نحيا عصر يتيه الكثير منا عن تحقيق شغفه، عصر رغم كل ما يحمله من معطيات، فإنه يجرفنا في طياته للتشتت والتعثر عن تحقيق النجاحات المختلفة واكتساب المهارات، عصر يحمل الكثير من التحديات التي تحتاج إلى أشخاص ناجحين ورواد أعمال عصاميين، فعلى الرغم من توافر كل وسائل التعلم لاكتساب الخبرة والمهارات، يزعم الكثير بإقناع ذاته بعبارة “ليس لدي وقت كافٍ لتعلم أي مهارة جديدة” أو “حينما أمتلك الوقت الكافي سأتعلم مهارة كذا وكذا”، وغيرها من عبارات التسويف والمماطلة.
إنه عصر السرعة الذي يتطلب اكتساب العديد من المهارات في وقت قياسي لمواكبة التطورات، ولعل تقصير منحنى التعلم يمنح المتعلم فرصة أكبر لتعلم المهارات واحدة تلو الأخرى، بالطبع لن تكون قد وصلت حد الاحترافية، ولكن يكفيك أن تحقق تطورًا ملحوظًا لتلك المهارات. نعم، هناك المزيد من التحديات سواء في الظروف المحيطة أم باختلاف الفروق الفردية، وأن تصبح خبيرًا في مجال ما أحد أصعب التحديات التي ستواجهها على الإطلاق، وهذا هو السبب في أن العديد من الأشخاص سيقولون لك إن التعلم محبط ومتعب ويستغرق وقتًا غير ضروري.
لذلك نحتاج إلى موازنة الأمور وتحقيق معادلة تعلم مهارات جديدة والإلمام بها في وقت قصير.
الآن باتت أدوات التعلم متاحة لمعظم الناس، لكن ينقصنا الإستراتيجية الصحيحة لتعلم المهارات بطريقة سلسة وفي وقت قياسي، تلك المعضلة التي استطاع العديد من علماء دراسة المخ والباحثين والمؤلفين حل لغزها من خلال العديد من الدراسات والأفكار الرائعة.
تمثل فكرة إتقان مهارة ما خاصة إذا كنت بالبداية عائقًا كبيرًا لاستكشاف المهارات
10000 ساعة أو 20 ساعة؟
كم تحتاج من الوقت لتعلم مهارة جديدة؟ حاول بعض الخبراء الإجابة عن هذا السؤال، فالعامل الأكبر هو المستوى المطلوب من الخبرة مع المهارة، فيذكر الصحفي الإنجليزي الكندي مالكوم جلادويل في كتابه (الاستثنائيون.. قصة نجاح) – الذي حقق نسب الأعلى مبيعًا لمدة ثلاثة شهور من تاريخ نشره – أنه يمكنك تعلم أي مهارة جديدة بتطبيق نظرية “10 آلاف ساعة” لكي يصبح الفرد خبيرًا في مجال معين، مما يعني ضرورة التدرب على المهارة يوميًا بمعدل ساعتين إلى ثلاث ساعات ولمدة 10 أعوام، أو بالتدريب 8 ساعات يوميًا لمدة 3 سنوات ونصف دون أي راحات أو عطلات أسبوعية!
“سحقًا لك يا مالكوم جلادويل”
هكذا علَّق الكاتب الإنجليزي جوش كاوفمان في كتابه “أول 20 ساعة”، مبديًا اعتراضه على نظرية 10 آلاف ساعة، فخرج لنا بنظرية أخرى معارضه تحمل اسم نظرية 20 ساعة، فيذكر في كتابه: “اترك العشرة آلاف ساعة للمحترفين، نحن سنبدأ بعشرين ساعة من المجهود المتميز بالذكاء والتركيز والانتباه. سوف نستهدف النتائج التي نريدها بشذر يسير من المجهود، قد لا تفوز أبدًا بالميدالية الذهبية في المهارة التي ستتعلمها، ولكنك ستجني الفوائد التي تسعى إليها في وقت أقل بكثير.
وحتى إذا قررت في نهاية الأمر أن تتقن مهارة ما، فستكون لديك فرصة أكبر للنجاح إذا بدأت بعشرين ساعة من التطوير السريع لهذه المهارة. فعن طريق معرفة ما تنوي الدخول فيه وتعلم الأساسيات وممارستها بذكاء وتطوير الروتين الخاص بالتدريب، فإنك ستحقق التقدم بسرعة وثبات، وستصل إلى مستوى الخبراء في وقت قياسي”.
وبنسبة كبيرة، تمثل فكرة إتقان مهارة ما خاصة إذا كنت بالبداية عائقًا كبيرًا لاستكشاف المهارات، وللأسف ستنعكس بنتائج سلبية إما بالشعور بعدم القدرة على مواصلة عملية التعلم وإما بالتراخي والمماطلة.
معرفة الهدف النهائي هي الخطوة الأولى الحاسمة لتعلم أي شيء، وهو الأمر الذي يبقيك تتحرك في اتجاه ثابت
تكنيك الاكتساب السريع للمهارات
يخبرنا كاوفمان في كتابه “أول 20 ساعة” عن أهم 10 مبادئ رئيسية تعين الفرد على الاكتساب السريع للمهارات، فيذكر:
– اختر مشروعًا تحبه.
– ركز طاقتك على مهارة واحدة فقط في الوقت نفسه.
– حدد مستوى الأداء المستهدف.
– فكك المهارة إلى مهارات فرعية أصغر.
– احصل على الأدوات اللازمة.
– تخلص من عوائق التدريب.
– خصص وقتًا للتدريب.
– أنشئ حلقات تغذية استرجاعية.
– تدرب باستخدام الساعة ولفترات قصيرة.
– أكد الكمية والسرعة.
أدوات التعلم الكفء لاكتساب المهارات
من خلال بعض نصائح الخبراء في مجال اكتساب المهارات وتعلمها بشكل أسرع مثل “البرمجة – علوم الكمبيوتر – التسويق – التصوير – الرسم – الحرف اليدوية – الأعمال الفنية – العزف – وغيرهم الكثير”، خلصنا إلى أهم مفاتيح تعلم أي مهارة جديدة من خلال:
يتعلم البعض بشكل أفضل من خلال القراءة، بينما يفضل آخرون الاستماع إلى الأشياء التي يتم شرحها
1- تحديد الهدف والبحث عن الشغف: إن معرفة الهدف النهائي هي الخطوة الأولى الحاسمة لتعلم أي شيء، وهو الأمر الذي يبقيك تتحرك في اتجاه ثابت، خاصة عندما تصبح الأمور صعبة، وهو ما سيحدث بالتأكيد، لذا من المهم أن يتم تحديد الهدف بأكبر قدر ممكن من الدقة.
فعند تحديد الهدف، يجب تحديد الغرض الأكبر الذي يحفزه: لماذا تريد تعلم هذه المهارة وليس غيرها؟ ماذا ستفعل بها بمجرد أن تتعلمها؟ فمحاولة تعلم شيء طوعيًا لمجرد التعلم نادرًا ما يستمر طويلًا.
ولعل الأهم من تحديد الهدف هو البحث داخل النفس الإنسانية عن الشغف، تلك الأداة السحرية التي تمثل بوصلة الفرد لتحديد الهدف والقدرة على تحقيقه وإنجازه في وقت قصير.
2- ابتعد عن المشتتات والملهيات التي قد تعيق تطورك وتعلمك لاكتساب المهارات مثل الهواتف ووسائل التواصل الاجتماعي وغيرها.
3- اتبع مبدأ باريتو: وفقًا لمبدأ باريتو 20/80، فإن 20% من جهودك ستؤدي إلى 80% من النتيجة المرجوة، بمعنى أن ما تبذله من جهد ووقت في تعلم مهارة جديدة بنسبة 20% ستحصد نتائج اكتسابها بنجاح بنسبة 80%.
فيمكنك فقط تخصيص من 20 – 30 دقيقة يوميًا لمتابعة تعلم المهارة التي اخترتها بناءً على شغفك، وتأكد أنه في فترة قصيرة ستكون أتممت الإلمام بالمهارة.
4- تحسين مهارات الذاكرة: وذلك من خلال فهم كيفية عمل الذاكرة طويلة وقصيرة المدى، وأن المعلومات الجديدة يجب أن تنتقل من قصيرة إلى طويلة المدى لتخزينها لفترة أطول، وذلك من خلال: (تفكيك المعلومات – إعادة تنشيط الذاكرة بالمعلومات – تدوين الملاحظات – وغيرها).
5- احترم قدراتك البيولوجية: فالجسد والعقل الذي يستريح جيدًا يكون أكثر تقبلًا للمثيرات المختلفة، ما يسهل فهم المعلومات الواردة من الدماغ.
القدرة على تعلم مهارات جديدة هي أحد مفاتيح النجاح، فلا يكفي أن تكون ذكيًا، بل أنت بحاجة لأن تكون دائمًا أكثر ذكاءً
6- تعلم كيف تتعلم بشكل أفضل: فيتعلم البعض بشكل أفضل من خلال القراءة، بينما يفضل آخرون الاستماع إلى الأشياء التي يتم شرحها، وربما لا يزال البعض الآخر بحاجة إلى تجربة “عملية”، ويشير الخبراء إلى أنه يمكنك معرفة أسلوب التعلم المثالي من خلال النظر إلى الماضي، فقط فكر في بعض خبراتك السابقة في التعلم، وقم بعمل قائمة بالخبرات الجيدة وقائمة أخرى بالخبرات السيئة، فما الشيء المشترك بين التجارب الجيدة والفعالة؟ فيمكن أن يساعدك تحديد المسارات الشائعة في تحديد بيئة التعلم التي تناسبك بشكل أفضل.
7- احصل على المساعدة الصحيحة: يمكن أن يؤدي الحصول على الدعم من الآخرين إلى زيادة التعلم بشكل كبير، فابحث عن شخص تثق به يتقن المهارة التي تحاول اكتسابها.
8- تحد نفسك لتعليم المهارة للآخرين: لعل من أسرع الطرق لتعلم شيء جديد وممارسته هو تعليم الآخرين كيفية القيام بذلك، لذا شارك ما تتعلمه مع فريقك أو مديرك أو زملائك في العمل، ويمكنك أن تجبر نفسك على القيام بذلك عن طريق وضع تاريخ “التدريس” في التقويم الخاص بك أو الموافقة على ترتيب جلسة تدريب رسمية بعد بضعة أشهر، فمع مثل هذه الأهداف سيكون تعلمك أكثر تركيزًا وعمليًا.
وختامًا، تذكر! في عالم سريع التنافسية، فإن القدرة على تعلم مهارات جديدة أحد مفاتيح النجاح، فلا يكفي أن تكون ذكيًا، بل أنت بحاجة لأن تكون دائمًا أكثر ذكاءً ومرونة، فالمستقبل ملك لأولئك الذين يتعلمون المزيد من المهارات يطبقونها بطرق إبداعية.