ترجمة وتحرير: نون بوست
في الرابع من حزيران/ يونيو، قام مجهولون بتخريب تمثال رجل الدين والشاعر محمد سعيد الحبوبي في ساحة الحبوبي، مركز الاحتجاجات في الناصرية جنوب العراق. لم تنشر أي سلطة عراقية رسمية معلومات تكشف عن هوية المسؤولين عن الهجمات التي طالت الممتلكات العامة، وخاصة الآثار والتماثيل.
زعم المحتجون على فيسبوك أن “الاعتداء على تمثال الحبوبي وقع بعد أن غادر المتظاهرون الساحة وذلك من أجل تشويه سمعة المتظاهرين. لذلك إن المتظاهرين في ساحة الحبوبي أبرياء من اقتراف مثل هذه الأعمال”. في الوقت نفسه، ألمح أعضاء البرلمان إلى تنامي عمليات التخريب في المناطق الوسطى والجنوبية، مشيرين إلى أن المتظاهرين وراء هذه الأعمال.
في التاسع عشر من كانون الثاني/ يناير، اتهم القيادي في مليشيا عصائب أهل الحق محمود الربيعي “حفنة من الأوغاد” بتمزيق صورة نائب قائد وحدات الحشد الشعبي الراحل، أبو مهدي المهندس الذي اغتيل في غارة أمريكية في كانون الثاني/ يناير، موجها أصابع الاتهام إلى المتظاهرين.
في تصريح له لموقع المونيتور الأمريكي، أفاد نور الدين أحمد الخليوي، وهو ناشط مشارك في المظاهرات في ساحة الحبوبي، بأن “الأحزاب أشارت إلى عمليات الاعتداء المتكررة على تمثال الحبوبي الذي شهد هجمات سابقة. ليس المتظاهرون هم الذين يقفون وراء هذه الأعمال وإنما أولئك الذين يمثلون الأحزاب الحاكمة والقوى المؤثرة التي تسيطر على مقاليد السلطة. لقد نصبوا الخيام في الساحات واخترقوا المتظاهرين”.
أضاف الخليوي أن “الاعتداء على الممتلكات العامة والآثار والتماثيل مستمر حتى يقع اتهام المتظاهرين بالوقوف وراء مثل هذه الأعمال. لكن يدرك المتظاهرون ذلك جيدًا وتطوعوا لترميم التمثال دون دعم من الحكومة المحلية”.
تدفع الهجمات المختلفة على التماثيل والآثار واللوحات الجدارية الجمهور إلى الاعتقاد بوجود حملة ممنهجة ومستمرة. في الثاني عشر من حزيران/ يونيو 2019، أزال أفراد مجهولون أصابع تمثال شخصية التركمان صلاح الدين أوجي في كركوك. وفي 31 كانون الأول/ ديسمبر 2019، عمدت مجموعة مجهولة إلى تخريب جداريات الثورة في ميدان التحرير في بغداد، وقد صدمت أنباء تخريب تماثيل الشخصيات التاريخية في وسط بغداد، بما في ذلك تمثال الشاعر أبو نواس في 13 من أيلول/ سبتمبر 2018، المفكرين العراقيين.
في هذا السياق، صرّح الرسام شبيب المدحتي، الذي يدير المكتبة الوطنية العراقية والأرشيف في بغداد بأن “الهجمات المتعمدة يقوم بها الشباب العراقي للتعبير عن احتجاجهم ضد السلطات. تعاني معظم الأعمال الفنية من الإهمال من جانب الجهات الحكومية المسؤولة وأصبح العبث بهذه الأعمال الفنية ظاهرة ملحوظة. تعد اللامبالاة نتاج بعض المواقف السياسية والمعتقدات الدينية”.
غالبًا ما تقع الأعمال الفنية فريسة للانتقام السياسي. بمجرد أن تبدأ حقبة سياسية جديدة
يتجسد التمرد ضد الرموز الحضرية والجداريات التابعة للأحزاب الحاكمة في حرق جزء من ضريح زعيم المجلس الأعلى الإسلامي السابق محمد باقر الحكيم في الأول من شهر كانون الأول/ ديسمبر 2019، مع العلم أن الحكيم لقي مصرعه في انفجار سيارة مفخخة في النجف في آب/ أغسطس 2003. وفي الثامن والعشرين من أيار/ مايو، هاجم متظاهرون شباب قبر والد مقتدى الصدر، زعيم التيار الصدري، في النجف. دعا أحد المقربين من الصدر أنصاره إلى الانسحاب من موقع الدفن، مما يشير إلى وجود صراع بين المتظاهرين والصدريين الذين هاجموا المتظاهرين عدة مرات في السابق.
غالبًا ما تقع الأعمال الفنية فريسة للانتقام السياسي. بمجرد أن تبدأ حقبة سياسية جديدة، يقع إزالة أو تدمير رموز الحقبة السابقة. بدأت الحقبة السياسية الحالية خلال سنة 2003 بإسقاط المتظاهرين تمثال صدام حسين في ساحة الفردوس بمساعدة القوات الأمريكية.
في مقابلة له مع موقع المونيتور الأمريكي، قدم محافظ بغداد السابق صلاح عبد الرزاق أمثلة تاريخية عن تأثير السياسة على المعالم الأثرية في الساحات العامة، بما في ذلك “إسقاط تماثيل الجنرال مود والملك فيصل بعد الثورة ضد الملكية في العراق سنة 1958، وهدم نصب الجندي المجهول بعد وصول حزب البعث إلى السلطة في أواخر الثمانينيات، ناهيك عن تدمير اللوحة الجدارية في ساحة الطيران وتمثال الجندي المقاتل بالقرب من الجسر المعلق في بغداد سنة 1991 والهجوم على تماثيل شهرزاد وشهريار في أبو نواس خلال سنة 2011.
أكد عبد الرزاق أن “أولئك الذين يخربون تماثيل الشخصيات الوطنية لا يدركون أهميتها ويعتقدون أنه مجرد قطعة من الحجر أو الحديد لا يحبونها. إن جهلهم الثقافي يمنعهم من إدراك أهمية مثل هذه الآثار”. في الإطار ذاته، نوه المستشار الإعلامي السابق لوزارة الثقافة والسياحة والآثار باسم الزاملي بأن “مهاجمة الآثار والرموز الفنية يعد تعبيرا عن استياء الشعب من السلطة والأحزاب”. ولكنه استبعد احتمال أن يكون “المتظاهرون يطالبون بإصلاحات من خلال القيام بمثل هذه الأعمال، ذلك أنهم يقومون بإصلاح الضرر بأنفسهم”.
في مقابلة مع المونيتور، تحدث عضو اللجنة الأمنية في مجلس محافظة بغداد، سعد المطلبي، عن “العقلية الشعبوية التي لا تميز بين التراث الثقافي والآثار الحكومية”. وأوضح المطلبي أنه “من بين أهداف هذه الجماعات القضاء على الشعور بالأمن الجماعي الذي يمكن تحقيقه بسهولة عند مهاجمة الرموز والمعالم الثقافية والدينية”. على الرغم من أن المطلبي أشار إلى أن “الأجندات السياسية تقف وراء هذه الظاهرة”، إلا أنه أكد أنه من الصعب تحديد الأطراف المسؤولة عنها”. ولعل المستفيدون هم “أولئك الذين يستغلون الاحتجاجات لإثارة الفوضى”.
من جانبه، أوضح المتحدث باسم وزارة الداخلية، خالد المهنا، “لا تؤثر ظاهرة مهاجمة الآثار والتماثيل والرموز في الساحات العامة على الجانب الأمني فحسب، بل هي انعكاس لثقافة اجتماعية نشأت في أوقات الحروب والأزمات والفساد السياسي والاقتصادي – مما يؤدي إلى تمرد اجتماعي ضد أي شيء يتعلق بالحكومة ووسائل الإعلام والفن والتراث والقيم”.
في شأن ذي صلة، قال الخبير القانوني والقاضي السابق علي التميمي لموقع “المونيتور”، إن “قانون الآثار والتراث عدد 55 لسنة 2008 ينص على الحفاظ على الرموز التراثية والفنية التي يعتز بها الناس، وتشمل العقوبات المنجرة عن مخالفة هذا القانون السجن لمدة تصل إلى 10 سنوات بالإضافة إلى غرامة بقيمة الضرر”. مع ذلك، من غير المحتمل – بناءً على التجارب السابقة – أن يقع القبض على الجناة في هذه الجرائم في أي وقت قريب.
المصدر: المونيتور