سيطر مرتزقة “فاغنر” الروسية والجنجويد السودانية، مؤخرًا، على حقل الشرارة النفطي جنوبي ليبيا، في سابقة خطيرة تهدد أمن البلاد القومي، وفق وزير الداخلية الليبي. سيطرة جاءت بعد أشهر من حصار للحقل الأكبر في البلاد لوقف إنتاجه، ما من شأنه أن يزيد خسائر ليبيا التي تخطت 6 مليارات دولار في أقل من 6 أشهر من الغلق القسري.
في هذا التقرير لنون بوست ضمن ملف “مفاتيح ليبيا“، سنتحدث عن النفط الليبي وأبرز حقول الإنتاج وموانئ التصدير والشركات العاملة في هذا القطاع، فضلًا عن الأطراف المسيطرة عليه وأهميته بالنسبة للأطراف المتدخلة في الشأن الليبي.
إنتاج متذبذب
يتميز إنتاج النفط في ليبيا بالتذبذب، فمرة نجده بلغ مستويات قياسية وفاق 1.22 مليون برميل يوميًا، وفق بيانات متطابقة لمؤسسة النفط الليبية ومنظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك)، ومرة نجده لا يتجاوز 70 ألف برميل يوميًا، وأخرى لا ينتج أي برميل. وكانت ليبيا تنتج قبل ثورة فبرايرنحو 1.6 مليون برميل يوميًا.
ففي بداية أبريل/نيسان، بلغ الإنتاج نخو 93 ألف بريل يوميًا، مدفوعًا باستمرار إغلاق الحقول القسري منذ 17 من يناير/كانون ثاني، عندما أغلق موالون لحفتر ميناء الزويتينة (شرق)، بدعوى أن أموال بيع النفط تستخدمها حكومة الوفاق الوطني المعترف بها دوليًا، ما جعل البلاد تخسر نحو 4 مليارات دولارـ ليصار إلى إعلان حالة “القوة القاهرة” فيها.
قبل ذلك، تراجع إنتاج النفط الليبي إلى 79.6 ألف برميل يوميًا بسبب الإقفالات غير القانونية للمنشآت النفطية. وتتجاوز إجمالي خسائر إغلاق الموانئ والحقول النفطية بعد 161 يومًا على الغلق القسري، 6 مليارات و147 مليون دولار، وفق مؤسسة النفط الليبية، مع ذلك تواصل مليشيات حفتر حالة الغلق.
ويشكل النفط نحو 94% من موارد البلاد، وأهم ما يميزه غزارة الآبار المستخرج منها وقربه من موانئ التصدير، تشير بيانات منظمة الدول المنتجة للنفط “أوبك” إلى أن ليبيا تحتل المرتبة الخامسة عربيًا باحتياطي نفطي يبلغ 48.36 مليار برميل.
وتقدر طاقات مصافي التكرير القائمة في ليبيا بنحو 378 ألف برميل يوميًا، في حين يقدر إجمالي إنتاج المشتقات النفطية في ليبيا بنحو 325.7 ألف برميل يوميًا، وتنتج ليبيا 14.2 ألف برميل يوميًا من الغازولين و39.7 ألف برميل من الكيروسين ووقود الطائرات و80.7 ألف برميل من زيت الغاز والديزل و124.9 ألف من زيت الوقود و59.8 ألف من المشتقات النفطية الأخرى.
أهم الحقول
حقل شرارة
يعد حقل الشرارة النفطي أهم الحقول في ليبيا، إذ كان ينتج سابقًا نحو 300 ألف برميل يوميًا، بما يعادل ربع الناتج المحلي لليبيا من النفط، ويقع حقل الشرارة الذي تم اكتشافه عام 1980، في صحراء مرزق جنوب طرابلس.
طورته في البداية شركة “بتروم”، وتديره حاليًّا المؤسسة الوطنية للنفط في مشروع مشترك مع ريبسول الإسبانية وتوتال الفرنسية و”أو إم في” النمساوية وإكوينور النرويجية.
حقل الواحة
ينتج حقل الواحة نحو 100 ألف برميل، ويقع جنوب مدينة أجدابيا شرقي ليبيا، تديره شركة الواحة التي تعد إحدى أكبر الشركات العاملة في مجال استكشاف وإنتاج النفط في ليبيا، بالشراكة مع شركات توتال وكونوكو فيليبس الأمريكية وماراثون وشركة هيس الأمريكية.
حقل الفيل
يقع في حوض مرزق على بعد 200 كيلومتر جنوب غربي مدينة سبها، وينتج 70 ألف برميل نفط يوميًا، ويحتوي على احتياطات كبيرة من النفط، وتديره المؤسسة الوطنية للنفط وشركة إيني الإيطالية.
حقل آمال النفطي
يقع في منطقة الواحات بالقرب من واحة أوجلة شمال شرقي ليبيا، هو أكبر حقول شركة الهروج للعمليات النفطية ويعد من أكبر وأهم الحقول جميعها في حوض سرت.
حقل زلطن
أحد أكبر الحقول النفطية في خليج سرت ومن أهمها، يبعد نحو 170 كيلومترًا جنوب ميناء البريقة، ينتج الحقل نحو 30.000 برميل يوميًا وتديره شركة سرت للنفط.
حقل البوري البحري
يقع على بعد 120 كيلومترًا شمال الساحل الليبي في البحر المتوسط، اكتشف أول مرة عام 1976 على عمق 2.700 متر، يعتبر أكبر حقل منتج للنفط في البحر المتوسط.
حقل الظهرة
يقع جنوب غرب سرت، يعتبر من أقدم الحقول النفطية المكتشفة، تعرض للتدمير شبه الكامل جراء العمليات القتالية وأعمال التخريب والنهب التي طالت جُل المرافق الإنتاجية والخدمية، لكن أعيد ترميمه من جديد.
تدير الحقل شركة الواحة، وهي مشروع مشترك بين المؤسسة الوطنية للنفط الحكومية وثلاث شركات أمريكية هي هيس وماراثون وكونوكوفيليبس.
حقل الفارغ
يقع جنوب شرق ليبيا، يعود تاريخ اكتشافه إلى عام 1962 وبسبب طبيعته الجيولوجية المعقدة ولأسباب اقتصادية هجرته الشركات الأجنبية.
حقل الجرف البحري
حقل نفط بحري قبالة الساحل الليبي، تديره شركة توتال الفرنسية وشريكتها الألمانية ونترشال، وكان الحقل ينتج يوميًا ما بين 30 ألفًا إلى 35 ألف برميل.
حقل الحمادة النفطي
الحقل تابع لشركة نفوسة للعمليات النفطية، والكائن بالامتياز 47 بحوض غدامس شمال غرب ليبيا، ونفوسة للعمليات النفطية هي مشروع مشترك تأسس عام 2013 بالشراكة بين المؤسسة الوطنية للنفط وشركة ميدكو إنرجي إنترناشونال الإندونيسية وصندوق الثروة السيادي الليبي لتطوير الاكتشافات في منطقة الامتياز رقم 47.
موانئ نفطية
فضلًا عن الحقول، تمتلك ليبيا العديد من الموانئ النفطية المهمة على السواحل الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط وهي:
ميناء السدرة النفطي
أحد أهم موانئ تصدير النفط الليبية الرئيسية، يبعد نحو 180 كيلومترًا شرق مدينة سرت الساحلية، ويستخدم في تصدير النفط الليبي عبر خطوط أنابيب لنقل النفط من الجنوب تصل مسافتها لنحو 1400 كيلومتر.
تزيد طاقته الإنتاجية على 400 ألف برميل يوميًا، ويضم 19 خزانًا بسعة نحو 6.2 ملايين برميل. وقد أنشئ هذا الميناء النفطي عام 1962 بواسطة شركة إفرني الإيطالية.
ميناء راس لانوف
يبعد 23 كيلومترًا عن ميناء السدرة، وتبلغ طاقته الإنتاجية 220 ألف برميل يوميًا، يستخدم في تصدير النفط الليبي عبر خطوط أنابيب لنقل النفط من الحقول النفطية في الجنوب، وبدأ التصدير في العام 1964، ويحتوي على 3 خطوط أنابيب نفط رئيسة و13 صهريج تخزين للنفط تبلغ سعتها 6.5 مليون برميل من النفط.
ميناء الزويتينة
يقع في مدينة أجدابيا على مسافة 180 كيومترًا غرب بنغازي، وتبلغ طاقته الإنتاجية مئة ألف برميل يوميًا، صدر أول شحنة نفط خام بتاريخ 28 من فبراير 1968، تبلغ السعة التخزينية لميناء الزويتينة النفطي نحو 6.5 مليون برميل نفط خام.
ميناء الحريقة
يقع في مدينة طبرق، وتبلغ قدرته الإنتاجية نحو 110 آلاف برميل يوميًا، افتتح سنة 1966.
ميناء البريقة
يقع الميناء في خليج سرت في أقصى نقطة جنوبي البحر المتوسط، ويبعد نحو 600 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس، وهو يتبع شعبية إجدابيا، ينتج كميات ضئيلة من النفط.
ميناء الزاوية
يعد ميناء الزاوية الميناء الوحيد من بين الموانئ المستخدمة لتصدير النفط الواقع في الجزء الغربي لليبيا، فيما تتوزع الموانئ الأخرى في الجزء الشرقي من البلاد.
الشركات النفطية العاملة في ليبيا
تنشط العديد من الشركات النفطية الأجنبية في ليبيا، وتعتبر الشركات الإيطالية الشريك الأول للنفط في ليبيا حيث تتسابق مع فرنسا على انتزاع حصة كبرى للتنقيب والاستكشاف والإنتاج والصيانة مع شركات تمثل مصالح أمريكا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا والجزائر وروسيا.
وتأمل الشركات الأخرى خاصة الصينية والتركية والروسية والبريطانية في الحصول على امتيازات جديدة للتنقيب والحفر هناك في ظل توقع انسحاب عدد من الشركات، بينها شركة فينتر شال الألمانية من ليبيا وماراثون أويل ليبيا الأمريكية، وفيما يلي أبرز الشركات العاملة هناك.
إيني الإيطالية
أكبر شركة نفطية أجنبية تعمل في ليبيا، حيث يبلغ إنتاجها اليومي نحو 600.000 برميل نفط مكافئ (نفط خام، غاز طبيعي، مكثفات غازية من بروبان وبيوتان ونافتا)، بالإضافة إلى إنتاج نحو 450 طنًا من عنصر الكبريت يوميًا.
تدير الشركة عددًا من الحقول النفطية البرية المنتشرة على الجغرافيا الليبية الشاسعة، وحقولًا بحرية متمثلة في ثلاث منصات بحرية وخزان عائم، كما تدير أيضًا شبكة خطوط أنابيب برية مختلفة الأحجام ممتدة لآلاف الكيلومترات.
أوكسيدنتال بتروليوم الأمريكية
بدأت شركة أوكسيدنتال بتروليوم أعمالها في ليبيا منذ العام 1965 وواصلت العمل إلى حين فرض العقوبات الأمريكية على ليبيا العام 1986، ثم عادت للنشاط في العام 2004 بعد رفع الحصار، وفي العام 2008 وقعت الشركة خمسة عقود تنقيب وإنتاج بالمناصفة مع المؤسسة الوطنية الليبية للنفط كما نجحت في تمديد آجال عقودها في البلاد.
توتال الفرنسية
تقوم الشركة بتشغيل وإنتاج حقل المبروك وحقل الجرف من خلال إحدى فروعها وهي شركة “سي.بي.تي.ال”، كما تشارك الشركة في إنتاج بعض الحقول الأخرى مثل حقل الشرارة، وتعمل شركة توتال في ليبيا منذ 60 عامًا، وتركز في نشاطها على الاستكشاف والتنقيب عن النفط في الحقول البرية والبحرية.
هذه الموانئ والحقول النفطية، محل أطماع العديد من الأطراف الداخلية والخارجية
وتبحث شركة توتال الفرنسية عن عقود إضافية خاصة بعد الحصول على حصة شركة “ماراثون أويل ليبيا” الأمريكية البالغة أكثر من 16.33% من امتيازات حقل الواحة الواقع وسط ليبيا، كما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط مطلع الشهر الحاليّ.
إكسون موبيل الأمريكية
استأنفت شركة إكسون موبيل نشاطها في ليبيا عام 2005 عقب رفع العقوبات الأمريكية المفروضة عليها، وفي سبتمبر من العام 2013 قالت الشركة إنها ستقلص عملياتها وعدد موظفيها في ليبيا، مضيفة أنه لم يعد هناك ما يبرر الإبقاء على نشاط كبير هناك في ظل تدهور الوضع الأمني.
بريتش بتروليوم البريطانية
وقعت الشركة اتفاقية مع المؤسسة الوطنية للنفط عام 2007 للتنقيب واستخراج النفط، تشمل امتيازات للتنقيب عن النفط على مساحة 54 ألف كيلومتر مربع في حوض غدامس وحوض سرت قبالة الساحل الليبي.
صراع مستمر
هذه الموانئ والحقول النفطية، محل أطماع العديد من الأطراف الداخلية والخارجية، فالجميع يسعى للاستحواذ على منابع ثروات الذهب الأسود في البلاد، وتستحوذ مليشيات حفتر على الهلال النفطي بما فيه جميع حقول النفط والموانئ النفطية الأربعة، وهي: السدرة وراس لانوف والبريقة والزويتينة، إضافة إلى ميناء الحريقة بمدينة طبرق، أقصى الشرق.
كما تسيطر مليشيات حفتر على أكبر حقلي نفط في إقليم فزان، وهما حقلا الشرارة وحقل الفيل، وقبل أيام اتهمت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية، المرتزقة الروس وأجانب آخرين بدخول حقل الشرارة النفطي.
أما حكومة الوفاق الشرعية، فتسيطر على ميناءين نفطيين، وهما: الزاوية ومليتة، وثالث عائم هو ميناء غزة، وعلى أنبوب وحيد في البلاد لتصدير الغاز، فضلًا عن حقلين بحريين للنفط والغاز، وحقل الحمادة الحمراء النفطية.
وكثيرًا ما تشهد هذه المنشآت النفطية معارك بين قوات المتمرد خليفة حفتر وقوات الوفاق الوطني الشرعية للسيطرة عليها، كما سبق أن حاولت ميليشيات مسلحة لا توالي أي طرف للسيطرة على الآبار والموانئ النفطية قصد تصدير النفط بطرق غير شرعية.
إلى جانب الأطراف الداخلية، تبرز العديد من الأطراف الخارجية التي تتدخل في مجال النفط الليبي، فالشركات الإيطالية تسعى لتعميق سيطرتها على القطاع، أما الشركات الفرنسية فتسعى إلى العودة بقوة لليبيا، فيما تتطلع الشركات الأمريكية لدور أكبر.
لا ننسى أيضًا شركات النفط التركية التي تتجه للحصول على عقود استكشاف وتنقيب للنفط في ليبيا، والشركات الصينية والروسية والإماراتية والمصرية، فجميعها تسعى إلى وضع قدمها في ليبيا والدخول في معادلة الاستثمارات بقطاع الطاقة ليكون لها مكان في خريطة النفط الجديدة.