أصدر الرئيس الجزائري عيد المجيد تبون عفوًا عن عدد من نشطاء الحراك المحكوم عليهم نهائيًا في قضايا تتعلق بنشاطهم السياسي، كيفت قضائيًا بمواد يعاقب عليها القانون الجزائري، فهل ستكون هذه الخطوة بداية لجلوس السلطة والمعارضين من الحراك على طاولة المفاوضات قبل أسابيع من طرح مشروع الدستور للاستفتاء أم أن الفجوة بين الطرفين لا تزال كبيرة، وتحتاج لجهد آخر من المسؤول الأول في البلاد والباحث عن طي الملف السياسي والتفرغ للرهانات الاقتصادية والاجتماعية؟.
خاصةً أن العفو عن المحكومين في قضايا تتعلق بالحراك الشعبي الذي عرفته الجزائر في 22 شباط/ فبراير 2019، سواء بدعوات للتجمهر أو انتقاد قرارات السلطة والمؤسسة العسكرية، أهم المطالب التي دعت لها الأحزاب السياسية والشخصيات البارزة في الحراك للجلوس إلى طاولة الحوار مع السلطة.
قرار العفو
أفاد بيان للرئاسة الجزائرية أن الرئيس عبد المجيد تبون أصدر الأربعاء عفوًا لفائدة أشخاص محبوسين بمناسبة الذكرى المزدوجة الــ 58 لعيدي الاستقلال والشباب المصادف في الخامس من يوليو من كل عام.
وأضاف البيان أنه بمقتضى هذا المرسوم وطبقًا للدستور، ولقانون العقوبات المعدل والمتمم، وبناءً على الرأي الاستشاري للمجلس الأعلى للقضاء، يستفيد من عفو كلي للعقوبة الأشخاص المحبوسون المحكوم عليهم نهائيًا عند تاريخ إمضاء هذا المرسوم.
وشمل القرار ستة أشخاص من نشطاء الحراك، هم علال شريف نصر الدين المعروف باسم “ديدين” والمنحدر من ولاية بومرداس، وأدين بـ3 أشهر حبسًا نافاذًا، وبحلاط إلياس المدان بـ6 أشهر حبسًا نافذًا بتهمة كتابة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي من شأنها “الإضرار بالمصلحة الوطنية“، ومليك رياحي المنحدر من ولاية عين تيموشنت غرب البلاد، الذي أدين بالسجن لمدة 18 شهرًا نافذًا بسبب منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تتمثل في “التحريض على التجمهر، وإهانة رئيس الجمهورية والتقليل من شأن أحكام قضائية”. وشمل قرار العفو أيضًا خاضر حسين، وداود بن عمران جيلالي، وشداد جلول.
وتبع هذا القرار موافقة مجلس قضاء الجزائر العاصمة، يوم الخميس، على طلب الإفراج المؤقت عن الناشط السياسي كريم طابو رئيس الحزب الديمقراطي الاجتماعي غير المعتمد الذي تقدمت به هيئة الدفاع عنه، والناشطة السياسية أميرة بوراوي.
ورفض القضاء في مرات سابقة طلب الإفراج المؤقت عن طابو المدان بعقوبة عام حبسًا نافذًا بتهمة المساس بمعنويات الجيش، ما جعل القرارات تتقاطع كلها على تصنيف هذه الخطوة ضمن القرارات التي اتخذها الرئيس تبون، بالنظر إلى أنه إجرائيًا لا يمكنه التدخل في ذلك، وذلك قطعًا لأي تأويلات قد تعتبر قراراته تدخل في استقلالية العدالة، حتى وإن كان هو القاضي الأول للبلاد.
لا يمكن للرئيس تبون تحقيق آمال الجزائريين الحانقين إلا بالتعجيل بتعديل بعض مواد قانون العقوبات ومحاربة الفساد
وبهذا العفو يكون الرئيس تبون قد وفى بالعهود التي قطعها للمعارضة بالتحرك من أجل الإفراج على نشطاء الحراك الموجودين رهن الحبس، في خطوة قد تظهر حسن نيته في الوفاء بالوعود التي قطعها خلال حملته الانتخابية.
اختبار العدالة
غير أن العفو عن ستة فقط من نشطاء الحراك حتى وإن ثمنّه الجميع، إلا أنه يبقى غير كاف، لأن العفو لا يسقط التهم التي وجهت إلى المحبوسين المفرج عنهم، فحريتهم لا تعني أن تهم التحريض على التجمهر والمساس بمعنويات الجيش، وإهانة رئيس الجمهورية وغيرها قد ألغيت من السيرة القضائية للمطلق سراحهم، وهو مربط الفرس بالنسبة لهؤلاء الذين يرون في هذه التهم نوعًا من التضييق على الحريات، والتي يجب أن لا تكون في “الجزائر الجديدة” التي يرافع الرئيس تبون لأجلها، لذلك يشددون على البراءة قبل العفو.
وتوجه انتقادات للسلطة التي أدارت البلاد بعد حراك 22 فبراير/شباط 2019 سواء المؤقتة أو حتى بعد تولي تبون زمام قيادة البلاد، تتعلق بحبس بعض النشطاء والصحفيين، لذلك لا يتوقف اختبار العدالة الذي يخوضه رئيس البلاد في العفو عن النشطاء الستة فقط، والإفراج المؤقت عن طابو وبوراوي، إنما يشمل القرار أيضًاا الناشط السياسي كريم بلعربي ووليد كشيدة والصحفيين خالد درارني وبلقاسم جير، لأنه حتى لو لم تتفق الآراء مع هؤلاء يظل حبسهم يعكس صورة سوداوية عن البلاد في الخارج، ويرسم مشهدًا مظلمًا عن حقوق الإنسان في البلاد.
وبالنسبة للمحامي نجيب بيطام، فإن الرئيس تبون مدعو لاستعمال الصلاحيات التي يمنحها له الدستور للعفو عن باقي المحبوسين حتى أولئك الذين لم تصدر ضدهم أحكام نهائية، وذلك لقطع الطريق على أي أطراف داخلية أو خارجية تستعمل هذا الملف بهدف تشويه صورة الجزائر أو محاولة الضغط عليها.
وإن كانت العدالة قد ربحت نقاطًا وسط الجزائريين بعد فتحها ملفات الفساد، إلا أن بطء تحركها في استرجاع الأموال المنهوبة المحولة إلى الخارج، وتخفيض عقوبات بعض المتهمين في قضايا فساد بعد الاستئناف مثلما جرى في قضية المحافظين العقاريين المتابع فيها كمال شيخي المدعو “البوشي” قد زعزع ثقة البعض فيها.
وتظل أهم نقطة تسجل في مرمى العدالة الجزائرية هي عدم محاكمة رأس النظام السابق عبد العزيز بوتفليقة الذي يبقى حرًا طليقًا حتى اليوم، رغم أن شعار أصوات الملايين التي خرجت في حراك 22 فبراير طالب بإسقاط نظامه الذي عاث في الجزائر فسادًا، ومحاكمة جميع رموز نظامه.
ولا يمكن للرئيس تبون تحقيق آمال الجزائريين الحانقين إلا بالتعجيل بتعديل بعض مواد قانون العقوبات ومحاربة الفساد التي تسمح بأن لا تكون عقوبة من نهب أموال الشعب طيلة عقدين من الزمن أقل من عشرين سنة، وأن تصل على الأقل إلى الحكم المؤبد ليكون عبرة لكل من تسول له نفسه تكرار هذه الجريمة، ولتسمح بجر حتى المسؤول الأول في البلاد إلى أروقة العدالة، لا أن تكون محاكمته مرتبطة بمحكمة لم تنشأ إلى الآن.
يبقى انضمام فاعلين من الحراك ومن الطبقة السياسية إلى ركب الموافقين على مقترح السلطة لحل الأزمة السياسية في البلاد
قبول
ينتظر أن تساهم الخطوات التي قامت بها السلطة بالإفراج عن محبوسي الحراك في جلوس المعارضة خاصة الأحزاب السياسية على طاولة المفاوضات، ومنها حزب جيل جديد الذي يترأسه جيلالي سفيان، وهو أحد أعضاء قطب البديل الديمقراطي الذي كان يقطاع المسار الذي انتهجته السلطة لحل الأزمة السياسية بعد سقوط ورقة العهدة الخامسة للرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
ويرى جيلالي سفيان أن مشروع تعديل الدستور الذي سيطرحه الرئيس تبون لاستفتاء خطوة هامة على درب بناء نظام سياسي مبني على مبدأ دولة العدل والقانون والفصل بين السلطات.
وقال رئيس حزب جيل جديد إن هناك نية لدى السلطة للانفتاح من أجل القطيعة مع ممارسات النظام السابق والتوجه نحو بناء مؤسسات الدولة على أسس العدل والحرية والديمقراطية واحترام القانون.
ويمثل وفاء الرئيس تبون بالوعود التي قطعها لجلالي سفيان بالعمل على حل مشكلة معتقلي الحراك بادرة قد تدفع أحزاب سياسية أخرى وجهات معارضة للقبول بالتفاوض مع السلطة، خاصة أن جائحة كورونا أثبتت أن خيار الفترة الانتقالية التي دافع عنها جزء من الحراك لم تكن مقترحًا صائبًا، لأنه لو بقت البلاد حتى اليوم دون رئيس لكان هول الوباء على البلاد كبير.
كما أظهرت هذه الأزمة الصحية أن الحراك الشعبي في الجزائر لازال يعاني من أثر مشاكله السابقة المتمثلة في غياب قادة يمثلونه وعدم تجانس وانسجام عناصره إلى حد كبير، بالنظر إلى أن جزءا منه دعا إلى العودة إلى التظاهر في هذه الفترة رغم دعوة المختصين إلى ضرورة احترام قواعد التباعد الاجتماعي والابتعاد عن أي ازدحام، لكن البعض اعتبر هذه التحذيرات مجرد مطية تستعملها السلطة لكسر الحراك، الأمر الذي جعل البعض يشكك في مستوى وعي من يدعون أنهم يمثلون هذه الانتفاضة الشعبية.
ويبقى انضمام فاعلين من الحراك ومن الطبقة السياسية إلى ركب الموافقين على مقترح السلطة لحل الأزمة السياسية في البلاد مرهون بما ستتضمنه النسخة النهائية لمشروع الدستور الذي سيطرح للاستفتاء في المرحلة القادمة، وهو الرهان الذي تعمل إدارة الرئيس عبد المجيد تبون على كسبه، كونه سيفتح المجال للتخلص من العبء السياسي الذي على عاتقها منذ الفوز في انتخابات 12 ديسمبر/ كانون الأول الماضي، بهدف التفرغ لفك ألغام الاقتصاد المتهالك والجبهة الاجتماعية الغاضبة.