ترجمة وتحرير نون بوست
في الأيام القليلة الماضية خرج عشرات آلاف الناس مرة أخرى لشوارع السودان في المدن الكبيرة مطالبين بـ”حرية وسلام وعدالة” الذي كان هتاف المتظاهرين الذين أطاحوا بعمر البشير في 2019.
لكن الفرق الكبير هذه المرة أنهم يتظاهرون ضد المجلس السيادي الوطني العسكري، مطالبين بدور أكبر للمدنيين في انتقال البلاد نحو الديمقراطية وإصلاح أسرع.
قبل عام كان المواطنون السودانيون يتوقعون سقوط البشير الذي حكم البلاد لفترة طويلة، فقد تمكنت ثورة شعبية قادها تجمع المهنيين السودانيين ولجان المقاومة في النهاية من التعجيل بعزل الرئيس، كانت مجموعة من المظالم قد أثارت المتظاهرين من بينها الفساد المستشري والاقتصاد المضطرب وانتهاكات حقوق الإنسان والنظام الصحي الفاشل.
لماذا عاد المتظاهرون إذًا للشوراع سريعًا بعد أن أخلوها في غمرة الانتصار؟
يكمن الجواب في حقيقة أن توازن القوى في الفترة الانتقالية التي تلت العزل كان دائمًا صعبًا ومخادعًا، كان ذلك واضحًا في تونس والجزائر ومصر، فعندما يكون المصلحون ضعفاء نسبيًا والمخول لهم حماية الوضع الراهن أقوياء، فإن التغيير الحقيقي سيكون بليدًا وطويل المدى، بل إنه في بعض الأحيان سيتوقف وربما يتم عكسه.
أما النخب المعادية للوضع الراهن ستكون مقاومة للتغيير لأنه يشكل تهديدًا لمصالحها، والأحداث في السودان تشير إلى ذلك التوتر.
ما الذي تم إنجازه؟
بعد الإطاحة بالبشير تم تأسيس مجلس سيادي مدني عسكري يرأسه رئيس وزراء مدني – عبد الله حمدوك – ويتشكل من 6 مدنيين و5 عسكريين، كان التحدي الحاليّ الذي يواجهه هو نشر الأمن والاستقرار وإجراء مفاوضات السلام مع متمردي دارفور وإصلاح الاقتصاد السوداني المدمر.
لذا ما الذي ورد في تقريره بعد عام؟
بالنسبة للمبتدئين فقد توقف الاعتقال الممنهج للمعارضة، وتوقفت الاعتقالات التعسفية من مكتب الأمن بشكل كبير، كما أن مراقبة الصحافة والتضييق عليها توقفت كذلك وتم إلغاء قانون النظام العام الذي كان يمنح الشرطة سلطة كبيرة غير متناسقة للاعتقال والعقاب بما في ذلك العقاب على المخالفات الأخلاقية والدينية.
من أجل بناء الثقة المؤسسية، تم فصل رئيس الشرطة ونائبه بعد أن طالب المتظاهرون بمزيد من الإجراءات ضد المسؤولين المرتبطين بالبشير، إضافة إلى ذلك تم بذل جهود جادة لتلبية مطلب جوهري آخر للمتظاهرين وهو إنهاء الصراعات المستمرة في السودان.
تواصلت جهود السلام مع الجبهة الثورية السودانية المتمردة، هذه الجهود أنتجت اتفاق سلام مبدأي يتضمن سحب قوات حفظ السلام التابعة للأمم المتحدة في دارفور، ومؤخرًا تم تأسيس جهاز مكافحة الفساد لتتبع الثروات المشبوهة وتوفير المساءلة، كانت مصادرة 4 مليارات دولار من أصول البشير وأسرته وشركائه خطوة في الاتجاه الصحيح.
إضافة إلى ذلك، سعى المجلس الانتقالي بنشاط إلى تغيير مكانة السودان في العالم بمحو صورته كدولة منبوذة، لم يكن ذلك مطلبًا أساسيًا لحركة التظاهر التي ركزت على القضايا الأساسية، لكن مع ذلك تصرفت الحكومة الانتقالية في ذلك أملًا في جلب الأرباح للبلاد.
لتحقيق ذلك ضغطت بنشاط على الحكومة الأمريكية لإزالتها من قائمة الدول الراعية للإرهاب، وما زالت واشنطن تنظر في هذا الطلب.
في الوقت نفسه أزالت البلاد من القائمة السوداء للدول التي تعاني من مخاطر في الحرية الدينية، كما رفعت العقوبات عن 157 شركة سودانية، ولأول مرة منذ 23 عامًا تبادلت الدولتان السفراء، من جانبه قلل السودان من عدد قواته في اليمن بمقدار الثلثين.
ما الذي لم يتحقق؟
لم تتحقق توقعات الثورة الشعبية التي حدثت قبل عام، والسبب في ذلك أن الإصلاحات الدائمة كانت بطيئة، أحد الإحباطات الواضحة كانت الوتيرة البطيئة لانتقال الحكم للمدنيين، فبصمة الحكم المدني على الهيئة السياسية للبلاد ليست واضحة بعد.
بدلًا من ذلك واصلت النخبة العسكرية سيطرتها الفعلية ونفوذها وهمشت المدنيين بل دفعت نحو تنازلات أكبر من الشركاء المدنيين.
عدم الاستعجال في تقديم البشير وأتباعه للمحاكمة أثار إحباط الشعب، لقد بدا كأنه أولوية هامشية وفي بعض الأحيان إحباطًا متعمدًا
تتضمن الأمثلة على ذلك حقيقة أنه لم يتم تأسيس المجلس الانتقالي التشريعي بعد، كان ذلك سيوفر درجة من التوازن مع المجلس السيادي الذي يسيطر عليه الجيش، وهكذا يتم التشريع بطريقة مخصصة.
بالإضافة إلى ذلك، لم يتم تعيين محافظين مدنيين بدلًا من العسكريين في مختلف المحافظات، الأمر الذي كان سيشكل خطوة أخرى بعيدًا عن الحكم العسكري، كما أن عدم الاستعجال في تقديم البشير وأتباعه للمحاكمة أثار إحباط الشعب، لقد بدا كأنه أولوية هامشية وفي بعض الأحيان إحباطًا متعمدًا.
لم يتم معالجة المشاكل الاقتصادية للبلاد، وما زال الناس يصطفون من 3 إلى 6 ساعات لشراء الخبز أو ملء الخزانات في محطات البنزين، ما زالت جودة الكهرباء قليلة مع انقطاع التيار بشكل مستمر، كما أن وصول الغاز إلى المنازل ما زال مشكلة.
لقد تقلص الاقتصاد وانخفضت عائدات النفط نظرًا لانهيار أسعار النفط وانخفاض القدرة الإنتاجية، أثرّ ذلك على الإنفاق العام والاستثمار الضروري لبدء تعافي الاقتصاد، كما تسبب كوفيد-19 في تفاقم الضرر.
ما الذي يعطل الإصلاحات؟
يمتلك السودان مؤسسات قوى متنافسة تمنع الإصلاحات المتماسكة بعيدة المدى، فهناك معسكر الإصلاحيين وفي الناحية الأخرى هناك من يرغبون في حماية الوضع الراهن، يضطر الإصلاحيون باستمرار إلى التفاوض وإجراء حسابات إستراتيجية بشأن التغييرات التي يمكن القيام بها ومدى سرعتها.
لقد بدأت سياسة حافة الهاوية تؤتي ثمارها، فمن الواضح أن النصف المدني من الحكومة الانتقالية يعاني لتأكيد أو تعزيز سلطته الأخلاقية أو شرعيته الشعبية في مواجهة العناد العسكري.
لكن رئيس الوزراء عبد الله حمدوك لا يزال يتمتع بشعبية، ومن أجل إرضاء المتظاهرين اعترف مؤخرًا بأنه يجب على السلطة الانتقالية أن تصحح المسار الثوري، يعد هذا اعترافًا ضمنيًا أن الأمور تحت إشرافه قد خرجت عن المسار المطلوب.
لكن هل يمتلك حمدوك القوة لإصلاح هذا الانحراف عن توقعات الشارع؟ ربما سيكون الجواب للأسف: لا بشكل كبير.
في الوقت الحاليّ، الحقيقة التي يجب أن يدركها المتظاهرون والنخبة المدنية ويتعاملوا معها، هو أنه بعد فترة طويلة من الإرث الاستبدادي المدمر لن يحدث التغيير بسهولة، ولن يمكن تتبعه سريعًا، لكنه سيكون نتاج الصبر والتفاهم وقبل ذلك كله المثابرة.
المصدر: ذي كونفرسايشن