يومًا بعد يوم، تتزايد مخاوف الجزائريين من أن تكون الحكومة قد فقدت خيوط السيطرة على جائحة كورونا التي وصلت البلاد أواخر شهر فبراير/شباط الماضي، بعد إعلان عدة مستشفيات عدم قدرتها على استقبال مصابين جدد وإرهاق الكادر الطبي الذي تعرض العديد من عناصره للإصابة وفارق آخرون الحياة بسبب نقص التجهيزات في مصالح كوفيد-19.
ورغم تأكيدات الرئيس عبد المجيد تبون المتكررة بأن قدرات البلاد الصحية كافية للتكفل بالمصابين بعددهم الحاليّ، مع إمكانية رصد أغلفة مالية إضافية إن تطلب الأمر ذلك، فإن الكثيرين يرون أن هذا الخطاب المطمئن بات محل شك بالنظر لواقع الحال ميدانيًا.
ارتفاع
يواصل مؤشر الإصابات بفيروس كورونا الارتفاع في الجزائر، بعد أن صار على مقربة من حاجز 600 إصابة جديدة وأكثر من 10 وفيات خلال 24 ساعة.
وأعلنت وزارة الصحة يوم الأربعاء تسجيل 554 إصابة جديدة بفيروس كورونا (كوفيد-19) و12 حالة وفاة خلال يوم واحد، مع تماثل 441 مريضًا للشفاء.
وأوضح الناطق الرسمي للجنة رصد ومتابعة فيروس كورونا الدكتور جمال فورار أن العدد الإجمالي للحالات المؤكدة بلغ 20770 أي 1.3 حالة لكل 100 ألف ساكن، كما بلغ إجمالي الوفيات 1040 وعدد المتعافين 14792 حالة، وأضاف فورار أن 73% من الوفيات تخص الأشخاص البالغين من العمر 60 سنة فما فوق، و31 ولاية سجلت نسبة أقل من المعدل الوطني في حين أن 7 ولايات لم تسجل بها أي حالة، لكن في الوقت ذاته سجلت 18 ولاية ما بين حالة وخمس حالات و23 ولاية سجلت أكثر من ست حالات.
تعد هذه الحصيلة أكبر من تلك المسجلة يوم الثلاثاء عندما أحصت وزارة الصحة 527 إصابة جديدة بكوفيد-19 و10 حالات وفاة وتماثل 332 مريضًا للشفاء، وكان العدد الإجمالي للحالات المؤكدة متوقفًا عند 20216 أي 1.2 حالة لكل 100 ألف ساكن.
المخيف في الأمر أن حصيلة الأربعاء ارتفعت من جديد يوم الخميس، فقد تم تسجيل 585 إصابة جديدة بالفيروس و12 حالة وفاة خلال الـ24 ساعة الأخيرة، في وقت بلغ عدد المتعافين 315 مريضًا، ما يعني أن عددهم أقل بنسبة تقارب نصف عدد المصابين.
تثير هذه الأرقام التي تصاعدت بأكثر من الضعف بعدما كان لأسابيع عدد الإصابات لا يتعدى على الأكثر 200 حالة إصابة يوميًا مخاوف الجزائريين والمختصين، بالنظر إلى أن الارتفاع في عدد الإصابات قفز بضعف ما كان مسجلًا خلال شهري مارس/آذار وأبريل/نيسان، خاصة أن منظمة الصحة العالمية سبق أن حذرت شهر يونيو/حزيران الماضي من ارتفاع عدد الإصابات في القارة السمراء.
اعتراف رسمي
بعكس الأسابيع الأولى لانتشار الوباء في الجزائر التي كانت فيه السلطات تؤكد أن الوضع تحت السيطرة، تغير الخطاب خاصة من وزير الصحة عبد الرحمان بن بوزيد الذي أكد أن ارتفاع عدد حالات الإصابة بالفيروس أصبح “مصدر قلق يدفعنا إلى التضامن أكثر لمواجهة هذه الجائحة”، وقبل أسبوع من اليوم، قال وزير الصحة إن عدد الإصابات المسجلة بفيروس كورونا في العاصمة تجاوزت قدرة استيعاب أسرة المستشفيات.
وأوضح بن بوزيد أن الوباء كان في مراحله الأولى ملفًا من اختصاص وزارة الصحة التي كانت قادرة على مجابهته، إلا أن التطورات الأخيرة في عدد الإصابات جعلته ملفًا مشتركًا لجميع الطاقم الحكومي، لأن التغلب عليه لن يكون إلا بالتضامن والتعاون المشترك للجميع مهما كان موقعهم في البلاد.
وتؤكد تصاريح متطابقة لأطباء تابعها “نون بوست” أن مصالح “كوفيد -19” صارت مكتظة بعدد الإصابات خاصة في الولايات التي تشهد هذه الأيام ارتفاعًا في الحالات المؤكدة مثل سطيف وبسكرة ووهران والعاصمة.
لا تقتصر ورطة الحكومة الجزائرية في مواجهة جائحة فيروس كورونا على ارتفاع عدد الإصابات فقط، إنما أيضًا في نقص تعداد الكادر الطبي المكلف بمكافحة هذا الوباء
في بداية الوباء، كان جميع المصابين يدخلون المستشفى مهما كانت درجة تأثير الفيروس فيهم، بالنظر إلى وجود أسرة وفريق طبي كافٍ لمتابعتهم صحيًا، إلا أن هذا الوضع تغير، وصارت المستشفيات تبقي الحالات الحرجة تحت العلاج، فيما يرسل الباقون للحجر الصحي المنزلي مع متابعة عن بعد للطبيب المعالج.
وشهدت عدة مستشفيات حالات احتقان لعائلات المصابين الذين اشتكوا عدم التكفل بمرضاهم أو حتى عدم استقبالهم، الأمر الذي جعل وزارة الصحة توجه تعليمة لمسيري المؤسسات الاستشفائية لتحسين التكفل بالمصابين بفيروس كورونا، وتجنيد مصالح إضافية للرفع من قدرة استيعاب الأسرة الاستشفائية والإنعاش، حتى إن اقتضى الأمر فتح مصالح أو مؤسسات أخرى، والاستنجاد بالمتقاعدين من الأطباء.
إرهاق طبي
لا تقتصر ورطة الحكومة الجزائرية في مواجهة جائحة فيروس كورونا على ارتفاع عدد الإصابات فقط، إنما أيضًا في نقص تعداد الكادر الطبي المكلف بمكافحة هذا الوباء مع مواصلة بارومتر الإصابات في الصعود.
يقول رئيس قسم الأمراض المعدية في مستشفى بوفاريك بالبليدة التي سجلت أولى حالات الإصابة بكورونا: “نحن نعمل بلا توقف، ومنهكون تمامًا، بعض الزملاء لقوا حتفهم فليرقدوا في سلام، كما أصيب العديد من أعضاء فريقي بالعدوى”، وأضاف يوسفي “بدأ الوباء هنا يخرج عن السيطرة، المستشفى ممتلئ”، مبينًا أنّ بعض الموظفين متعبون لدرجة أنهم تعرضوا للإغماء أو تعرضوا لحوادث سير.
وتشير إحصاءات غير رسمية إلى وفاة أكثر من 40 عاملًا في قطاع الصحة من الطبيب إلى العامل البسيط، في وقت فاقت حصيلة الإصابات وسط الجيش الأبيض ألفي إصابة على الأقل.
وصارت مواقع التواصل الاجتماعي تغص يوميًا بأخبار نعي عمال الصحة المتوفين بعد انتقال العدوى إليهم، وهم الذين لم يستفيدوا من أي عطل منذ 4 أشهر، كما أحجم بعضهم عن زيارة أهله.
بالنسبة للجزائريين وعلى الأقل المؤيدين للرئيس الحاليّ، فإن المسؤول الأول للبلاد مطالب بتأكيد عبارة “الوضع تحت السيطرة”
ورغم هذا الجهد الذي يبذله به السلك الطبي وبقائه وحيدًا في جبهة مكافحة الوباء، فإنه لم يسلم من سلسلة اعتداءات لفظية وجسدية في بعض المستشفيات من مواطنين حملوه وفاة أو عدم معالجة ذويهم، دون النظر إلى نقص الإمكانات التي تسمح بالاعتناء بالمصابين كافة.
وسارعت السلطات إلى تدارك الأمر، بعد أن قرر الرئيس تبون تدعيم وتعزيز نظام حماية جميع العاملين في المجال الطبي وشبه الطبي والإداري، بموجب نص قانوني جديد، فضلًا عن النظام المنصوص عليه في قوانين البلاد، ويتضمن القرار “حماية السلك الطبي من كل اعتداء أو عنف، أيًا كان شكله أو وسيلته ومهما كان مرتكبه، داخل حدود المستشفيات وغيرها من الهياكل والمؤسسات الصحية عبر كامل التراب الوطني، في أثناء ممارسة مهمته النبيلة في خدمة الأمة”.
وإذا كان هذا القانون يوفر حماية أكثر لعمال قطاع الصحة مهما كانت درجتهم واختصاصاتهم، إلا أن الحماية الأهم في هذا الظرف تبقى التزام المواطنين بقواعد الوقاية التي يطلبونها للتصدي لهذا الفيروس واسع الانتشار، وفي مقدمتها التخلي عن سياسة الاستهتار بارتداء الأقنعة الوقاية والتقيد بإجراءات الحجر الصحي والتباعد الاجتماعي، إضافة إلى إدراج “كوفيد-19” ضمن الأمراض المهنية التي قد يتعرض لها الطبيب.
اختبار
الانتصار على وباء كورنا في الجزائر ليس امتحانًا للمواطنين فقط، إنما اختبار أيضًا للرئيس عبد المجيد تبون الذي لم تمض إلا سبعة أشهر على تقلده سدة الحكم للتأكيد أن البلاد تعيش “جزائر جديدة” غير تلك التي كانت زمن الرئيس السابق عبد العزيز بوتفليقة.
وبالنسبة للجزائريين وعلى الأقل المؤيدين للرئيس الحاليّ، فإن المسؤول الأول للبلاد مطالب بتأكيد عبارة “الوضع تحت السيطرة” التي رددها كلما سألته الصحافة عن واقع الوباء ميدانيًا، وذلك باحتواء الانفلات الذي أصبح يحدث في التكفل بالمصابين بالفيروس، والعمل على تقليص عدد المصابين والمتوفين.
لعل الامتحان المحوري لتبون وطاقمه الحكومي للانتصار على أزمة كورونا يبدأ بالتطبيق الصارم للقرارات التي اتخذت لتحقيق التباعد الاجتماعي
وحتى إن كانت المنظومة الصحية الحاليّة موروثة عن النظام السابق، والجائحة عرت عيوبها بالشكل الكامل، إلا أن ذلك لا يعفي السلطة الحاليّة من مسؤولية العمل على توفير التكفل الصحي لجميع المصابين، بالنظر إلى أنه ورغم الارتفاع المسجل في الأيام الأخيرة، فإنها تبقى أقل مما تشهده دول أخرى، لأن الأمر يتعلق بالأساس في الجزائر بطريقة التسيير التي تظل بعيدة في كثيرة من المرات عن الأداء الواجب القيام به في ظروف كهذه.
الأكيد أن الظروف لم تساعد الرئيس تبون في تنفيذ ما وعد به خلال حملته الانتخابية، واختبار صدقية ما رافع من أجله وقتها، بسبب انهيار أسعار النفط وتعقد الوضع السياسي وظهور الأزمة الصحية العالمية المفاجئة، إلا أن ذلك لا يمنعه من أن يسعى إلى اغتنام هذه الأزمات للاستثمار فيها إيجابيًا من خلال التغلب عليها رغم صعوبة المهمة، لأن المسؤول الحقيقي الجدير بتسيير البلاد هو من يتمكن من تجاوز المخاطر وقت الشدائد والأزمات، وليس من يهدر الأموال وقت الاستقرار مثل ما فعل سلفه عبد العزيز بوتفليقة.
لعل الامتحان المحوري لتبون وطاقمه الحكومي للانتصار على أزمة كورونا يبدأ بالتطبيق الصارم للقرارات التي اتخذت لتحقيق التباعد الاجتماعي واحترام الحجر الصحي والتخلي عن سياسة التراخي تحت مبرر الحاجة الاقتصادية للمواطنين لمواجهة الظروف الصعبة التي يعيشونها بسبب انكماش مداخيلهم المالية جراء هذا الوباء.