يترقب العالم إطلاق النسخة الإفريقية من شركة علي بابا الصينية، على هيئة منصة مواد طبية بشكل مبتكر، تساعد القارة السمراء في مواجهة أعباء فيروس كورونا، لكن يبدو أن الشركة لها أهداف أبعد ولن ترحل بعد ذلك، بل سترسخ أقدامها وتجني أرباح دبلوماسية كورونا التي اتبعتها الصين مع معظم دول العالم، خاصة الأفارقة لتطوير علاقات أقوى وأكثر فاعلية.
المنصة المبتكرة أعلنها سيريل رامافوسا رئيس جنوب إفريقيا والرئيس الحاليّ للاتحاد الإفريفي، الشهر الماضي، على هامش اجتماع افتراضي بعد قمة التضامن الاستثنائي بين الصين وإفريقيا للعمل من أجل مواجهة COVID-19، وكان اللقاء من تنظيم التعاون الصيني الإفريقي (FOCAC) برئاسة الرئيس الصيني شي جين بينغ والرئيس السنغالي ماكي سال.
المشروع سيمكن جميع الحكومات الإفريقية من الوصول إلى الإمدادات الحيوية لمكافحة فيروس كورونا الجديد، من معدات الاختبار والمرافق اللازمة لعزل الأشخاص، إلى المعامل ومعدات الحماية الشخصية والمراوح والحجر الصحي.
وستحدد المنصة حصص شراء لكل دولة وفقًا لدرجة نقص المواد في كل بلد، فضلًا عن ذلك ستوفر فرصًا وعروضًا للمصنعين والموردين المحليين الأفارقة، لا سيما أن الوباء وجه ضربة قاسية للمشروعات الصغيرة والمتناهية الصغر، ما دفع هذه الشركات إلى التحول لإنتاج بعض مواد الوقاية من الجائحة، لكنها ما زالت بعيدة جدًا عن تلبية حاجة السوق الإفريقية.
بحسب رامافوسا تضطر أغلب الدول الإفريقية إلى شراء احتياجاتها من الوكالات المتعددة الأطراف، وبالتالي المنصة المدعومة من الحكومة الصينية رأسًا، ستتدخل لعلاج أكثر من 250 ألف إصابة مؤكدة، تحتل جنوب إفريقيا نصيب الأسد من عدد هذه الحالات.
اقتناص الكعكة الإفريقية
لم يكن صعبًا على الصين معرفة المداخل النفسية للأفارقة، حتى تحصل على مثل هذ الصفقة الضخمة، فمن اليوم الأول لانتشار الفيروس داخل القارة السمراء بعد تحوله إلى وباء عالمي، لجأت الصين إلى خلق تكتيكات دبلوماسية عرفت باسم دبلوماسية كورونا، ومنها أوصلت إمدادتها الطبية للدول الإفريقية لمساعدتها على تحمل فاتورة الجائحة، وخاصة ضعاف الخبرة منهم في التعامل مع الأوبئة.
سلمت الصين عشرات آلاف المعدات اللازمة والكمامات في جميع أنحاء إفريقيا، وحرصت بالطبع على إشراك الاتحاد الإفريقي فيما تقوم به، وخصصت له العديد من المساعدات الرسمية من الإمدادات الطبية الحيوية لتصرف باسمه نيابة عن الحكومة الصينية.
تبع الخطوة الرسمية من الدولة، تبرع العديد من مشاهير رجال المال والأعمال، على رأسهم جاك ما الملياردير الصيني ومؤسس منصة علي بابا للتسوق عبر الإنترنت، الذي تبرع عبر مؤسساته بما يزيد على مليون مجموعة اختبار و6 ملايين قناع و60 ألف بذلة واقية، على أن يوزعها الاتحاد بمعرفته لجميع الدول الإفريقية الـ54، ما دفع رئيس الوزراء الإثيوبي أبي أحمد لتقديم الشكر له على حسابه بموقع تويتر.
Thank you @JackMa & the @AlibabaGroup for sending the first wave of #COVID-19 prevention materials. Support includes 1.1million testing kits,6million masks & 60,000 protective suits to be distributed throughout Africa. Distribution to other countries will begin as of tomorrow. pic.twitter.com/tHsiwoWFjY
— Abiy Ahmed Ali ?? (@AbiyAhmedAli) March 22, 2020
هذه التبرعات الكبيرة لإفريقيا جاءت في وقت كانت تعلن فيه منظمة الصحة العالمية أن القارة السمراء أقل كثيرًا في حالات الإصابة بالفيروس التاجي، عن أجزاء أخرى من العالم، بل إن ضحايا الفيروس في دول القارة مجتمعين لم تصل إلى ضحايا دولة مثل إيطاليا.
يبدو أن الفيروس جاء على طبق من ذهب للصين التي كانت تحاول عبر ذراعها الاقتصادي الضخم وعملاق التجزئة على الإنترنت “علي بابا” الانفراد بالقارة الإفريقية ووضعها في قلب طموحاتها الجديدة، لا سيما أن الشركة التي بدأت العمل في 1999، وتوسعت في العالم أجمع، لم تكن تملك قبل سنوات مضت إلا القليل من الانتشار في إفريقيا، ولهذا حاولت استثمار أي فرص للتوسع، وهو ما حدث بالفعل بداية منذ عام 2017.
دعت الشركة مئات رجال الأعمال الشباب من القارة إلى مقر الشركة للتدريب على أنظمة الحوسبة السحابية وتقنيات التجارة الإلكترونية، حيث كان يخطط أغنى رجل في الصين لإنفاق مليون دولار سنويًا على مدى عشر سنوات، لتحديد ما أسماهم صناع القرار الأفارقة في الغد.
شكلت علي بابا شبكة من الشركات الصغيرة والمتوسطة لتسويق خدماتها عبر القارة، بدأت من رواندا التي أطلقت منها أول مشروع للتجارة الإلكترونية في 2018، وربطت بين منتجي البن المحليين مع المستهلكين الصينيين، ومن البن إلى المنتجات الزراعية تمددت أنشطة الشركة.
المواد الطبية.. الفانوس السحري لـ”علي بابا”
تعلم الصين جيدًا، مدى تهالك النظم الصحية للكثير من البلدان الإفريقية، الأمر الذي انعكس على كيفية مواجهة فيروس كورونا، فلا موارد كافية للتعامل مع التدفق الكبير من المرضى الذين يحتاجون للعزل والرعاية المركزة في منطقة معروف عنها أنها تضم ما يقرب من 26 مليون إنسان مصاب بفيروس نقص المناعة البشرية الإيدز، كما يعاني أكثر من 58 مليون طفل من توقف النمو بسبب سوء التغذية.
بعثت بكين بفريق من الخبراء الحكوميين في مكافحة الوباء إلى أدغال إفريقيا، غينيا الاستوائية وهناك كانت الحقائق مثيرة للأسى، وصل الفريق الطبي الصيني إلى العاصمة مالابو في مايو الماضي، وعلى الفور انتشر أفراده للقيام بعمليات الوقاية اللازمة للسيطرة على الوباء.
الجهد الكبير الذي بذله الخبراء دفع رئيس وزراء غينيا الإستوائية باسكولا أوباما لإصدار خطاب شكر رسمي للحكومة الصينية على دعمها لبلاده في مكافحة الوباء وإعادة الأمل لهم في مكافحته، وهو ما كانت تسعى الحكومة الصينية إليه منذ البداية، فهذه المساعدات بغض النظر عن دلالاتها الإنسانية، تهدف في النهاية للتأثير على الحكومات لصالح الاستثمارات المستقبلية.
الخيال السياسي الصيني أصبح ينظر إلى ما بعد الانتصار على الوباء، حيث يجتمع المصير المشترك الذي يربط بين الصين وإفريقيا بعلاقات تاريخية أقوى من ذي قبل، وهي القيم التي ركز عليها مؤتمر مرئي نظمه عضو مجلس الدولة الصيني ووزير الخارجية وانغ يي، في مارس الماضي مع وزراء خارجية نحو 50 دولة إفريقية.
أحرز المؤتمر عدة أهداف، بداية من التذكير بأواصر الصداقة بين الصين وإفريقيا، وللاعتذار عما بدر من بعض الفنادق والشركات الصينية التي تعامت مع النزلاء والمقيمين الأفارقة بطريقة مهينة بعد تفشي فيروس كورونا، لا سيما أن أبناء القارة السمراء لديهم وصم تاريخي بالعديد من أمراض نقص المناعة، ما يجعلهم دائمًا محل تخوف من نقل الأمراض، خصوصًا في ظروف الطوارئ والأزمات الصحية.
يبدو أن الصين وصلت إلى أهدافها بالحصول على خطابات شكر متواصلة من أغلب البلدان الإفريفية، لدورها في مساعدتهم على تخطى الأزمة حتى الآن بسلام، بعد بداية غير موفقة استدعت سلسلة من الإدانات خلال الأشهر الماضية، وصلت حد تقديم شكاوى رسمية جماعية من السفراء الأفارقة في بكين بسبب إساءة معاملة مواطني القارة، وتبع ذلك تقديم الاتحاد الإفريقي طلبًا رسميًا للسلطات الصينية باتخاذ خطوات جدية تجاه تجنب أي سلوك مبالغ فيه ومهين لأبناء القارة.
يمكن القول إن تحركات الصين الخيرية، تهدف إلى ملاحقة الصعود السريع للطبقة الوسطى للبدان الإفريقية وشيوع التكنولوجيا بين أبنائها، ما يجعل القارة جاهزة لإنجاح ثقافة التجارة الإلكترونية، حيث تتوقع مراكز الرصد الصينية أن يصل إنفاق المستهلكين إلى 2.1 تريليون دولار بحلول عام 2025.
وتعوض بكين بذلك فشل شركاتها في الاستفادة سابقًا من القارة، بسبب الاعتماد على تقارير دولية، كانت ترصد التحديات اللوجستية وعدم الكفاءة والروتين، لا سيما أن البنية التحتية لمثل هذه الاستثمارات تحتاج بالفعل إلى مناطق حضر وثقافة مرتفعة، وهو نمط اتبعته شركة علي بابا في الصين نفسها منذ بداياتها انطلاقها، فضلًا عن أن عدد قليل من الأفارقة بجميع البلدان هم الذين يملكون بطاقات مصرفية وحسابات نقود عبر الهاتف المحمول، في ظل ثقافة عامة لا تثق كثيرًا بالتسوق عبر الإنترنت.
لكن الآن تحاول الصين ممثلة في شركة علي بابا تغيير هذه الثقافة ودفع الشركات الإفريقية للبحث عن حلول ذاتية للمكسب وتلبية توقعات المستثمرين بالنظر إلى هذه التحديات، ما يساهم في عمل نمو قوى للتجارة الإلكترونية، عبر التوسع في إنشاء شركات خدمات لوجستية المحلية بأصول خفيفة، فأصعب الظروف الاقتصادية يجب أن تكون دافعًا كافيًا للمستثمرين للمنافسة والكفاح حتى تصبح إفريقيا في وضع أفضل وتضمن انتعاش اقتصادي أكثر قوة.