هل تمثل أزمة فيروس كوفيدـ19 نداء صحوة للاقتصادات الخليجية؟ قالت نجلاء المدفع، الرئيسة التنفيذية لمركز الشارقة لريادة الأعمال في الإمارات العربية المتحدة، “إن العديد من اللاعبين التقليديين فوجئوا” بالانكماش الاقتصادي.
يهدف رواد الأعمال في مجال التكنولوجيا إلى تحويل الوباء إلى منصة إطلاق لأن الاقتصاديات الخليجية في حاجة ماسة إلى التعجيل في عملية تحولها الرقمي. ومع ذلك، تعرقل العديد من العوائق الثورة الرقمية، بما في ذلك نقص المهارات الرقمية والافتقار إلى حرية الإنترنت وغياب صانعي سياسات لهم توجهات تكنولوجية، إلى جانب استثمارات البحث والتطوير.
في المقابل، قالت المدفع لموقع المونيتور: “ستلعب الشركات الناشئة دورا حيويا للغاية في تشكيل اقتصاد مزدهر في فترة ما بعد فيروس كوفيدـ19″، مشيرة إلى أنها تعتقد أن الانكماش الاقتصادي هو فرصة للشركات الناشئة والحلول القائمة على التكنولوجيا “لدمج سلاسل التوريد” للحكومات والشركات على حد سواء.
لطالما طغى اعتماد المنطقة الكبير على عائدات النفط والغاز على الدور الذي تلعبه الشركات الصغرى والمتوسطة في تنويع اقتصادات الخليج خارج صناعة الهيدروكربونات وتوفير فرص العمل لأكثر من 17 مليون شخص. أما في جدة، تعمل شركة “أوتو سمارت” على رقمنة سير عمل شركات السيارات. وفي هذا الصدد، قال نصيف عمر، وهو مواطن هندي شارك في تأسيس الشركة الناشئة مع مواطن سعودي: “تعود الأنظمة التي يستخدمونها إلى التسعينات، ولكن الآن يقر الجميع بأن التكنولوجيا هي المستقبل”.
إن ازدهار الأعمال التجارية عبر الإنترنت سيفتح أبوابا غير تقليدية للاقتصادات العربية. من جهتها، قالت عايدة الريامي، الخبيرة الاستراتيجية للعلامات التجارية، لموقع المونيتور: “فتحت هذه الأزمة أعين النساء، حيث بدأت الكثير منهن بالفعل في ابتكار أفكار تجارية”. ويُذكر أن ريادة الأعمال النسائية بدأت تكتسب زخما في الخليج، حيث عززتها التغييرات القانونية وقبولها أكثر على مستوى المجتمع. لكن الطريق لا يزال طويلا أمامهن، إذ أن 1.4 بالمئة فقط من جميع أصحاب الأعمال في المملكة العربية السعودية نساء، وذلك وفقا لتقرير ماستركارد لسنة 2018.
أوضح صندوق النقد الدولي في تقرير لسنة 2019 أن الائتمان المصرفي للشركات الصغرى والمتوسطة في منطقة الخليج هو الأدنى بالفعل في العالم.
“حكومات الخليج لا تقوم بما يكفي”
تكمن خلف هذه الآمال الكبيرة حقائق قصيرة المدى أقل تفاؤلا. فحسب الخبراء، إن حزم التحفيز المالي التي تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار والتي تهدف إلى حماية اقتصادات الخليج من الانكماش قد لا تصل إلى الشركات الصغرى والمتوسطة، بل تهدف إلى تعزيز الميزانية العمومية للمؤسسات المصرفية.
لذلك، لا يزال رجال الأعمال عرضة للخطر، ولعل ذلك ما أكدته غرفة تجارة دبي التي حذرت من أن ما يقرب من 70 بالمئة من الشركات التي يقع مقرها في مركز الأعمال في الشرق الأوسط قد تعلن إفلاسها في غضون ستة أشهر. ويتوقع صندوق النقد الدولي انكماش اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي بنسبة 7.6 بالمئة هذه السنة.
حيال هذا الشأن، قال كريستوفر ديمبيك، رئيس أبحاث الاقتصاد الكلي في ساكسو بنك: “أعتقد أن الحكومات الخليجية لا تفعل ما يكفي”. وأضاف المحلل متحدثا إلى موقع “المونيتور”: “لا تزال حزم التحفيز التي وقع قياسها كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي منخفضة للغاية”.
لكن هل ما زالت الحكومات الخليجية قادرة على تمويل نفس الاقتصادات التي تديرها الدولة والتي صممتها لعقود؟ منذ انهيار النفط سنة 2014، ارتفعت الديون السيادية، تاركة للجهات الحكومية قوة محدودة لإنقاذ الشركات الخاصة. تشمل التدابير البديلة لتخفيف عبء فيروس كورونا للشركات الصغرى والمتوسطة فترة إعفاء من الإيجار للمستأجرين التجاريين في دبي وتأجيل تسديد القروض والدفع المؤقت لرواتب القطاع الخاص في قطر ووقت إضافي لتقديم الضرائب في المملكة العربية السعودية، من بين أمور أخرى.
في هذا السياق، قال الاقتصادي البحريني جاسم حسين إنه يعتقد أن وكالة تمكين الحكومية التي تدعم القطاع الخاص في المملكة منذ سنة 2006 أثبتت فعاليتها. مع ذلك، يطلب رجال الأعمال إعادة فتح جسر الملك فهد، الذي يعد بمثابة ممر تجاري يربط البلاد بالمملكة العربية السعودية. وأضاف حسين أنّ “إغلاق الممر يشكل عائقا رئيسيا أمام إنعاش الاقتصاد المحلي”. لكن الاقتصاديين يعتقدون أن مبادرات الخليج متواضعة للغاية بالنظر إلى مدى الانكماش الذي تشهده هذه المنطقة.
من شأن الدعم المالي الذي تقوده الحكومة أن يخدم هدفا استراتيجيا آخر تسعى إليه دول الخليج العربية
بنوك غير داعمة
قبل الأزمة، أوضح صندوق النقد الدولي في تقرير لسنة 2019 أن الائتمان المصرفي للشركات الصغرى والمتوسطة في منطقة الخليج هو الأدنى بالفعل في العالم. وفي الأشهر المقبلة، من المتوقع أن تتراجع شهية البنوك لإقراض الشركات المتعثرة مع تزايد مخاطر الإفلاس.
يرى ديمبيك أن القطاع المصرفي “حذر للغاية” في دعم الشركات الصغرى والمتوسطة. وغالبًا ما يجادل المصرفيون بأن ضعف التقارير المالية وغموض الشركات الصغرى والمتوسطة يعيقان الإقراض. وأردف قائلا: “أعتقد أن أفضل إطار لنجاح هذه العملية يتمثل في تقديم الدولة ضمانات كلية على القروض للمؤسسات الصغرى والمتوسطة”. فعلى سبيل المثال، تنوي عمان تقديم قروض طارئة دون فوائد لأكثر من 25 ألف من رواد الأعمال العمانيين الذين تضرروا من الجائحة.
تعتقد مدفع أن اللاعبين من غير البنوك يمكنهم أيضًا لعب دور نشط في تسهيل حصول الشركات الصغرى والمتوسطة على الدعم المالي. وقد أطلق مركز الشارقة لريادة الأعمال صندوق تضامن للشركات الناشئة بقيمة 272 ألف دولار أمريكي “لتمكين الشركات الناشئة ذات الإمكانات العالية من توسيع رأسمالها النقدي”.
خلال السنوات الأخيرة، اكتسبت جهات الإقراض غير المصرفية والمستثمرين من القطاع الخاص وصناديق الثروة السيادية التي تركز على الاقتصاد المحلي شعبية كبيرة. مع ذلك، لا تتوفر الشروط في كل الشركات الصغرى والمتوسطة، حيث تستأثر الأنشطة الموجهة نحو التكنولوجيا بحصة الأسد على عكس الأنشطة التجارية التقليدية.
من شأن الدعم المالي الذي تقوده الحكومة أن يخدم هدفا استراتيجيا آخر تسعى إليه دول الخليج العربية، وهو يتمثل في إرسال إشارة إيجابية إلى المستثمرين الأجانب. في المقابل، كشفت دراسة نشرتها الأمم المتحدة أن الآفاق قصيرة الأجل للاستثمارات في غرب آسيا قاتمة.
حسب جو هيبوورث، مدير الشرق الأوسط في شركة استشارات التنمية الاقتصادية ” أو سي أو غلوبال”، “ما زلنا نشهد إقبالا على المنطقة، ولكن أضحينا ربما أكثر إدراكًا للحيثيات مثل أين ومتى وكيف بدلاً من الدخول بقوة أكبر”.
من هذا المنطلق، لسائل أن يسأل هل ينبغي تجنب المراهنة ضد دول الخليج؟
القوى العاملة المحلية أولاً
في سوق العمل، وقع منح الأفضلية للمواطنين بينما تم التخلي بشكل كبير عن القوى العاملة المؤقتة التي تعتمد عليها اقتصادات الخليج، مما تسبب في هجرة المهنيين المهرة. في عُمان، مثلا، طُلب من الشركات ألا تطرد العمال العمانيين، وتقوم بدلا من ذلك بتسريح الأجانب. من خلال التخلي عن الآلاف من المهنيين الأجانب، تخاطر المنطقة بفقدان رأس المال البشري ومهارات ذوي الخبرة في المجال الرقمي والمعارف الأساسية لتحقيق التنوع الاقتصادي. وحسب تقديرات “أكسفورد إيكونوميكس”، من المحتمل أن يفقد أكثر من 3.5 مليون عامل مهاجر وظائفهم في الخليج.
على الرغم من طرد العمال المهاجرين من المنطقة وخروج الشركات الضعيفة من السوق، يعتقد هيبوورث أن الشركات الصغرى والمتوسطة التي أظهرت قدرة على المقاومة ستبرز من الأزمة أقوى. في هذا السياق، أوضح قائلا “في أعقاب الأزمة المالية العالمية، حدثت عملية التعافي بشكل أسرع مما توقعه الكثير من الناس”.
من هذا المنطلق، لسائل أن يسأل هل ينبغي تجنب المراهنة ضد دول الخليج؟ في الواقع، يريد رجال الأعمال أن يصدقوا ذلك وأن المنطقة على وشك دخول عصر ما بعد النفط. وفي الخامس من شهر تموز/ يوليو، أعلنت الإمارات عن حكومة أكثر مرونة للاتحاد. واختتم عمر حديثه قائلا: “المدرسة القديمة لم تعد موجودة، لذلك على الشرق الأوسط اللحاق بالركب”.
المصدر: المونيتور