ترجمة وتحرير نون بوست
إذا كنت تريد الحصول على نظرة سريعة حول ما يحدث في الشرق الأوسط، فإن رافائيل بيداني هو الرجل المناسب لمساعدتك في القيام بذلك. باعتباره كاتب عمود مطلع على معلومات سرية في موقع نيوز ماكس، يطرح أفكاره حول حاجة العراق إلى التخلص من النفوذ الإيراني لجذب الاستثمار والأسباب التي تجعل دبي مركز الاستقرار في هذه المنطقة المضطربة. وقد ساعدته مهمته كمستشار للمخاطر الجيوسياسية ومصمم للمحاكاة التفاعلية و”محلل أول العلاقات الدولية” في وزارة العمل على اكتساب معرفة واسعة حول الشرق الأوسط.
في الواقع، لقد شارك بيداني تلك الرؤى في مجموعة من المنافذ المحافظة مثل واشنطن إكزامينر وريال كلير ماركتس وأمريكان ثينكر وناشيونال إنترست. ولكن لسوء الحظ، بالنسبة للمنافذ التي نشرت مقالاته والقراء الذين صدقوها، لا وجود لرافائيل بيداني. لقد تم سرقة ملف صوره من مدونة مستثمر صاعد بسان دييغو. علاوة على ذلك، كان ملفه الشخصي على لينكد إن، الذي وصفه بأنه خريج جامعة جورج واشنطن وجورجتاون، مجرد وهم.
يعد بيداني جزء من شبكة تضم 19 شخصية وهمية على الأقل أمضت العام الماضي في إلحاق أكثر من 90 مقال رأي بـ 46 منشورًا مختلفًا. أثنت المقالات على الإمارات العربية المتحدة ودعت إلى اتباع نهج أكثر صرامة تجاه قطر وتركيا وإيران ووكلائها في العراق ولبنان.
بعد نشر هذا المقال، أزال موقع واشنطن إكزامينر المقالة التي كتبها “بيداني” ولم يترك سوى ملاحظة المحرر التي ورد فيها الآتي: “تمت إزالة هذه المقالة بعد التحقيق في مصدرها ومؤلفها”.
يوم الإثنين، أغلق تويتر حساب بيداني فضلا عن 15 حسابا آخر بعد أن شاركت صحيفة ديلي بيست نتائج تحقيقها في الشبكة بسبب انتهاكها “لسياسات معالجة الأنظمة الأساسية والرسائل غير المرغوب فيها”. قال متحدث باسم تويتر للديلي بيست في بيان له إنه “باستخدام التكنولوجيا والمراجعة البشرية والشراكات مع الباحثين والمنظمات المستقلة الأخرى التي تدرس هذه القضايا، نعمل على تحديد التلاعب بالمنصة في خدمتنا واتخاذ الإجراءات اللازمة بناء على ذلك. وكما جرت العادة، إذا كان لدينا أدلة معقولة لإسناد أي نشاط إلى عملية معلومات مدعومة من الدولة، فسوف نكشف عنها، بعد إجراء تحقيق شامل ودقيق، لأرشيفنا العام”.
في هذا الصدد، قال مارك أوين جونز، الأستاذ المساعد بجامعة حمد بن خليفة في قطر الذي لاحظ لأول مرة المشاركات المشبوهة من قبل أعضاء الشبكة، في حديث له مع صحيفة ديلي بيست: “تسلط عملية التأثير الواسعة هذه الضوء على السهولة التي يمكن بها للجهات الفاعلة الخبيثة استغلال هوية الأشخاص الحقيقيين، وخداع المنافذ الإخبارية الدولية، وإضفاء المشروعية على دعاية مجهولة المصدر تقوم بها وسائل الإعلام ذات السمعة الطيبة. علينا أن نحذر من الأخبار الزائفة والصحفيين الزائفين على حد السواء”.
قامت هذه الشبكة بنشر مجموعة من المواقف المستفزة ومقالات تنتقد قطر وتدعم فرض عقوبات أكثر صرامة على إيران في المنافذ الإعلامية لأمريكا الشمالية المحافظة مثل “هيومن إيفنت” “وذي بوست ميلانيين”، التي أسسها الكاتب المحافظ أندي نغو، وكذلك المنافذ الإسرائيلية والشرق أوسطية مثل “الجيروساليم بوست” و”العربية” والصحف الآسيوية مثل “ساوث تشاينا مورنينج بوست“.
قد لا يبدو أن المواقع مرتبطة بموقع “أوت سايد أوبزرفر”، ولكن البحث في قاعدة بيانات “ريسك آي كيو” يظهر أن كلا الموقعين يتشاركان حساب غوغل أناليتك ذاته
في الحقيقة، يعد ربط الشبكة معًا من الأنماط السلوكية المشتركة. كان للشخصيات التي حددتها صحيفة ديلي بيست مساهمات في موقعين مرتبطين؛ “ذا أراب آي” و”بيرسيا ناو” وقد تم إنشاء حسابات تويتر في آذار / مارس ونيسان / أبريل من سنة 2020. وقدموا أنفسهم كمستشارين سياسيين وصحفيين مستقلين مقرهم في الغالب في العواصم الأوروبية. فضلا عن ذلك، قدمت الشخصيات معلومات مغلوطة حول أوراق اعتمادهم الأكاديمية أو المهنية في حسابات لينكد إن الوهمية واستخدمت صورا رمزية مزيفة أو مسروقة تم التلاعب بها لإفشال عمليات البحث عن الصور العكسية كما ربطت أعمال البعض بأعمال البقية أو ضخّمتها.
تعود أقدم مشاركات هذه الشخصيات في الشبكة إلى يوليو/حزيران 2019 وتم تأليفها بواسطة لين نغوين، “محلل في مجال الأمن الإقليمي لجنوب آسيا” وهمي، وفقًا لسيرة المؤلف. كتب نغوين وشخصية أخرى، سيندي شي، في الغالب عن قضايا شرق آسيا وخاصة عن وضعية اقتصاد هونغ كونغ في ظل جائحة فيروس كورونا.
لكن، سرعان ما نمت الشبكة ووسعت دائرة نشاطها حول الشرق الأوسط. في شباط \ فبراير، أنشِئ موقعين على الإنترنت “ذا أراب آي” و”بيرسيا ناو” وفي اليوم ذاته، بدآ في الحصول على مجموعة من المتابعين. من المفارقات أن موقع “ذا أراب آي” يصف نفسه بأنه درع ضد “الأخبار الوهمية” و”الرواية المتحيزة” ومهمته هي الاستماع إلى الآراء المختلفة بشأن المسائل المتعلقة بالشرق الأوسط.
قد لا يبدو أن المواقع مرتبطة بموقع “أوت سايد أوبزرفر”، ولكن البحث في قاعدة بيانات “ريسك آي كيو” يظهر أن كلا الموقعين يتشاركان حساب غوغل أناليتك ذاته، ولهما عنوان بروتوكول الإنترنت نفسه، ويرتبطان من خلال سلسلة من شهادات التشفير المشتركة. على غرار غالبية متابعيها، تبدو المواقع في حد ذاتها وهمية.
يدرج موقع “بيرسيا ناو” عنوان بريد من لندن غير موجود ورقم هاتف لا يرد على الاتصالات. كما لا أثر للمحررين الظاهرين في المنافذ، شريف أونيل وتيمور هول، كما ليس لهم أي سجلات على الإنترنت تتعلق بعملهم الصحافي. في “ذا اراب أي” و”بيرسيا ناو” وعبر عشرات المنشورات الأخرى، تبنى المساهمون الوهميون موضوعات مماثلة في مقالاتهم. فهم ينتقدون قطر، وعلى وجه الخصوص، منفذها الإخباري الذي تموله الدولة “الجزيرة”. كما يبدو أن دور تركيا في دعم أحد الفصائل في الحرب الأهلية في ليبيا لا يروق لهم، وقد نعتوه “بالأخبار السيئة” التي تهدف إلى “الحد من تدفق موارد الطاقة الحيوية” إلى أوروبا، ودعوا إلى انقسام حلف شمال الأطلسي.
في هذين الموقعين، هناك خطوط تحريرية ثابتة مثل المطالبة بفرض المزيد من العقوبات على إيران أو استخدام النفوذ الدولي لإضعاف الجماعات التي تنشط لحساب لإيران في لبنان والعراق. ولكن، كانت هذه الشخصيات من أبرز المعجبين بالإمارات العربية المتحدة وقد أشادت بدولة الخليج “لمرونتها المثالية” في مواجهة وباء كوفيد-19 و”علاقاتها الدبلوماسية القوية” مع الاتحاد الأوروبي ودعمها للمساواة بين الجنسين المزعوم من خلال إكسبو 2020 في دبي.
في الآونة الأخيرة، تبنّت الشخصيات الوهمية القضية المتعلقة بانتقاد فيسبوك لقراره تعيين توكل كرمان، الحائزة على جائزة نوبل للسلام سنة 2011، في مجلس إدارتها. وقد شجبت وسائل الإعلام في المملكة العربية السعودية ومصر والإمارات العربية المتحدة تعيين كرمان، العضوة السابقة في حزب التجمّع اليمني للإصلاح المرتبط بجماعة الإخوان المسلمين في اليمن، لارتباطها بالجماعة.
في بعض الأعمال المنشورة في خدمة الأخبار اليهودية و”آسيا تايمز” و”بوليتكاليت” و “ميدل إيست أونلاين“، صنفت الشبكة كرمان على أنها “ممثلة سياسية شائنة ذات ماض مثير للريبة” والذي من شأنه أن يجعل فيسبوك بمثابة “المنصة المفضلة للأيديولوجية الإسلامية المتطرفة”.
في الواقع، لم تنجح حسابات تويتر المرتبطة بالشبكة في اجتياز أكثر من بضع عشرات من المتابعين، ولم يتمكن سوى عدد قليل منهم من الحصول على تزكيات رفيعة المستوى لعملهم. وقد لقي مقال بقلم “جويس توليدانو” نُشر في موقع “هيومن إيفنتس” حول الطريقة التي تعتمدها قطر “لزعزعة الاستقرار في الشرق الأوسط”، ترحيبا من أحد مؤسسي منظمة “طلاب من أجل ترامب” على حساب تويتر، ريان فورنييه، والذي يملك حوالي مليون متابع على حساب تويتر، والسيناتور الفرنسية ناتالي جوليت، التي ثمّنت النقد اللاذع الذي وجهته لين نجوين لفيسبوك وتوكل كرمان.
يبدو أن المساهمين الوهميين قد استخدموا أيضا الصور الرمزية التي اُنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي لشخصياتهم الوهمية
خلفيات سخيفة
استخدم الأشخاص في الشبكة مزيجا من الصور الرمزية المسروقة أو المولّدة عن طريق الذكاء الاصطناعي والسير الذاتية المزيفة لجعلها تبدو أكثر إقناعا. على سبيل المثال، استخدم حساب تويتر “رافائيل باداني” باري دادون، وهو رجل أعمال حقيقي في سان دييغو ومؤسس شركة ناشئة، كمصدر لصور حسابه الشخصي. ودون علمه أو موافقته، سرق مالك الحساب صورة من مدونة دادون لوضعها كصورة لحسابه الشخصي على تويتر كما سرق صورة من صفحة الفيسبوك الخاصة بزوجة دادون لوضعها في صفحة الكاتب “باداني نيوزماكس”.
بالإضافة إلى ذلك، سرق “ميكائيل فيرتانن”، رجل الأعمال الفنلندي المزيف الذي كتب عن الشرق الأوسط لصالح خدمة الأخبار اليهودية، صورته الرمزية من قاعدة بيانات صور مجانية. كما سُرقت صور رمزية أخرى لمحلل فيتنامي في شركة استشارات مالية في سنغافورة ووكيل تأمينات في كاليفورنيا. في الواقع، كانت جميع الصور الرمزية المسروقة طبق الأصل ومعكوسة ومقتصة من الصور الأصلية، مما يجعل العثور عليها من خلال عمليات البحث العكسي عن الصور الشائعة في شبكة غوغل أمرا صعبا.
يبدو أن المساهمين الوهميين قد استخدموا أيضا الصور الرمزية التي اُنشئت بواسطة الذكاء الاصطناعي لشخصياتهم الوهمية. وتظهر صورة الملف الشخصي عالية الدقة لشخصية جوزيف لابا، التي نُشرت في مقال في موقع “ذي بوست ميلينيال”، مواطن الخلل الشائعة في الوجوه المنشأة بواسطة الذكاء الاصطناعي. بعبارة أخرى، كانت الأذن اليسرى ناعمة بشكل غريب دون أية ثنيات لشحمة الأذن.
من جهته، استعرض سام ماير، الباحث المساعد في معهد ميدلبري للدراسات الدولية، صورة لابا باستخدام برنامج تحليل الصور ولاحظ أيضا أنه كان لديه ثلاثة أسنان غير متطابقة في فمه بدلا من أربعة. وقد صرّح الدكتور ليونارد كوندل، طبيب الأسنان الذي وافق على مراجعة الصورة الرمزية للابا لموقع “ذي دايلي بيست” بأن “هذا الفم إما مزيف أو هناك قصة حزينة تبرر شكل الأسنان. لا يبدو السن الثالث من الوسط حقيقيا بالنسبة لي. وإذا قارنته مع السن في الجانب الآخر، فمن الواضح أنه لا يبدو حقيقا”.
أضاف كوندل قائلا: “لا تبدو الأسنان الأمامية وكأنها تنتمي إلى هذا الفم. كلاهما أصغر مما ينبغي كما أنها مائلة قليلا إلى الأمام وأكثر بياضا وشبيهة بالطباشير”. من ناحية أخرى، تُظهر الصور الرمزية الأخرى، على غرار تلك المستخدمة من قبل ليزا مور وجويس توليدانو، ملامح متناظرة بشكل غريب عند وضعها على بعضها البعض، مع اتساق مثالي تقريبا للعينين والفم والحاجبين.
من جهة أخرى، تبدو المعلومات الشخصية المستخدمة لدعم مصداقية الشبكة زائفة أيضا. فقد تظاهر بعض المؤلفين بأنهم صحفيون مستقلون أو سابقون. كما زعمت “سلمى محمد” على صفحتها على موقع “لينكد إن” بأنها مراسلة سابقة لوكالة “أسوشييتد برس” في لندن، على الرغم من عدم وجود سجل عام لصحافة الوكالة الأمريكية يطابق وصف سلمى محمد.
في المقابل، وصفت شخصية وهمية أخرى تدعى أماني شاهان نفسها في السير الذاتية في موقع “غلوبال فيلدج” و”بيرسيا ناو” بأنها مساهِمة في موقع “ذي دايلي بيست” و”كاتبة خفية للمقالات” فيه. بيد أنه لم يكتب أية شخص بهذا الاسم على الإطلاق لصالح موقع “ذي دايلي بيست” كما أن الموقع لا يوظف كتّاب خفيين. والجدير بالذكر أن شاهان أشارت إلى نفسها باستخدام ضمائر المؤنث والمذكر في السير الذاتية المختلفة للمؤلف.
يعدّ المقال بمثابة الدليل العام الوحيد على أن شخصا ما قد أصبح متفطنا للتزييف الذي تبنّته الشبكة.
في الحقيقة، كذب أشخاص آخرون حول أوراق اعتمادهم الأكاديمية. ففي المقالات المنشورة في موقع “ذي آيجيان بوست” وصحيفة “ماليجيان ريزيرف” و”مانيلا تايمز”، عرّفت سيندي شي نفسها “كمحللة أبحاث في سنغافورة للعملاء في القطاع الخاص” وحاصلة على درجة الدكتوراه من جامعة سنغافورة الوطنية. وفي رسالة بريد إلكتروني، قالت جامعة سنغافورة الوطنية إنها “غير قادرة على استرداد السجلات السابقة في قاعدة بيانات القسم” المطابقة لاسم شي. وقد نفى البحث في قاعدة بيانات “ناشيونال ستيودنت كليرنج هاوس” للحصول على الدرجة الجامعية المزعومة لشخصية نافيد باراني من جامعة جيمس ماديسون وجود نتائج مماثلة.
في بعض الأحيان، أظهر مشغلو الشبكة إما حسا عابثا بالسخرية أو افتقارا تاما إلى الوعي الذاتي. وقد نددت أحدث مقالات الشبكة، “كيف تستخدم قطر تكتيكات التضليل لمهاجمة خصومها”، بالبرامج التي تبثها قناة الجزيرة الممولة من قبل الدولة، وأعربت عن استيائها من أن “المشهد يسلط الضوء على قضية مثيرة حول كيفية تأثير الأخبار المزيفة على الخطاب السياسي الإقليمي”.
علاوة على ذلك، يعدّ المقال بمثابة الدليل العام الوحيد على أن شخصا ما قد أصبح متفطنا للتزييف الذي تبنّته الشبكة. وقد أزال المحررون في مجلة “إنترناشيونال بوليسي دايجست”، التي نُشر فيها المقال بتاريخ أيلول/ سبتمبر 2019، المقال بسرعة بتعلّة أنه حُذف “ردا على انتقاد مصادر المقال” وأنهم “يأسفون على نشره”.
غير أن هذا لا يعني أن المقال تسبب في الكثير من المتاعب للشبكة. يُذكر أن لين نغوين نشرت مقالاً مشابهًا يهاجم قطر حول “المعلومات المضللة التي أصبحت عملة القوة الناعمة” بعد ذلك ببضعة أيام في صحيفة “آيجيا تايمز”. وبحلول شهر تشرين الثاني/ نوفمبر، عادت شخصية وهمية أخرى من الشبكة تحمل اسم ميشال حداد إلى النشر في مجلة “إنترناشيونال بوليسي دايجست”.
المصدر: ذي دايلي بيست