصرية الممثلين السود فقط لتأدية أدوار الطباخين أو البوابين أو السفرجية، والآن لا يستخدم الممثل الأسود إلا في المشاهد العابرة وعلى سبيل النكتة، وإذا كان هنالك حاجة لممثل أسود في دور أكثر أهمية، يصبغ الممثل الأبيض باللون الأسود ويؤدي الدور المطلوب.
الجانب الجيد من الأمر هو وضع هذا الموضوع على طاولة النقاش المجتمعي مؤخرًا، حيث نرى رفض شريحة لا بأس بها من الشباب لهذه الممارسات، كما خصصت مساحة كبيرة في وسائل الإعلام – المقروءة خصوصًا – لتناول هذا الموضوع ونقده، ولنقاش مثل هذه الأمور وطرحها للرأي العام فائدة في العمل على الحد منها، والتخلص منها نهائيًا في المستقبل، حتى يستطيع صناع الكوميديا أو الدراما العربية تنقية الأعمال الفنية من أي شوائب عنصرية.