ترجمة وتحرير: نون بوست
أعلن وزير الطاقة الروسي ألكسندر نوفاك الأسبوع الماضي عن انطلاق مفاوضات نشطة حول إنشاء ما يسمى بـ “أوبك للغاز”، وعلى خلفية انهيار أسعار الغاز التي تؤثر على جميع المنتجين من روسيا إلى الولايات المتحدة، يبدو أن ظهور منظمة تقيّد إنتاج الغاز الطبيعي من أجل زيادة أرباح جميع الدول المصدرة إلى الحد الأقصى يعد خطوة مهمة للغاية. ولكن من الصعب تنظيم هذه الجهود لأنه من الضروري الحصول على دعم من دولة قطر، وبالنظر إلى الوضع السياسي الصعب الذي تمر به، فإن هذه المهمة غير واقعية على الإطلاق.
وتجدر الإشارة إلى أن فكرة إنشاء كيان ينظم سوق الغاز الطبيعي العالمي غير المستقر ليست الأولى من نوعها، فقد نشأ منتدى الدول المصدرة للغاز منذ سنة 2001، بيد أنه مجرد منصة لمناقشة القضايا المتعلقة بإنتاج وتصدير الغاز، وفي سنة 2008، تم اعتماد ميثاق حول المنتدى لجعله منظمة دائمة تضم 12 دولة من مصدري الغاز المهيمنين على السوق العالمية.
في ذلك الوقت، كانت دوافع منتجي النفط مختلفة، ورغم تراجع أسعار النفط خلال أزمة 2008، عادت الأسعار إلى الارتفاع من جديد لتصل لأعلى مستوى تاريخي لها في منتصف 2008، وقد حصل المصدرون على أموال أكثر مما توقعوا، وفسروا النجاح المثير للإعجاب في سوق النفط بالتنظيم العقلاني لهذا القطاع، حيث يسيطر عدد من الدول على أكثر من ثلث الإنتاج وتنظم السوق على هذا الأساس. في المقابل، يسود مبدأ “الكل مسؤول عن نفسه” في سوق الغاز الطبيعي.
في سنة 2010، شهدت سوق النفط عدة اضطرابات، وقد فشلت منظمة أوبك في كبح انخفاض أسعار النفط عدة مرات، ما أثار تساؤلات بشأن قدرتها على تنظيم السوق. كان لانضمام روسيا إلى المنظمة تأثير إيجابي، ساهم في إعادة الاستقرار إلى سوق النفط بشكل ملحوظ، وتثبيت الأسعار عند مستويات أعلى من 50 دولار للبرميل. وفي بداية هذه السنة، انهارت الأسعار بعد خرق اتفاقيات آذار/ مارس، لتنتعش من جديد بعد الاتفاقات الجديدة الموقعة في نيسان/ أبريل.
من الواضح أن هذه التجربة ألهمت منتجي الغاز، فقد انخفضت أسعار الغاز بسرعة نتيجة الجائحة والحجر الصحي والأزمة الاقتصادية العالمية. وفي مركز هنري لتوزيع الغاز في لويزيانا، الذي يمر من خلاله جزء كبير من الغاز الأمريكي، قُدّر سعر مليون وحدة حرارية بريطانية في بعض أيام شهر حزيران/ يونيو بـ 1.43 دولار وهو ما يعادل 50 دولارا لكل ألف متر مكعب. قبل 12 سنة، كانت الأسعار في حدود 250 دولارا لكل ألف متر مكعب.
بالنسبة للمصدرين، تتغير الأسعار ببطء أكبر، ووفقا لوكالة أنترفاكس، بلغ متوسط سعر تصدير الغاز بالنسبة لغازبروم إلى أوروبا 94 دولارا لكل ألف متر مكعب، وهو سعر يعد حسب بعض التقديرات أقل من التكلفة المعتادة. ويواجه مصدرون آخرون “للوقود الأزرق” من خلال الأنابيب نفس المشاكل، وفي آسيا لا تقل المشكلة حدة عما هي عليه في أوروبا.
لا تعتبر هذه الأسعار مفاجئة نظرا لأن سوق الغاز مغمورة شأنها شأن سوق النفط وربما أكثر، وعلى عكس النفط، ينتشر إنتاج الغاز في كل الدول تقريبا ومن المتوقع أن يزيد الطلب عليه في السنوات القادمة، لكن إنتاج هذا الوقود الأحفوري في العديد من البلدان المصدرة في انخفاض مستمر.
وقد ساهم التوسع السريع في قدرات نقل ومعالجة الغاز الطبيعي المسال في أستراليا والولايات المتحدة وقطر وروسيا ونيجيريا والعديد من البلدان الأخرى في تعويض النقص في الإمدادات.
تجاوز النمو السريع في الإنتاج الطلب وأدت الأزمة الحالية إلى تشكل “عاصفة مثالية” لشركات الغاز، وفي أوائل شهر حزيران/ يونيو، انخفض العرض بنسبة 60 بالمئة مقارنة بالذروة في بداية السنة. ومن غير المتوقع أن يتحسن الطلب، خاصة أن شتاء 2019-2020 كان معتدلا، لذلك امتلأت مرافق تخزين الغاز في أوروبا إلى أقصى حد تقريبا، وفي المقابل، يحتاج المستهلكون لاستيراد كميات صغيرة جدا من الغاز لتلبية جميع احتياجاتهم.
من الواضح أن الوضع الراهن يتطلب إجراء بعض التغييرات، لاسيما أن المشكلة التي يواجهها منتجو الغاز لا تتعلق بالأسعار المنخفضة فحسب. ففي نهاية المطاف، ستنتهي أي أزمة تمر بها السوق، وستتعافى آليات العرض والطلب، كما هو الحال في كل التقلبات العامة، ولكن انخفاض الأسعار الحاد سيؤدي إلى انخفاض الاستثمار وبالتالي تراجع الإنتاج.
وفي حين أن العجز يمكن أن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار، فإن فرط الإنتاج يمكن أن يتسبب في انهيارها. واستمرار هذه الدوامة من شأنه أن يؤثر سلبا على هذه الصناعة الحساسة.
في مقابلة له، أوضح المحلل أليكسي كالاتشيف، الرئيس المشارك لوحدة تسويق الوجهات لدى المكتب الروسي للمؤتمرات، أنه “يمكن تنظيم السوق بطريقة طبيعية، ذلك أن الأسعار المنخفضة تؤدي إلى انخفاض الاستثمار في الصناعة، الأمر الذي سيتسبب بدوره في انخفاض العرض، بينما يساهم الطلب المتزايد في انتعاش الأسعار”.
في سياق متصل، أضاف كالاتشيف أن “الميزة التي تعطي انخفاضا منسقا في الإنتاج، كما هو الحال في اتفاق أوبك، هو أن هذا الانخفاض يتم توزيعه بين الدول الأعضاء بالتساوي، مما يسمح لهم جميعا بالحفاظ على استقرار القطاع. لكن دون الاتفاق على الحصص مثلما يحدث في قطاع النفط سيظل الانخفاض قائما، ولكن بشكل غير متساو، وذلك على حساب بعض البلدان التي تكون تكاليف الإنتاج فيها مرتفعة، والتي ستكون أقل شأنا في السوق مقارنة بالبلدان التي تكون تكلفة الإنتاج لديها منخفضة”.
حسب ميخائيل كوغان، رئيس قسم البحوث التحليلية في المدرسة العليا للإدارة المالية، فإن العامل الآخر الذي يتطلب تغييرًا في سياسة الغاز العالمية هو حرب الأسعار التي استمرت بالفعل لعدة سنوات، ويرى كوغان أن “هذه الحرب ليس فيها فائز، ومن الواضح أن استمرارها غير عملي، لذلك من المستحيل استبعاد احتمال خفض سعر مليون وحدة حرارية بريطانية إلى الصفر في حال تعرض الاقتصاد العالمي لصدمات، كما حدث في حزيران/ يونيو بعد أن تجاوزت قيود الإنتاج المفروضة على الاقتصادات الرئيسية أدنى مستوياتها في نيسان/ أبريل”.
وفقا لخبير الطاقة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، نيكوس تسافوس، “كانت لحظة تشكيل هيئة تنظيمية لسوق الغاز مناسبة تماما، ويعتبر التصدير أقل ارتباطا بالعقود طويلة الأجل، ويمكن أن يساعد تنسيق روسيا مع منظمة أوبك للدول المصدرة للنفط في خضم عزلة أحد أكبر مصدري الغاز – قطر – عن جيرانها في الخليج العربي في تهيئة الأرضية لإنشاء مثل هذه المؤسسة من وجهة نظر سياسية. وغياب نشاط منتدى الدول المصدرة للغاز طيلة هذه السنوات ليس مهما، نظرا لأن أوبك اتخذت أول قرار لها بشأن حصص الإمدادات سنة 1982، أي بعد 16 من إنشائها”.
قد يلعب المشاركون في المنتدى الحالي، فضلا عن الخبرة التي اكتسبتها روسيا في التفاعل مع أوبك، دورا كبيرا في تشكيل “أوبك للغاز”، وقد أظهرت أحداث نيسان/ أبريل – حزيران/ يونيو أن المشاركين في منظمة الدول المصدرة للنفط قادرون على التغلب على الاختلافات والحفاظ على الانضباط، الذي لم تلتزم به الأطراف سابقا.
يشمل منتدى الدول المصدرة للغاز قطر، التي تعد المنافس الرئيسي للغاز الروسي في السوق العالمية إلى جانب الولايات المتحدة، ومن المتوقع أن تنضم قطر إلى أوبك للغاز رغم خططها الطموحة التي تمنعها من تقييد إنتاجها، ومن جهتها، تصر روسيا على إنشاء أوبك للغاز نتيجة الضغوطات المسلطة على مشروع نورد ستريم -2.
حيال هذا الشأن، قال ميخائيل كوغان، رئيس قسم البحوث التحليلية في الكلية العليا للإدارة المالية، إن خلق توازن مضاد في منتدى الدول المصدرة للغاز يمكن أن يجبر الولايات المتحدة على بناء استراتيجيتها للترويج للغاز الطبيعي المسال الأمريكي بطريقة مختلفة. ويرى أليكسي كالاتشيف، الرئيس المشارك لوحدة تسويق الوجهات لدى المكتب الروسي للمؤتمرات، أن إدراج قطر ضمن أعضاء أوبك للغاز يعد بمثابة مفتاح إنشاء هيئة متكاملة تتسم بالكفاءة، غير أن إقناعها بذلك مهمة شاقة نوعا ما.
رغم انخفاض أسعار الغاز، لم يحبط ذلك خطط قطر الطموحة بشأن مزيد اكتساح أسواق الغاز وإطلاق مشاريع جديدة في قطاع الغاز الطبيعي المسال، وزيادة أسطول ناقلات الغاز الطبيعي المسال بشكل كبير. وفي الحقيقة، من الصعب إقناع قطر بالتخلي عن هذه الخطط في ظل النجاح الذي حققته. ودون مشاركة قطر، فإن أي اتفاق لخفض إنتاج الغاز الطبيعي والغاز الطبيعي المسال سيكون في مصلحتها، وغير مدرج في منتدى الدول المصدرة للغاز ولدى الولايات المتحدة الأمريكية وأستراليا، التي وضعت أيضًا خططا كبيرة للغاز الطبيعي المسال.
ستكون ملامح سوق الغاز واختلافاته عن النفط المشكلة الأساسية التي ستعترض عمل هذه المنظمة. ويشير خبير الطاقة في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، نيكوس تسافوس، إلى أن الطلب على الغاز أكثر مرونة من الطلب على النفط، وفي حال حدوث زيادة ملحوظة في الأسعار، يمكن للدول الموردة التحول إلى الفحم على المدى القصير، والاستثمار في مصادر الطاقة المتجددة على المدى الطويل.
قد تنشأ صعوبات في سياسة مكافحة الاحتكار في دول مختلفة، وربما يؤخذ هذا الاتجاه على محمل الجد في الاتحاد الأوروبي، حيث اتُخذت تدابير صارمة لمكافحة الاحتكار في السنوات الأخيرة، وحتى بعد الاندماج الفعال للمصدرين الرئيسيين في إطار منظمة مثل “أوبك الغاز”، سيتعين على جميع الأعضاء العمل بتناسق أكبر، والحفاظ على التوازن بين مصالح المصدرين والموردين، وتجنب التناقضات الداخلية في صلب المنظمة.
المصدر: ايزفستيا