ترجمة وتحرير: نون بوست
في مطلع شهر أيار/ مايو، تمكن مسؤولون من وكالة المخابرات المركزية من التواصل مع علي صوفان، وهو ضابط سابق في مكتب التحقيقات الفيدرالي، وشغل منصب كبير المحققين في الأشهر التي سبقت هجمات الحادي عشر من أيلول/ سبتمبر، ليخبروه بأنهم علموا أن مقاتلي القاعدة يتآمرون عليه، وقد طلب المسؤولون من صوفان عدم الكشف عن العديد من التفاصيل، ولكنه قال لي: “كانت المعلومات دقيقة بما يكفي لدرجة أنهم شعروا أنه لابد أن يبلغوني”.
بعد أسبوعين، أصبح صوفان، الذي يُقيم في نيويورك، هدفا لحملة ضارية على منصات التواصل الاجتماعي، وقد تضمنت الحملة، التي وقع تضخيمها من خلال المتصيدين والمخترقين، عبارات تهديد، حيث كتب أحد المستخدمين على تويتر: “سيد علي، اعتبر نفسك ميتا، بداية النهاية”.
اصطحب صوفان البيانات إلى مسؤولي مكتب التحقيقات الفيدرالي الذين فتحوا تحقيقا في الغرض، بينما توصل خبراء الأمن السيبراني الذين عينهم صوفان إلى أن جزء على الأقل من الحملة كان مرتبطا بمسؤول في الحكومة السعودية، ويبدو أن الحملة شملت بعض الأشخاص الذين استهدفوا سابقا جمال خاشقجي، المعارض السعودي، وكاتب عمود في صحيفة “واشنطن بوست” المقيم في فرجينيا، الذي قُتل على أيدي عملاء المخابرات السعودية في تشرين الأول/ أكتوبر 2018.
يملك صوفان أعداء، فقد كان خصما قديما لتنظيم القاعدة، وبصفته ضابط في مكتب التحقيقات الفيدرالي، تعقّب المسلحين الذين هاجموا السفارات الأمريكية في كينيا وتنزانيا والمسؤولين على تفجير المدمرة الأمريكية “يو إس إس كول”، في اليمن، كما حقق في حلقة المتآمرين الذين هاجموا في نهاية المطاف مركز التجارة العالمي والبنتاغون في سنة 2001.
في الواقع، حاز صوفان بفضل جهوده على جائزة مدير مكتب التحقيقات الفيدرالي للتميز، والتي تمنح كل سنة لوكلاء المكتب المتميزين، وقد وقع تناول ملاحقة صوفان لمرتكبي هجمات 11 أيلول/ سبتمبر في المسلسل التلفزيوني “البرج الذي يلوح في الأفق” الذي عُرض على شبكة “هولو”، وقد أخبرني بروس ريدل، المحلل السابق في وكالة المخابرات المركزية والذي يعمل حاليا باحثا في معهد بروكينغز، بأن صوفان كان بمثابة “بطل وطني”.
من ناحية أخرى، أثار صوفان سخط الحكومة السعودية، فبعد استقالته من مكتب التحقيقات الفيدرالي، في سنة 2005، أنشأ مجموعة صوفان، وهي شركة استشارات أمنية في نيويورك، وتدير شركته أكاديمية تدريب لقوات الشرطة والاستخبارات في قطر، الجار والعدو اللدود للمملكة العربية السعودية.
في كانون الثاني/ يناير الماضي، عندما نشر نائب الرئيس مايك بنس تغريدة حمّل فيها إيران مسؤولية هجمات 11 أيلول/ سبتمبر، رد صوفان مشيرا إلى أن 15 من ضمن الخاطفين التسعة عشر كانوا سعوديين، والجدير بالذكر أن الدولة السعودية نفت مرارا وتكرارا علاقتها بالهجمات، ولكنها تملك تاريخا طويلا من التواطؤ مع تنظيم القاعدة. ويُذكر أن عائلات ضحايا هجمات 11 أيلول/ سبتمبر قامت بمقاضاة حكومة الرياض بتهمة التواطؤ مع الخاطفين.
عرف صوفان أيضا خاشقجي، المعارض الذي كتب لصالح صحيفة “واشنطن بوست” سلسلة من المقالات الناقدة للنظام السعودي، وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2018، قُتل خاشقجي وقُطّع داخل القنصلية السعودية في اسطنبول، ولم يُعثر على أي أثر له، بيد أن وكالة المخابرات المركزية الأميركية استنتجت بثقة “متوسطة إلى مرتفعة” أن ولي العهد السعودي محمد بن سلمان أمر بقتله، وبعد وفاة خاشقجي، ساعد صوفان في إقامة نصب تذكاري له في كابيتول هيل، والذي حضره العديد من أعضاء مجلس الشيوخ وأعضاء الكونجرس في الولايات المتحدة.
كلما تعمق صوفان وفريقه في الأبحاث، كلما ظهرت المزيد من المعطيات المثيرة للقلق
عندما تعرض صوفان إلى حملة على مواقع التواصل الأجتماعي، طلب من فريق الأمن السيبراني في شركته إجراء التحقيق، كما وظف خبراء خارجيين لتقديم المشورة لهم، والذي توصلوا إلى أن الصحفي السعودي حسين الغاوي هو من يقف وراء هذه الحملة. من بين مزاعم أخرى، ادعى الغاوي أن صوفان تورط في تعذيب ناشط مشتبه بانتمائه لتنظيم القاعدة يدعى علي المري، وذلك عندما كان يعمل عميلا في مكتب التحقيقات الفيدرالي. في المقابل، نفى صوفان ذلك، حيث أنه اشتهر برفضه تعذيب أبو زبيدة، المشتبه في انتمائه إلى تنظيم القاعدة سنة 2002، وأدلى بشهادته لاحقا أمام الكونغرس بشأن عدم فعالية أساليب وكالة المخابرات المركزية.
من خلال منشور آخر على تويتر، كتب الغاوي أن شركة صوفان تحالفت مع قطر من أجل الإضرار بمصالح المملكة العربية السعودية، وحصل على الجنسية القطرية. والجدير بالذكر أن صوفان يعمل في قطر ولكنه ينكر الحصول على الجنسية. في هذا السياق، قال الغاوي مشيرا إلى شركة صوفان: “هدفها هو تبرئة قطر من دعم الإرهاب”. ووقع إعادة تغريد هذه الادعاءات آلاف المرات من قبل مجموعة من الروبوتات والحسابات المزيفة. وهذا ما مهد الطريق لاستهدافه بمزيد من الهجمات الشرسة. في هذا الصدد، كتب أحد الأشخاص على تويتر: “ستكون نهايته في مكب نفايات في قطر بمشيئة الله”.
كلما تعمق صوفان وفريقه في الأبحاث، كلما ظهرت المزيد من المعطيات المثيرة للقلق. ذلك أن خاشقجي كان هدفا لحملة بغيضة على مواقع التواصل الاجتماعي، التي كان لغاوي يد فيها. في الأشهر التي سبقت عملية قتله، نشر الغاوي سلسلة مماثلة من التغريدات حول خاشقجي، تمت إعادة تغريد العديد منها بواسطة روبوتات وحسابات وهمية، وكتب “لا أحد أكبر من الوطن يا جمال”. في قضية صوفان، جذبت حملة نقد وديعة نسبيا المزيد من الهجمات المكثفة. قال رجل خلال تغريدة نشرت خلال شهر كانون الأول / ديسمبر 2017، مشيرا إلى خاشقجي:” اعتبر نفسك ميتا”.
خلال الشهر الماضي، ظهرت قضية أخرى تتعلق بالناشط السعودي الذي يعيش في مونتريال، عمر عبد العزيز، والذي أخبر صحيفة الغارديان البريطانية أن الشرطة الكندية قد حذرته من مؤامرة سعودية لاستهدافه. وتجدر الإشارة إلى أن عبد العزيز، الناقد البارز للنظام السعودي، كان صديقا ومساعدا لخاشقجي. في الواقع، تحمل التهديدات ضد خاشقجي وصوفان وعبد العزيز أوجه شبه لافتة للانتباه، حيث تظهر عبارات “بداية النهاية” و”اعتبر نفسك ميتًا” و”نهايتك في سلة قمامة” في تغريدات حول الثلاثة. ولا تعد هذه الأنواع من العبارات غير شائعة في تبادلات تويتر في العالم العربي، كما أن خاشقجي وصوفان وعبد العزيز يعدون من الأهداف الوحيدة للمتصيدين الموالين للمملكة العربية السعودية.
مع ذلك، يشعر صوفان بالقلق من أن المشهد العام يشير إلى أنه هدف. في هذا السياق، أشار قائلا: “قتل عملاء سعوديون جمال. كما أكدت السلطات الكندية أن التهديدات التي يتعرض لها عمر مرتبطة مباشرة بالمملكة العربية السعودية. يبدو من غير المحتمل إلى حد كبير أن التهديد الموجه ضدي لن يكون متصلا بالمملكة العربية السعودية “.
لكن من هو الغاوي؟ وقع التحقق من حساب يحمل اسمه على موقع تويتر، لذلك من المحتمل أنه ليس روبوتا، غير أن حسابه لا يقبل الرسائل المباشرة ولم أتمكن من الاتصال به. ويدير الغاوي برنامجا على موقع يوتيوب يُدعى “الجمرة” الذي يروج إلى دعاية مؤيدة للمملكة العربية السعودية. في المقابل، رفض المسؤولون في السفارة السعودية في واشنطن معالجة تفاصيل قضية صوفان وقالوا إن “المملكة العربية السعودية تنفي هذه الادعاءات التي لا أساس لها من الصحة وغير مدعومة بالأدلة ولا تهدف إلا لخدمة أجندات أولئك الذين يروجون لها”.
نشر المزروعي عدة تغريدات تنتقد خاشقجي في الأشهر التي سبقت وفاته
علاوة على ذلك، أضاف المسؤولون أن السعودية تلاحق منتهكي قوانين الجرائم الإلكترونية وتسمح للضحايا برفع دعاوى. ولكن يبدو أن الحكومة السعودية استخدمت حملات على الإنترنت لتعزيز مصالحها. وفي كانون الأول/ ديسمبر من سنة 2019، أعلن تويتر أنه ألغى 9929 حسابا كانوا جزء من “عملية معلوماتية مهمة مدعومة من الدولة على تويتر من قبل المملكة العربية السعودية”. وقال تويتر إن الحسابات، ومعظمها كانت آلية، انتهكت “سياسات التلاعب بالمنصة” الخاصة بالشركة.
في سياق متصل، تظهر السجلات أن خمسة من تلك الحسابات على الأقل تواصلوا مع حساب الخاشقجي قبل مقتله، وحدد فريق صوفان أيضا 37 حسابا أعادوا التغريد أو أعجبوا بالمنشورات المنتقدة لكل من خاشقجي وصوفان. من جهته، قال زاكاري شفيتسكي، أحد الخبراء الذين استعان بهم صوفان لفحص البيانات، “هذه هي العلامات الكلاسيكية لحملة تدعمها الدولة”.
في الوقت نفسه، يبدو أن تفاصيل مخطط تنظيم القاعدة التي كشفت عنها وكالة المخابرات المركزية تتطابق مع تلك الموجودة في حملة وسائل التواصل الاجتماعي، وقال مسؤولو الوكالة لصوفان إنه كان من الممكن استهدافه أثناء وجوده في قطر، كما أوضحت التغريدات التي تستهدفه نفس الشيء، وأفادت وكالة المخابرات المركزية بأن المؤامرة بدت وكأنها كانت مدفوعة بعمله في مكتب التحقيقات الفيدرالي وعمله المستمر في قضايا مكافحة الإرهاب. في هذا الصدد، قال صوفان: “استخدمت حملة التضليل الروايات الكاذبة والصور الخطيرة الموجهة ضدي، التي تتماشى بشكل مباشر مع عناصر التهديد”.
لعل أكثر الأدلة إقناعا هو مقطع فيديو نُشر على الإنترنت في أيار/ مايو، مما يعزز الادعاء بأن صوفان عذب مشتبهين فيهم من تنظيم القاعدة. يشير مقطع الفيديو، الذي تمت مشاهدته أكثر من مائة ألف مرة، إلى “محقق أمريكي لبناني مسؤول عن التحقيقات في تفجيرات أيلول/ سبتمبر” الذي “حاول بكل ما في وسعه إدانة المملكة العربية السعودية لتلك الأحداث وفشل، وهو يحمل الآن الجنسية القطرية ويعمل في الدوحة”.
تشير اعتمادات الفيديو إلى أنه من إنتاج علي داغش، الذي يصف نفسه على صفحة لينكد إن بأنه موظف في وزارة التربية والتعليم السعودية. كما ساهم داغش في شن حملة على تويتر ضد صحفيتين في قناة الجزيرة بعد انتقادهما الحكومة السعودية لقتل خاشقجي. والجدير بالذكر أن الجزيرة هي ملك حكومة قطر.
عندما نشر داغش الفيديو على تويتر، اقترح أن صوفان كان يتعاون مع ضحايا 11 أيلول/ سبتمبر الأمريكيين الذين يقاضون الحكومة السعودية، وكتب “بين الحين والآخر، تأتي الجزيرة بمصدر يكشف عن وثائق مسربة تثبت تورط المسؤولين السعوديين في أحداث 11 أيلول/ سبتمبر”، كما شكر داغش الغاوي على الكشف عن هذه العلاقة. في المقابل، يقول صوفان إنه لا يساعد المدعين، وهو ما يؤكده جيمس كريندلر، أحد كبار محاميهم.
ان صوفان مواطنا أمريكيا ومحاربا قديما حائزا على ميداليات خدم القانون الأمريكي. ومهاجمته مباشرة من قبل السعوديين سيكون عملا عدوانيا غير مسبوق
الفيديو مثير للاهتمام لسبب آخر، هو أنه وقعت إعادة تغريده بالموافقة على التعليقات من قبل حمد المزروعي، مستشار محمد بن زايد، الزعيم الفعلي لدولة الإمارات العربية المتحدة وحليف مقرب من محمد بن سلمان. كما نشر المزروعي عدة تغريدات تنتقد خاشقجي في الأشهر التي سبقت وفاته، بما في ذلك تغريدته التي تقول: “الله لا يفرج عنه، عنزة تستحق الذبح”.
يقر صوفان بأن الأدلة غير قاطعة. غير أن الحكومة السعودية، على الرغم من طوفان الدعاية السلبية التي أعقبت مقتل خاشقجي، واصلت جهودها على ما يبدو لمعاقبة المنتقدين في الخارج. وفي أيار/ مايو، أفاد كاتب العمود في صحيفة “واشنطن بوست” ديفيد إغناتيوس بأن السلطات السعودية احتجزت ابن وابنة سعد الجبري، وهو ضابط مخابرات سعودي كبير سابق يعيش في المنفى في تورونتو، في محاولة واضحة لإجباره على العودة إلى الديار لمواجهة الاعتقال.
على عكس الجبري، كان صوفان مواطنا أمريكيا ومحاربا قديما حائزا على ميداليات خدم القانون الأمريكي، ومهاجمته مباشرة من قبل السعوديين سيكون عملا عدوانيا غير مسبوق. تكمن مواطن قلقه في أنه بالنظر إلى تاريخ النظام مع تنظيم القاعدة، يمكن للمتشددين أن يحاولوا قتله في قطر، ويمكن ربط الهجوم بالتهديدات بالقتل التي شنت على وسائل التواصل الاجتماعي، وأفاد قائلا: “لن تكون هذه هي المرة الأولى التي يستخدم فيها ممثل الدولة مسلحين أو إرهابيين للقيام بعمله القذر”.
المصدر: ذي نيويوركر