ليلة ساخنة عرفتها شوارع مدينة رمادة الحدودية التابعة لمحافظة تطاوين جنوب شرق تونس، كر وفر بين المحتجين وعناصر من الجيش الوطني واستعمال مكثف للغاز المسيل للدموع، زاد المنطقة الغنية بالنفط احتقانًا، خاصة أن هذه الأحداث تأتي بعد أيام قليلة من توتر الوضع في مركز المحافظة نتيجة تنكر الحكومة عن تعهداتها السابقة تجاه الأهالي.
تجدد الاحتجاجات
بدأت الاحتجاجات إثر وفاة شخص أصيل رمادة نتيجة تعرضه إلى طلق ناري بالمنطقة العازلة الممنوعة على المدنيين على الحدود مع ليبيا من طرف دورية عسكرية، قيل إنه كان على متن سيارة تهريب رفضت الامتثال لإشارات التوقف الصادرة عن عناصر الجيش التونسي.
وزارة الدفاع التونسية في تعقيبها على حادثة مقتل الشاب قالت: “التشكيلات العسكرية العاملة بمنطقة (المنزلة) برمادة رصدت، مساء الثلاثاء 7 يوليو/تموز، تحركات مشبوهة لأربع سيارات قادمة من التراب الليبي وتوغلت داخل المنطقة الحدودية العازلة على مستوى الساتر الترابي”.
يتهم أهالي المحافظة حكومة بلادهم بالتنصل من اتفاقات سابقة تنص على تشغيل عدد من أبناء المنطقة وإنشاء مشاريع تنموية فيها
أضافت الوزارة، في بيان لها “الوحدات العسكرية قامت بواجبها بموجب أحكام القرار الجمهوري عدد 230 لسنة 2013، القاضي بالتدرج في استعمال القوة، إطلاق أعيرة نارية تحذيرية في الفضاء لإجبارها على التوقف لكنها لم تمتثل لإشارات التوقف فتم في مرحلة ثانية الرمي على مستوى العجلات إلا أنها لاذت بالفرار”.
وتابعت “المحكمة العسكرية الابتدائية بصفاقس تولت فتح بحث تحقيقي في الغرض” دون أن تشير في بيانها إلى وفاة الشاب وإصابة مرافقه بجروح، الذي أكد تعرضهما لطلق ناري من دورية عسكرية إثر نقله إلى مستشفى الذهيبة لتلقي الإسعافات.
وفاة الشاب البالغ من العمر 24 سنة، خلفت ردود فعل واحتجاجات كبيرة في رمادة، حيث خرج عدد من الموطنين وعائلة الضحية في احتجاجات تندد بحادثة إطلاق النار ومقتل الشاب رغم محاولات التهدئة وامتصاص الغضب. بداية التجمع كانت أمام مستشفى المدينة للتعبير عن غضبهم من الحادث الأليم الذي وقع بمنطقة عسكرية ممنوعة في الصحراء التونسية.
في المساء، تصاعدت حالة الاحتقان، حيث شهدت المدينة احتجاجات ليلية ومواجهات بين عناصر الجيش والمحتجين. انطلقت المواجهات وسط المدينة دون أن يستعمل الجيش الرصاص في الهواء أو الغاز المسيل للدموع، ومع ارتفاع حدة المواجهات لجأ الجيش لاستعمال عبوات الغاز لتفريق المحتجين.
توجه الأهالي نحو مقر الثكنة العسكرية بالجهة للاحتجاج والمطالبة بوضع حد لحوادث القتل بالرصاص التي تكررت طيلة السنوات الماضية في صفوف الشباب المضطر لتجارة التهريب في غياب أي مورد رزق بديل حسب رأيهم، لكن الأوضاع خرجت عن السيطرة.
وقف إنتاج النفط والغاز
احتجاجات أهالي رمادة، تزامنت مع قرار عدد من المحتجين بمحافظة تطاوين، التحول لمنطقة الكامور (تبعد قرابة الـ110 كيلومترات عن مركز الولاية) للاعتصام هناك لحين تنفيذ كامل بنود اتفاق الكامور المبرم مع الحكومة عام 2017، والكامور هي نقطة عبور معظم شاحنات شركات النفط والغاز الناشطة في الصحراء التونسية، وتبعد قرابة 110 كيلومترات عن مركز ولاية تطاوين.
طارق الحداد، الناطق الرسمي باسم تنسيقية اعتصام الكامور، قاد صباح اليوم الخميس عشرات الشباب نحو منطقة الكامور للاعتصام هناك، ودعا الحداد كامل أهالي تطاوين إلى مساندة هذا الاعتصام لتحقيق الهدف المنشود بتنفيذ الحكومة لتعهداتها.
ويتهم أهالي المحافظة حكومة بلادهم بالتنصل من اتفاقات سابقة تنص على تشغيل عدد من أبناء المنطقة وإنشاء مشاريع تنموية فيها، في إشارة لاتفاق وقع بين الطرفين قبل ثلاث سنوات لكن لم يتم تفعيله إلى حد الساعة وسط مماطلة من مسؤولي البلاد.
تعيش المنطقة منذ سنوات على وقع احتجاجات مطالبة بالتنمية والتوظيف داخل حقول النفط في المنطقة
يعود هذا الاتفاق إلى يونيو/حزيران 2017، حين أبرمت الحكومة السابقة برئاسة يوسف الشاهد وممثلو المحتجين بمنطقة “الكامور” في تطاوين، اتفاقًا لفض اعتصام دام أكثر من شهرين توقف خلاله إنتاج النفط والغاز في المنطقة، مقابل الاستجابة لمطالب الاحتجاجات المتعلقة بتوفير فرص عمل وتنمية المحافظة.
جاء هذا التصعيد، بعد مواجهات عنيفة شهدتها المدينة طيلة يومين نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي بين المحتجين وقوات الأمن التي استعملت الغاز المسيل للدموع بطريقة مكثفة ما تسبب بوجود عدد كبير من الجرحى في صفوف المحتجين.
بالتزامن مع ذلك نصب محتجون خيمًا في مناطق من محافظة تطاوين وأغلقوا الطريق أمام الشاحنات التابعة للشركات التي تستثمر في استخراج النفط والغاز في منطقة الكامور بالولاية المهمشة التي شهدت مواجهات بين المحتجين وقوات الأمن في العام 2017.
فضلًا عن ذلك، تعيش المحافظة منذ أسبوع على وقع إضراب مفتوح لمطالبة الحكومة بتحقيق اتفاق الكامور، ويشمل الإضراب كل المؤسسات الحكومية بالمنطقة (باستثناء بعض المؤسسات التعليمية والمستشفيات ) وعدد من المؤسسات الخاصة وقطاع النفط والغاز.
ثنائية الثروات والتهميش
تزخر محافظة تطاوين التي تعادل مساحتها ربع مساحة البلاد، بمخزون كبير من البترول والغاز، كما تنتشر شركات الطاقة الوطنية والأجنبية في الصحراء التابعة للمحافظة، ووفق أرقام رسمية، تساهم حقول تطاوين بـ40% من إنتاج تونس من النفط، وبـ20% من إنتاج الغاز.
رغم كل هذا تصنف تطاوين ضمن المناطق المهمشة، حيث عانت من الفقر والتهميش خلال الحقبة التي أعقبت استقلال البلاد وحتى بعد ثورة الكرامة، مما جعل سكانها يدخلون في مواجهة مباشرة مع الأنظمة الحاكمة للمطالبة بحقوقهم.
أهالي تطاوين الذين خرجوا في احتجاجات عديدة تطالب بتنمية المنطقة واستفادة أهلها من خيراتها، يشتكون مما يعدونه مفارقة صارخة، فمنطقتهم تحتوي على ثروات طاقية مهمة لكنها من المناطق المهمشة، بينما تتجاوز نسبة البطالة فيها 30%، وهي من أعلى المعدلات في تونس.
تعيش المنطقة منذ سنوات على وقع احتجاجات مطالبة بالتنمية والتوظيف داخل حقول النفط في المنطقة، ورصد 20% من عائدات الطاقة لصالح تطاوين، إضافة إلى تخصيص نسبة 70% من الوظائف بالشركات البترولية لسكان المدينة، وإنشاء فروع للشركات الأجنبية داخل المحافظة، إلى جانب ذلك ينادي المحتجون بضرورة الكشف عن حجم الثروات الطبيعية المستخرجة من حقول النفط والغاز المنتشرة في الصحراء التونسية.
ورغم توقيع اتفاق بينهم وبين الحكومة سنة 2017، لم يتم تطبيق بنوده، ويطالب المحتجون باستكمال انتداب 1500 شخص بالشركات البترولية العاملة في المنطقة، وتوظيف 500 آخرين بشركة البيئة والبستنة (متخصصة بتشجير مداخل المدن)، وتخصيص مبلغ 80 مليون دينار (32 مليون دولار) سنويًا في صندوق التنمية داخل المحافظة، فيما أقرت الحكومة التونسية، انتداب 500 شخص في عدد من القطاعات حتى نهاية السنة الحاليّة الأمر الذي قوبل بالرفض.
التطورات الأخيرة التي تشهدها مدن تطاوين وتوقيف إنتاج الغاز والنفط في الجهة، وعدم جدية الحكومة في الإيفاء بالتزاماتها تجاه المنطقة، من شأنها أن تزيد من حدة الاحتقان هناك في قادم الأيام، خاصة أن العديد من الشركات البترولية تهدد بالخروج من تونس في ظل تسجيلها لخسائر كبرى.