بعد مناقشات مكثفة استمرت لعدة سنوات يبدو أن مشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج العربي بات مسألة وقت وذلك بعد الخطوات الجادة التي تم اتخاذها مؤخرًا في هذا الاتجاه الذي يحظى بدعم شعبي وإقليمي ودولي كبير، لإنقاذ العراق من أزمة الطاقة التي يعاني منها منذ سنوات طويلة.
وزارة الخارجية العراقية في بيان لها قالت: “جلسة مناقشات ثلاثية جمعت ممثلين عن حكومتي جمهورية العراق والولايات المتحدة الأمريكية ومجلس التعاون لدول الخليج العربية، عقدت يوم أمس عبر الاتصال الفيديوي، لمناقشة موضوع مشروع الربط الكهربائي بين العراق ودول الخليج العربي”.
تزامن ذلك مع إعلان الولايات المتحدة عبر وزارة خارجيتها دعمها الكامل لهذا المشروع الذي من شأنه توفير الطاقة الكهربائية للعراق وتحقيق التنمية الاقتصادية في العديد من المحافظات، وإن حمّل البعض هذه الخطوة وما لاقته من دعم كبير بعدًا سياسيًا يسعى لمزيد من خنق طهران.
يأتي هذا التحرك الإيجابي قبل ساعات قليلة من الزيارة المرتقبة لرئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي، للسعودية الباحثة عن تعزيز حضورها داخل العراق بعد فترات طويلة من الجفاء، في ظل حرب النفوذ بينها وبين خصمها الإقليمي، إيران، الذي نجح في سحب البساط من تحت أقدامها عراقيًا بصورة كبيرة خلال السنوات الماضية.
أبرمت وزارة الكهرباء العراقية في 15 من سبتمبر/أيلول 2019 عقدًا مع مجلس التعاون الخليجي لإنشاء خطين لنقل الطاقة الكهربائية الضغط الفائق (400) ك. ف، بطول (300 كيلومتر)، مقسمة على مسافتين، داخل العراق (80 كيلومترًا)، وداخل دولة الكويت (220 كيلومترًا)، وذلك على هامش فعاليات “منتدى العراق للطاقة”.
وينقسم العقد إلى مرحلتين: الأولى تنتهي قبل صيف 2020 الحاليّ وتربط العراق بدول الخليج ويؤمل منها استيراد 500 ميغاواط، أما المرحلة الثانية فتتعلق بإنشاء منظومة تبادل للطاقة الكهربائية بين بغداد وأوروبا، وبأسعار تنافسية تحقق الاكتفاء العراقي من الطاقة.
منذ حكومة نوري المالكي ومشروع الربط الكهربائي مع الجيران الخليجيين يواجه عقبات حدة حالت دون المضي قدمًا فيه حتى اليوم، على رأسها المجموعات الموالية لطهران التي كانت سببًا رئيسيًا في عرقلة إتمام المشروع
دعم خليجي أمريكي
الخارجية العراقية في بيانها أشارت إلى أن الجلسة التي تمت كانت بتنظيم ودعم من الحكومة الأمريكية بهدف إيجاد طريق فعال لتنفيذ المشروع، لافتة إلى أن البيان المشترك الصادر عن هذا الاجتماع أكد مرة أخرى دعم الأطراف الثلاث (بغداد وعواصم الخليج وواشنطن) لهذا المشروع الحيوي.
الولايات المتحدة، صاحبة الدعوة والتنظيم، في بيان لها أشارت إلى أن المشروع “سيوفر الكهرباء للشعب العراقي، وهو بأمس الحاجة إليها، كما يدعم هذا المشروع أيضًا التنمية الاقتصادية في العراق، وخاصة في المحافظات الجنوبية”، منوهة إلى تطلع الحكومة العراقية ونظيراتها في الخليج وواشنطن لمزيد من التعاون في المجالات الاقتصادية الأخرى، كونه أساس السلام والتنمية في المنطقة، وفق ما ذكر بيان الخارجية.
وأكد البيان أن واشنطن “ملتزمة بتسهيل هذا المشروع وتقديم الدعم عند الحاجة” وهو الموقف ذاته الذي عبرت عنه الرياض والكويت، استنادًا إلى العقود الموقعة سابقًا بهذا الشأن الذي يعود الحديث عنه إلى ثماني سنوات مضت تقريبًا، وإن لم يتم اتخاذ خطوات إيجابية حياله بسبب العديد من العراقيل.
المشروع يفتح آفاقًا جديدةً أمام العراقيين، فالأمر لم يتوقف عند الربط الكهربائي مع دول الخليج فحسب، بل يتجاوز ذلك إلى دول أخرى وفق ما أشار وكيل وزارة الكهرباء والماء الكويتية، محمد بوشهري، الذي أوضح في تصريحات له في ديسمبر 2017 أن الربط مع العراق يمهد للربط مع تركيا ولاحقًا مع أوروبا و”هذا ما تطمح إليه هيئة الربط الخليجي من عملية الربط بين دول الخليج ودول الجوار” على حد قوله.
عقبات أمام المشروع
منذ حكومة نوري المالكي ومشروع الربط الكهربائي مع الجيران الخليجيين يواجه عقبات حدة حالت دون المضي قدمًا فيه حتى اليوم، على رأسها المجموعات الموالية لطهران التي كانت سببًا رئيسيًا في عرقلة إتمام المشروع الذي من شأنه أن ينسف الاتفاق الموقع بين الحكومة العراقية والحكومة الإيرانية المتعلق بتزويد طهران المحطات العراقية بالكهرباء والغاز.
أستاذ الاقتصاد بالجامعة العراقية، عبد الرحمن المشهداني، يرى أن هذا الاتفاق يكلف العراق أكثر من ملياري دولار سنويًا، ومن ثم حرص أنصار إيران داخل البلاد على عرقلة أي مشروع من شأنه أن يؤثر على هذا الاتفاق الذي يعد رافدًا قويًا لطهران لا سيما في ظل تضييق الخناق المفروض عليها أمريكيًا.
ليست إيران بمعزل عن هذا المشروع الذي يحمل أبعادًا سياسية كما أشار بعض الخبراء الذين يرون أنها خطوة تندرج تحت سياسة تقليل اعتماد العراق على إيران في الطاقة
المشهداني في تصريحات صحفية له لوكالة “سبوتنيك” الروسية، قارن بين العرض المقدم من الدول الخليجية في حال إتمام المشروع والاتفاق الإيراني، لافتًا إلى أن السعودية عرضت بيع الكيلوات من الكهرباء تقريبًا بـ”سنتين”، فيما يستورد العراقين بـ9 سنتات للوحدة الواحدة من إيران، لافتًا إلى أن هذا الفرق الكبير “لا يروق للموالين للحكومة الإيرانية”.
ومن ضمن المعوقات التي ساقها الخبير الاقتصادي، مشكلة التمويل، حيث لا يمتلك العراق الميزانية المطلوبة لإتمام عملية الربط، منوهًا أنه في حال تحملت دول الخليج وأمريكا نفقات المشروع فإن عقبة كبيرة ستزول، كاشفًا أن الوقت المطلوب لعملية الربط مع الكويت على سبيل المثال كخطوة أولى لا يحتاج إلا لأقل من 4 أشهر فقط، نظرًا لقرب المسافات بينهما، مقارنة مثلًا بإنشاء شبكات مع السعودية البعيدة نسبيًا.
يذكر أن وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف، سيتوجه اليوم في زيارة عاجلة للعراق، التي تسبق الزيارة المتوقع أن يقوم بها رئيس الحكومة العراقية للرياض، في خطوة يراها البعض من أجل الضغط على حكومة الكاظمي لاستمرار الاتفاق المبرم بين البلدين وضمان ألا يتأثر بالتوجه نحو دول الخليج.
ماذا عن إيران؟
ليست إيران بمعزل عن هذا المشروع الذي يحمل أبعادًا سياسية كما أشار بعض الخبراء الذين يرون أنها خطوة تندرج تحت سياسة تقليل اعتماد العراق على إيران في الطاقة، وذلك بعدما بات العراق السوق الأكبر الذي يتكئ عليه الإيرانيون لتخفيف العقوبات الأمريكية.
ومن الصعب كذلك أن يجد المشروع معارضة داخلية حتى من بين القوى السياسية الحليفة لطهران، التي لن يكون بمقدروها التصدي لهذه الخطوة التي فشلت الحكومات المتعاقبة في علاجها ما تسبب في تعميق أزمة الطاقة والكهرباء، الأمر الذي صعد من وتيرة النقمة الشعبية والاحتقان الداخلي.
عضو لجنة الخدمات البرلمانية العراقية، مضر خزعل، يرى أن بلاده ماضية في الاتفاق من أجل تخفيف معاناة الشعب العراقي، أيًا كانت البلد التي سيتم الاتفاق معها، لافتًا في تصريحات له “همنا الأساس هو خدمة الشعب العراقي، ولا ننظر إلى المواقف السياسية، وليس من شأننا أن يتضرر البلد الفلاني أو لا، لأننا من حقنا أن نستعين بمصادر طاقة مستقرة”.
وعن سيناريوهات الغضب الإيراني من هذه الخطوة التي بلا شك سيكون لها تأثير سلبي على مستقبل الاتفاق مع بغداد، أشار المحلل السياسي غانم الغابد، أن قوة ونفوذ إيران داخل العراق لم تعد كما كانت في السابق، لافتًا إلى أن التطورات التي شهدتها الساحة خلال الآونة الأخيرة كبدء الحراك الشعبي واغتيال قاسم سليماني تؤكد أن إيران لم تعد قادرة على التحكم بالبلد، على حد قوله.
وأضاف “وجود مصطفى الكاظمي في رئاسة الحكومة يختلف عن وجود عادل عبد المهدي”، موضحًا أن حكومة الكاظمي لديها رغبة ملحة في الانفتاح على دول العالم كافة، وأن البلاد بحاجة الآن إلى إعادة رسم خريطة تحالفاتها الخارجية بما يعود بالنفع على الدولة العراقية ويخدم مصالح العراقيين.
بعيدًا عن البعد السياسي حيال هذا المشروع، فإن كل ما يهم العراقيين هو توفير الكهرباء قدر الإمكان وتقليل عدد ساعات انقطاع التيار الذي يؤثر بطبيعة الحال على المسار التنموي
وأكد العابد وجود رغبة كبيرة لدى حكومة الكاظمي للانفتاح على كل دول العالم، “ونشهد اليوم تحولًا كبيرًا في سياسة العراق، سواء مع محيطه أم العالم”، لافتًا إلى أن إيران “إذا حاولت عبر حلفائها إعاقة مثل هذه المشاريع، فإنها ستصطدم بالشارع المحتقن بسبب أزمة الكهرباء”.
ويعاني العراق منذ 2003 من نقص شديد في مصادر الطاقة لديه، ما انعكس على الحياة الاقتصادية والمعيشية، ولم تستطع أي من الحكومات المتعاقبة حل تلك الأزمة التي باتت تؤرق العراقيين بصورة كبيرة، رغم إنفاق 62 مليون دولار على حلها، وذلك بسبب الفساد وسوء التخطيط حسبما أشار الكاظمي.
يبلغ إنتاج العراق من الكهرباء 13500 ميغاواط، ويخطط لإضافة 3500 ميغاواط خلال العام الحاليّ، فيما تزود طهران البلاد بواقع 1200 ميغاواط عبر أربعة خطوط: هي خط (خرمشهر – البصرة) و(كرخة – العمارة) و(كرمنشاه – ديالى) و(سربيل زهاب – خانقين)، هذا بخلاف الغاز المستورد الذي يشغل محطات كهربائية عراقية ترفد المنظومة بما يقارب 3300 ميغاواط.
وبعيدًا عن البعد السياسي حيال هذا المشروع، فإن كل ما يهم العراقيين هو توفير الكهرباء قدر الإمكان وتقليل عدد ساعات انقطاع التيار الذي يؤثر بطبيعة الحال على المسار التنموي، علمًا بأن البلاد تحتاج إلى 24 ألف ميغاوات فيما يبلغ إنتاجها من الكهرباء 13.5 ألف ميغاوات فقط، وهو ما يعمق الأزمة.