ترجمة وتحرير نون بوست
جاء الموعد المقرر من قِبَل رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو لبدء عملية الضم، ولكن العالم بقي يرواح مكانه. لم يحدث الضم حتى الآن على الأقل – على الرغم من أن قبضة “إسرائيل” الحديدية على الأراضي الفلسطينية لا تزال متواصلة.
من الصعب معرفة متى وكيف يمكن أن تعود خطة الضم كأولوية مطلقة في الأجندة الإسرائيلية. في الواقع، يرتبط هذا الملف على غرار ملفات أخرى تحت حكم نتانياهو، بالمصالح السياسية لرئيس الوزراء الذي يخضع للتحقيق. بعبارة أخرى، ستعود خطة الضم إلى طاولة النقاش، عندما يرى نتانياهو أنها تخدمه سياسيا.
منطق الصهيونية
في الآن ذاته، حتى لو كان توقيت خطة الضم وأهدافها مرتبطة بمصالح نتانياهو، فإن جوهر الخطة ينبثق من المنطق الداخلي للصهيونية بحد ذاتها. من الطبيعي أن نظامًا مبنيًا على الاستيطان وعلى فكرة يهودية الدولة منذ 72 سنة، ويفرض منذ أكثر من نصف قرن سيطرته العسكرية على الفلسطينيين الذين جُرّدوا من كل حقوقهم، سيسعى في آخر المطاف للانتقال من السيطرة الفعلية إلى السيادة القانونية.
في الحقيقة، يستند المتفائلون من مناهضي الخطة على إجماع المجتمع الدولي المعلن على معارضة فكرة “الضم من جانب واحد”، لكن الواقعيين يضحكون بمرارة من مثل هذا الطرح. فمنذ متى كان العالم ينزعج عن عدم توازن القوى في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني؟ ومنذ متى وافق الفلسطينيون أصلا على هذا الاحتلال الغاشم، ليصبح العالم فجأة مهتما بالموقف الفلسطيني من الخطة الإسرائيلية التي تسعى إلى إضفاء الشرعية على احتلالها.
تروي حكاية شعبية يهودية قديمة أن رجلا يهوديا شكا إلى حاخام قريته كثرة أفراد عائلته وضيق منزله. أمر الحاخام الرجل بالعودة إلى المنزل وإدخال الماعز التي كان يملكها إلى الداخل، وقد فعل الرجل المذهول ما أُمِر به.
أظهرت ممارسات الاحتلال في القدس الشرقية بشكل واضح مساوئ فرض السيادة الإسرائيلية على السكان الفلسطينيين الذين يفتقرون إلى أدنى حقوق المواطنة
في اليوم التالي عاد القروي إلى الحاخام، واشتكى من تعالي الأصوات في المنزل ومن أنه أصبح أكثر ضيقا وأكثر ازدحاما من أي وقت مضى، فأمره الحاخام أن يُدخل دجاجاته أيضا إلى الداخل، وفعل الرجل اليائس مرة أخرى ما طُلب منه.
وفي اليوم التالي عاد الرجل ليشكو إلى الحاخام من أن الحياة في المنزل أصبحت لا تُطاق. ولكن الحاخام قال له “الآن، أعد الدجاجات إلى الخارج، ولا تنس الماعز”. وفي اليوم التالي عاد القروي إلى الحاخام وهو يشعر بالامتنان وأخبره أن المنزل أصبح واسعا جدا.
صيحة فزع
تلعب الحملة العالمية لمناهضة خطة الضم الإسرائيلية دورا لا يُستهان به. أظهرت ممارسات الاحتلال في القدس الشرقية بشكل واضح مساوئ فرض السيادة الإسرائيلية على السكان الفلسطينيين الذين يفتقرون إلى أدنى حقوق المواطنة. ولكن إذا لم يُطلق المجتمع الدولي صيحة فزع تجاه إعلان “إسرائيل” عن عزمها ضم أجزاء من الضفة الغربية، فإن قضية الضم سوف تصبح مثل الماعز في الحكاية الشعبية القديمة.
ينبغي على العالم ألا يسمح لخطة الضم هذه أن تصرف انتباهه عن احتلال “إسرائيل” للضفة الغربية والقدس الشرقية ومرتفعات الجولان وحصارها لقطاع غزة، ونظام الفصل العنصري داخل حدود 1948. حتى لو وقع تجميد عمليات الضم بأكملها في الوقت الراهن لاعتبارات سياسية، لا يمكن للمجتمع الدولي تجاهل نقطتين حاسمتين.
في الأول من شهر تموز/ يوليو، نظّم متظاهرون احتجاجات للتعبير عن معارضتهم لعملية الضم المخطط لها في شمال “إسرائيل”.
أولا، يتحمل المجتمع الدولي المسؤولية المباشرة عن استمرار احتلال الأراضي الفلسطينية. لقد امتنع عن توجيه أي انتقادات لاذعة ل”إسرائيل”، وتواطأ في إسكات جميع الأصوات المعارضة واصفا إياها بأنها “معادية للسامية”. وقد رفض مرارا فرض أي عقوبات سياسية أو اقتصادية على “إسرائيل”. لا يُعتبر المجتمع الدولي مجرد شريك صامت في جرائم الاحتلال، بل هو شريك فاعل في تلك الجرائم من خلال دعم “إسرائيل” اقتصاديا وعسكريا وسياسيا، بما يؤدي إلى المزيد من القمع والاضطهاد ضد الشعب الفلسطيني.
ثانيا، تمكنت “إسرائيل” حتى اللحظة الراهنة من التملص من كل القرارات التي فرضتها الهيئات الدولية بزعمها أن الاحتلال مؤقت. لكن الحكومة الإسرائيلية تعترف الآن بشكل صريح أن الاحتلال ليس مؤقتًا وفق رؤيتها، وهي تعتزم فرض الاحتلال بشكل دائم بقوة القانون.
تطبيق الفصل العنصري بشكل رسمي
في الواقع، توضح “إسرائيل” من خلال خطة الضم نواياها في تكريس نظام الفصل العنصري بشكل علني. هدف “إسرائيل” النهائي هو إقامة نظامين قانونيين منفصلين يحكمان مجموعتين مختلفتين عرقيا داخل دولة واحدة، وهذا هو بالضبط تعريف الفصل العنصري. إن الوضع الذي كرسته “إسرائيل” في الأراضي المحتلة يعني مقاضاة مستوطن إسرائيلي ومواطن فلسطيني يرتكبان المخالفة القانونية ذاتها، في محكمتين منفصلتين بموجب قوانين مختلفة.
بينما تغاضى العالم طيلة الفترة الماضية عن إبداء رأيه في نظام الفصل العنصري المفروض على أرض الواقع، فإن إعلان خطة الضم ينبغي أن يجبره على أن ينظر مليا ويتخذ موقفا علنيا. تعترف “إسرائيل” الآن علنا أنها لا تنوي إنهاء الاحتلال. من هذا المنطلق يمكن أن نسأل، هل يحتاج العالم حقًا أكثر من هذا الاعتراف حتى يفرض عليها العقوبات التي طال انتظارها؟
دمّرت “إسرائيل” حل الدولتين مع كل فلسطيني هجّرته من الضفة الغربية، وكل مستوطنة أقيمت دون أي رد فعل دولي
يمكن للعالم أن يجادل بأن خطة الضم خطيرة لأنها تقضي على حل الدولتين. يُعتبر هذا الطرح في أحسن الأحوال التفافا على القضية، حيث لم تكن “إسرائيل” بحاجة إلى هذه الخطة حتى تقضي على حل الدولتين، فلطالما قدمت أدلة ملموسة على نواياها بدعم من المجتمع الدولي الذي يعبر الآن عن غضبه من الخطة الجديدة.
التطهير العرقي المستمر
لقد دمّرت “إسرائيل” حل الدولتين مع كل فلسطيني هجّرته من الضفة الغربية، وكل مستوطنة أقيمت دون أي رد فعل دولي، وكل أسرة فلسطينية طُردت من منزلها في القدس الشرقية حتى تأخذه أسرة يهودية، بينما كان العالم يشاهد كل هذه الممارسات ولا يحرك ساكنا.
سيكون منع خطة الضم أقل ما يمكن للمجتمع الدولي القيام به ليثبت وقوفه ضد هذه الممارسات سياسيا وأخلاقيا. في المقابل، تتمثل مهمة المجتمع الدولي الأشد إلحاحا وفعالية في العمل على إنهاء سياسة الاحتلال والاضطهاد والاستيطان التي تنتهجها “إسرائيل” بشكل علني. لقد حان الوقت للتوقف عن اختلاق الأعذار. إن عملية الضم الحالية لا تعدو أن تكون سوى ذلك الماعز في فناء المنزل، لا أكثر.
المصدر: ميدل إيست آي