اتفاقيةٌ جديدة تضاف إلى المشهد السوري وتزيده تعقيدًا، حيث وقعت إيران والنظام السوري اتفاقية تهدف إلى تعزيز التعاون العسكري والأمني وتطوير أنظمة الدفاع الجوية السورية، وتأتي الاتفاقية الجديدة بعد بدء الولايات المتحدة الأمريكية تطبيقها لقانون قيصر الذي يفرض عقوبات على النظام السوري وداعميه.
تعد هذه الاتفاقية إستراتيجية لإيران بعد أن استُهدفت قوات تابعة لها في سوريا عشرات المرات من قبل “إسرائيل”، وأشارت المصادر إلى أن رئيس هيئة الأركان الإيراني اللواء محمد باقري بحث خلال تواجده بدمشق “أهمية خروج ما وصفها بالقوات الأجنبية غير القانونية، وضرورة التصدي للغارات الإسرائيلية”، من جهته أعرب رئيس النظام السوري بشار الأسد، عن “ارتياحه لنتائج اجتماعات الجانبين السوري والإيراني وتوقيع اتفاقية التعاون العسكري والتقني بين البلدين والتي تجسد مستوى العلاقات الاستراتيجية”.
هذه الاتفاقية تأتي على الرغم من الدفع الدولي المستمر باتجاه إخراج طهران وقواتها من سوريا، وبالرغم من العقوبات المستمرة على النظامين الإيراني والسوري أيضًا، إلا أن طهران تظل مصرة على البقاء في سوريا والحفاظ على مصالحها السياسية والاقتصادية، وذلك بعد أن خسرت الكثير من جنودها وقواتها وعتادها في المعارك التي ثبتت فيها حكم الأسد وأحكمت سيطرتها على دمشق إلى جانب موسكو.
اتفاقية مهمة لطهران
تحاول طهران من خلال إبرام هذه الاتفاقية مع نظام الأسد إيصال رسالة للولايات المتحدة الأمريكية بأنها ما زالت قادرة على توسيع نفوذها خارج حدودها رغم كل العقوبات، كما أنها تحاول تقوية وجودها العسكري في سوريا، خاصةً أنها تعرضت لضربات كبيرة خسرت فيها عتادًا وجندًا على يد طائرات الاحتلال الإسرائيلية التي تهاجم بين الفينة والأخرى مواقع تواجد المليشيات الشيعية التابعة لنظام خامنئي في مختلف المناطق السورية.
وفقًا للمعارض السوري أيمن عبد النور في أحد لقاءاته الصحفية، فإن الاتفاقية بين طهران ونظام دمشق تحمل 3 رسائل، لعل أولها يكون تحدٍ لواشنطن وقانون عقوباتها ضد الأسد وحلفاءه (قانون قيصر)، أما الرسالة الثانية فهي لروسيا التي أظهرت في الآونة الأخيرة “تململًا تجاه سياسات النظام وعناده وهو ما ترجم في مقالات نشرتها وسائل إعلام مقربة من الكرملين تنتقد الأسد والدائرة الضيقة المحيطة به”، كما يوجد تخوف إيراني من فتح موسكو لقنوات تواصل مع قوى في المعارضة وشخصيات علوية في المهجر”.
الرسالة الثالثة يرى عبد النور أنها “موجهة لإسرائيل التي وسّعت نطاق استهدافها لقواعد إيرانية في سوريا، وتريد طهران إيصال رسالة من خلال هذه الاتفاقية تفيد بأنها ستتمكن من السيطرة على الأنظمة الجوية السورية وتطويرها بما يمكّنها من الرد على الهجمات التي تتعرض لها”.
من جهته يقول اللواء المنشق عن جيش النظام محمد حاج علي إن إيران تهدف أيضاً إلى طمأنة ميليشياتها والحاضنة المؤيدة للنظام وللحليف الإيراني ببقائها في سوريا، ويضيف حاج علي أن “الهدف من تجديد اتفاقية الدفاع المشترك بين النظام وطهران وتطويرها، هو تمرير رسائل طمأنة للقوى المرتبطة بإيران والبيئة الحاضنة بعدم تخلي إيران عنهم، وأنها ستقوم بكل ماهو ممكن لضمان بقائها، وهي الرسالة الموجهة لأعداء إيران ومنافسيها أيضاً”.
مواجهة موسكو
عودةً إلى الوراء، احتضنت مدينة القدس المحتلة في يونيو من العام الماضي، اجتماعًا روسيًا أمريكيًا إسرائيليًا، كان محوره الأبرز الوجود الإيراني في سوريا وكيفية التعامل معه، وإثر الاجتماع كانت تل أبيب راضية عن اللقاء لشعورها بأن الأطراف الثلاث أجمعت على أن الهدف النهائي، طويل المدى، هو ضرورة إخراج القوات الإيرانية من سوريا، وبحسب ألون بن دافيد المحلل العسكري الإسرائيلي، فإن الاجتماع أسفر عن اتفاق على ثلاثة أمور رئيسية، وهي: مستقبل سوريا سوف يتحدد من خلال تفاهمات أمريكية روسية، وسوريا لن تكون قاعدة لتهديد جاراتها، وآخرها أن استقرار سوريا يتعلق بإخراج القوات الإيرانية.
كان حضور روسيا لذلك الاجتماع لافتًا، حيث قال المراقبون أنها أطلقت العنان للطيران الحربي الإسرائيلي باستهداف القواعد الإيراني، وهو الأمر الذي كان ملاحظًا خلال السنة الماضية التي شهدت ضربات شديدة خسرت خلالها طهران الكثير في سوريا على يد الطيران الإسرائيلي.
الكاتب السوري حسن النيفي يقول: “على الرغم من النزعة الروسية نحو الهيمنة المطلقة على سوريا، إلّا أن بوتين ظل حريصاً على استمرار علاقة متوازنة مع إيران، قوامها المصالح المتبادلة، ذلك أن الروس، وعلى الرغم من تفوّقهم العسكري الجوي وقدرتهم على حسم المواجهات المسلحة، إلّا أنهم يدركون – في الوقت ذاته – حاجتهم لميليشيات إيران التي تقاتل على الأرض”.
يضيف النيفي: “لعلّ عضوية العلاقة بين نظامي دمشق وطهران، إضافة إلى المصالح المشتركة الروسية الإيرانية، هي ما دفعت بوتين إلى إقناع إسرائيل بعدم جدوى السعي إلى إخراج إيران كلّياً من سوريا، والإكتفاء بقوننة وضبط الوجود الإيراني في سوريا” وهنا يشير الكاتب النيفي إلى اجتماع القدس المحتلة، والذي وافقت فيه “إسرائيل”على ألّا يتجاوز الوجود الإيراني في سوريا مسافة 80 كيلومتراً من الحدود الإسرائيلية، ووفقًا للنيفي: “منذ ذلك اللقاء أصبحت مقاربة المجتمع الدولي للمسألة السورية مقاربة أمنية، تأخذ بعين الاعتبار أمن إسرائيل بالدرجة الأولى، أكثر مما هي مقاربة سياسية”.
الاتفاقية الجديدة ليست الأولى، إلا أنها تبرز بتطوير الدفاعات الجوية التي تعمل روسيا على تحديثها في الأصل، إذ أنها زودت النظام السوري بمنظومات الدفاع الجوي المتطورة “S 400” وأصبحت تغطي المناطق السورية، وفي هذا الصدد يبحث تقرير لمركز جسور للدراسات عن ماهية العلاقة الروسية الإيرانية في سوريا، ويخلص التقرير إلى أن تلاقي وتنافر موسكو وطهران في دمشق برز بعدّة ملفات لعلّ أهمها:
“التوافق على نقل غرفة العمليات المركزية للحرس الثوري الإيراني من مطار دمشق الدولي إلى كلية المدفعية في منطقة الراموسة غرب حلب، وعدم ممانعة روسيا للنشاط الإيراني على الأراضي السورية بشرط أن تحتفظ روسيا بقرار الحرب والسلم على الأراضي السورية”.
ملفٌ آخر عالق بين البلدين ألا وهو: “فتح روسيا للأجواء السورية أمام الضربات الإسرائيلية بين الحين والآخر، وذلك بهدف استخدام هذه الضربات كورقة ضغط روسية على إيران من أجل ضبط تحركاتها في سوريا وفق الرؤية الروسية، وإظهار نوع من التوازن بين اللاعبين الإقليميين”.
يبرز على الساحة السورية حاليًا ملف مدينة درعا الذي يعتبر نقطة خلاف كبيرة بين روسيا وإيران، وبحسب مركز جسور فإن “المرونة الكبيرة التي منحتها روسيا للفيلق الخامس بقيادة أحمد العودة في الجنوب السوري، والتي تصل أحياناً إلى حد مهاجمة أذرع محلية سورية محسوبة على إيران، وذلك رغبة من روسيا في الحفاظ على تكتل سني يقف سدًا في وجه التمدد الإيراني، كنوع من التطمينات لتل أبيب التي تتخوف من تعاظم النفوذ الإيراني في الجنوب”.
يشير مركز الدراسات أيضًا إلى أن “تلك الصدامات تبقى حتى اليوم محصورة بين الفاعلين المحليين ولا تتطور إلى مواجهات بين القوات الإيرانية والروسية الرسمية، مما يتيح المجال لضبطها، خاصة أن روسيا لم تسعَ لإخراج الميليشيات الإيرانية من الجنوب بشكل كامل، بل تعمل على ضبط نفوذها فقط”.
في عام 2019 وقعت طهران ودمشق 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم، بما في ذلك اتفاقية تعاون اقتصادي “استراتيجي طويلة المدى” لإعادة تأهيل موانئ طرطوس واللاذقية بالإضافة إلى بناء محطة طاقة. وبعد مضي شهر، وقّعت دمشق وموسكو سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية، والعلمية، والصناعية، بالإضافة إلى عقود أخرى مبرمة خلال سنة 2018، الأمر الذي يظهر تنافسًا قويًا بين موسكو وطهران بجميع مفاصل الدولة السورية.
يبدو أن إيران تحاول السباق مع الزمن لتعزيز تواجدها في سوريا عبر اتفاقيات تفرض هيمنتها على المؤسسات السورية في شتى المجالات، وبذلك تضمن مقعدًا لا يمكن للمفاوضين الدوليين تجاوزه، كما أن طهران لن تستغني عن دمشق كسوق كبير لتصريف بضاعتها، وتبقى التساؤلات حول مدى جدية ونجاعة الاتفاقية الأخيرة في تدعيم الدفاعات الجوية السورية بأيدٍ إيرانية.