لم تنتظر حركة النهضة التونسية كثيرًا للرد على تهديدات رئيس الوزراء إلياس الفخفاخ وتلويحه بإقصاء وزراء الحركة وإزاحتها من الحكومة، حيث جاء الرد سريعًا وكان بمثابة المسمار الأخير في نعش الحكومة المرتبكة، إذ قررت سحب الثقة من إلياس الفخفاخ.
سحب الثقة
قرار النهضة، أكبر مكونات الائتلاف الحاكم في تونس، اتخذه مجلس شورى الحركة، فقد صوت أعضاء المجلس المجتمعين بصفة طارئة ليلة أمس بأغلبية الأصوات على سحب الثقة من الفخفاخ، وذلك في إطار تنزيل قرار مجلس الشورى المجتمع الأحد الماضي.
وقال بيان لمجلس الشورى – السلطة العليا داخل الحزب – إنه تبنى خيار سحب الثقة من الفخفاخ، وكلف رئيس الحركة الذي يرأس بدوره برلمان البلاد راشد الغنوشي بمتابعة تنفيذ هذا الخيار بالتشاور مع مختلف الأحزاب والكتل البرلمانية والنواب في مجلس نواب الشعب.
قرار النهضة الأخير، جاء بعد تصاعد الخلاف بين الحركة ورئيس الحكومة عقب إعلانه نيته إجراء تعديل وزاري
يترأس وزير المالية السابق والقيادي في حزب التكتل الديمقراطي إلياس الفخفاخ الحكومة التونسية منذ 27 من فبراير/شباط الماضي، حيث نال يومها الثقة من البرلمان بعد أن كلفه الرئيس قيس سعيد في 20 من يناير/كانون الثاني الماضي بتشكيل حكومة جديدة، بعد رفض البرلمان منح الثقة لحكومة الحبيب الجملي التي اقترحتها حركة النهضة.
تضم الحكومة الجديدة التي قدمها الفخفاخ 32 عضوًا ما بين وزير وكاتب دولة من بينهم 16 مستقلًا و7 عن حزب “النهضة” الأول في البرلمان من حيث عدد المقاعد (54 مقعدًا من أصل 217).
ويشارك في الحكومة أيضًا كل من حزب “التيار الديمقراطي” (اجتماعي ديمقراطي- 22) بثلاثة وزراء و”حركة الشعب” (ناصري- 14) بوزارتين وبمثل ذلك لكل من حركة “تحيا تونس” (ليبيرالي- 14) ولكتلة “الإصلاح الوطني” في البرلمان (مستقلون وأحزاب ليبرالية- 16).
الفخفاخ يصعد
جاء قرار النهضة الأخير بعد تصاعد الخلاف بين الحركة ورئيس الحكومة عقب إعلانه نيته إجراء تعديل وزاري، واعتباره دعوة النهضة إلى بدء مشاورات لتشكيل حكومة جديدة بدلًا عن الحكومة الحاليّة تهربًا من التزاماتها.
وكان رئيس الحكومة التونسية إلياس الفخفاخ، قد أعلن أمس الثلاثاء نيته إجراء تعديل على تشكليته الحكومية، “بما يتناسب مع المصلحة العليا للوطن” وفق وصفه، وأشار في بيان نشرته رئاسة الحكومة، عبر صفحتها بموقع فيسبوك، أن التعديل سيعلن خلال الأيام القليلة الماضية.

لم يكتف الفخفاخ بهذا الحد، حيث هاجم في بيانه حركة النهضة وقال: “الدعوة لتشكيل مشهد حكومي جديد، يعتبر انتهاكًا صارخًا للعقد السياسي الذي يجمعها مع الأطراف الأخرى، ومع رئيس الحكومة، واستخفافًا بالاستقرار الحيوي لمؤسسات الدولة واقتصاد البلاد المنهك من جراء فيروس كورونا، ومن تفاقم أزماته الهيكلية”.
الفساد وغياب التضامن الحكومي
ما يجري الآن في تونس نتيجة حتمية للخلافات المتفاقمة بين مكونات الائتلاف الحاكم، ذلك أن النهضة قلقت من حالة التفكك التي يعيشها الائتلاف الحكومي منذ تشكله، وكثيرًا ما عبرت الحركة الإسلامية عن انزعاجها من غياب التضامن المطلوب ومحاولة بعض شركائها في أكثر من محطة استهدافها.
وتؤكد أحداث عديدة غياب التضامن بين مكونات الحكومة من ذلك تصويت نواب “التيار الديمقراطي” و”تحيا تونس” في مكتب مجلس نواب الشعب، على تمرير لائحة للجلسة العامة قدمها “الدستوري الحر” تصنف الإخوان المسلمين كمنظمة إرهابية، ما اعتبر طعنة جديدة تتلقاها النهضة من حلفائها في الحكومة واصطفافًا مكشوفًا مع أبرز أعدائها.
ووصل الخلاف بين أحزاب الائتلاف الحكومي إلى حد إسقاط قوانين طرحتها الحكومة نفسها على البرلمان، حيث تم إسقاط بعضها وتأجيل بعضها الآخر، ما يبين بوضوح أن هناك مسارين متناقضين بين الحكومة والبرلمان.
ليس هذا فحسب، فقد تحالف شركاء النهضة في الائتلاف الحكومي – التيار الديمقراطي وتحيا تونس وحركة الشعب – مع سليل التجمع المنحل حزب “الدستوري الحر”، لإرباك عمل البرلمان وسحب الثقة من رئيسه راشد الغنوشي.
تحركات النهضة لسحب البساط من تحت أقدام حكومة الفخفاخ، تعتبر بمثابة رصاصة الرحمة على الحكومة
حدة الأزمة زادت بعد كشف شبهات تضارب مصالح تحوم حول إلياس الفخفاخ، حيث تم كشف عقد شركات يملك أسهمًا فيها صفقات مع الدولة، وترى النهضة أن شبهة الفساد التي تلاحق الفخفاخ أضرت بصورة الائتلاف، ما يستوجب تشكيل حكومة جديدة من شأنها إنهاء الأزمة السياسية الحاليّة في البلاد.
وسبق أن أعلنت هيئة الحوكمة الرشيدة ومكافحة الفساد في تونس وجود شبهة تضارب مصالح لرئيس الحكومة، لامتلاكه أسهمًا في شركات تتعامل مع الدولة تجاريًا، وهو ما يحظره القانون، وأفاد رئيس الهيئة شوقي الطبيب بأن الفخفاخ لم يعلم الهيئة بإجراءات وتفاصيل مساهماته في 5 شركات، عقدت بعضها صفقات تجارية مع الدولة.
وترى النهضة أنه يستحيل أن يواصل الفخفاخ على رأس الحكومة، فكيف لشخص متهم بالفساد أن يمضي في إصلاحات حكومية كبرى تتعلق بمحاربة الفساد وإدارة ملفات اقتصادية واجتماعية مهمة، ما يجعل مواصلة الحكومة الحاليّة عملها صعب جدًا.
بدء إجراءات سحب الثقة
عقب قرارها الأخير، بدأت كتلة حركة النهضة في تجميع الإمضاءات لعريضة سحب الثقة من رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ، علمًا بأن رئيس مجلس الشورى عبد الكريم الهاروني أكد أن الحركة ستُقدم لائحة سحب الثقة من الفخفاخ إلى البرلمان قبل نهاية شهر يوليو الحاليّ، مؤكدًا في نفس السياق أنه لا يمكن تكوين حكومة دون النهضة.
جدير بالذكر أن رئيس الحكومة إلياس الفخفاخ لا يملك سندًا حزبيًا في البرلمان، حيث لم يحصل حزبه في الانتخابات التشريعية الماضية على أي من مقاعد البرلمان، ورغم اصطفاف بعض الأحزاب إلى جانبه بسبب خلافاتها مع حركة النهضة فإن ذلك لا يعطيه مجالًا كبيرًا للمناورة السياسية.
ويتيح الفصل 97 من الدستور التونسي للكتل البرلمانية سحب الثقة من رئيس الحكومة عبر تقديم لائحة لوم لرئيس مجلس نواب الشعب من ثلث أعضاء المجلس، ويشترط لسحب الثقة تصويت الأغلبية المطلقة، أي 109 أصوات من أصل 217.

تؤكد مصادر لـ “نون بوست” من داخل حزب النهضة الذي لديه 54 نائبًا، توافر النصاب القانوني لسحب الثقة من الحكومة في البرلمان، حيث يشاركه في التوجه نواب ائتلاف الكرامة (19) وحزب قلب تونس (27) وبعض المستقلين.
ومن شأن المضي في قرار سحب الثقة ونجاح النهضة في الأمر أن يجعل من حكومة إلياس الفخفاخ أول حكومة لا تدوم ستة أشهر، يذكر أن النهضة أعلنت قبل يومين الدخول في مشاورات لإيجاد مشهد حكومي جديد، إلا أن الرئيس قيس سعيد رفض ذلك، ودعا إلى اتخاذ خطوات دستورية لمن يريد تغيير الحكومة.
تحركات النهضة لسحب البساط من تحت أقدام حكومة الفخفاخ، تعتبر بمثابة رصاصة الرحمة على الحكومة، فالنهضة بهذا الشكل تؤكد أنها المتحكمة بزمام الأمور ومفاتيح اللعبة في تونس، فهي تفاوض وتفرض أحكامها بناءً على ما تقتضيه مصلحة البلاد وفق قول قياداتها.