ترجمة وتحرير نون بوست
من الشائع أن نقول إننا جميعًا نتعرض لطوفان من المعلومات أكثر مما يمكننا التعامل معه، لكننا قليلًا ما نعترف أن الأحكام البشرية تعتمد على معلومات ثانوية لا تأتي من أي مصدر خارجي، يقدم لنا ذلك إحدى أقوى الأدوات التي نملكها للتعامل مع هذا السيل من المعلومات، هذا المصدر هو المعلومات الاجتماعية، أو بمعنى آخر: ما نعتقد أن الآخرين يفكرون فيه.
إليك سيناريو بسيط، تخيل أنك في مسرح مزدحم عندما بدأ الناس من حولك فجأة في الذعر والبحث عن مخرج، ما الذي ستفعله ولماذا؟ تخبرك حواسك أن الناس يتحركون بشكل يوحي بالقلق والخوف، لكن التفسير الاجتماعي الذي وضعته وفقًا لتلك المعلومات يخبرك ما تحتاج لمعرفته: هؤلاء الناس يعتقدون أن شيئًا سيئًا يحدث وهذا يعني أنك بحاجة لمحاولة الهرب أيضًا.
على الأقل، هذا تفسير واحد محتمل، فربما تكونوا مخطئين في الأمر، ربما يكون إنذارًا كاذبًا، أو أنك أسأت فهم جزء مما يحدث، إن قراءة المعلومات الاجتماعية بدقة مهارة أساسية، يجب أن تبذل فيها جهدًا كبيرًا للتدرب عليها وممارستها، في الحقيقة، إن اكتشاف ما يحدث داخل رأس شخص آخر يعد واحدة من أعظم عجائب البشر بالإضافة إلى محاولة التأثير عليه.
حتى الآن يبدو الأمر مألوفًا، لكن انتشار المعلومات من الثقافة الرقمية قدم لنا شيئًا جديدًا على تلك المعادلة النفسية القديمة: مستوى جديد كامل من الاعتماد على المعلومات الاجتماعية، ومجموعة جديدة من المخاطر والقلق بشأن الأخطاء والتلاعب والتأثير المتتالي.
وضع الباحثان الدنماركيان فينسنت هيندركس وبيلي هانسن اسمًا لتلك العملية المضطربة وهو “عاصفة المعلومات” لوصف هذا التدفق المفاجئ والشديد للمعلومات الاجتماعية، ويقترحان بديلًا مختلفًا لروايات الحماقة البشرية التي سيتم تطبيقها غالبًا على الأخبار الزائفة والانقسامات القبلية على الإنترنت.
بدلًا من التقرير بيأس أننا نعيش الآن في عصر ما بعد الحقيقة الذي تحكمه قوى غير عقلانية، فإنهما يقولان في كتابهما “عواصف المعلومات” إن العديد من المواقع المنقسمة في العالم الرقمي هي نتيجة اتخاذ قرارات عقلانية تمامًا – يتخذها المشاركون فيها – ولا تنتج عن حماقة بشرية مثلما تنتج عن طبيعة بيئة المعلومات نفسها.
عندما نفكر في انتشار إحدى المعلومات الخاطئة خلال شبكة اجتماعية، فبمجرد أن يشاركها عدد قليل من الناس سيواجه أي شخص تصادفه تلك المعلومات خيارًا مزدوجًا: هل هذه المعلومة حقيقية أم لا؟
إذا افترضنا أنهم لا يملكون أي معلومة عن هذا الأمر فالمنطق نظريًا أن يبحثوا عنها في كل مكان – وهي عملية تحقق شاقة تتضمن البحث بين عدد لا نهائي من الادعاءات والادعاءات المضادة، أما الطريقة الأخرى التي تعد تقييمًا أكثر بساطة فهو السؤال عما يعتقده الأشخاص الآخرون.
كل ما يفكر به البشر هو ما يجعل العالم الرقمي مستمرًا، وهذه العملة “السمعة” بخلاف المال تزداد فقط بالاستخدام
يقول هيندركس وهانسن: “عندما لا تملك معلومات كافية لحل مشكلة معينة أو أنك لا تملك الوقت أو لا ترغب في معالجة المعلومات، يصبح منطقيًا تقليد الآخرين كنوع من الإثبات الاجتماعي”.
وسواء كانت المعلومات التي نملكها قليلة للغاية أم منتشرة بشكل كبير، فمن المنطقي أن نبحث في اعتقادات الآخرين كإشارة لما يحدث، في الحقيقة هذه هي الاستجابة الأكثر منطقية طالما أننا نعتقد أن الآخرين يستطيعون الوصول إلى معلومات دقيقة وأن ما يبدو أنهم يفكرون فيه وما يعتقدونه حقًا هو الأمر ذاته.
إن أتمتة هذه الملاحظة واحدة من الأفكار الأساسية في عصر الإنترنت، فالابتكار العظيم الأولي لمحرك البحث جوجل كان أن تصبح أفعال وأفكار المستخدمين مقياسًا أساسيًا، بدلًا من محاولة القيام بالمهمة المستحيلة وهي الوصول إلى تقييم أصلي لجودة وفائدة كل موقع إلكتروني في العالم.
عند النظر إلى كيفية ارتباط صفحات الإنترنت ببعضها البعض، تضع خوارزمية “PageRank” الخاصة بجوجل تفويضًا للتوجهات الشخصية لصانع المحتوى في قلب عملية التقييم.
قد يبدو الأمر واضحًا جدًا اليوم، لكنه يستحق التوقف للنظر في كيف أصبحت الإدارة والقياس الأساسي للمعلومات الاجتماعية كل شيء بالنسبة لأي شركة تسعى لتحويل تريليونات البيانات عبر الإنترنت إلى أرباح.
حركة مرور المستخدم والمراجعات والتقييمات والنقرات والإعجابات وتحليلات المشاعر، كل ما يفكر به البشر هو ما يجعل العالم الرقمي مستمرًا، وهذه العملة “السمعة” بخلاف المال تزداد فقط بالاستخدام، فكلما أنفقت منها ازدادت قيمتها.
كيف نتعامل مع عاصفة المعلومات؟
في موقف اجتماعي في العالم الحقيقي، من الممكن إزالة الإجماع الخاطئ من خلال مشاركة المعلومات الصحيحة مع العامة، كتقديم إعلان رسمى في مكان يكتظ بالناس أو اعتراف الشخص الذي بدأ الإشاعة بأنه كان مرتبكًا.
أما على الإنترنت فمفاهيم المصادر الموثوقة عالميًا والتصريحات المقبولة عالميًا تعد مشكلة، ومع ذلك يعتقد هيندركس وهانسن أن هناك أملًا إذا تذكرنا أن الآليات المستخدمة محايدة بشأن الحقيقة والكذب، عواصف المعلومات تشبه العواصف الحقيقية تنتج عن ظروف مناخية أو أعراض لشيء أكبر بكثير، والأجواء المختلفة تقدم لنا نتائج مختلفة كذلك.
في الشبكات التي يتعرض فيها الأعضاء بشكل عشوائي لمجموعة من الآراء هم أقل عرضة لفيضان المعتقدات المؤكدة، من الممكن معالجة الدلالات غير المتكافئة للاستجابة الأولى لادعاء ما عن طريق الاهتمام المدبر بالمصادر والأصالة ومنشأ الأمر، كما أن المقدمة العامة للمعلومات الدقيقة – مع تضمين مصدر موثوق – بإمكانها أن تزيل الإجماع الخاطئ.
الأمر الأكثر أهمية، أن طريقة انتشار المعلومات الاجتماعية عبر الشبكة يمكن فهمه من حيث ردود الفعل العقلانية للشك، بدلًا من الدوافع غير العقلانية التي تُعالج فقط بالمزيد من اللاعقلانية.
وكلما فهمنا سلسة الأحداث التي تقود شخصًا ما نحو وجهة نظر معينة، تمكنا من فهم ما قد يعنيه الوصول إلى وجهات النظر الأخرى أو نشر بذور المشاركة المتشككة.
المصدر: بي بي سي