ترجمة وتحرير: نون بوست
يعد المشهد الحالي للناشرين يصم الآذان، فمع قيام الجميع بإنتاج المحتوى بشكل كثيف، يجد القراء، والناشرون، صعوبة في اختراق الضوضاء. في الحقيقة، يقع نشر أكثر من 4.4 مليون مدونة يوميا. وهذه مجرد منشوارت لمدونات. تنامى إنتاج المؤسسات الإعلامية، لكن معدلات مشاركتها الإجمالية استمرت في الهبوط. لا يدرك العديد من الناشرين أن محاولتهم لشق طريقهم عبر كل هذه الضوضاء من خلال إنتاج كمية كبيرة من المحتوى ليست إستراتيجية ناجعة.
تعد المؤسسات الإعلامية التي تعيش وتزدهر في هذا المناخ هي تلك التي أخذت الوقت الكافي للنظر في سلوك القارئ والطلب والمشاركة ومعالجة مشاكل إنتاج المحتوى مع أخذ هذه الحقائق بعين الاعتبار. كما أنهم يركزون على إنتاج المحتوى الذي يتماشى مع اهتمامات قراءهم أولا والذي ليس من المحتمل أن يصبح عتيقا أو مرتبطا بتاريخ معين على الفور. ينتجون مقالات ذات قدرة على الصمود مع الوقت حتى على المدى الطويل.
مرحبا بالمحتوى طويل المدى
يشمل المحتوى طويل المدى جميع المحتويات التي تساهم في ارتفاع حركة مرور الموقع لأكثر من ثلاثة أيام بعد النشر. لذلك، نحن نستطيع تمييز ومعرفة المحتوى الدائم الذي لا تنتهي فترة صلاحيته. في أعماق مختبراتنا، توصل علماء البيانات لدينا إلى طريقة رائعة لتسليط الضوء على المحتوى الاستثنائي. وقع مقارنة المقالات عالية الأداء بالمقالات المنشورة في الثلاثين يوما الماضية. في حال كان ترتيبهم الأعلى من هذه المقالات الحديثة، فسيقع تصنيفها من ضمن المقالات الدائمة. يقع تكرار ذلك شهرا بعد شهر حتى يتوقف هذا المحتوى عن الأداء بشكل جيد. دون النظر إلى أنواع المواضيع التي تتناولها هذه المقالات، ربما كنت تتوقع أن المحتوى الدائم لا يتأثر بعامل الوقت ولا يعدو عتيقا، وأنت على حق في ذلك.
هناك فوائد عديدة لإنتاج هذه الأنواع من المقالات
يزيد المحتوى الدائم من نفوذ العلامة التجارية، ويوجه باستمرار حركة المرور إلى نطاقك ويحتل مكانة قيّمة في تصنيفات محرك البحث لأشهر، أو حتى لسنوات منذ وقت نشره لأول مرة. كما أن المحتوى الأبدي يعد الأداة الأكثر فاعلية للاستفادة من زيارات البحث القيمة وجعل علامتك التجارية الوجهة الرئيسية للبحث عن موضوع معين.
إلى جانب تحويل الناشرين إلى مصادر مرجعية في محركات البحث، فإن المحتوى الدائم لديه القدرة على تعزيز مكانتك على مواقع التواصل الاجتماعي. يقع إعادة اكتشاف هذا النوع من المحتوى باستمرار وإعادة مشاركته عبر الإنترنت، مما يوفر تدفقات قيمة ثابتة لناشره بشكل مستمر.
وفقًا للنتائج التي توصلنا إليها، يولد المحتوى الدائم معدلات مشاركة أعلى من أي نوع آخر من المحتوى. كما يشجع الجمهور على التواصل، وإعادة التواصل، مع العلامات التجارية وتصفح المزيد من الصفحات وقراءة المزيد من المقالات وقضاء وقت إضافي على الموقع الخاص بالناشر.
أي المحتويات لها تأثير مستمر؟
بغرض التعرف على كيفية إنتاج محتوى له صلة بالواقع بشكل دائم، قمنا باختيار مقالات تعود إلى 20 مؤسسة إعلامية مختلفة، ومقارنتها واحدة تلو الأخرى. ثم اخترنا المقالات المنتقاة بعناية والتي ولدت معدلات مشاركة عالية بشكل خاص لدراستنا.
كانت غالبية المقالات التي تلبي طلبنا من أقسام الاقتصاد في مواقع الأخبار. ساهمت المواضيع الاجتماعية بثاني أكبر عينة من المقالات، في حين جاءت بقية المقالات من العالم الرقمي والجريمة والأقسام التي تهم المرأة من مواقع إخبارية أخرى. عند قراءة المقالات، لاحظنا أن معظمها يقع تحت الفئة ذاتها. في الواقع، يمكن وصف ثلث المحتوى الذي تم تحليله بأنه “شرح تفصيلي لبعض الأحداث، أو أدلة إرشادية”. وكانت ثاني أكبر مجموعة من المقالات تحت تصنيف “القصص الطويلة” التي ناقشت قضايا مهمة مثل اللقاحات ضد السرطان، بينما تطرقت المقالات الأخرى الدائمة والناجحة إلى الأعمال البشرية العظيمة التي أعجبت أو ألهمت الكثيرين، مثل الأحداث التي تبرهن على الشجاعة.
الرسم البياني: نسبة المقالات الدائمة مرتبة حسب الأقسام.
مثالان جيدان
يمكن أن تكون المقالات التي تشرك القراء لفترة أطول أكثر من يوم واحد بمثابة عامل حقيقي يصنع الفارق لغرف الأخبار، خاصة فيما يتعلق ببناء جماهير أوفياء ومتفاعلين. بالتأكيد، تتطلب بعض القصص الدائمة مزيدا من الجهد في عملية إعداد التقارير والمزيد من الابتكار في طريقة تقديمها. من هذا المنطلق، لسائل أن يسأل هل هذه القصص تعود بقدر أكبر من الفائدة لغرفة الأخبار؟
في هذا السياق، نشرت صحيفة “زود دويتشه تسايتونج” الألمانية اليومية مقالا يهدف إلى متابعة تطورات صفقة حظيت بموافقة الائتلاف الكبير قبل تشكيل حكومة في ألمانيا. وقد كان هذا الموضوع مثيرا للاهتمام، حيث وقع تشكيل الائتلاف من قبل المحافظين والاشتراكيين الديمقراطيين واستغرق الأمر 171 يوما لتشكيل الحكومة بعد الانتخابات.
هناك الكثير من الإمكانات، ولكن كيف تجعلها مثيرة للاهتمام؟
حلل صحفيو زود دويتشه تسايتونج الصفقة المكونة من 174 صفحة ووجدوا 136 مشكلة تعهد التحالف بحلّها. خلال هذا المقال، سلطوا الضوء على هذه التعهدات وسعوا إلى تحديث وضعيتها بشكل مستمر. كان هدفهم الأقصى هو مساءلة الحكومة. عمل خمسة مراسلين على تحرير هذا المقال وقد حصد مشاركات كبيرة ولا يزال وثيقة عمل حية. تبعا لذلك، لا عجب أننا نصنف هذا المقال من ضمن المقالات الدائمة.
من المحتمل أن مواضيع السياسة تعد من المواضيع المملة للعديد من القراء. ولكن من خلال خلق نهج مبتكر، يمكنك تحويله إلى موضوع قادر على صنع الفارق وخلق حركة المرور على الويب لأسابيع وأسابيع. على سبيل المثال، أجرى موقع تابع لبوابة الأخبار دي برسغروب، ويعرف باسم “آي دي الهولندي” استطلاعا للرأي حول الانتخابات المحلية في هولندا لمساعدة الناخبين في العثور على أفضل المرشحين.
علاوة على ذلك، شمل الاستطلاع 220 بلدية، وتمحور حول طرح أسئلة على المستخدمين تتعلق بالمواضيع التي اقترحتها مختلف الأحزاب السياسية. أجاب المستخدمون على الأسئلة، بينما تمكنوا في الوقت ذاته من معرفة السياسي الذي اقترح حلا معينا. واستنادا إلى إجاباتهم، تم تزويد القراء بمعلومات حول المرشحين أو الأحزاب الذين كانوا متفقين معهم. وقد ثبت أن هذه طريقة مفيدة وجذابة لنشر تقارير عن الحملة الانتخابية وإنشاء محتوى دائم.
مواضيع المحتوى طويل المدى
ألقينا نظرة أيضًا على المحتوى المبسط طويل المدى وحددنا نوع المقالات الأكثر قراءة لمدة ثلاثة أيام على الأقل. تأتي في المرتبة الأولى أخبار المجتمع بنسبة 21.6 بالمئة. وفي المرتبة الثانية بنسبة 14.8 بالمئة نجد قسم الأعمال السينمائية، بينما يأتي قسم الرياضة في المركز الثالث بنسبة 13.6 بالمئة.
رسم بياني: النسبة المئوية حسب الأقسام في تحليل المحتوى طويل المدى
تأتي المقالات التي قمنا بتحليلها من ثلاث قارات مختلفة وبسبع لغات. نظرنا إلى المقالات التي تحتوي على 70 ألف قراءة على الأقل خلال الأيام الثلاثة الأولى بعد النشر (في الواقع، كان نصف هذه المقالات يحتوي على أكثر من 150 ألف قراءة، بينما سجل بعضها ما يصل إلى مليون قراءة).
المجتمع
من بين المقالات التي تندرج ضمن قسم المجتمع، تمثل القصص عن السفر أو الصحة حوالي 40 بالمئة من المحتوى طويل المدى. وكانت حقوق الإنسان والوظائف وأخلاقيات العمل هي ثاني أكبر الموضوعات، و30 بالمئة من المواضيع هي تلك المتعلقة باهتمامات الناس: مشاكلهم وطموحاتهم ومعتقداتهم.
رسم بياني لقسم المجتمع ضمن المحتوى طويل المدى مصنفا حسب المواضيع.
الرياضة
يُعد قسم الرياضة من بين أكثر الأقسام تمثيلاً في تحليل المحتوى طويل المدى. مثّل المحتوى الخاص بدورة الألعاب الأولمبية الشتوية في كوريا الجنوبية وكأس العالم في روسيا ما يزيد قليلاً عن نصف محتوى هذا القسم. هذا لا يعني أن هذه الأحداث الكبرى هي وحدها التي تمتلك القدرة على جذب القارئ في المحتوى طويل المدى، بل أن الأحداث العادية ومباريات دوري كرة القدم والأحداث السنوية مثل طواف فرنسا وطواف إيطاليا، لديها القدرة على الجذب أيضا.
الأمر المثير في قسم الرياضة هو أنه يزعزع الفهم التقليدي للشكل الذي يجب أن تتخذه المقالة الطويلة. معظم المواضيع في قسم الرياضة هي عبارة عن مدونات تؤمن تغطية مستمرة لسوق الانتقالات والمسابقات الرياضية الكبرى، ويتم تعديلها وتوسيعها يومًا بعد يوم.وقد تبيّن أيضََا أن المحتوى الذي يركز على الجداول والبرامج التلفزيونية يستمر لفترة أطول.
وضمن المحتوى الرياضي، من الواضح أن كرة القدم هي ما يدفع معظم القراء للبحث عن المعلومات. حتى إذا استبعدنا تغطية كأس العالم من حساباتنا، فإن كرة القدم لا تزال تمثل 42 بالمائة من المحتوى الرياضي الطويل.
الرسم البياني: قسم الرياضة مرتبا حسب الأحداث
صناعة الترفيه والتسلية
15 بالمئة من المحتوى طويل المدى يمكن تصنيفه ضمن المواضيع الفنية والترفيهية، وقد تبين أن معظم المواضيع في هذا القسم تتمحور حول المشاهير وحياتهم المهنية والخاصة، حيث أن نصف المقالات كانت عنهم . وقد استحوذ المحتوى المتعلق بالأفلام والبرامج التلفزيونية على نسبة 38.5 بالمئة من المحتوى طويل المدى.
رسم بياني: قسم الترفيه والتسلية مصنفا حسب المواضيع
أسلوب الحياة
شكلت مواضيع أسلوب الحياة أكثر من 11 بالمئة من المحتوى طويل المدى الذي درسناه. ومعظم هذه القصص (أكثر من الثلث) كانت عن النظام الغذائي والتغذية. وكان عدد كبير منها – نحو 19 بالمئة – عن الجنس، بينما كان أكثر من 14 بالمئة مرتبطََا بعلم التنجيم.
الرسم البياني: قسم أسلوب الحياة مصنفا حسب المواضيع.
المعلوماتية والمعلومات الرقمية
تحظى المقالات التي تندرج ضمن قسم التكنولوجيا والتقنيات الرقمية بالنسبة ذاتها التي تملكها أقسام الترفيه ضمن المحتوى طويل المدى. تناول أكثر من نصف المقالات قضايا تتعلق بصناعات السيارات والدراجات، وكذلك صناعة الألعاب. كما نجد مواضيع حول علوم الكمبيوتر والشبكات الاجتماعية والعملات المشفرة والمحتوى الرقمي وما شابه ذلك.
كانت لعبة “فورتنايت” أحد أكثر المواضيع بحثا في هذا القسم. والمثير للإهتمام، أن المقالات حول هذه اللعبة التي أصبحت تشكل ظاهرة ثقافية، لم تكن حول آخر تحديثاتها، ولكن أغلبها كان ينقل تجارب اللاعبين.
الرسم البياني: قسم التكنولوجيا والتقنيات الرقمية مصنفا حسب المواضيع.
3 قواعد يجب اتباعها
في عصر “صدمة المحتوى”، يعتبر المحتوى طويل المدى ذو أهمية كبيرة. ومع تطور أساليب تحليل البيانات، أصبح من السهل معرفة المحتوى الذي تتم قراءته أكثر من غيره، والأهم من ذلك، كيف ولماذا يُقرأ أكثر من غيره. يعد فهم احتياجات جمهورك واتجاهاته قبل بدء عملية إنتاج المحتوى أمرا بالغ الأهمية، وكذلك مراقبة كيفية تلقي هذه المادة واستهلاكها. إليك خلاصة ما توصلنا إليه.
1. تتبع رد فعل الجمهور
لقد أصبح قياس رد فعل الجمهور – والنظر إلى أبعد من المقاييس التقليدية في تحليل المحتوى – أمرًا حيويًا للحصول على تقييم حقيقي ودقيق لجودة المحتوى. لن يمنحك الاكتفاء بمؤشر واحد الرؤية التي ستساعدك في تحديد السبب الذي يجعل محتوى بعينه يجذب انتباه القارئ على المدى الطويل. باتباع هذا النمط التحليلي، ينتقل تركيزك من المتصفح إلى المستخدم، وهو بالضبط ما تحتاجه لتكتشف رد فعل القارئ على المحتوى الذي تقدمه.
2. أفكار تجذب القراء
إن إعداد تقارير خاصة وابتكار أفكار جديدة لا يجذب انتباه القراء فحسب، بل يشدهم لأطول وقت ممكن. يشير سيث غودين إلى أن الناس يلاحظون على الفور الشيء الجديد أو المختلف: كل ما هو جديد جذاب. وعندما تجمع ذلك مع الفحص الدقيق وتحليل الجمهور، فإنك تستطيع أن تجذب القارئ إليك بسهولة. لم تحقق مجموعة دي بي جي الإعلامية البلجيكية النجاح فقط بسبب شكلها الجديد، بل أيضا لأنها فهمت أن القراء يقبلون على المحتوى عندما يكون قريبا من شواغلهم ؟ إذا كان الابتكار يتماشى مع رغبات جمهورك ويتناسب مع احتياجاتهم، فقد عرفت طريق النجاح.
3. المحتوى طويل المدى يُبقي القارئ وفيا
هل استثمار كل هذا الوقت في المحتوى طويل المدى يستحق العناء؟ نعم بالتأكيد.
غالبًا ما يخلق المحتوى طويل المدى علاقة أوثق مع القارئ. وفي الوقت الذي تحولت فيه العديد من المواقع الإخبارية إلى النموذج الربحي البحت في علاقتها مع القراء، فإن المحتوى طويل المدى يخلق علاقة من نوع آخر.
إن الجهد ليس بالضرورة في الكتابة والإنتاج (على الرغم من أن المحتوى طويل المدى والشكل الطويل غالبًا ما يسيران جنبًا إلى جنب)، بل في فهم القراء. افعل ذلك بشكل صحيح، وستقترب كثيرًا من تحقيق مبتغاك.
المصدر: واتز نيو إن بابليشينغ