يواجه رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي تركة وتداعيات وإخفاقات 17 عامًا من الفساد والإرهاب والفشل في العراق، كان آخره فشل وعجز وبؤس حكومة رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي الذي مكَّن حلفاء طهران بشكل كبير من التغلغل في مؤسسات الدولة ومفاصلها المهمة في فترة حكمه القصيرة (عام ونصف فقط)!
كما يواجه الكاظمي تحديات آنية مستعجلة صحية واقتصادية وأمنية، تجعله مُكبلًا ويسير في حقل للألغام، لذا يحاول قدر الإمكان حساب خطواته بحذر ودقة ليحافظ على مسار معتدل بعيد عن القفزات التغييرية الكبيرة التي تؤلب خصومه من حلفاء طهران وتجعلهم يجدون مشتركات مع القوى الأخرى لإسقاطه وإفشال حكومته التي لم يرضوا بتمريرها ولم يطمئنوا بشكل مريح على شخص الكاظمي آنذاك.
حلول سلمية
يميل الكاظمي – وبدعم أمريكي – لعدم الصدام مع المليشيات وحلفاء طهران في الوقت الحاضر، والبحث عن حلول سلمية بعيدة عن استخدام القوة، لتجنب إضافة مزيد من التحديات أمام حكومته المكبَّلة، خاصة أن الحلول عن طريق القوة الناعمة تجعله يكسب دائمًا وببطء ودون ضجيج، رغم الأصوات التي تنادي بضرورة حصر السلاح بيد الدولة ومواجهة المليشيات بقوة القانون مع ضغط وتأييد الرأي العام وإمكانات الأجهزة الأمنية العالية كجهاز مكافحة الإرهاب لفرض هيبة الدولة الموعودة.
نهج دفاعي
المسار الحاليّ لحكومة الكاظمي الذي يتوافق مع الرغبة الأمريكية، يميل للتهدئة واتخاذ نهج دفاعي بعيد عن ردود الفعل التي ستضر بمصالح كلا الطرفين أمام استفزازات وتصعيد حلفاء طهران من المليشيات الولائية، خاصة أن الحوار الإستراتيجي الأمريكي العراقي سيبدأ جولته الثانية بعد أيام ولا بد من التغلب على محاولات إفشاله بإطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء والسفارة الأمريكية، بل على العكس قامت السفارة الأمريكية بنصب منظومة (سي رام) المختصة بمواجهة قذائف الهاون والطائرات دون طيار وصواريخ الكاتيوشيا وتحييدها وتفجيرها في الجو قبل وصولها لأهدافها، ناهيك بمتابعة الأجهزة الموثوقة التي تتبع الكاظمي مباشرة لتحركات المليشيات دون التصادم معهم، في رسالة واضحة برصدهم ومراقبتهم، خاصة بعد اعتقال خلية الدورة المكونة من 14 عنصرًا من كتائب حزب الله العراقي بعد ثبوت صلاتها مباشرة بخلايا الكاتيوشا التي تقصف السفارة الأمريكية، ثم إطلاق سراحهم.
حرب ناعمة
بدأ الكاظمي معركة تقويض النفوذ الإيراني ومنظومة اللادولة بسلسلة تغييرات في المناصب الأمنية الحساسة بإقالة الشخصيات المحسوبة على حلفاء طهران وتعيين شخصيات حزبية من الأحزاب والقوى التي لا تتعارض مع توجهاته وإعادة شخصيات ذات شعبية أحالها رئيس الوزراء الأسبق عادل عبد المهدي للتقاعد بضغط من حلفاء طهران، كعبد الوهاب الساعدي الذي عينه في وقت سابق في رئاسة جهاز مكافحة الإرهاب، وعبد الغني الأسدي المحسوب على التيار الصدري لرئاسة جهاز الأمن الوطني بعد إقالة فالح الفياض من منصبين من أصل ثلاثة كان يترأسها منذ سنوات.
كما عين قاسم الأعرجي وزير الداخلية الأسبق لمنصب مستشار الأمن الوطني والفريق علي الأعرجي لمنصب أمين سر وزارة الدفاع واللواء قاسم المحمدي قائدًا للقوة البرية، فحرب التغييرات شملت جهاز المخابرات ووزارة الدفاع وحماية المنطقة الخضراء والشرطة الاتحادية ومديرية الاستخبارات وقيادة العمليات في بعض المحافظات، إلخ.
أخيرًا، إن اغتيال أبو مهدي المهندس جعل المليشيات داخل الحشد الشعبي تتفكك، كما أن اغتيال قاسم سليماني جعل القوى السياسية داخل البيت الشيعي تتفكك، فهما كانا ضابطي إيقاع في علاقة الدولة باللادولة، أما اليوم بدأت مليشيات تُصعَّد وترفض سياسات الحكومة بعيدًا عن رغبات بعض قادة تحالف الفتح الذي تفكك هو الآخر إثر مشاكل داخلية ومصالح ورغبات بالتفرد بالرأي، فهذا التشتت الحاصل قد يدفع لمزيد من التفكك والمواجهة مع تغيير لمواقف حكومة الكاظمي – بعد تمكنها – من المتشددين منهم الذين يرفضون حتى الحوار ويميلون لفرض إرادتهم بقوة السلاح.