ترجمة وتحرير نون بوست
“سيدي الرئيس، الجميع يسأل في هذا البلد، هل نحن في حالة حرب أم لا؟” هكذا سأل أحد المراسلين الرئيس الأمريكي “هاري ترومان” في مؤتمر صحفي بالبيت الأبيض في 29 يونيو 1950، لقد كان سؤالاً منطقيًا، فقبل يومين فقط، وردًا على التقدم غير المتوقع لقوات كوريا الشمالية، أمر ترومان بإرسال قوات أمريكية إلى كوريا الجنوبية.
وتماشيًا مع قواعد ذلك الوقت، فإن المراسلين طلبوا إذن الرئيس لطباعة رده، سمح الرئيس للصحفيين باقتباس كلمات “نحن لسنا في حالة حرب!”، كما نقلت النيويورك تايمز.
أحد المراسلين سأل الرئيس لاحقًا عما إذا كان ما تشارك فيه الولايات المتحدة هو عمل شُرَطي تحت إشراف الأمم المتحدة ستكون عبارة أكثر ملاءمة؟، ترومان رد قائلاً: إن ذلك يبدو صحيحًا.
هذا العمل “الشُرطي” استمر لثلاث سنوات، واستُخدم اللفظ لاحقًا للتعبير عما لا يريد الرؤساء أن يسمونه حروبًا!
الأربعاء قبل الماضي، وفي خطاب متلفز من البيت الأبيض، قدم الرئيس باراك أوباما استراتيجيته لكيفية “تحلل وتدمير” الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وأكد أوباما “نحن لن نتورط في حرب برية مرة أخرى”، تدعو خطة أوباما إلى ضربات جوية في البلدين، وإلى تحالف متعدد الجنسيات، ونشر 475 خبيرًا أمريكيًا في العراق، لكن هؤلاء لن يكونوا في مهمات قتالية، ولكن في “حملة لمكافحة الإرهاب”.
كما وصفها أوباما، تبدو الحملة ضخمة ومعقدة، لقد وصف داعش بأنهم “مجموعة صغيرة من القتلة”، هذا بالتأكيد صحيح، وهم بالتأكيد مجموعة من القتلة، فقد قتلوا الآلاف طوال طريقهم في العراق وسوريا، وقطعوا رأسي صحفيين أمريكيين، وآخر بريطاني أمام الكاميرات، لكن مصطلح “مجموعة صغيرة” لا يُطلق على جيش قوامه لا يقل عن 20 ألف مقاتل.
قرر أوباما أن ينخرط جيش الولايات المتحدة مرة أخرى في العراق بسبب “التهديد الفريد” الذي تشكله داعش، في الوقت نفسه، أكد أن الاستراتيجية الجديدة ليست جديدة حقًا! فهذه العمليات كانت جزءًا من الروتين الأمريكي لسنوات، هذا حدث في اليمن وفي الصومال عدة مرات مؤخرًا.
وجد العديد من المراقبين أن محاولة أوباما طمأنة الجمهور بتشبيه العملية بالصومال، محاولة غريبة حقًا، إذ أن الأمريكيين يستحضرون منذ سنوات مشاهد فيلم بلاك هوك داون، وصور الجثث الممزقة وأمراء الحرب، ربما أراد أوباما أن يرى الجمهور مشهد الضربة الجوية الأمريكية وهي تقتل أحمد عبدي جودان، زعيم حركة الشباب الصومالية، في وقت سابق من هذا الشهر، أو ربما كانت رسالة الرئيس أن الأمريكيين سيجدون طريقهم سهلاً في العراق وسوريا كما وجدوه في الصومال واليمن.
إن ذلك الاحتمال الذي يتحدث عن تدخل الجيش وعدم تدخل الشعب الأمريكي هو أحد الأسباب التي تجعل التسمية التي نطلقها على المعركة مهمة، عما إذا كانت حربًا أم لا!
فتحت سلطات الحرب الممنوحة للرئيس، يتعين عليه أن يسعى لموافقة الكونغرس خلال ستين يومًا من الذهاب للحرب، لكن مكافحة الإرهاب أمر مختلف، ويمكن لوحدات الشرطة المحلية أن تقوم به، لكن بينما قال أوباما إنه سيرحب بموافقة الكونغرس، قال إن موافقته الرسمية غير ضرورية، مؤكدًا أن لديه السلطة لمواجهة ذلك التهديد.
وفي شكل من أشكال التبرير، أشار هو ومساعدوه إلى المادة الثانية من الدستور، تلك التي تضعه كقائد أعلى للقوات المسلحة، ومثل سابقيه، لدى أوباما قدرًا كبيرًا من حرية التصرف في مسائل الأمن القومي، هذا ربما يكون جيدًا في حالات الطوارئ، لكن ما يحدث هو أن تم توسيع تعريف الأمن القومي ليشمل الحروب التي يجب أن يوافق على شنها الكونغرس، والتي قد لا تمثل تهديدًا مباشرًا للأمريكيين.
وباستثناء بسيط بين أعضاء الكونغرس من الحزب الجمهوري، أظهر النواب اهتمامًا قليلاً للغاية بشأن استشارتهم في أمر تلك الحرب، وبعد خطاب أوباما، كان هناك تحرك لتوفير التمويل للتدريب وما شابه ذلك، ولكن يبدو أن الموقف العام في الكونغرس سيكون: لا تسأل، اؤمر وسننفذ.
أوباما أشار إلى أنه قد يستخدم صلاحياته التنفيذية كوسيلة إذا كان الطريق مسدودًا، هناك مجالات تصلح فيها المناورة، لكن قرار الذهاب إلى الحرب، أخطر قرار من الممكن أن يتخذه الرئيس، ليس واحدًا من تلك المجالات.
الغريب أن قادة الحزب الجمهوري الذين كانوا على استعداد لمقاضاة الرئيس بسبب بعض قراراته مثل مشروع الرعاية الصحية، يبدون سعداء بقراراته نشر القوات الأمريكية حيث يشاء! إنهم يفضلون تجنب تحمل المسئولية لكي يكون هناك مجال للوم الرئيس وتبادل الاتهامات على غرار ما حدث في بنغازي في وقت لاحق إذا ما ساءت الأمور، أوباما يجعل الأمر سهلاً للغاية بالنسبة لهم.
لقد أضاف البيت الأبيض سببًا آخر يسمح له باستخدام صلاحياته، وهو تفويض لاستخدام القوة العسكرية كان قد أُقر في أعقاب هجمات 11 سبتمبر، وهذا التفويض لا يزال ساري المفعول، التفويض كان يستهدف القاعدة وحلفائها، لكن القاعدة وداعش الآن يتقاتلان! هناك أيضًا تفويض عام 2002 بشأن شن الحرب في العراق، لكن سوريا ليست العراق، والجزء السوري من هذه الاستراتيجية يتطلب نقاشًا سياسيًا حقيقيًا بعد أن قُتل أكثر من 200 ألف سوري في الحرب السورية ورحيل الملايين من اللاجئين والنازحين.
يجب أن نفكر مليًا في إمكانية أن الضربات ضد داعش قد تساعد نظام بشار الأسد! تحدث أوباما حول تعزيز المعارضة، وقال “نحن نقف مع الناس الذين يقاتلون من أجل حريتهم، لكن في سوريا، نحن لسنا متأكدين من هؤلاء الناس! وحتى لو استمر حلفاؤنا السنة في المملكة العربية السعودية ودول الخليج في إرسال المال والسلاح إلى سوريا والذي ينتهي في أيدي داعش، هذه معادلة تتضمن إيران، يجب أن نفكر في كل ذلك”.
عندما أنقذنا المحاصرين في جبال سنجار، قال أحدهم “إنه مدين للأمريكيين بحياته”، لقد ساعدنا في منع مذبحة محتملة ضد اليزيديين، هذه وُصفت لاحقًا بأنها عملية إنسانية، لكنها لم تكن أبدًا بعيدة عن المعركة!
هناك مشكلة أخرى، لم يتم توضيح الأساس القانوني لحملات الطائرات بدون طيار في الصومال واليمن أبدًا، وخاصة عندما يتعلق الأمر بالقتل العمد لمواطنين أمريكيين خارج نطاق القضاء، لم ينشر البيت الأبيض مذكرة تشرح تلك العمليات، لكن وزارة العدل أصدرت أوراقًا تشير إلى مصلحة الحكومة في شن الحرب، ويبدو أن السلطة التنفيذية تعتقد أنه يمكن تجاهل القيود المفروضة على إعلان الحرب بنفي أنها حرب بالأساس!
بهذا المنطق، فإن الحرب في كل مكان، وهي ليست في أي مكان أيضًا.
المصدر: نيويوركر