ترجمة وتحرير نون بوست
باتت الطواقم الطبية المنهكة وغير المجهزة في مصر تُهدد بسبب التحدث علنًا عن ظروف العمل المزرية خلال جائحة كورونا، وذلك مع تزايد أعداد المحتجزين منهم لدى وكالة الأمن الداخلي.
في هذا الصدد، أبلغ الأطباء عن رسائل التهديد التي تلقوها سواء عبر واتساب أو الرسائل الرسمية أو الشخصية، وقالوا إن مديري المستشفيات والمسؤولين الحكوميين أخبروهم بأن عدم حضور المناوبات أو مشاركة منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي أو التعبير عن الاعتراض سيدفعهم إلى تقديم شكاوى ضدهم لهيئة الأمن القومي، وهي جهاز الأمن الداخلي الأساسي في مصر، التي تتهمها جماعات حقوقية باعتقال العديد من العاملين في مجال الرعاية الصحية.
قالت طبيبة من مدينة السادس من أكتوبر في القاهرة إن إدارة المستشفى هددت الموظفين بانتظام بإحالة ملفاتهم إلى هيئة الأمن القومي بعد أن أعربوا عن مخاوفهم بشأن طبيب لم يُسمح بعد وفاته بخضوعه لاختبار بي سي آر (تفاعل البوليميراز المتسلسل). وقالت الطبيبة في هذا الشأن: “أخبرونا بأن حساباتنا على مواقع التواصل الاجتماعي ستكون تحت المراقبة ما دفعني لحذف جميع زملائي لأنني لا أستطيع الوثوق بأي منهم”.
أفاد طبيب آخر من أحد مستشفيات الإسكندرية بأنه عندما اجتمع مجموعة من الأطباء للمطالبة بإجراء اختبار الكورونا لزميلهم الذي ظهرت عليه الأعراض، حضر أشخاص من أمن المستشفى ورجال شرطة وهم يرتدون ملابس مدنية، وقال الطبيب “عندما عدت إلى المنزل، نشرت معطيات [على مواقع التواصل الاجتماعي] حول الحادث، بعد ذلك اكتشفت أنه تمت إحالتي إلى التحقيق وأخبرني مدير المستشفى أن وكالة الأمن القومي تريد التحدث معي”.
سجلت مصر أكثر من 80 ألف حالة إصابة مؤكدة بفيروس كورونا، في الوقت الذي حذّر فيه وزير حكومي مرارًا وتكرارًا من أن أعداد الحالات الحقيقية قد تكون خمسة أو حتى عشر مرات أعلى من الأرقام الرسمية. وقد قدر المركز المصري لبحوث الرأي العام المعروف باسم “بصيرة”، أن ما لا يقل عن 616 ألف مصري أصيبوا بكوفيد-19 وتوفي ما لا يقل عن 131 طبيبا بسببه.
وصف الأطباء النظام الطبي بأنه منهك من انتشار الفيروس مع توفر عدد قليل من الأسرة في المستشفيات وندرة الأدوية لعلاج حتى أشد المرضى يأسًا. مثلت الجائحة اختبارًا للبنية التحتية الصحية في مصر، حيث يواجه العاملون في القطاع الصحي الذين وصفتهم السلطات بـ”الجيش الأبيض” الانتقام بسبب سعيهم لإيصال صوتهم.
أصبحت نقابة الأطباء المصرية، وهي هيئة شبه حكومية تمثل العاملين في مجال الرعاية الصحية، هدفا بعد توجيه اتهامات إلى رئيس الوزراء، مصطفى مدبولي، بالتحريض على الغضب ضد الأطباء عندما حذر من أن الحكومة “ستتخذ الإجراءات القانونية المناسبة” ضد الأطباء الغائبين، إلى جانب لومهم على ارتفاع عدد الحالات بسبب “افتقارهم للانضباط”.
في الأثناء، ألقت قوات الأمن القبض على أمين صندوق نقابة الأطباء، محمد معتز الفوال، في منزله بسبب منشور على فيسبوك انتقد فيه خطاب مدبولي واتُهم “بنشر أخبار كاذبة” والانتماء إلى جماعة إرهابية. كما منعت قوات الأمن الأطباء فيما بعد من عقد مؤتمر صحفي للرد على اتهامات مدبولي. حيال هذا الشأن، كتبت منى مينا، عضو مجلس النقابة العامة لأطباء التي شهدت الحادث: “أُذكّر الجميع بأن التكتم عن المشكلة لا يحلها”.
ما لا يقل عن سبعة أعضاء من نقابة الأطباء محتجزون حاليًا وذنبهم أنهم ناقشوا موضوع جائحة كوفيد-19 على مواقع التواصل الاجتماعي، وهم متهمون الآن بـ “نشر أخبار كاذبة”. فضلا عن ذلك، اعتقل عضو مجلس الإدارة الدكتور، أحمد صفوت، من قبل قوات الأمن بعد انتقاد خطاب مدبولي.
وثقت منظمة العفو الدولية الحقوقية اعتقال ما لا يقل عن ستة أطباء واثنين من الصيادلة من قبل هيئة الأمن القومي وذلك لتحدثهم علنًا عن الوباء. في إحدى الحالات، أبلغت مديرة المستشفى الهيئة عن الطبيبة الحامل بعد أن اتصلت بالخط الساخن للحكومة لتسجيل حالة إصابة بالفيروس، وقد تم اعتقالها بتهم شملت الانتماء إلى جماعة إرهابية.
قال عامل طبي في مستشفى عمومي بالجيزة: “لا قيمة لنا. إنهم يُضحون بنا. ليس لدينا اختبارات التفاعل البوليميراز المتسلسل، ليس لدينا أدوية، ليس لدينا أماكن لاستقبال المرضى، ونطلب منهم الحجر الصحي في المنزل ومحاولة العثور على الأدوية، على الرغم من أننا على يقين من ندرة هذه الأدوية حتى في الصيدليات الخاصة”.
وصف هذا العامل كيف قيل للأطباء إن التغيّب عن العمل يعني أنه سيتم الإبلاغ عنهم إلى هيئة الأمن القومي، وهي هيئة سيئة السمعة متهمة بالاختفاءات القسرية وتعذيب المواطنين في محاولة للقضاء على المعارضة حتى من أكثر المنتقدين اعتدالا، وقال المصدر نفسه: “لا أجرؤ على الغياب، حتى في المناوبة التي لا يمكنني أن أقدم فيها المساعدة لأي شخص. أنا أقبل تعريض نفسي للخطر إذا كان بإمكاني مساعدة الناس، لكنني أفعل ذلك دون أن أكون قادرا على خدمة هؤلاء المرضى”.
قال الطبيب إنه اشترى لنفسه غطاءً للوجه بسبب النقص الفادح في معدات الحماية في جميع أنحاء مصر. كان يخشى أن يُنظر إلى طلبه الوحيد للحصول على أداة حماية من المستشفى الذي يعمل فيه على أنه شكوى، ما سيوقعه بالتالي في مشكلة نظرا لغياب المعدات ذلك أن “شراءها أهون بكثير من مواجهة السجن. إنها مقايضة بين المال والحرية”.
قال جميع العاملين في المجال الطبي الذين تمت مقابلتهم إن أخبار الاعتقالات أو التهديدات كان لها تأثير مروع، حيث تهدف إلى جعلهم يعيدون النظر في التعبير عن مخاوفهم الخاصة. وقال طبيب الجيزة “ليس عليهم أن يعتقلوا كل من يتحدث، عليهم إلقاء القبض على عدد قليل فقط وبذلك سيخشى البقية من فعل الشيء نفسه. هؤلاء الأطباء لا يريدون مواجهة نفس المصير”.
في المقابل، لم يرد متحدث باسم وزارة الصحة المصرية ورئيس الهيئة العامة للاستعلامات على طلبات التعليق.
المصدر: صحيفة الغارديان