كان انسحاب بعض الدول من تحالف دعم الشرعية في اليمن، كالمغرب وقطر، وتقليل تمثيل بعض الدول الأخرى من بينها مصر، دافعًا قويًا لتكثيف أبو ظبي والرياض جهودهما للاستعانة بالمرتزقة الأفارقة لتعويض النقص المترتب على هذه الهزة في جسد التحالف.
وكانت تشاد وأوغندا في مقدمة الدول التي هرولت إليها الدولتان الخليجيتان للحصول على خدمات مرتزقيها للمشاركة جنبًا إلى جنب القوات الرسمية المشاركة في اليمن، التي تعرضت لأزمات مع مرور الوقت بسبب انسحاب عدد كبير منها، ليحتل المرتزقة النصيب الأكبر من ساحة المعركة.
ومنذ العام 2018 بدأ المئات من مرتزقة البلدين الإفريقيين في النزوح إلى اليمن، وفق اتفاقيات رسمية وغير رسمية، وذلك مقابل الحصول على امتيازات ومنح مادية كبيرة لهم ولحكومات بلدانهم، كما أشارت العديد من وسائل الإعلام الأجنبية.
وفي الحلقة الثالثة من ملف “مرتزقة أبناء زايد” نستعرض استعانة أبو ظبي بآلاف المرتزقة الأفارقة من أوغندا وتشاد وجنوب إفريقيا، وكيف تحول المقاتلون في تلك الدول إلى سلعة تباع وتشترى لأجل تحقيق أطماع محمد بن زايد وأشقائه في القارة السمراء واليمن.
مرتزقة أوغندا وتشاد
في الـ16 من أبريل/نيسان 2018 نشر موقع “عربي 21” تقريرًا نقل فيه عن مصدر يمني عزم ولي عهد أبو ظبي محمد بن زايد زيارة أوغندا لتوقيع عدد من الاتفاقيات مع الرئيس يوري موسيفيني، من بينها اتفاقية تلتزم فيها أوغندا بتأمين عشرة آلاف مقاتل أوغندي، يكون ألفان منهم في الصومال على أن يتم إرسال البقية إلى اليمن لدعم القوات الإماراتية.
الموقع كشف أن لجوء أبو ظبي لمرتزقة أوغندا يأتي تحسبًا لسحب السودان قواتها المشاركة في التحالف العربي باليمن، لافتًا في الوقت ذاته إلى تخوف سعودي من التحركات الإماراتية في الأراضي اليمنية لا سيما أن الاتفاقية مع أوغندا كانت بعيدًا عن أعين الجانب السعودي.
تقرير لمجلة ميليتري ووتش في يونيو 2018 كشف حصول عدد من الدول الإفريقية في مقدمتها تشاد وأوغندا على مبالغ مالية طائلة من الدولتين النفطتين الغنيتين نظير إرسال مرتزقة لها للحرب في اليمن وليبيا
السيناريو ذاته كررته أبو ظبي مع تشاد، حيث استعانت بمئات المرتزقة من المقاتلين أصحاب الخبرات، وإن كانت لهم مهام خاصة بعيدًا عن معارك القتال في اليمن، وهو ما كشفته “جبهة الوفاق من أجل التغيير” التشادية حين كشفت في ديسمبر 2016 أن عدد مقاتليها في ليبيا بلغ 700 مقاتل، وإن كانت الأمم المتحدة تذهب إلى أن الرقم الفعلي يتراوح بين 1000 و1500 مقاتل.
أما مرتزقة جنوب إفريقيا فكانت تستعين بهم أبو ظبي لتعزيز القدرات القتالية للمرتزقة الكولومبيين والأفارقة، فكانوا يأتون كمدربين في ضوء ما يتمتعون به من خبرات قتالية كبيرة، حيث خاضوا معارك وحروب ضارية ساهمت بشكل كبير في زيادة تأهيلهم العسكري حتى باتوا مقصدًا للعديد من حكومات العالم.
وفي تقرير لمجلة ميليتري ووتش “Military Watch Magazine” في يونيو 2018 كشف حصول عدد من الدول الإفريقية في مقدمتها تشاد وأوغندا على مبالغ مالية طائلة من الدولتين النفطتين الغنيتين نظير إرسال مرتزقة لها للحرب في اليمن وليبيا.
وبات من الواضح أن المال السياسي والتبرع السخي لفقراء إفريقيا وحكوماتها بات النهج الأكثر استخدامًا من أبناء زايد للحصول على خدمات الجيوش النظامية والمرتزقة لدى دول القارة، مستغلة بذلك ما يعانون منه من فقر شديد وتراجع في مستوياتهم الاقتصادية جعلتهم يقدمون إرادتهم السياسية واسقلالهم العسكري سلعة لمن يدفع الثمن.
أزمة دبلوماسية
حالة من الجدل أثارها الحديث عن اتفاقيات أمنية بين أبو ظبي وكامبالا بمقتضاها يذهب 10 آلاف مرتزق للقتال إما جنبًا إلى جنب أو نيابة عن الجنود الإماراتيين في اليمن مقابل المال، ما زاد من وتيرة الاحتقان داخل الشارع الأوغندي ضد النظام بقيادة موسيفيني.
وفي ظل تلك الوضعية المشتعلة اندلعت أزمة دبلوماسية بين البلدين في مايو 2018، كانت شرارتها الأولى ما أثير بشأن بيع نساء أوغنديات في أسواق للنخاسة في دبي، وهو ما دفع البرلمان الأوغندي لتشكيل لجنة تحقيق عاجلة لبحث تلك الادعاءات، فيما التزمت أبو ظبي الصمت.
وعلى الفور استدعت أوغندا سفيرها في الإمارات، نيميشا مادهفاني، للتشاور في هذه المسألة التي أثارت حفيظة الأوغنديين بشكل كبير، في الوقت الذي كشفت فيه الصحافة المحلية هناك ارتفاع حالات الانتحار لفتيات أوغنديات، التي ارتفعت إلى 16 حالة انتحار خلال الفترة بين فبراير/شباط وأغسطس/آب 2017 وأبريل/نيسان 2018.
أحد النواب أشار في كلمته داخل البرلمان إلى أنه وجد عند ذهابه مع نواب آخرين، في إحدى مناطق الإمارات، فتيات من بلدان مختلفة، حيث يتم عرضهن في مزاد علني، وهي الاتهامات التي أثارت حفيظة الإماراتيين بصورة دفعتهم إلى استدعاء السفيرة الأوغندية وطلب تقديم اعتذار رسمي عن تلك الادعاءات، وهو ما لم يستجب له النواب الأوغنديون، ما تسبب في زيادة توتر الأجواء بين البلدين.
النائب الأوغندي روبرت كايفيرو كشف أن الإمارات هددت بوقف إصدار تأشيرات الدخول إلى بلادها، مع إعادة النظر في العلاقات الاقتصادية بين البلدين، وهي التحذيرات التي اعتبرها نواب الدولة الإفريقية ابتزازًا غير مقبول، ما اضطر معه رئيس الدولة للتدخل بنفسه لتلطيف الأجواء بين بلاده والدولة الخليجية.
أسالت المهارات والخبرات القتالية للجنود الأفارقة لعاب الإماراتيين ممن سارعوا للحصول على خدماتهم في مشروعاتهم التوسعية، سواء داخل اليمن أم ليبيا
المال السياسي
لطالما توظف الإمارات مالها السياسي لخدمة أهداف أبناء زايد التوسعية وتلبية لأطماعهم في توسيع دائرة نفوذهم الإقليمي والقاري بما يسمح لهم بمزاحمة الكبار في الشرق الأوسط، عازفة في ذلك على وتر العوز والحاجة التي تشهدها الدول الفقيرة.
وما كان في مقدور أبو ظبي أن تستقدم المرتزقة من دول إفريقيا دون تقديم الإغراء المالي الذي يعوض تلك الدول الفقيرة عن تبعات تقديم أرواح أبنائهم فدية لأهواء السلطات الحاكمة في الإمارات، وهو ما توثقه وبصورة واضحة خريطة العلاقات الاقتصادية بين الإمارة الخليجية ودول القارة.
فخلال الأعوام الأخيرة نمت التجارة بين أوغندا والإمارات بشكل متسارع، حيث بلغ إجمالي التبادل التجاري مع نهاية 2017 بين الشارقة وأوغندا ملياري درهم، فيما أبرمت عشرات الاتفاقيات الاقتصادية بين البلدين في عدد من المجالات الزراعية والتجارية، فضلًا عن التعاون العسكري.
كما دعمت أبو ظبي خطة التنمية الوطنية لجمهورية تشاد للأعوام 2017-2021 وتخصيص 150 مليون دولار العام الماضي، عبر صندوق أبو ظبي للتنمية، لدعم هذه الخطة، وهو ما أثنت عليه الحكومة التشادية التي أعفت مواطني الإمارات من تأشيرة الدخول.
كما قفزت العلاقات الاقتصادية بين الإمارات وجنوب إفريقيا قفزات كبيرة خاصة خلال السنوات الثلاث الماضية، حيث ارتفعت قيمة التبادل التجاري غير النفطي بين البلدين من 9.3 مليارات درهم في 2016 إلى 14.1 مليار درهم عام 2018 بزيادة 4.8 مليارات درهم وبنسبة نمو51.6%.
فيما ارتفعت قيمة تجارة المناطق الحرة بين البلدين خلال الفترة نفسها من ملياري درهم إلى 3.3 مليار بنسبة نمو 64%، وفي الإطار ذاته ارتفعت قيمة تجارة إعادة التصدير من 1.67 مليار درهم عام 2016 إلى 2.3 مليار عام 2018 بنسبة نمو 38%، وارتفعت قيمة التجارة المباشرة بين البلدين من 7.3 مليار إلى 10.7 مليار بزيادة 3.4 مليار درهم وبنسبة 46.6%.
وفي المجمل فقد أسالت المهارات والخبرات القتالية للجنود الأفارقة لعاب الإماراتيين ممن سارعوا للحصول على خدماتهم في مشروعاتهم التوسعية، سواء داخل اليمن أم ليبيا، ورغم الإدانات التي قوبلت بها هذه التحركات من مواطني الدول الإفريقية، فإن الواقع الاقتصادي المؤلم كان نقطة الضعف التي أجاد أبناء زايد – ولا يزالوا – اللعب عليها في تحركاتهم الخارجية.