أفورقي في القاهرة مجددًا.. هل تستخدم مصر الورقة الإريترية في سد النهضة؟

السيسي وأفورقي

وصل الرئيس الإريتري أسياس أفورقي، إلى العاصمة المصرية القاهرة، صباح الإثنين 6 من يوليو/تموز الحاليّ، في زيارة تستغرق 3 أيام، قابل خلالها نظيره المصري عبد الفتاح السيسي الذي استقبله بحفاوة بالغة في قصر الاتحادية الرئاسي.

الزيارة هي الخامسة للرئيس الإريتري للقاهرة منذ تنصيب السيسي رئيسًا، الأولى كانت حين شارك في حفل التنصيب في يونيو/حزيران 2014، كما كان أول رئيس إفريقي يزور البلاد عقب الحفل، فيما كانت آخر زيارة له العام الماضي 2019، كما أنها الزيارة الـ25 لمصر منذ توليه مهام منصبه عام 1993.

العديد من الملفات تم طرحها على طاولة المباحثات بين الطرفين، وفق ما ذكر المتحدث الرسمي باسم رئاسة الجمهورية، السفير بسام راضي، بشأن تطورات الأوضاع الإقليمية خاصة في منطقة القرن الإفريقي والبحر الأحمر، فضلًا عن بحث موضوعات التعاون الثنائي بين الجانبين في إطار العلاقات المتميزة التي تجمع البلدين.

وتتزامن هذه الزيارة مع التعثر الملحوظ في مفاوضات سد النهضة، رغم استئناف لجنة الوساطة الإفريقية لتحريك المياه الراكدة في هذا الملف، غير أن القاهرة تبدو غير متفائلة بنتيجتها، وذلك بعد التباين الشديد في وجهات النظر الذي تكشف بصورة لافتة في أثناء جلسة الاستماع العاصفة التي عقدها مجلس الأمن الدولي نهاية يونيو/حزيران الماضي.

الاستقبال الحافل الذي قوبل به أفورقي على غير العادة يشير إلى أن للزيارة هذه المرة دلالات خاصة، ورسائل تود كل من القاهرة وأسمرة أن يبعثا بها لبعض القوى حيال حزمة من الملفات، وإن كان على رأسها سد النهضة، وهو ما يضفي أهمية بالغة عليها في ظل التقارب الملحوظ بين البلدين خلال السنوات الأخيرة.

وساطة إريترية

زيارة أفورقي للقاهرة سبقتها زيارتان لطرفي النزاع الخاص بالسد، الأولى للخرطوم في 25 من يونيو/حزيران الماضي، حيث أجرى مباحثات مع رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان، والثانية كانت في الـ2 من مايو/أيار الماضي إلى أديس أبابا، وكانت أول ظهور له عقب تناثر شائعات عن تدهور حالته الصحية.

الربط بين الزيارات الثلاثة في هذا التوقيت شديد التعقيد بالنسبة للمسار التفاوضي للسد دفع البعض إلى احتمالية أن تقوم أسمرة بدور الوسيط الداعم للوساطة الإفريقية في ظل ما تتمتع به من تشابك في العلاقات مع العواصم الثلاثة (القاهرة – الخرطوم – أديس أبابا).

قيام أسمرة بهذا الدور رغم حداثته على السياسة الخارجية الإريترية إلا أن مسألة نجاحها أمر مشكوك فيه وفق ما ذهب الباحث في مركز البحوث العربية والإفريقية مصطفى مجدي الجمال، مرجعًا ذلك إلى صعوبة الحصول على حلول من كل الأطراف.

واعتبر الجمال أن هذه الزيارة تأتي ضمن “محاولات اللحظات الأخيرة لحل النزاع”، لافتًا في تصريح لوكالة “سبوتنيك” أن التطورات الأخيرة التي شهدها الملف المثير للجدل ستدفع كل دول المنطقة للتحرك نظرًا لما يمكن أن يترتب عليها من تداعيات خطيرة حال خروجها عن السيطرة وتجاوزها حاجز المسار التفاوضي.

وأوضح أن خوف إريتريا من تفاقم الأوضاع في منطقة القرن الإفريقي، هو المحرك الأساسي للتحرك الدبلوماسي المزمع القيام به للحيلولة دون الوصول إلى النقطة الصفرية، وفي الجهة الأخرى يعتبر أن تعنت الطرف الإثيوبي وإصراره على بناء السد رغم الاعتراضات الإقليمية والدولية أحد بواعث الوحدة الوطنية في البلاد، وهو المكسب الذي يراهن عليه آبي أحمد للقفز على مشاكله الداخلية.

آخرون يرون أن هناك حالة قلق من جانب أديس أبابا بشأن التعاطف العربي والإفريقي والدولي مع الموقف المصري فيما يتعلق بعدم ملء الخزان بصورة أحادية دون الاتفاق مع بقية أطراف الازمة، فذلك ربما يؤثر على خريطة الاستثمارات الأجنبية في إثيوبيا وموقف المنظمات الدولية منها.

ربما تكون فرصة قوية لأفورقي لاستعادة بريقه الإقليمي، وإحياء الدور الدبلوماسي المفقود لأسمرة على المستوى القاري، لكن هذا يتوقف على رد الفعل الإثيوبي الذي يشعر بالقلق والريبة دومًا تجاه أي تحرك خارجي إريتري رغم اتفاقات السلام الموقعة بين الطرفين مؤخرًا والتي أنهت – نظريًا – عقدين من الصراع.

تعثر مفاوضات سد النهضة

الضغط على أديس أبابا

سيناريو آخر يفرض نفسه مع وجود أفورقي في القاهرة في هذا التوقيت، يتعلق بإعادة رسم توازنات القوى في حوض النيل، بما يعني تشكيل ورقة ضغط مباشرة على أديس أبابا التي تنظر بعين الترقب لأي خطوة من شأنها تقوية العلاقات بين القاهرة وأسمرة.

حرص القاهرة على إعادة توصيف أزمة السد كونها مهددة للأمن والسلم في حوض النيل، ذاهبة بالخلاف بينها وبين أديس أبابا إلى ما هو أعمق وأكبر من ذلك، بما يشمل دول إفريقيا بأكملها، توجه يضع الجانب الإثيوبي في مأزق حقيقي، ويمثل تضييقا كبيرًا عليه داخليًا وخارجيًا.

الخبير في الشؤون الإفريقية، أيمن السيد عبد الوهاب، يرى أن أديس أبابا يجب أن تكون حاضرة في معادلة التوازنات الجديدة التي تسعى القاهرة لتدشينها لكسب التأييد القاري والدولي لموقفها التفاوضي، وعليه فإن عدم استجابتها لوساطة الاتحاد الإفريقي، بجانب التحركات الدبلوماسية الموازية لبعض الدول ومنها إريتريا، سيُعرض إثيوبيا لضغوط إقليمية لإجبارها على تغيير تعاملها مع سد النهضة.

عبد الوهاب يرجح في تصريحات صحفية له عدم سماع الإثيوبيين لأي أصوات إفريقية لحل الأزمة، توهمًا منها بقوة موقفها التفاوضي، وهو ما يجعل القاهرة مضطرة للجوء إلى خيارات أخرى، لعل أقلها تدويل القضية بدعم أوروبي أمريكي، هذا بالتوازي مع التنسيق مع الدول المجاورة لتشكيل لوبي ضاغط على الحكومة الإثيوبية لإعادة النظر في موقفها المتعنت.

توظيف للعلاقة التاريخية

تسعى مصر لتوظيف علاقاتها التاريخية المميزة مع إريتريا لصالح موقفها من سد النهضة، مستغلة رصيدها القوي لدى الشارع الإريتري وما يؤهله ذلك من تشكيل تحالف قوي قادر على ممارسة الضغط بما يؤثر على المسار التفاوضي الراهن للسد الذي وصل إلى طريق شبه مسدود.

هذا الموقف طالما أزعج الإثيوبيين وبعض حكومات الجوار ممن اتهمت القاهرة أكثر من مرة بتأجيج النزاع الداخلي في عدد من الدول عبر تمويل ودعم التنظيمات المعارضة والمسلحة بها وذلك بهدف زعزعة واستقرار الأنظمة التي تعاني في علاقاتها مع مصر من خصومة وتباين في وجهات النظر.

وكان لمصر الدور الأكبر في دعم وتأييد الثورة الإريترية، وصولًا إلى الانتهاء من مشروع الاستقلال الوطني، حيث كانت القاهرة مأوى للزعماء الوطنيين الإريتريين طالبي اللجوء، كذلك على مدار عقود طويلة مضت كانت قبلة لطلاب إريتريا، فيما شهدت القاهرة تأسيس أول اتحاد طلاب إريتري، وكان ذلك عام 1952.

مصر أيضًا كانت مقر التأسيس الأول لجبهة التحرير الإريترية في يوليو 1960، كما كانت على رأس الدول التي أيدت ودعمت الثورة الإريترية، وقدم للشعب هناك الكثير من أنواع الدعم السياسي والمادي حتى الحصول على الاستقلال عام 1991.

ويرتبط البلدان بحزمة من الروابط الناتجة عن عضويتهما لبعض الكيانات القارية والإقليمية، كالاتحاد الإفريقي والكوميسا ومجموعة دول حوض النيل، هذا بخلاف وجود إريتريا ضمن خريطة جامعة الدول العربية بصفتها مراقب، ولا ينسى الإريتريون الدور الذي قامت به القاهرة لاحتواء تداعيات النزاع الذي اندلع بين بلادهم وإثيوبيا 1998-2000.

وفي المجمل فإنه رغم ضعف مستوى الآمال المعقودة على الوساطة الإريترية لحلحلة أزمة السد، فإن الزيارة تأتي في إطار الضغوط الدبلوماسية التي تمارسها القاهرة على أديس أبابا عبر مسارات عدة، لإثنائها عن موقفها المتعنت بشأن أحادية قرار ملء الخزان.