ترجمة وتحرير نون بوست
كانت سندس عويس – الصحفية الفلسطينية ذات الـ23 عامًا – تقف خائفة وتتحدث بعصبية إلى مجموعة من الضباط الإسرائيليين الذين تجمعوا حولها بينما كانت تصور في مجمع المسجد الأقصى الشهر الماضي، قالت سندس: “لم أفعل أي شيء، إنني أصور فقط وأقوم بعملي”.
أخرجت عويس بطاقتها الصحفية الدولية آملة أن تتجنب الاعتقال، لكنها قوبلت باستنكار قاس من أحد الضباط الذي قال لها: “هذه بطاقة مزورة ولا نعترف بها”، اعتقل الضباط عويس وصادروا هاتفها الشخصي، ثم خضعت لاستجواب وحُكم عليها بالحظر 3 أشهر من زيارة مجمع المسجد الواقع في القدس الشرقية المحتلة.
لم تكن تلك مواجهتها الأولى مع السلطات الإسرائيلية، فقد تعرضت عويس للإيقاف عدة مرات في أثناء البث المباشر، كما تعرضت للضرب في أثناء تغطية العديد من الاحتجاجات، وقالت عويس إنها تخشى الحظر المؤقت أكثر من الاعتقال الفعلي.
تعيش عويس في حي رأس العمود الذي يقع جنوب مجمع المسجد الأقصى، مما يجعله جزءًا رئيسيًا من عملها الصحفي، تقول عويس إنها كانت تعد الساعات لتدخل المجمع بعد إغلاقه لمدة شهرين بسبب جائحة كورونا.
يواجه العديد من الصحفيين الفلسطينيين الاعتقال والحظر المؤقت من دخول المجمع بسبب تصويرهم لهجمات المستوطنين أو اعتداء القوات الإسرائيلية على المصلين، في عام 2016 وضعت السلطات الإسرائيلية قائمة سوداء تضم أسماء فلسطينيين – بينهم صحفيون – ممنوعين من دخول مجمع المسجد الأقصى.
منذ بداية شهر يونيو أصدرت السلطات الإسرائيلية نحو 10 استدعاءات لصحفيين ومصورين لاستجوابهم بسبب تغطيتهم لأحداث سياسية.
حظر المؤسسات الإخبارية الفلسطينية
كانت عويس من بين الصحفيين الذين تعرضوا لمضايقات من القوات الإسرائيلية في أثناء عملهم، تعرضت أيضًا المراسلة المحلية الشهيرة كريستين ريناوي – 31 عامًا – التي تعمل في تليفزيون فلسطين وهي محطة تعمل تحت إشراف هيئة الإذاعة الفلسطينية العامة الخاضعة للسلطة الفلسطينية، إلى الاعتقال منذ ديسمبر 2019.
قبل ذلك بشهر كان وزير الأمن العام الإسرائيلي جلعاد أردان قد أصدر قرارًا بإغلاق مكتب تليفزيون فلسطين لمدة 6 أشهر بزعم أنه عمله ينتهك اتفاقية أوسلو التي تحظر وجود السلطة الفلسطينية في القدس الشرقية التي تحتلها “إسرائيل”، وتم تجديد القرار في مايو 2020.
بعد الإغلاق فورًا قرر فريق عمل المحطة في القدس أن يتحدى القرار ويواصل عمله، في أثناء تصوير الحلقة الثالثة من برنامج بث مباشر في ديسمبر اعتقلت القوات الإسرائيلية مقدمة البرنامج دانا أبو شمسية والمصور أمير عبد ربه.
إغلاق تليفزيون فلسطين كان جزءًا من القيود الإسرائيلية على وسائل الإعلام الفلسطينية التي توثق الانتهاكات الإسرائيلية
بينما تعرضت ريناوي والمصور علي ياسين إلى الاعتقال بعدها بفترة قصيرة ونقلوهم إلى مركز الاستجواب، بالنسبة لريناوي فإغلاق تليفزيون فلسطين كان جزءًا من القيود الإسرائيلية على وسائل الإعلام الفلسطينية التي توثق الانتهاكات الإسرائيلية.
قالت ريناوي: “لقد حاولوا الاعتداء علينا وعاملونا كمجرمين، لقد قال لي الضابط: اذهبي للعمل في بيت لحم أو رام الله، إنك ممنوعة من العمل في القدس سواء في الشوارع أم تحت الأرض أم بجانب المرحاض أم الصالون”.
خلال الستة أشهر الأولى للإغلاق استدعت المخابرات الإسرائيلية ريناوي 5 مرات للاستجواب، لم يكن تليفزيون فلسطين المكان الإخباري الوحيد الذي تعرض للحظر في القدس بواسطة السلطات الإسرائيلية، ففي السنوات الأخيرة تعرض للحظر قناة القدس وفلسطين اليوم وكيوبرس ومؤسسة إيليا نقل.
على مر السنين عانت ريناوي من الاعتداءات بينما تؤدي عملها، وفي عام 2019 تعرضت للدفع بقوة بواسطة الجنود الإسرائيليين في أثناء بث مباشر تعرض للمقاطعة 4 مرات، في عام 2015 أصابت شظية من قنبلة صوتية عينها في أثناء تغطيتها للوضع في المسجد الأقصى.
وقبل ذلك بعام تعرضت ريناوي ومصورها إلى طلقات الرصاص المطاطي في أثناء مراسلتها للأحداث التي انتشرت بعد خطف وقتل المراهق الفلسطيني محمد أبو خضير.
أخطر من السلاح
بدأ عطا عويسات – 50 عامًا – من مدينة جبل المكبر في القدس عمله كمصور صحفي منذ 19 عامًا، عمل عطا مع وكالة أسوشيتد برس والمؤسسة الإخبارية الإسرائيلية يديعوت أحرنوت، قال عطا إنه لم يعد يعلم عدد المرات التي كسر فيها الجنود الإسرائيلين معدات التصوير.
وأضاف: “أخبرني واحد منهم ذات مرة أن كاميرتي أخطر من السلاح، لقد تعرضت للضرب والإهانة في أثناء تأدية عملي وواجهت عقبات وتعرضت للاستجواب والتفتيش الحميمي والحظر من دخول الأقصى”.
انتهى عمل عويسات الصحفي فجأة عام 2013 عندما عاني من عدة إصابات وصدمة نفسية من بينها اضطراب ما بعد الصدمة، وقال عويسات إنه يجد صعوبة في الحديث عن ذلك اليوم حتى الآن.
في 8 من مارس 2013 حمل عويسات كاميرته وذهب لتغطية اشتباكات في الأقصى، حيث كانت القوات الإسرائيلية تطلق القنابل الصوتية والرصاص المطاطي على المتظاهرين الفلسطينيين المحتجين على العنف الإسرائيلي داخل مجمع الأقصى.
بالإضافة إلى صحفيي القدس، يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر مجموعة من الانتهاكات
تعرض عويسات للضرب في فمه بأداة معدنية لم يتعرف عليها مما سببب له نزيفًا حادًا، يقول عويسات: “لقد فقدت جزءًا من أسناني وأصبت شفتي العليا ووجهي مشوهيّن”، فقد عويسات الوعي بعد ضربه لكنه أفاق على ركلات وإهانات قبل أن يفقد الوعي مرة أخرى ثم نقله طاقم الإسعاف إلى المستشفى.
يضيف عويسات: “لقد رأيت الموت بعيني”، بعد ذلك واجه عويسات صعوبات في تناول الطعام والتحدث وحتى الابتسام، وخضع لعدة عمليات جراحية لترميم وجهه وأسنانه، كما توقف عن العمل لعام كامل بعد أن حصل على تقرير طبي يصف الصدمة النفسية التي تمنعه من مواصلة عمله.
قيود واسعة
بالإضافة إلى صحفيي القدس، يواجه الفلسطينيون في الضفة الغربية المحتلة وقطاع غزة المحاصر مجموعة من الانتهاكات، فقد أبلغ المركز الفلسطيني للتنمية والحريات الإعلامية “مدى” عن 18 انتهاكًا خلال شهر مايو فقط بما في ذلك الاعتداءات الجسدية والاعتقالات وإغلاق المكاتب عبر الأراضي الفلسطينية.
وجد تقرير صدر مؤخرًا عن لجنة الحريات في نقابة الصحفيين الفلسطينيين أن السلطات الإسرائيلية ارتكبت 760 انتهاكًا في عام 2019، علق ناصر أبو بكر رئيس النقابة على القضية قائلًا إن “إسرائيل” تركز قيودها وعرقلتها ضد الصحفيين في القدس حيث تعتبرها عاصمة لها.
وأضاف أن هذه الحوادث ازدادت في الأشهر الأخيرة مما دفع النقابة إلى تنبيه الاتحاد الدولي للصحفيين إلى هذا العدد الكبير من التجاوزات ضد الصحفيين في القدس وطالبته بالتدخل، وقال أبو بكر إن وفدًا من الاتحاد الدولي للصحفيين طالب الحكومة الإسرائيلية بوقف انتهاكاتها والاعتراف بالبطاقة الصحفية الدولية لكن دون جدوى.
يقول أبو بكر: “إننا نقدم الدعم قدر الإمكان، ولدينا اجتماع في النقابة الأسبوع المقبل، وسيكون واقع الصحفيين في القدس على رأس جدول العمل”.
المصدر: ميدل إيست آي