ترجمة وتحرير نون بوست
عندما أعلن وزير المالية السعودي محمد الجدعان عن تدابير التقشف في أيار/ مايو، التي شملت اقتطاع 8 مليارات دولار أمريكي من الإنفاق على رؤية 2030 – الخطة الطموحة لولي العهد محمد بن سلمان لإعادة هيكلة الاقتصاد السعودي – افترض خبراء الاقتصاد والنقاد أن هذا الإعلان يعد بمثابة دق ناقوس الموت بالنسبة للمشاريع الضخمة مثل مشروع “نيوم” الذي تبلغ قيمته 500 مليار دولار ويشتمل على بناء مدينة ذكية مستقبلية ضخمة على سواحل البحر الأحمر. ولكن قد يرغب خبراء الاقتصاد والنقاد في إعادة النظر في هذا الأمر مرة أخرى.
في إطار التصدي للانتقادات التي طالتها وسيل الأسئلة المطروحة حول القيمة الاستراتيجية للمشروع في الوقت الذي تكافح فيه المملكة مع التداعيات الاقتصادية للجائحة وتأثير انهيار أسعار النفط فضلا عن الجدل القائم حول مقتل زعيم قبلي قاوم التهجير، أعلنت شركة “نيوم” الأسبوع الماضي عن التعاقد مع شركة علاقات عامة وضغط أمريكية.
أبرم عقد نيوم بقيمة 1.7 مليون دولار أمريكي مع “رودر فين” – وهي شركة علاقات عامة لها مكاتب في الولايات المتحدة وبريطانيا وآسيا – في وقت تسعى فيه المملكة لإنقاذ مشروع ضخم آخر وهو الاستحواذ على نادي كرة القدم الإنجليزي الذي يلعب في الدوري الإنجليزي الممتاز، نيوكاسل يونايتد، بعد أن أحاطت بها اتهامات تفيد بأن الحكومة السعودية سمحت بقرصنة البث التلفزيوني على إثر خلافها مع دولة قطر الخليجية.
أثبت الجدل القائم الخطر المهدد للسمعة الذي تنطوي عليه عمليات الاستحواذ البارزة. لم تكن القرصنة العامل الوحيد الذي ساهم في تعقيد عملية الاستحواذ على نيوكاسل، حيث لعب سجل المملكة في انتهاكات حقوق الإنسان دورًا في ذلك أيضا بشن الاعتقالات الجماعية التي طالت النشطاء والمعارضين فضلا عن مقتل الصحفي جمال خاشقجي سنة 2018 في القنصلية السعودية في إسطنبول.
يبدو أن عقد نيوم مع رودر فين يعد بمثابة محاولة لإصلاح الضرر الذي لحق بسمعتها.
بعد التقرير المدمر الذي نشرته منظمة التجارة العالمية، سعت المملكة العربية السعودية بسرعة للتصدي للانتقادات من خلال إزالة أجهزة “بي آوت كيو”، التي استُخدمت في قرصنة البرامج الرياضية التي تعاقدت عليها بشكل قانوني شبكة “بي إن” الخاصة بشبكة التلفزيون القطرية المملوكة للدولة “الجزيرة”. وقد بُثت برامج “بي آوت كيو” بواسطة قمر عرب سات السعودية.
في الواقع، استفادت “بي آوت كيو” من قرار حظر شبكة “بي إن” في المملكة كجزء من المقاطعة الدبلوماسية والاقتصادية السعودية-الإماراتية التي دامت ثلاث سنوات لدولة قطر الخليجية. ولكن المقاهي الرياضية السعودية عادت لبث قنوات “بي إن” لأول مرة فور صدور تقرير منظمة التجارة العالمية.
على غرار ردّ السعودية على منظمة التجارة العالمية، يبدو أن عقد نيوم مع رودر فين يعد بمثابة محاولة لإصلاح الضرر الذي لحق بسمعتها. يبدو أن تفويض رودر فين الهدف منه مواجهة تداعيات مقتل عبد الرحيم الحويطي في نيسان/ أبريل، الذي وصفته الحكومة بالإرهابي، ولإبراز نيوم كشركة مسؤولة اجتماعيًا عازمة على التفاعل مع مجتمعها المحلي.
تحديا لفكرة أن نيوم كانت تعمل على الحد من الضرر الذي لحق بسمعتها، جادل علي الشهابي، وهو محلل سياسي ومصرفي سابق وعضو المجلس الاستشاري لنيوم والذي غالبًا ما يعكس التفكير السعودي، في سلسلة من التغريدات بأن مشروع نيوم لم يكن متعلقا بمجرد دحض التقارير الإعلامية السلبية.
الملف الذي قدمته شركة رودر فين إلى وزارة العدل كوكيل أجنبي، بالإضافة إلى إعلانات نيوم، بدت أقل توجهًا نحو إبراز المساهمة الاقتصادية والبيئية للمدينة المستقبلية
في هذا السياق، اعترف الشهابي بأن الشركة التي تقف وراء المشروع لم تقدم تفاصيلا حول خططها بعد، مشيرا إلى أن نيوم “لا تهتم بالمشاريع الملفتة للنظر فقط. ستشارك بشكل كبير في المشاريع الجادة مثل مشاريع تحلية المياه المتقدمة والزراعة الصحراوية المبتكرة والمزيد من مشاريع الطاقة الشمسية وطاقة الرياح والمشاريع المشابهة ذات الصلة الوثيقة بشواغل البلاد والاحتياجات العاجلة للمنطقة. وقع التخطيط لهذه المشاريع والبحث حولها بعناية، ونُفذ بعضها بالفعل”.
دعمت شركة رودر فين ادعاءات الشهابي في الملف الذي قدمته إلى وزارة العدل الأمريكية كوكيل أجنبي، حيث صرحت قائلة: “تمثل نيوم حلما جريئا وجسورا. إنها محاولة لإنجاز مشروع لم يُنجز من قبل ظهر في وقت يحتاج فيه العالم إلى تفكير متجدد وحلول جديدة”. وقع الإعلان عن عقد رودر فين بعد أن صرحت نيوم بأنها تتخذ خطوات متعددة لإثبات أنها “مسؤولة اجتماعيًا وأنها ستحقق مبادرات مؤثرة ومستدامة وملتزمة”.
بدلاً من التفصيل المتوقع لخطط نيوم الفخمة الذي ألمح إليه الشهابي، فإن الملف الذي قدمته شركة رودر فين إلى وزارة العدل كوكيل أجنبي، بالإضافة إلى إعلانات نيوم، بدت أقل توجهًا نحو إبراز المساهمة الاقتصادية والبيئية للمدينة المستقبلية وأكثر ميلا نحو إصلاح الأضرار الناجمة عن الخلاف مع قادة القبائل المحليين ومقتل الحويطي.
قُتل الحويطي الذي يعتبر زعيم الاحتجاجات ضد عمليات الإخلاء القسري المزعومة والوعود الغامضة بالتعويض، في تبادل إطلاق نار مع قوات الأمن. وفي الواقع، تنبأ الحويطي بإمكانية احتجازه أو مقتله في مقطع فيديو نُشر على يوتيوب قبل وفاته بساعات. وادعى الحويطي في الفيديو أن كل ما سيحدث له سيكون مصمما لسحق مقاومة قبيلة الحويطات ضد قرار التهجير. كما ندد الحويطي بقيادة الأمير محمد ووصفها بأنها “ولاية الأطفال” ووصف الهيئة الدينية في المملكة التي أقرت سياسات ولي العهد بأنهم “جبناء”. ومن المتوقع أن يقع نقل ما يقدر بنحو 20 ألف شخص من منطقة أفاد الأمير محمد ذات مرة بأنها “خالية من السكان”.
احتمال أن يكون مشروع نيوم قابلا للتطبيق ولو بقدر ضئيل، بالنظر إلى الانهيار المالي العالمي بسبب فيروس كورونا وارتفاع الدين السعودي
أعلنت نيوم في وقت سابق من هذا الأسبوع أنها ستقدم دروسًا في اللغة الإنجليزية في أكاديميتها التي أنشئت مؤخرًا وسيقع تدريب حوالي ألف طالب في مجال السياحة والضيافة والأمن السيبراني. في الوقت نفسه، قالت الحكومة إنه سيقع تعويض السعوديين المؤهلين عن خسارة الأرض من خلال مدهم بقطع أراضي على طول الساحل كجزء من برنامج تحسين مستويات المعيشة.
ذكر تقرير صادر عن خدمة الأخبار فورين لوبي، أن رودر فين ستنتج مواد إعلامية بما في ذلك مقطع فيديو شهري لتعزيز مشاركة نيوم مع المجتمع المحلي بالإضافة إلى مواد بصرية تبرز وفاء الشركة بمسؤوليتها الاجتماعية. ولكن من المرجح أن جهود رودر فين لن تفعل الكثير لإقناع منتقدي المملكة.
أعربت المديرة السابقة لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا لمنظمة “هيومن رايتس ووتش”، سارة ليا ويتسون، والباحث القانوني السعودي عبد الله العودة في مقال نشرته مجلة “فورين بوليسي” في نيسان/ أبريل عن رفضهما لطموحات نيوم الكبرى. وتجدر الإشارة إلى أن والد العودة، الشيخ سلمان العودة، عالم دين إصلاحي بارز مسجون في المملكة العربية السعودية منذ سنة 2017 لدعوته إلى إنهاء الخلاف مع قطر.
في هذا المقال، قالت كل من ويتسون والعودة إن “احتمال أن يكون مشروع نيوم قابلا للتطبيق ولو بقدر ضئيل، بالنظر إلى الانهيار المالي العالمي بسبب فيروس كورونا وارتفاع الدين السعودي وسط انخفاض أسعار النفط التاريخي، أمر مشكوك فيه إلى حد كبير. فالنتيجة الوحيدة التي لاحظناها من رؤية المدينة المستقبلية هي التدمير الموعود لمجتمع تاريخي وموت متظاهر سعودي باستخدام وسائل قديمة، مع غياب المفاهيم الحديثة للحقوق والعدالة”.
المصدر: مودرن ديبلوماسي