تنتشر على طول السواحل الليبية العديد من الموانئ المهمة التي تلعب دورًا كبيرًا في اقتصاد البلاد قبل ثورة فبراير/شباط 2011 وبعدها، في هذا التقرير الجديد لنون بوست ضمن ملف “مفاتيح ليبيا“، سنتحدث عن الموانئ الليبي التجارية والنفطية المنتشرة على سواحل البلاد الشرقية والغربية، فضلًا عن الأطراف المسيطرة عليها وأهميتها في الصراع المتواصل في البلاد منذ سنوات.
موانئ تجارية
موانئ الشرق الليبي
ميناء بنغازي
يعتبر ميناء بنغازي أكبر الموانئ الليبية من حيث المساحة، إذ تبلغ مساحته الإجمالية 4 ملايين و400 ألف مربع متر مربع، وهو واحد من أهم المرافق الحيوية بالمدينة والمنطقة الشرقية بصفة عامة، ذلك أن الشرق الليبي يعتمد بشكل شبه كلي على الاستيراد لتأمين كل حاجاته بما فيها الغذائية.
يوجد بالميناء 18 رصيفًا بينها 11 رصيفًا للبضائع العامة، وتبلغ القدرة الاستيعابية السنوية للميناء 4 ملايين طن للوردية الواحدة، تديره وتقدم له الخدمات منذ سنة 1986 الشركة الاشتراكية للموانئ التي تدير الموانئ التجارية الليبية كافة.
بقي الميناء لفترات طويلة في مرمى النيران وتعرضت بوابته الرئيسية وبعض المباني فيه لأضرار نتيجة القصف في أثناء تقاتل فصائل متنافسة للسيطرة عليه، ما أجبر إدارته على تعليق العمل فيه من 2014 إلى غاية 2017، حيث أعيد فتح الميناء في أكتوبر/تشرين الأول 2017 بعد 3 سنوات من غلقه، ورغم عودة العمل فيه قبل سنة، لا تزال ثلثا قوارب السحب معطوبة وخارج الخدمة.
تضم منطقة “الهلال النفطي” المطلة على السواحل الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط 4 موانئ نفطية
يمثل الميناء أهمية كبيرة بالنسبة لقوات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، حيث يستعمله حفتر وحلفاؤه لتهريب وقود الطائرات والذخائر والمعدات العسكرية إلى مدينة بنغازي كبرى مدن الشرق الليبي في انتهاك واضح لحظر تصدير الأسلحة إلى ليبيا الذي أقرته الأمم المتحدة عقب سقوط نظام معمر القذافي في أواخر عام 2011.
سبق أن كشفت تقارير أممية انتهاكات متكررة وصارخة لحظر الأسلحة من القوى الأجنبية، بما في ذلك الإمارات عن طريق ميناء بنغازي، حيث تم الاطلاع على وثائق للشحن والبضائع تكشف تورط ثلاث شركات في قضية شحن الوقود من الإمارات إلى قوات حفتر.
ميناء طبرق
يقع في مدينة طبرق الليبية على ساحل البحر المتوسط، في شمال شرق البلاد، تبلغ مساحته الإجمالية مليون متر مربع، ويوجد بالميناء 13 رصيفًا، وتبلغ القدرة الاستيعابية السنوية له 600 ألف طن للوردية الواحدة، يعد ميناء طبرق من أفضل الموانئ في شمال إفريقيا لأنه محمي طبيعيًا.
تستخدم مليشيات المتمرد على الشرعية الدولية خليفة حفتر هذا الميناء لبيع النفط خارج الأطر القانونية لتمويل حربه، خاصة إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، في تحدٍ واضح لحكومة الوفاق الشرعية وللأمم المتحدة.
ميناء درنة
يقع في شمال شرق ليبيا، تدير الميناء الشركة الليبية للموانئ المملوكة للدولة، وتبلغ إجمالي مساحة الميناء 480 ألف متر مربع فيما تبلغ القدرة الاستيعابية السنوية له 700 ألف طن للوردية الواحدة. تعرض الميناء لدمار كبير في أثناء الحرب التي عرفتها المدينة في السنوات الأخيرة بهدف السيطرة عليها.
ميناء سرت
يعد ميناء سرت الذي يطل على خليج طبيعي واسع، من أكبر الموانئ في ليبيا، بطاقة استيعاب سنوية تقدر بنحو مليون طن، تُسيطر مليشيات الانقلابي خليفة حفتر عليه وتستعمله في نشاطات غير قانونية لتوفير المال للمرتزقة العاملين معها.
موانئ الغرب
ميناء طرابلس
يقع في مدينة طرابلس العاصمة الليبية على ساحل البحر المتوسط وهو أكبر الموانئ الليبية في التعاملات، وبه محطة متطورة الخدمات للركاب، تبلغ مساحة الميناء الإجمالية 4 ملايين متر مربع، تديره وتقدم له الخدمات منذ العام 1986 الشركة الليبية للموانئ ومقرها بمصراتة (اسمها سابقًا الشركة الاشتراكية للموانئ) وهي التي تدير كل الموانئ التجارية الليبية.
يوجد بالميناء الذي تسيطر عليه حكومة الوفاق الشرعية، 27 رصيفًا بينها 20 رصيفًا للبضائع العامة، وثلاثة أرصفة للخدمات، كما توجد به منارة يبلغ ارتفاعها 116 قدمًا من مستوى سطح البحر، وتعمل ليلًا بواسطة منظومة كهربائية، ويصل مدى الإضاءة إلى 16 ميلًا بحريًا.
تستهدف الإمارات، موانئ زوارة وطبرق وبنغازي وسرت والخمس ومصراتة وطرابلس ودرنة
سبق أن تعرض مبنى وحدة الرقابة على الأغذية والأدوية في ميناء طرابلس البحري لتدمير كامل، إثر تعرض لقصف من مليشيات اللواء المتقاعد خليفة حفتر، ويعتبر مبنى وحدة الرقابة من أهم المرافق الحيوية، لأن الوحدة مسؤولة عن مراقبة البضائع الغذائية والطبية الواردة للميناء.
جاء قصف حفتر للميناء التجاري من أجل عزل العاصمة طرابلس وخنقها، ذلك أن الميناء يعتبر أحد أهم المرافق في غرب البلاد وشريان الحياة للعديد من مدن ليبيا، فجزء كبير منه مخصص لتلبية احتياجات المواطنين الأساسية من أدوية وتجهيزات طبية ومواد غذائية ووقود للاستخدام المنزلي وتوليد الطاقة، وغيرها من المواد الأساسية التي يحتاجها الليبيين.
ميناء مصراتة
يقع شمال غرب البلاء على بعد 200 كيلومتر شرق طرابلس، تم إنشاء الميناء على مساحة تقدر بـ190 هكتارًا، والمنطقة الحرة الأولى للميناء بمساحة 349 هكتارًا.
يعتبر ميناء مصراتة من أهم المنافذ البحرية في ليبيا، حيث يتمتع بموقع إستراتيجي مهم بقربه من أوروبا ودول المغرب العربي، كما أنه بوابة الاستيراد الرئيسية في البلاد والشريان الحيوي للتبادل التجاري، وتسيطر قوات الوفاق على الميناء.
ميناء الخمس
يقع في شمال غرب ليبيا ويبعد 120 كيلومترًا شرق العاصمة طرابلس، تسيطر عليه حكومة الوفاق، وهو مخصص بشكل أساسي من أجل استقبال الحاويات وتصل قدرة الميناء إلى مليون و500 ألف طن سنويًا، وقد تم إنشاء الميناء على مساحة بـ249 هكتارًا.
ميناء زوارة
من الموانئ القديمة جدًا في ليبيا، أنشأ سنة 1935 بالنظر لموقع المدينة الإستراتيجي على ساحل البحر المتوسط، يقع إلى الغرب من طرابلس بنحو 110 كيلومترات ويبعد 60 كيلومترًا تقريبًا عن الحدود الليبية التونسية وهو ميناء صغير نشأ على رأس الجويقيج الذي يوفر له الحماية الطبيعية، تسيطر قوات الوفاق الشرعية على الميناء وتؤمن خدماته.
يحتوي هذا الميناء على رصيفين بطول 110 أمتار وعمق يتراوح من 4 إلى 5 أمتار وتعمل هذه الأرصفة لمناولة البضائع العامة ولتصدير بعض المنتجات الجافة، كما يضم الميناء أرصفة للصيد البحري بطول 750 مترًا وبعمق 4 أمتار وأرصفة لإصلاح القوارب وجرافات الصيد بطول 250 مترًا وحاجزين لكسر الأمواج لحماية المساحة المائية لميناء الصيد الشمالي والشرقي.
موانئ نفطية
موانئ الهلال النفطي
تضم منطقة “الهلال النفطي” المطلة على السواحل الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط 4 موانئ نفطية، جميعها تحت سيطرة مليشيات أمير الحرب الليبي خليفة حفتر والمرتزقة التابعين له، وهذه الموانئ هي ميناء السدرة النفطي، وهو أحد أهم موانئ تصدير النفط الليبية الرئيسية، تزيد طاقته الإنتاجية على 400 ألف برميل يوميًا، ويضم 19 خزانًا بسعة نحو 6.2 مليون برميل. أنشأت شركة إفرني الإيطالية هذا الميناء النفطي عام 1962.
أيضًا ميناء رأس لانوف الذي تبلغ طاقته الإنتاجية 220 ألف برميل يوميًا، يستخدم في تصدير النفط الليبي عبر خطوط أنابيب لنقل النفط من الحقول النفطية في الجنوب، ويحتوي على 3 خطوط أنابيب نفط رئيسة و13 صهريج تخزين للنفط تبلغ سعتها 6.5 مليون برميل من النفط.
ثالث هذه الموانئ، هو ميناء الزويتينة، تبلغ طاقته الإنتاجية مئة ألف برميل يوميًا، صدر أول شحنة نفط خام بتاريخ 28 من فبراير 1968، تبلغ السعة التخزينية لهذا الميناء النفطي نحو 6.5 مليون برميل نفط خام.
أما الميناء الرابع والأخير في منطقة الهلال النفطي، فهو ميناء البريقة ويقع الميناء في خليج سرت في أقصى نقطة جنوبي البحر المتوسط، ويبعد نحو 600 كيلومتر شرق العاصمة طرابلس، ويتبع شعبية أجدابيا، وينتج كميات ضئيلة من النفط.
ميناء الحريقة
من أهم الموانئ النفطية في ليبيا، يقع في مدينة طبرق ويرجع تاريخ افتتاحه إلى سنة 1966، وتبلغ قدرته الإنتاجية نحو 110 آلاف برميل يوميًا، افتتح سنة 1966، وهو ميناء لشحن البترول والمنتجات النفطية وفيه رصيفان لشحن النفط الخام المنتج من حقلي السرير ومسلة.
ميناء الزاوية
يعد ميناء الزاوية الميناء الوحيد من بين الموانئ المستخدمة لتصدير النفط الواقع في الجزء الغربي لليبيا، اشتهر الميناء في تاريخ الجهاد الليبي ضد الاحتلال، ما جعله هدفًا للقصف المدفعي الإيطالي، حيث قصفته المدمرة الإيطالية “روما” سنة 1922، بالتوازي مع قصف المدينة الزاوية في أثناء معركة الرأس الأحمر بين المجاهدين والقوات الإيطالية.
صراع متواصل
تشكل الموانئ النفطية والتجارية أهمية كبرى في المعادلة السياسية والعسكرية في ليبيا، فهي محط أنظار جميع القوى الفاعلة في البلاد، سواء القوى الداخلية ونعني بذلك حكومة الوفاق الشرعية ومليشيات المتمرد حفتر، أم القوى الخارجية التي تتنازع النفوذ في ليبيا.
الدول الأجنبية المتدخلة في الشأن الليبي لها أطماع كبيرة في موانئ البلاد، خاصة دولة الإمارات التي تسيطر على العديد من موانئ الشرق في إطار إستراتيجية إماراتية ترمي إلى السيطرة وبناء مجموعة من الموانئ في ليبيا حتى تصبح جزءًا من مشروع الحزام والطريق الذي ستنجزه الصين في شمال إفريقيا.
يرغب الإماراتيون أن تكون لهم القدرة على لعب دور محوري في المشروع الصيني، وأن يصبحوا شريكًا لا غنى عنه في إنجاح هذه المبادرة، خاصة أنهم يعتبرون أن المستقبل سيكون لهذا التحالف، وهو ما يفسر دعمها الكبير لخليفة حفتر رغم الخسائر التي ما فتئ يتكبدها.
وتستهدف الإمارات، موانئ زوارة وطبرق وبنغازي وسرت والخمس ومصراتة وطرابلس ودرنة، بهدف السيطرة عليها، لتكون امتدادًا لمشروعها السياسي الإستراتيجي المناهض للثورات العربية من جهة، ومشروعها الاقتصادي المناهض لتطلعات شعوب المنطقة من جهة أخرى.
نتيجة الصراعات بشأنها، تعرضت غالبية موانئ ليبيا إلى التدمير ما أفقدها نسبة كبيرة من معاملاتها التجارية مع باقي الدول، فالعديد من الموانئ أصبحت خارج الخدمة، والذي يعمل منها يقدم خدمات أساسية فقط دون طاقته بكثير ما أثر على موارد البلاد.