ست سنوات كاملة مرت على تولي عبد الفتاح السيسي مقاليد الرئاسة في مصر بعد إعلان فوزه في الانتخابات التي جرت في يونيو/حزيران 2014، يسبقها عام كامل من إحكام قبضته على الحكم بعد الإطاحة بأول رئيس مدني منتخب في تاريخ المحروسة، الراحل محمد مرسي، الذي جاء في أعقاب ثورة الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني 2011 وأزاح حسني مبارك من كرسي السلطة بعد 3 عقود.
وعود متتالية قطعها السيسي على نفسه أمام شعبه منذ توليه الحكم، بدءًا من جعله مصر “قد الدنيا” مع بداية العام الأول لولايته الأولى، مرورًا بالتعهد بأن يكون عام 2015 عام الرخاء، ثم مناشدته للمصريين بالصبر خلال الأعوام 2017 و2018 و2019 وصولًا لوعده الأخير بأن مصر ستكون “حاجة تانية خالص”.
في سبتمبر/أيلول 2018 قال السيسي في أثناء افتتاحه مجموعة من المشروعات البنيوية، بحضور كبار المسؤولين والأجهزة التنفيذية وعدد من الإعلاميين والشخصيات العامة: “في 30 يونيو 2020 سنقدم دولة بشكل مختلف خالص غير اللي إنتم موجودين فيها، بجهد الدولة والحكومة والناس، وجهد ولاد مصر”.
وها هو الموعد الذي حدده الرئيس قد حل، ليبقى السؤال: هل بالفعل مصر باتت “حاجة تانية” كما وعد؟ سؤال انقسمت الإجابات بشأنه إلى قسمين، الأول يرى إنجازات الرئيس صداحة مدوية تتمثل في شبكة الطرق والكباري والمشروعات السكنية، فيما يذهب القسم الثاني إلى أن مصر بالفعل أصبحت “حاجة تانية” لكنها “حاجة” سلبية، فقد تراجعت مكانة الدولة وهيبتها، كما تعرضت مواردها للسرقة لتجد الشريحة العظمى من الشعب نفسها في أتون الفقر أو على مشارفه.
أمواج متلاطمة من الفشل والتراجع يصدع بها المشهد المصري حيال عدد من الملفات، الداخلية والخارجية، فبينما تعزف وسائل الإعلام الداعمة للنظام على أوتار التمجيد والإنجازات التي لا وجود لها إلا في مخيلة أنصار الرئيس، هناك الملايين على مشارف الموت البطيء، إما من الفقر المدقع الذي تتسع رقعته يومًا تلو الآخر وإما من قهر السجون والمعتقلات.
تصريحات في مهب الريح
اعتمد السيسي منذ تنصيبه على مغازلة عواطف المصريين عبر تصريحات رنانة، نجحت في دغدغة مشاعرهم، مستندًا إلى أسلوبه العاطفي الذي يتميز به منذ أن عُين وزير للدفاع في عهد مرسي، لكن مع مرور الوقت ثبت تناقضه مع معظم تلك التصريحات التي جاءت من باب الاستهلاك المحلي والترويج السياسي.
كانت البداية في أغسطس/آب 2013 حين صرح عقب الإطاحة بالرئيس الأسبق أنه لن يترشح للرئاسة، قائلًا جملته الخالدة “لن أسمح للتاريخ بأن يكتب أن جيش مصر تحرك من أجل مصالح شخصية”، لكن سرعان ما نقض هذا التصريح بإعلانه الترشح حتى بات رئيسًا بعد ذلك بأقل من 11 شهرًا، وربما يبقى في قصر الرئاسة حتى 2030 بعد التعديلات التي أجراها على الدستور لضمان بقائه أطول فترة ممكنة فوق عرش مصر.
وفي مايو/أيار 2014 خلال لقاء متلفز له أكد أنه لن يقدم على خطوة رفع الدعم عن السلع الأساسية إلا حين “يغتني الناس”، إذ أنه ليس من المنطقي أن يتم رفع الدعم في ظل الأوضاع المعيشية المتردية التي يحياها المصريون، لكنه بعد ذلك رفع الدعم بنسبة وصلت في بعض القطاعات الحيوية إلى 100%، وارتفع معها معدل الفقر بصورة غير مسبوقة في تاريخ البلاد.
في الوقت الذي سعت فيه القاهرة لأن تصبح منصة إقليمية للغاز الطبيعي وأنفقت لأجل ذلك المليارات، فإن حلفائها الثلاث (اليونان وقبرص و”إسرائيل”) وقعوا، اتفاقًا لمد خط أنابيب “شرق المتوسط” في غيابها
أما في سبتمبر/أيلول 2015 فصرح بالفم المليان خلال مقابلة له مع إحدى القنوات أن مصر بها حرية إعلام “غير مسبوقة”، غير أنه بعد أقل من عامين فقط على هذا التصريح بلغ عدد المواقع التي تم حجبها في البلاد أكثر من 500 موقع، فيما يقبع عشرات الصحفيين ونشطاء الرأي داخل السجون والمعتقلات.
الأمر ذاته تكرر في يناير/كانون الثاني 2019 حين أكد أنه لا يوجد في البلاد معتقل سياسي واحد، فيما تشير التقارير الصادرة عن جهات حقوقية، محلية وإقليمية ودولية، والموثقة بشهادات عدة، إلى وجود عشرات آلاف المعتقلين بسبب آرائهم الفكرية وتوجهاتهم السياسية دون محاكمة عادلة.
وبنهاية 2019 وتحديدًا في شهر نوفمبر/تشرين الثاني وبعد إقرار التعديلات الدستورية التي تسمح له بالبقاء في السلطة حتى 2030، قال إنه ألح على الرئيس المؤقت عدلي منصور للترشح للرئاسة من باب المنافسة والزهد في الحكم، لكن الأخير هو من رفض، مع العلم أن المادة “160” من الدستور تنص على أنه لا يجوز لرئيس الجمهورية المؤقت أن يترشح لهذا المنصب.
حقوق مصر التاريخية.. أين ذهبت؟
بعد 7 سنوات من الحكم، 6 بصفة رسمية وواحدة عمليًا، فشل السيسي في الحفاظ على مساحة مصر الإجمالية والمقدرة بمليون كيلومتر مربع، وذلك بعد أن تنازل عن جزيرتي تيران (80 كيلومترًا مربعًا) وصنافير (33 كيلومترًا مربعًا) للحليف السعودي في إطار اتفاقية ترسيم الحدود بين البلدين.
ففي أبريل/نيسان 2016 تنازلت مصر بموجب تلك الاتفاقية عن هاتين الجزيرتين، رغم أهميتهما الإستراتيجية لدورهما في التأمين الدفاعي الإستراتيجي لسيناء، والمياه الإقليمية المصرية في البحر الأحمر، وتمكينهما مصر من إغلاق خليج العقبة بالكامل في حال اندلاع أي حرب مع دولة الاحتلال الإسرائيلي.
تؤثر تلك الخطوة بالتحديد على أمن مصر القومي، حيث أفقدتها نفوذها في خليج العقبة، ومنحت العدو الإسرائيلي – الذي بات حليفًا للقاهرة منذ 2014 وحتى اليوم – فرصة الوجود في هذه المنطقة بحكم التنسيق الأمني والاستخباراتي والتعاون الاستثماري وفق مشروع “نيوم” الذي تروج له الرياض للإسراع بقطار التطبيع.
نجح نظام السيسي خلال السنوات الستة الماضية في القفز بحجم ديون مصر الداخلية والخارجية إلى آفاق غير مسبوقة، حيث بلغ حجم الدين الخارجي المستحق على مصر نحو 112.67 مليار دولار
تعرضت موارد مصر المائية هي الأخرى للإهدار، ففي أواخر 2014 استهل السيسي عامه الأول بالتصديق – في غيبة البرلمان – على اتفاقية إطارية مع قبرص بشأن التعاون في تنمية حقول الغاز في مياه البحر المتوسط، وبمقتضاها حُرمت مصر من حقوقها في حقلي “أفروديت” القبرصي و”ليفياثان” الإسرائيلي اللذين تقدر ثرواتهما بنحو 200 مليار دولار.
السيناريو أعاد نفسه في 2018، حين وقع اتفاقية ترسيم حدود مائية مع اليونان، ورغم ما كشفته بعض المصادر بشأن تنازل مصر عن 7 آلاف كيلومتر مربع، من بينها 3 آلاف كيلومتر مربع مقابل للسواحل التركية من حدود مصر المائية، فإن السيسي أصر على توقيعها.
الغريب أنه في الوقت الذي سعت فيه القاهرة لأن تصبح منصة إقليمية للغاز الطبيعي، وأنفقت لأجل ذلك المليارات، فإن حلفائها الثلاث (اليونان وقبرص و”إسرائيل”) وقعوا، مطلع العام الحاليّ، وفي غياب الجانب المصري، اتفاقًا لمد خط أنابيب “شرق المتوسط” لنقل الغاز الطبيعي من شرق المتوسط إلى أوروبا، وهو الاتفاق الذي أجهض حلم مصر في هذا المجال.
حقوق مصر المائية هي الأخرى باتت في مهب الريح لا سيما بعد قرب انتهاء ملء خزان سد النهضة الإثيوبي، فيما حمّل البعض السيسي مسؤولية ما وصلت إليه الأوضاع الحاليّة من تعنت إثيوبي، معتبرين أن توقيع إعلان المبادئ في مارس/آذار 2015 كان بمثابة موافقة رسمية لإثيوبيا على بناء السد، وعودة التمويل الأجنبي الذي كان قد توقف بعد نجاح الدبلوماسية المصرية في حث الدول المشاركة على وقفه.
تراجع اقتصادي مقلق
نجح نظام السيسي خلال السنوات الستة الماضية في القفز بحجم ديون مصر الداخلية والخارجية إلى آفاق غير مسبوقة، حيث بلغ حجم الدين الخارجي المستحق على مصر إلى نحو 112.67 مليار دولار، ليقفز بنسبة تصل إلى 145%، مما كان عليه عند وصول السيسي إلى الحكم، حيث لم يكن يتجاوز 46 مليار دولار، وذلك حسب بيانات البنك المركزي.
وأمام هذا الارتفاع المريب في الديون لجأت الحكومة إلى اعتماد سياسة الاقتراض الخارجي كإحدى الإستراتيجيات لتسديد تلك القروض، بل وصل الأمر إلى الحديث عن توجه حكومي لبيع أصول مملوكة للدولة إلى مستثمرين (عرب وأجانب) بالشراكة مع “صندوق مصر السيادي” الذي تم تدشينه مؤخرًا.
ومن بين الإستراتيجيات المتبعة لتقليص حجم الإنفاق بما يتماشى مع خطة الإصلاح المقدمة لصندوق النقد الدولي كشرط للحصول على القروض المطلوبة، إلغاء الدعم، الذي تقلص بصورة كبيرة، حيث انخفض في موازنة 2019/2020 على سبيل المثال، قرابة 52.8 مليار جنيه، مما ساهم في رفع أسعار السلع الأساسية وزاد العبء على الأسر المصرية.
هذا بجانب إلغاء دعم الطاقة، وهو المحور الأكثر استنزافًا للموازنة المصرية، حيث تراجع دعم المواد البترولية من 134 مليار جنيه في موازنة 2014/2013، إلى (صفر) في موازنة 2021/2020، مقابل 33.4 مليار جنيه في موازنة 2014، وهو ما زاد من الأعباء الملقاة على كاهل محدودي ومتوسطي الدخل في البلاد.
ومنذ قرار تعويم العملة المحلية “الجنيه” في 2016، زاد التضخم بصورة كبيرة، فيما شهدت الأعوام التالية ارتفاعًا جنونيًا في أسعار السلع والخدمات، الأمر الذي انعكس بالطبع على الحياة المعيشية للمواطنين، وعليه ارتفعت نسبة الفقر المدقع 5.3% وارتفعت نسبة الفقر العام مؤخرًا إلى نسبة 32%، فيما يقبع قرابة 30 مليون مصري تحت مستوى خط الفقر (أقل من 1.9 دولار يوميًا).
سجل حقوقي مشين
حالة من القمع يحياها المصريون خلال السنوات الماضية، بدعوى مكافحة الإرهاب والتطرف، فعلى مدار السنوات الثلاثة الأخيرة جدد السيسي حالة الطوارئ بالبلاد أكثر من 12 مرة، فيما واجهت الأطياف السياسية والفكرية هجمات متباينة من التنكيل والقمع والانتهاك بشتى الأنواع.
وتشير التقارير الحقوقية إلى أنه خلال السنوات الستة الماضية تم رصد مقتل 3185 مصريًا خارج إطار القانون، منهم 2194 في رابعة والنهضة، و766 بمقار الاحتجاز، أما بالنسبة لعدد السجناء والمعتقلين فبلغ 63032 معتقلًا بينهم691 امرأةً و1161 قاصرًا، طبقًا للمنظمة العربية لحقوق الإنسان.
المنظمة أشارت في تقريرها إلى أن أحكام الإعدام بلغت في تلك السنوات 83 حالةً، وتم تثيبت الحكم على 1173، فيما بلغ عدد الحالات التي أُحيلت للمفتي قرابة 2261، أما بخصوص الوضع في سيناء فقد تم مقتل 4441 مواطنًا، واعتقال 11674 بدعوى الاشتباه، وحرق 2093 عربة و4490 دراجة و262 منزلًا وتجريف 355 مزرعة و279 فدانًا.
من أبرز نتائج الحصاد المر لسنوات الحكم الستة للرئيس السيسي ارتهان القرار المصري لبعض الأجندات الإقليمية
وعلى صعيد الحريات الإعلامية فقد تم رصد مقتل11 صحفيًا واعتقال 250، منهم 29 ما زالوا قيد الحبس ودخول 45 صحفيًا قوائم الإرهاب وحجب 535 موقعًا، هذا بخلاف التضييق الممارس على كل الإعلاميين الذين يغردون خارج السرب، إما بالفصل من العمل وإما الملاحقة القضائية، ما اضطر كثير منهم للبقاء في المنزل أو السفر للخارج.
أما على المستوى الحزبي، فالمشهد المصري الآن يعاني من حالة خواء سياسي بالمعنى الحرفي، حيث تحولت الأحزاب إلى كيانات كرتونية لا تمارس إلا ما يطلب منها فقط، بينما تم تفريغ الساحة للحزب الأبرز ميدانيًا الآن، الذي يعتبره البعض امتداد الحزب الوطني المنحل، وهو حزب “مستقبل وطن” الداعم للسيسي قلبًا وقالبًا.
رهن القرار السياسي
كثير من الخبراء يرون أن من أبرز نتائج الحصاد المر لسنوات الحكم الستة للرئيس السيسي ارتهان القرار المصري لبعض الأجندات الإقليمية، وهو الرأي الذي ذهب إليه رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام والرأي العام، مصطفى خضري، حين قال في تصريحات صحفية له: “ثقل مصر الديموغرافي، وجغرافيتها الإستراتيجية، خلقت لها أعداءً يرون في نهضتها من الثبات والخمول الذي عانت منه تهديدًا لمشروعاتهم، ومنافسًا لطموحاتهم، لذلك بذلوا الكثير من الجهد والمال لإذلال المصريين، بتقزيم مصر سياسيًا والاستيلاء على ثرواتها ووأد ثورتها وإعادة توجيهها تبعًا لأهدافهم الإستراتيجية”.
الرأي ذاته أشار إليه سياسيون متخصصون في الشأن الخارجي ممن يرون أنه خلال السنوات الماضية، اتسمت سياسة مصر الخارجية والداخلية بالتبعية لدول مثل السعودية والإمارات و”إسرائيل” وأمريكا وروسيا، وذلك من أجل الحصول على دعم مادي لمواجهة التحديات الداخلية، لافتين إلى أنه عقب توقيع اتفاقية ترسيم الحدود مع السعودية، وقعت القاهرة على ما يزيد على 25 اتفاقية تعاون اقتصادي واستثماري مع المملكة، تُقدر بنحو 25 مليار دولار.
حتى صفقات التسليح التي رفعت ترتيب الجيش المصري إلى المرتبة الأولى عربيًا، البعض ألمح إلى أبعاد سياسية في إبرامها، ففي السنوات الماضية عقدت مصر صفقات أسلحة ضخمة، جعلتها على قائمة أكبر الدول المستوردة للسلاح في المنطقة والعالم، وتجاوزت قيمتها عشرات مليارات الدولارات.
ولعل الصفقة المرتقب توقيعها بين مصر وإيطاليا التي تتضمن مقاتلات يوروفايتر تايفون وفرقاطات بحرية ولانشات صواريخ، بالإضافة إلى 24 طائرة إيرماكي إم-346 للقتال الخفيف والتدريب المتقدم، وقمرًا للاستطلاع والتصوير الراداري، وتقدر قيمتها بتسعة مليارات دولار، فيما كشف البعض عن ارتباطها غير المباشر بقضية الباحث الإيطالي جوليو ريجيني.
ما حدث في السودان والجزائر من إسقاط الحكام المستبدين هناك عن طريق إرادة الجماهير درس قد يعيه المصريون قريبًا، مستفيدين بدروس الانقلابات الفاشلة في الماضي
هل تغير شيء؟
السؤال الذي يفرض نفسه الآن على ألسنة المصريين بعد هذه السنوات الستة التي قضاها السيسي في الحكم، وما تخللها من إخفاقات متتالية على أكثر من ملف.. هل تغير شيء؟ وهو السؤال الذي حاول الكاتب الصحفي ديفيد هيرست، الإجابة عنه في مقاله على موقع “ميدل إيست آي“.
هيرست يرى أن السيسي نجح خلال سنوات حكمه في خلق الظروف نفسها التي أجَّجت الربيع العربي عام 2011، بل إنَّ الظروف الحاليّة ربما تكون أسوأ، كونه استطاع أن يوسع دائرة المعارضة التي تضم جميع ألوان الطيف السياسي، مصريين عاديين، وضباطًا ذوي رتب صغيرة ساخطين في الجيش، ورجال أعمال من عهد مبارك.
ولفت إلى أن الوضع الآن لم يعد في صالح الرئيس المصري وسياساته، حيث توقف ممولا السيسي التقليديين، السعودية والإمارات، عن المضي قدمًا في دعمه دون حد أو مساءلة، بعدما انشغلا بمشاكلهما الداخلية وأزماتهما الخارجية في اليمن وليبيا، هذا بخلاف تباين وجهات النظر بينهما حيال بعض الملفات الإقليمية.
الاحتجاجات الشعبية وإرهاصات ربيع عربي جديد في بعض البلدان، ربما تمثل من وجهة نظر الصحفي البريطاني بارقة أمل قد تغير الأجواء الداخلية المصرية إلى حد ما، وتكون وقودًا للتغيير بالطرق السلمية، فما حدث في السودان والجزائر من إسقاط الحكام المستبدين هناك عن طريق إرادة الجماهير درس قد يعيه المصريون قريبًا، مستفيدين بدروس الانقلابات الفاشلة في الماضي، وهو ما أنجحهم في إدارة عملية الانتقال للسلطة بشكل سلمي وديمقراطي، وهو ما يمكن أن يكون له تأثير في الأحداث في مصر بحسب هيرست.
ورغم أن الأجواء العامة لا تنذر بوجود أي بوادر من شأنها أن تغير في ملامح الخريطة السياسية المصرية لا سيما بعدما نجح السيسي ونظامه في إحكام القبضة على مقاليد الأمور كافة، ساعده في ذلك المستجدات الإقليمية والدولية التي دفعت شعوب العالم وحكوماته للانكفاء على أزماتها الداخلية دون التطرق إلى أي مسائل حقوقية أخرى، فإن التجارب العربية المحيطة والفشل في التعاطي مع الملفات الحيوية ربما تبقي على جذوة الثورة مشتعلة في نفوس المصريين، قابلة للانفجار في أي وقت، ريثما يكون المناخ ملائمًا لذلك.