ترجمة وتحرير: نون بوست
ذكر الصحفي الفرنسي جون غيسنال، في كتابه الصادر سنة 2019 “التاريخ السري لوكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية” أن “الانتصارات التي أحرزها خليفة حفتر في ليبيا يعود فيها الفضل للفرنسيين … الذين لا يتبجحون ولا يهتفون بها”. ومن بين الفصول التي تتحدث عن أجهزة المخابرات الفرنسية، يصف الكاتب، وهو صحفي في مجلة “لو بوان” المتخصصة في الشؤون العسكرية، تفاصيل الدعم السري الذي قدمته باريس للمشير الليبي خليفة حفتر ومدى قربه من رئيس الدبلوماسية الفرنسية جان إيف لودريان.
في الواقع، لمزيد تمثل الرابط الذين يجمعهما وفهم هذا الدعم جيدا، يجب أن نعود إلى حدث إطلاق حفتر لعملية الكرامة ضد مجموعات من المقاتلين الإسلاميين في بنغازي وضد ميليشيات مصراتة في أيار /مايو 2014. فسر غيسنال أن “حفتر يتلقى الدعم من دولتين عربيتين لن تتخلى عنه أبدا، وهما مصر والإمارات. وبمباركة ضمنية من باريس، تصل الأسلحة إلى هناك، في انتهاك صارخ للحظر الذي قررته الأمم المتحدة سنة 2011″. ويضيف غيسنال: “إن حفتر هذا العسكري الاستبدادي والرجعي معروف جيدا في فرنسا منذ عقود”.
حسب جون غيسنال، “السيسي هو الرجل الذي يهمس في أذن لو دريان”.
من جهة أخرى، قال الكاتب: “إن القائد السابق للقوات الليبية الذي غزا تشاد سنة 1983، هو في الواقع الخليفة حفتر الرجل التكتيكي المحنك الذي اعتقل من قبل التشاديين الذين دعمتهم فرنسا سرا ولكن بقوة بعد تزويدهم بصواريخ ميلان المضادة للدبابات، وذلك عقب فوزهم سنة 1987، في وادي الدوم”. وأضاف غيسنال قائلا: “تتصالح فرنسا اليوم مع أعدائها، ماحية ما حصل في التاريخ القديم، لتصبح أقوى داعم لخليفة حفتر في المعسكر الدولي”.
بعد مرور أشهر قليلة على إطلاق “عملية الكرامة” في تشرين الثاني/نوفمبر سنة 2014، استقبل الرئيس فرانسوا هولاند الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي. وخلال هذه الزيارة، التي ناقش خلالها السيسي عقود الأسلحة مع الفرنسيين، طالب باريس بمد يد العون في ليبيا لخليفة حفتر. وهنا، يقول غيسنال إن “السيسي هو الرجل الذي يهمس في أذن لو دريان”.
تنصب هواجس لو دريان، وزير الدفاع آنذاك، والسيسي وحفتر حول تنامي نفوذ الجماعات الإسلامية المسلحة في ليبيا. وعلى إثر ذلك، تبدأ فرنسا إجراءات سرية على الأراضي الليبية. ويضيف جون غيسنال قائل: “نقلا عن روايات شهود عيان، يعتقد جليل الحرشاوي، الباحث في معهد كلينغيديل الهولندي، أن العناصر الأولى التابعة لوكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية وصلت إلى الزنتان في تشرين الثاني/نوفمبر 2014، ثم حلت في شباط/ فبراير أو آذار/ مارس 2015 في مطار بنينا، بالقرب من بنغازي. عدا ذلك، في الرابع من كانون الأول/ ديسمبر 2015، أعلن قصر الإليزيه أن فرنسا أطلقت مهمة استطلاع ومراقبة قبل شهر على سرت، مسقط رأس معمر القذافي والتي يسيطر عليها تنظيم الدولة”.
القوات السرية لوكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية على عين المكان
إلى جانب المساهمة العسكرية السرية، تدعم باريس حفتر أيضا في مشروعه لتقويض حكومة الوفاق الوطني. وفي كتابه، يفيد غيسنال بأن “حفتر يرفض حكومة الوفاق الوطني لفايز السراج، التي سيكون مقرها في طرابلس في آذار/ مارس 2016 تحت رعاية الأمم المتحدة. ويعتبر حفتر السراج حليفا للإخوان المسلمين ورهينة بين أيادي المليشيات المحلية. وتشاركه وزارة الخارجية الفرنسية التي يترأسها جان إيف لودريان هذا الموقف، من خلال إظهار الصرامة في التعامل مع العملية الديبلوماسية الحالية”.
ينقل جون غيسنال عن مصدر فرنسي رسمي موثوق: “عندما لا نريد أن نفعل أي شيء، نمارس الدبلوماسية. لكن ماذا ننتظر؟ هل نترقب هجوما شرسا من ليبيا؟ يستقر تنظيم الدولة هناك بشكل مريح، لذلك ستكون الاستفاقة قاسية. في الواقع، لا يوجد ضمير وطني، ولا لعبة وطنية في ليبيا. نحن نستعد للغد المؤلم”.
على أرض الواقع، يطلعنا الكتاب على أن القوى السرية في وكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية كانت موجودة بالفعل في ذلك الوقت، حيث “وقع إرسالها إلى خليفة حفتر في أوائل سنة 2015 بشكل سري وتدريجيا. وتتألف هذه الوحدات من عناصر من مركز تدريب متخصص للمظليين، الذي يدرب الوكلاء الذين يعتزمون العمل في مناطق الأزمات في بربينيا”. وبحسب غيسنال، فإن وجود الجنود الفرنسيين مثبت بوضوح في قاعدة بنينا الجوية، على بعد حوالي عشرين كيلومترا من بنغازي.
في هذا الصدد، قال غيسنال: “الهدف هو إقامة اتصال وتقديم ‘الدعم الفني’ للجيش الوطني الليبي بقيادة خليفة حفتر. بالإضافة إلى توفير معلومات وتحليل صور الأقمار الصناعية والرماة البارعين في درء هجومات القناصة وتوفير التدريب، بالإضافة إلى توفير الحماية الشخصية لخليفة حفتر. أو ربما لضبط أهداف لضربات تُشن على طائرات الحلفاء؟ فأعوان وكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية قادرون على ذلك”.
في المقابل، أعلم خبير جون غيسنال أن “وكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية تجهز وتدرب وحدات الجيش الوطني الليبي. فتدخلهم يضفي مصداقية على مشروع حفتر السياسي. الهدف ثابت وهو مكافحة الإرهاب، أما الخط الأحمر الذي لا يمكن عبوره فهو الاستيلاء العسكري على السلطة. لكن تكمن المشكلة هنا في أنه لا يمكننا التظاهر بأن الخط الأحمر لم يقع تجاوزه”.
الفرنسيون في المقدمة
في نهاية صيف 2016، وبدعم فعال من الخدمات الفرنسية، استولى حفتر على “الرئة الاقتصادية لليبيا، وهي منطقة الهلال النفطي، في حين وقع إنشاء رابط شخصي في فرنسا بين خليفة حفتر وجان إيف لودريان”. وقد كان السياسي الفرنسي ميشيل سكاربونشي، الذي زار القذافي قبل سقوطه، الضامن للعلاقة بين الرجلين. ويعتبر ميشال سكاربونشي “واحدا من الأشخاص النشطين الذين لديهم شبكات واسعة في جميع أنحاء أفريقيا”، وهو النائب السابق وابن عم برنارد سكوارسيني، المدير المركزي السابق للمخابرات الداخلية (2008-2012)، كما أنه متورط في العديد من الفضائح السياسية المالية.
وقعت دعوة سكاربونشي إلى طرابلس إلى جانب نواب آخرين من طرف ابنة القذافي، عائشة في آب/أغسطس سنة 2011، حيث التقوا “على وجه الخصوص ببشير صالح، أحد أقرب المتعاونين مع المرشد والمعروف في فرنسا بأنه في قلب التحقيق حول التمويل الليبي الافتراضي للحملة الرئاسية” لنيكولا ساركوزي سنة 2007.
في الحقيقة، تعتبر فرنسا الاستيلاء على مدينة درنة في حزيران/يونيو 2018 انتصارا لوكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية. وتحت ذريعة “الحرب ضد الإرهاب”، انضم مابين 35 و60 مختص تابع لوكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية إلى جانب الخليفة حفتر. وعلى أرض الواقع، يستخدم الفرنسيون المتواجدون بشكل غير قانوني داخل ليبيا أقوى الوسائل المتاحة لقوات المشاة مثل قذائف الهاون الثقيلة، التي يمكن أن تحدث مخلفات كبيرة جدا وتضمن الانتصار في المعركة إذا وقع استخدامها على نحو صحيح”.
في تشرين الثاني / نوفمبر 2018، “مع عقد قمة جديدة في باليرمو تهدف رسميا إلى التوفيق بين الفصائل الليبية، يحتل الفرنسيون الصفوف الأمامية في العمليات التي يشنها الجيش الليبي والتي تهدف إلى غزو محافظة فزان الجنوبية. وكان النجاح حليفهم. ففي شباط / فبراير 2019، وقع غزو فزان وترتب عن ذلك نقطتان مركزيتان، هما استيلاء خليفة حفتر على حقول النفط شرارة والفيل. وأما بالنسبة للفرنسيين، فإنهم يعتبرون، بلا شك، أنهم قطعوا العلاقات مع القواعد الجهادية الخلفية في جنوب ليبيا التي تدعم الجماعات الناشطة في منطقة الساحل. “
موكب خليفة حفتر في بنغازي، 7 أيار / مايو 2018.
ينقل مؤلف كتاب “التاريخ السري لوكالة الاستخبارات الخارجية الفرنسية” مرة أخرى عن المحلل جليل الحريشاوي: “بمجرد أن تساعده فرنسا، يقوم حفتر بإحراز تقدم سياسي. في باريس، يُزعم أن الدعم يستفيد منه كلا الجانبان في ليبيا، أولا حكومة طرابلس وثانيا حفتر. ولكن هذا غير دقيق، إذ أن حفتر وحده هو الذي يتمتع بالدعم. وفي أيار /مايو 2016، عندما هاجمت ميليشيات مصراتة تنظيم الدولة في سرت، دعمها البريطانيون والإيطاليون والأمريكيون. لكن لم تقدم فرنسا الدعم. عندما لا يقوم حفتر بهجوم، تكون فرنسا غائبة، فهي تتماشى مع مواقفها. في باريس، هناك كراهية للإسلام السياسي، بما في ذلك إسلام الإخوان المعتدلين، وذلك بدعم من الثنائي التركي القطري، الذي يسانده فايز السراج. لكن ما يهم هو إنهاء التعددية. فالسيسي ومحمد بن زايد لا يريدون ذلك. وباريس على حد السواء لا تريد ذلك”.
بالنسبة لجون غيسنال، يريد جان إيف لودريان “مساعدة حفتر، الرجل صعب المراس، على الظهور في صورة الرجل القوي. هذه هي تقاليد علاقة فرنسا بمستعمراتها السابقة في أفريقيا”.
رود في ختام الفصل المخصص للشأن الليبي أن “مثال علاقة فرنسا مع حفتر ليس الوحيد على الساحة. فقد تضطر العديد من الديمقراطيات إلى الدفاع عن مصالحها بدعم شركاء غير محبذين. مثلا، قال الرئيس فرانكلين روزفلت عند الحديث عن الدكتاتور نيكاراغوا أناستاسيو سوموزا ‘قد يكون شخصا سيئا، ولكن تربطنا به مصالح، إذن هو ابننا'”.
المصدر: ميدل إيست أي