ترجمة وتحرير: نون بوست
عندما بدأت إدارة ترامب في تنفيذ برنامج بقيمة تريليون دولار يهدف إلى إنقاذ العمال المتضررين في ظل جائحة كوفيد-19، كان القلق الرئيسي هو أن يستخدم الرئيس البرنامج لفائدة أصدقائه وحلفائه. لكن تبين أن أصدقاء ترامب لم يكونوا هم من تمتعوا بالأرباح غير المتوقعة بقدر ما كانت واشنطن العاصمة، والتي تتمتع بالثروة والعلاقات.
من بين الهيئات التي قامت بصرف شيكات تحتوي على مبالغ ذات ستة إلى سبعة أرقام من برنامج حماية الرواتب الذي قدمته الحكومة الفيدرالية في الأشهر الأخيرة، نجد منظمة للدفاع عن المسؤولية المالية تديرها منظمة “جروفر نوركوست” المناهضة للضرائب، وشركة استشارية رفيعة المستوى تديرها وزيرة الخارجية السابقة مادلين أولبرايت، ومؤسسة غير ربحية يترأسها المسؤول السابق عن حملة ترامب ديفيد بوسي، وشركة استراتيجية سياسية مرتبطة بخريجين اثنين من البيت الأبيض في عهد أوباما اللذان حوّلا البث المناهض لترامب إلى مؤسسة مربحة.
حصلت الشركات المرتبطة بصهر الرئيس، فضلا عن أعضاء الكونغرس، على أموال دافعي الضرائب. وقامت مدارس النخبة في منطقة العاصمة بالمثل أيضا، أين ألحق كل من الرئيس دونالد ترامب والرئيس باراك أوباما أولادهما بالمدارس المتواجدة هناك. في الواقع، حصلت مدرسة سانت أندرو الأسقفية، حيث كان بارون ترامب طالبا، بين مليوني وخمسة ملايين دولار، بينما نالت مدرسة سيدوال فريندز، أين تخرج طفليْ أوباما من المدرسة الثانوية، ما بين خمسة و10 ملايين دولار.
يوم الاثنين، أصدرت وزارة المالية أخيرا اسم كل شخص حصل على قرض أكبر من 150 ألف دولار من خلال برنامج حماية الراتب. ولا يغطي الكشف عن المعلومات القروض التي تقل عن هذا المبلغ ولا يحدد المبلغ الذي تلقته كل منظمة بالضبط. ففي الأشهر التي سبقت الكشف عن القروض في يوم الاثنين، أعلنت بعض الشركات والكيانات، التي استشعرت احتمال الدعاية السلبية، عن تلقيها للقروض، وأنها كانت تعيدها في كثير من الأحيان. على سبيل المثال، أعلنت شركة أكسيوس الإعلامية بشكل استباقي أنها تقدمت بطلب للحصول على قرض برنامج حماية الرواتب، ثم قالت إنها ستعيد تلك الأموال بعد أن تعرضت للنقد.
في المقابل، لم تكن لبعض الشركات الأخرى مثل هذه التعقيدات. في الواقع، تظهر السجلات أن ما بين 350 ألف إلى مليون دولار ذهبت إلى شركة أوبزيرفر هولدنجز، وهي الكيان الأم لأوبزيرفر ميديا، شركة النشر التي كان يملكها سابقا مستشار البيت الأبيض الكبير جريد كوشنر. استقال كوشنر من المؤسسة الإخبارية قبل الانتقال إلى واشنطن العاصمة في سنة 2017، لكن الشركة بقيت في أيادي أفراد العائلة، إذ قام جوزيف ماير، وهو زوج أخت كوشنير نيكول، بإدراج الشركة ضمن حيازات شركة أوبزيرفر كابيتال الاستثمارية. وقد حافظت المساعدة الفيدرالية على 41 وظيفة وفقا لما ذكرته وكالة إدارة الأعمال الصغيرة.
في الواقع، لم تكن “أوبزرفر” الشركة العائلية الوحيدة لكوشنر التي استفادت من برنامج حماية الراتب، إذ حصل اثنان من فنادق العائلة في نيو جيرسي على أموال نقدية. وتُظهر مواد وكالة إدارة الأعمال الصغيرة أن مبلغا يتراوح بين مليون إلى مليوني دولار من المساعدة ذهبت لشركة “برينستون فورستل” التي كشفت عنها سجلات لجنة الأمن والتبادل أنها مملوكة بنسبة 40 بالمائة لأم المطور السابق وأخيه وأخته.
من جهة أخرى، حصلت شركة “إسبلاناد ليفينغستون”، التي تمتلك الأرض التي بٌني عليها فندق “ويتمنستر“، على 350 ألف دولار إلى مليون دولار. وتظهر وثائق الرهن العقاري المقدمة في مقاطعة إسيكس بولاية نيوجيرسي أن شركة إسبلاناد ليفينغستون تخضع لسيطرة شركة “سي كاي ليفينغستون”، الشركة التي تحمل الأحرف الأولى من اسم والد جاريد كوشنر، تشارلز، حيث استظهر جاريد كوشنر بهذه الوثائق في سنة 2017 كمصدر للدخل الشخصي من الفندق. ولكن بعد ذلك، اعترفت شركات كوشنر ودافعت على الفور عن استلامها لمساعدات برنامج حماية الراتب.
في هذا الصدد، أكد الرئيس التنفيذي للعمليات، بيتر فيبو:” “تقدم العديد من فنادقنا بطلب للحصول على قروض فيدرالية، وفقا لجميع الإرشادات، مع توجيه جزء كبير منها إلى الموظفين الذين وقع الاستغناء عنهم”.
في الوقت نفسه، تلقى موقع “ديلي كولر”، للإعلام المحافظ على الإنترنت الذي أسسه المقرب من ترامب ومضيف فوكس نيوز، تاكر كارلسون، ما يصل إلى مليون دولار. باع كارلسون حصته في الشركة في 10 حزيران/ يونيو. أما نيوسماكس، وهي شبكة تلفزيونية وموقع إلكتروني محافظ يملكه صديق آخر من المقربين من الرئاسة، كريستوفر رودي، فقد حصلت على قرض بقيمة مليوني إلى خمسة ملايين دولار.
من الصعب التثبت من سلامة الوضعية المالية للعديد من هذه الشركات
في مجموعها، يوضح مستودع البيانات الهائل أنه برغم من أن الشركات الأصغر حجما في مختلف أنحاء البلاد ربما كانت تناضل لإتمام عملية الحصول على قروض الحكومة الفيدرالية، إلا أن هذه الصعوبات لم تعترض الشركات القليلة الموجودة داخل وحول العاصمة.
كان الأمر متوقعا على مستوى معين؛ فواشنطن هي مدينة مليئة بالشركات، حيث أن تعتمد بشكل كبير على النقود ولكن أيضا على العلاقات. في الواقع، تشمل الشركات التي طلبت المساعدة من خلال البرنامج في المدينة على مجموعات المناصرة، ومجموعات الضغط والشؤون العامة، وحتى المنظمات غير الربحية المنتسبة إلى المشرعين أنفسهم. ولكن على عكس مناطق أخرى من البلاد، فإن الشركات في واشنطن في وضع فريد للتأثير على الأموال واستخراجها من البرامج المصممة لإفادة الأعمال الأمريكية بشكل عام، لأنها تعمل مع أشخاص مقربين من أولئك الذين في السلطة.
من جهتها، حصلت مجموعة أولبرايت ستونبريدج، وهي شركة أولبرايت التي تعرف بنفسها على أنها “الشركة الاستراتيجية العالمية الأولى والدبلوماسية التجارية”، على قرض يتراوح مجموعه بين مليوني إلى خمسة ملايين دولار. وحصلت شركة روك سولوشنز، وهي شركة للشؤون العامة تتباهى بوجودها على قائمة فورتشين 100، والحكومة الأجنبية، وعملاء الجمعيات التجارية، على مبلغ يقدر بين 150 إلى 350 ألف دولار من أموال برنامج حماية الراتب.
حصلت شركة بريسيجن ستراتيجيز، التي أسسها خريجون بارزون في حملة أوباما، على ما بين مليون دولار ومليوني دولار، على الرغم من أن الشركة قالت إنها سددت القرض بالكامل الشهر الماضي. أما فينواي ستراتيجيز، وهي شركة أسسها خريجا إدارة أوباما، جون فافرو وتومي فيتور، حصلت على ما بين 150 ألف و350 ألف دولار. الجدير بالذكر أن كلا فيتور وفافرو في إجازة من الشركة بينما يديران مشروعهما الإعلامي الجديد “كروكد ميديا”.
تمكنت شركة المحاماة وإحدى لوبيات الضغط، “وايلي راين”، والواقع مقرها بالعاصمة واشنطن، والتي تمثل عملاء على غرار آي تي آند تي وشركة فوكس وفريزون، كما مثلت شركة عملاق الصلب “نيكور” أمام الحكومة الفيدرالية السنة الماضية، من الحصول على قرض تتراوح قيمته بين 5 ملايين دولار و10 ملايين دولار.
من الصعب التثبت من سلامة الوضعية المالية للعديد من هذه الشركات. إلا أنه بالنسبة لبعض المستفيدين من برنامج حماية الرواتب، تُظهر السجلات العامة جملة من الأنشطة السياسية أو القريبة من السياسة قبل الحصول على المساعدة الفيدرالية.
على سبيل المثال، استفادت استراتيجيات الاستشارات السياسية للحزب الجمهوري من أكثر من 7 ملايين دولار منذ العام الماضي من طرف اللجان السياسية الفيدرالية وحدها. وحصلت على قرض ينضوي تحت برنامج حماية الراتب يتراوح بين مليون دولار ومليوني دولار. كما تلقت شركة “أميريكن رايزن”، وهي شركة أبحاث معارضة جمهورية، أكثر من 3.5 مليون دولار من اللجان السياسية الفيدرالية منذ العام الماضي. وحصلت على قرض تتراوح قيمته بين 350 ألف دولار ومليون دولار.
نجحت بعض الشركات البارزة المختصة في البيع والمنتمية للشقين السياسيين في تأمين قروض برنامج حماية الراتب. فقد استلمت شركة جيمس تاون، وهي شركة جمركية لشراء الإعلانات تعمل في حملة ترامب، الذي يعد من بين عملاء بارزين آخرين، ما بين 350 ألف دولار ومليون دولار. حصلت شركة تي آم آي دايركت، وهي شركة جمهوريّة لجمع التبرعات يديرها الرئيس المشارك للجنة ترامب للتمويل الانتخابي، على ما بين 150 ألف دولار و 350 ألف دولار.
أُطلق برنامج حماية الرواتب لإنقاذ الشركات الصغيرة العاجزة اقتصاديا بسبب جائحة كوفيد-19. يقول الاقتصاديون إن هذا البرنامج نجح نسبيا في إبقاء تلك الشركات صامدة بالتوازي مع إنفاق المستهلكين وتدفقات الإيرادات الأخرى. رغم هشاشة انطلاق البرنامج، حيث اشتكى العديد من رواد الأعمال، لأنهم وجدوا أن عملية تقديم الطلبات مرهقة. كما واجه البرنامج انتقادات بسبب تفضيل الشركات الكبرى وهي غالبًا الفنادق والمطاعم والكازينوهات التي وظفت فروعها لتلبية معايير التأهل للحصول على قروض.
بعد تخصيص 130 مليار دولار للبرنامج دون صرفها، بالإضافة إلى تمديد الموعد النهائي لتقديم الطلبات حتى الثامن من أغسطس/ آب، لم يعد البرنامج يلقى انتقادات عديدة لإعطاء الأولوية للشركات الكبرى على حساب الشركات الصغرى. لكن لا يزال من المحتمل أن تثير قائمة المتلقين الاستنكار، خاصة بعد إدراج المحافظين الذين لطالما كانوا ضد تدخل الحكومة في القطاع الخاص.
حصلت العديد من المنظمات غير الربحية المرتبطة ببعض التكتلات في الكونغرس، على قروض من برنامج دعم الرواتب
حصل شق روفر نوركست للإصلاح الضريبي، على سبيل المثال، على قرض بقيمة تتراوح بين 150 ألف و350 ألف دولار. ويعد روفر نوركست، شخصية مشهورة في بيلتواي لحمل مشرعي الحزب الجمهوري على التعهد بشكل روتيني بعدم زيادة الضرائب، وقد انتقد قيمة الأموال التي خصصتها الحكومة للتصدي لفيروس كورونا. ووجه رسالة إلى ترامب وإلى زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل يحثهما فيها على “وقف الإنفاق”.
جاء في الرسالة أن “الأشخاص يعتقدون بأن ضخ تريليونات الدولارات يعتبر “محفزا للاقتصاد”. “لكن الحكومة تأخذ الأموال من البعض لتقدمه إلى البعض الآخر، كما أعلمنا الاقتصادي ميلتون فريدمان الحائز على جائزة نوبل منذ سنوات عديدة “.
ادعى بيان صادر عن الأمريكيين للإصلاح الضريبي أن مؤسستهم منظمة “منفصلة قانونيا وماليا”. “وتقدمت بطلب للحصول على قرض وحصلت عليه ونتيجة لذلك تمكنت من الحفاظ على موظفيها دون تسريح أي شخص”. وقال البيان إن آي تي آر أف لا تمارس الضغط”، مشيرا إلى أن آي آر تي ” لم يعارض أبدا ” برنامج حماية الرواتب.
كما استفادت منه بعض الأطراف المرتبطة بالكونغرس، التي قامت بإنشاء وتمرير برنامج حماية الرواتب، بما في ذلك، المشرعون أنفسهم، على ما يبدو. تلقت الشركات التي يملكها النائب ماركوين مولين مبلغا يناهز 800 ألف دولار من القروض. وفقًا للتصريحات الجديدة، حصل أربعة أعضاء آخرين في الكونغرس بالفعل على قروض منضوية تحت برنامج حماية الرواتب من خلال مشاريعهم التجارية.
صرح النائب ديفين نونيز، في تقرير الذمة المالية الأخير، بامتلاك بين 50 ألف دولار و100 ألف دولار من حقوق المساهمين في الخمور بولاية كاليفورنيا. حصل مصنع النبيذ هذا على قرض منضو تحت برنامج حماية الرواتب بقيمة تتراوح بين مليون ومليوني دولار. كما استفادت الشركات المرتبطة بأفراد عائلة مترشحين اثنين في أحد سباقات مجلس الشيوخ الأعلى في البلاد من أموال الشراكة تحت البرنامج نفسه.
حصلت شركة المحاماة التابعة لزوج مرشحة ولاية ماين التابعة للشق الديمقراطي سارة جدعون على أموال من برنامج دعم الرواتب، وتمت الموافقة على مشروع تجاري تابع لأخوة السيناتور سوزان كولينز، مؤسسة البرنامج، على الرغم من أنهم أعادوا الأموال لاحقًا. في الأشهر الأخيرة، انتقدت سارة جدعون مبادرة كولينز لإنقاذ الشركات الصغيرة، قائلة إن “المصالح الخاصة” كانت طاغية على الشركات الصغرى لتلقي الأموال الفيدرالية.
كما حصلت العديد من المنظمات غير الربحية المرتبطة ببعض التكتلات في الكونغرس، على غرار تجمعات الكونغرس السوداء واللاتينية، على قروض من برنامج دعم الرواتب، بالإضافة إلى المؤسسات المرتبطة بتجمع الرياضيين المؤثرين في الكونجرس.
تظهر السجلات أن معهد كليرمونت، وهو مركز أبحاث في كاليفورنيا، قد حصل على مبلغ يتراوح بين 350 ألف دولار ومليون دولار. وقامت المجموعة بترسيخ بعض القيادات العليا في إدارة ترامب بما في ذلك مايكل باك، الرئيس الذي تم تعيينه حديثًا لوكالة البث التابعة للحكومة الفيدرالية، ومايكل أنطون، المتحدث السابق باسم مجلس الأمن القومي والذي سعى أكثر من أي مجموعة أخرى لبناء الطابع المحافظ لترامب.
المصدر: ذا دايلي بيست