تفتح التليفزيون أو الإذاعة تجد أغلب البرامج تتحدث عن وباء فيروس كورونا، في المقاهي والأزقة والشوارع أيضًا لا اهتمام إلا بالجائحة التي تعصف بالعالم، الأمر لا يقتصر على الشعوب، فحكومات الدول أيضًا لا اهتمام لها إلا بالوباء الجديد الذي راح ضحيته إلى الآن قرابة 600 ألف شخص في مختلف دول العالم.
صحيح أن عدد ضحاياه كثر والسيطرة عليه متعثرة في ظل سرعة انتشاره وعدم توافر لقاح، ولم تتمكن أغلب الدول رغم مرور أكثر من 8 أشهر على اكتشافه لأول مرة في مدينة ووهان وسط الصين من كبح جماحه بصورة نهائية، إلا أن هذا الوباء ليس الأخطر على البشرية، ويسفر هو ذاته عن أوبئة أخطر منه، من بينها الجوع.
12 ألف وفاة في اليوم؟
بعد عقود من التقدم في معركة الإنسانية ضد الفقر والجوع، من المُتوقَّع أن يشتعل مجددًا فتيل أزمة غذائية عالمية تودي بحياة الآلاف حول العالم، وفق العديد من التقارير، آخرها التقرير الصادر عن منظمة أوكسفام (اتحاد دولي لمنظمات خيرية تسعى لتخفيف حدة الفقر بالعالم).
تقرير منظمة أوكسفام الذي يحمل عنوان “فيروس الجوع”، حذر من أن 12 ألف شخص قد يموتون يوميًا بنهاية العام الحاليّ بسبب الجوع الناتج عن تداعيات جائحة فيروس كورونا المستجد المنتشر في أغلب دول العالم.
التقرير كشف أن كورونا قد يدفع هذا العام 121 مليون شخص جديد إلى حافة المجاعة، فيمكن أن يموت 12 ألف شخص يوميًا من الجوع المرتبط بالفيروس بحلول نهاية العام، وربما أكثر من المرض نفسه، في حين تدفع 8 من أكبر شركات الأغذية والمشروبات منذ يناير/كانون الثاني الماضي 18 مليار دولار للمساهمين في رؤوس أموالها.
حتى في الجوع هناك انعدام للمساواة، فبعض الدول لا تعرف معنى كلمة “جوع” ولم تسمع بها من قبل إلا في التليفزيونات
كورونا ليس السبب الوحيد للجوع ونقص التغذية، فالصراعات والنزاعات المسلحة في دول عدة حول العالم تمثل سببًا رئيسيًا للمجاعات المنتشرة، أيضًا الكوارث الطبيعية وتغيير المناخ كالجفاف وتراجع تساقط الأمطار تتنزل ضمن أسباب هذه الظاهرة.
قبل سنة من الآن أشارت التوقعات إلى أن نحو 821 مليون فرد من سكان العالم عانوا من العوز الغذائي، منهم 149 مليونًا واجهوا أزمة مجاعة أو أسوأ، ويتوقع برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة أن يرتفع عدد الأشخاص الواقعين ضمن دائرة الجوع عام 2020 بنسبة 82% مقارنة بالعام الماضي، الذي سجل 270 مليون فرد ضمن دائرة الجوع فقط، وهو مؤشر خطير جدًا يفوق خطورة فيروس كورونا.
يعتبر الجوع الخطر الأول الذي يهدد صحة الإنسان في العالم، حيث يتجاوز ضحاياه كل عام ضحايا جميع الأمراض، كما أن له مخاطر وتداعيات كثيرة اقتصادية واجتماعية وأمنية وسياسية على الأفراد والمجتمعات والدول، ذلك أنه يساهم في تراجع النمو ويعوق التطور المعرفي، ويؤدي إلى هجرات جماعية وإلى خلل كبير في البنى الاجتماعية والتوازنات الديمغرافية والسكانية في بلدان كثيرة.
انعدام للمساواة
حتى في الجوع هناك انعدام للمساواة، فبعض الدول لا تعرف معنى كلمة “جوع” ولم تسمع بها من قبل إلا في التليفزيونات، وبعض الدول الأخرى ما إن يلد المولود حتى تكون هذه الكلمة ومرادفاتها أول ما يسمعه، فهي ستكون قدره في باقي ردهات حياته إن كتب الله له العيش.
المناطق والدول الأكثر عرضة للمجاعة، وفق أوكسفام، تتمثل في اليمن وسوريا وأفغانستان والسودان وجنوب السودان وفنزويلا والكونغو الديمقراطية وهايتي وساحل غرب إفريقيا، بالإضافة إلى بؤر الجوع الناشئة في البلدان متوسطة الدخل مثل الهند والبرازيل وفنزويلا وجنوب إفريقيا.
يشهد اليمن منذ سنوات أسوأ أزمة إنسانية في العالم حسبما تقول الأمم المتحدة
هذه المناطق والدول العشرة، تمثل وحدها 65% من إجمالي الأفراد الذين يعانون من أزمة المجاعة في العالم أجمع، ومع ذلك الاهتمام موجه فقط لمكافحة وباء فيروس كورونا رغم أن خطورته على البشرية أقل من خطر المجاعة.
اليمن وضع خاص
ضمن هذه الدول، نجد حالة اليمن الأصعب، فأكثر من نصف سكان البلاد – من مختلف الأعمار والفئات – لا يجدون ما يكفي من الطعام للتمتع بحياة صحية نشطة، وفق معطيات تقرير أوكسفام، وقبل ذلك حذرت الأمم المتحدة من أن اليمن يقف على حافة المجاعة من جديد كما كان قبل سنة ونصف بسبب نقص التمويل من المانحين في ظل انهيار القطاع الصحي.
ووضعت منظمة الأمم المتحدة في وقت سابق، إطارًا متكاملًا لتصنيف الأمن الغذائي يتضمن خمس مراحل ممكنة بالنسبة للوضع الغذائي لأي بلد أو منطقة، أولى المراحل تبدأ بتوفر الأمن الغذائي، فيما تنتهي تلك المراحل بوجود مجاعة، وهي المرحلة التي تصل فيها الأمور إلى حد اعتبارها “كارثة إنسانية”، وهو ما وصل إليه اليمن قبل سنة ونصف.
يشهد اليمن الذي يعد من أفقر بلدان الشرق الأوسط وأحد أفقر بلاد العالم، منذ سنوات أسوأ أزمة إنسانية في العالم حسبما تقول الأمم المتحدة، فقد قتل وأصيب عشرات الآلاف ونزح الملايين عن منازلهم منذ بدء النزاع على السلطة في منتصف سنة 2014 حين أطلق الحوثيون حملتهم من الشمال وسيطروا على العاصمة صنعاء ومناطق أخرى وتبعها تدخل للتحالف العربي لدعم الشرعية.
بدورها، قالت منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف) نهاية شهر يونيو/حزيران الماضي إن عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية في اليمن قد يصل إلى أكثر من مليونين و400 ألف طفل بنهاية العام، بسبب النقص الكبير في تمويل المساعدات الإنسانية.
وحذر تقرير صادر عن يونيسف من ارتفاع بنسبة 20% في عدد الأطفال الذين يعانون من سوء التغذية دون سن الخامسة، أي ما يقرب من نصف عدد الأطفال في هذا العمر، وقالت مندوبة يونيسف في اليمن، سارة بيزولو نيانتي: “إذا لم نتلق تمويلًا عاجلًا، فسيجد الأطفال أنفسهم على شفا المجاعة وسيتوفى الكثيرون”.
يتحمل ملايين الأشخاص حول العالم تفاقم الوضع الإنساني نتيجة النزاعات والحروب المتواصلة في بلدانهم ونتيجة التغيير المناخي وعدم إيفاء الدول المانحة لتعهداتهم تجاههم، ما يجعلهم عرضة لخطر الموت أكثر من أي وقت مضى.