يبدو أن أيام حكومة إلياس الفخفاخ في تونس قليلة، فالمساعي كبيرة لإبعاده عن المشهد السياسي التونسي بعد توجيه تهم تتعلق بالفساد إلى رئيسها، بالتزامن مع ذلك تسعى بعض القوى البرلمانية إلى سحب الثقة من رئيس مجلس نواب الشعب راشد الغنوشي، ما يؤشر إلى صيف سياسي ساخن في تونس، فهل عادت تونس إلى المربع الأول بعد انتخابات أكتوبر/تشرين الأول 2019.
النهضة تسحب الثقة من الفخفاخ
توجهت الأنظار أمس الأحد إلى مجلس شورى حركة النهضة، وحبس الجميع الأنفاس في انتظار مخرجات المجلس الذي يبحث مستقبل حكومة الياس الفخفاخ. كان الجميع ينتظر إلى أن بدأت التسريبات تصل وسائل الإعلام وبعض الأطراف السياسية الفاعلة.
التسريبات أكدت أن مجلس شورى حركة النهضة التونسية حسم موقفه من الحكومة الحالية، التي يقودها إلياس الفخفاخ، بتكليف رئيس الحركة راشد الغنوشي بإجراء مفاوضات مع رئيس الجمهورية والقوى السياسية والاجتماعية لبدء مشاورات تشكيل حكومي جديد.
نتيجة هذه التهم، فقد رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ مصداقيته وثقة التونسيين فيه للمضي في إصلاحات حكومية كبرى
هذا القرار تم اتخاذه بأغلبية الأصوات في مجلس الشورى- وهو بمثابة برلمان الحركة- حيث وافق 54 عضوًا لصالح المضي في تشكيل حكومة جديدة، في حين صوّت 38 ضده ولاستمرار الحكومة الحالية، وذلك بحجة الاستقرار الحكومي.
وكان الرئيس التونسي قيس سعيّد قد كلف وزير المالية السابق والقيادي في حزب التكتل الديمقراطي إلياس الفخفاخ في 20 يناير/كانون الثاني الماضي بتشكيل حكومة جديدة، بعد رفض البرلمان منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي المقترحة من قبل حركة النهضة.
وتضم حكومة الفخفاخ 4 أحزاب رئيسية وكتلة برلمانية، هي: “النهضة” (إسلامية- 54 نائبا من 217)، التيار الديمقراطي (اجتماعي ديمقراطي- 22)، حركة الشعب (ناصري- 14)، حركة تحيا تونس (ليبيرالي- 14)، وكتلة الإصلاح الوطني (مستقلون وأحزاب ليبرالية- 16).
تضارب المصالح
النهضة ترى أن شبهة تضارب المصالح التي تلاحق رئيس الحكومة أضرت بصورة الائتلاف، ما يستوجب تشكيل حكومة جديدة من شأنها إنهاء الأزمة السياسية الحالية في البلاد، خاصة في ظل الأوضاع السياسية والاقتصادية التي تشهدها البلاد.
وسبق أن اعتبرت حركة “النهضة“، في 5 يوليو/تموز الجاري، أن “شبهة تضارب المصالح”، التي تلاحق الفخفاخ، “أضرت بصورة الائتلاف الحكومي”. وأوضحت الحركة في بيان لها أنها ستعيد تقدير موقفها من الحكومة والائتلاف المكون لها، وستدرس الأمر في مجلس الشورى القادم.
كانت هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد في تونس أعلنت في وقت سابق وجود شبهة تضارب مصالح لرئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، لامتلاكه أسهما في شركات تتعامل مع الدولة تجاريا، وهو ما يحظره القانون.
وأفاد رئيس الهيئة شوقي الطبيب في جلسة استماع مغلقة للجنة الإصلاح الإداري ومكافحة الفساد في البرلمان بأن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ لم يعلم الهيئة بإجراءات وتفاصيل مساهماته في 5 شركات، عقدت بعضها صفقات تجارية مع الدولة.
نتيجة هذه التهم، فقد رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ مصداقيته وثقة التونسيين فيه للمضي في إصلاحات حكومية كبرى تتعلق بمحاربة الفساد وإدارة ملفات اقتصادية واجتماعية مهمة، ما يجعل مواصلة التربع على كرسي القصبة صعب جدًا.
تفكك وغياب للتضامن الحكومي
فضلًا عن تضارب المصالح، يبدو أن النهضة منزعجة أيضًا من حالة التفكك الذي يعيشها الائتلاف الحكومي وغياب التضامن المطلوب ومحاولة بعض شركائها في أكثر من محطة “استهداف الحركة والاصطفاف مع قوى التطرف السياسي لتمرير خيارات برلمانية مشبوهة، تحيد بمجلس نواب الشعب عن دوره الحقيقي في خدمة القضايا الوطنية”.
ومنذ بداية هذا الائتلاف الحكومي في فبراير/شباط الماضي، أكدت عديد الأحداث غياب التضامن بين مكوناته، من ذلك تصويت نواب “التيار الديمقراطي” و”تحيا تونس” في مكتب البرلمان، على تمرير لائحة للجلسة العامة قدمها “الدستوري الحر” تصنف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، ما اعتبر طعنة جديدة تتلقاها النهضة من حلفائها في الحكومة واصطفافا مكشوفا مع أبرز أعدائها.
ليس هذا فحسب، فقد سبق أن صوتت حركة الشعب على لائحة تقدم بها سليل التجمع المنحل حزب “الدستوري الحر”، سقطت لاحقًا، تندد بما وصف بالتدخل العسكري التركي في ليبيا دون غيره، وهو ما اعتبرته النهضة أيضًا خروجًا عن مبدأ التضامن والانسجام الحكومي والبرلماني بين الائتلاف الواحد.
ودائما ما يتهم شركاء النهضة في الائتلاف الحكومي -التيار الديمقراطي وتحيا تونس وحركة الشعب- وزراء النهضة بالتقصير في عملهم والتسبب في مشاكل للبلاد رغم أن الوزارات التي عملت وحققت نجاحًا في فترة كورونا يمسك بها وزراء النهضة.
سحب الثقة من الغنوشي
بالتوازي مع ذلك، أعلنت 4 كتل برلمانية في البرلمان، البدء في إجراءات سحب الثقة من رئيسه راشد الغنوشي، بسبب ما اعتبروها تجاوزات ارتكبها في إدارة البرلمان. وضمت الكتل النيابية كلا من: الكتلة الديمقراطية (حزبا التيار الديمقراطي وحركة الشعب)، وكتلة الإصلاح الوطني، وكتلة تحيا تونس، والكتلة الوطنية.
وسبق أن دعت رئيسة الحزب الدستوري الحر -سليل التجمع المنحل- عبير موسي، نواب الكتل البرلمانية التي وصفتها بالوطنية والمدنية إلى الانطلاق في إجراءات سحب الثقة من رئيس البرلمان.
وتسعى عبير موسي إلى تكوين تحالف قصد سحب الثقة من الغنوشي، ويتنزل هذا الأمر ضمن مساعيها للنيل من حركة النهضة وزعيمها، بدعم من الأطراف الأجنبية الراعية لها وعلى رأسها الإمارات.
وتسعى أحزاب التيار الديمقراطي وحركة الشعب وتحيا تونس من خلال تحالفها مع موسي، إلى الضغط على حركة النهضة حتى لا تسحب الثقة من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ المتهم بقضايا تتعلق بالفساد.
أزمة حكم
يمكن اعتبار التطورات السياسية الراهنة أزمة حكم عميقة مسّت رئاستي الحكومة والبرلمان على حد السواء وفق الصحفي التونسي كريم البوعلي. ويرى البوعلي في حديث لنون بوست أن هذه الأزمة بمثابة معركة كسر عظام بين حركة النهضة من جهة ورئيس الحكومة وأحزاب التيار والشعب وتحيا تونس من جهة أخرى ما يعني أن الاتفاق السياسي منذ البداية كان تأجيل لمعركة حتمية قادمة.
ويعتقد محدثنا أن تونس عادت لأجواء ما بعد الانتخابات التشريعية وما تلاها من أزمة سياسية فالنخبة السياسية لم تستطع بناء ثقة متبادلة بينها وتقارب فعلي وتحالف وثيق يترجم الائتلاف الحكومي إلى جبهة برلمانية.
يتيح الفصل 97 من الدستور للكتل البرلمانية سحب الثقة من رئيس الحكومة عبر تقديم لائحة لوم لرئيس البرلمان
يرى الصحفي التونسي أن التلويح بسحب الثقة من رئيس مجلس النواب راشد الغنوشي هو بمثابة رد على سحب النهضة الثقة من إلياس الفخفاخ، أي أنها تتنزل في إطار الضغط لثني النهضة عن موقفها والتراجع عنه. في ظل هذا المشهد يمكن القول وفق كريم البوعلي أننا أمام رئاستي حكومة وبرلمان هشّتين ولا تحظيان بدعم قوي في ظل تفتت الكتل النيابية وضعفها جميعًا.
عدم نضج سياسي
ما يميز عمل مختلف الفرقاء السياسيين في المرحلة الحالية، وفق أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية هاني مبارك، هو عدم النضج السياسي إن لم نقل السذاجة السياسية.
يقول هاني مبارك في هذا الشأن، كان واضحًا منذ البداية أن التشكيل الفسيفسائي الذي جاء عليه مجلس النواب وصعود بعض الأطراف إليه إلى جانب تردد حركة النهضة وضبابية بعض اختياراتها كان سيؤدي إلى ما نحن فيه حاليًا.
أضاف مبارك في حديث لنون بوست، بناء على هذه المؤشرات من الطبيعي العودة إلى المربع الأول وهذه العودة كي لا تكون تكرارًا للأخطاء السابقة يجب أن تتخلى كافة الأطراف بما فيهم الرئاسة عن خياراتها ومواقفها السابقة وإلا سنكرر الخطأ الذي تنتظره بعض دول الاقليم لإنهاء التجربة التونسية التي باتت محط قلق كبير لها.
يؤكد محدثنا أنه سواء سقطت حكومة الفخفاخ أم بقيت فإنه دون الالتزام الواعي بشروط البقاء وتوفير شبكة جديدة من الأطروحات تؤمّن أعلى درجة من الانسجام الحقيقي والصادق على مستويي العمل الحكومي والبرلماني فإن النتيجة ستبقى هي نفسها. في هذه الحالة، يقول هاني مبارك، أن الطرف الوحيد المستفيد مما يحصل هو من يريد العودة في البلاد إلى دائرة الأنظمة الاستبدادية التي لا تؤمن بالديمقراطية.
انتخابات مبكرة؟
يرى هاني مبارك أن الحل لهذه الأزمة وتجنب كل تأزم جديد يكمن في اللجوء إلى انتخابات مبكرة يسبقها تنقيح المجلة الانتخابية رغم التكلفة الكبيرة لهذا الحل. ويعتقد أستاذ العلوم السياسية في الجامعة التونسية أنه في حال الذهاب لانتخابات مبكرة ستكون أكثر الأطراف تضررًا هي أحزاب بقايا النداء وحزبي التيار وحركة الشعب.
ويعطي الدستور التونسي أكثر من صيغة قانونية لإنهاء حكومة الفخفاخ؛ إما بتقديم استقالته لرئيس الجمهورية، أو بتفعيل الرئيس الفصل 99 من الدستور ومطالبة البرلمان بالتصويت على الثقة لمواصلة الحكومة نشاطها من عدمه. كما يتيح الفصل 97 من الدستور للكتل البرلمانية سحب الثقة من رئيس الحكومة عبر تقديم لائحة لوم لرئيس البرلمان من ثلث أعضاء المجلس، ويشترط لسحب الثقة تصويت الأغلبية المطلقة، أي 109 أصوات من أصل 217.