ترجمة وتحرير: نون بوست
استشعرت الصين الصعوبات السياسية الداخلية التي تواجهها الولايات المتحدة في خضم الاحتجاجات من أجل العدالة الاجتماعية والاستجابة الضعيفة لوباء كوفيد-19، لتبدأ الحرب، حيث قيل إن بكين على وشك الموافقة على إبرام صفقة اقتصادية وأمنية مع طهران بقيمة 400 مليار دولار.
إلى جانب الاستثمارات الضخمة في البنية التحتية، تتطلع الاتفاقية إلى تعاون أوثق في مجال الدفاع وتبادل المعلومات الاستخباراتية، ويشاع أن الاتفاق يشمل تخفيضات على النفط الإيراني. وفي حال أُبرمت هذه الاتفاقية، فسوف تكتسب جمهورية الصين الشعبية نفوذاً هائلاً في هذه المنطقة الحساسة من الناحية الجيوسياسية، وفي الوقت نفسه سوف تساعد نظام الملا المحاصر.
من المرجح أن تمنع الولايات المتحدة عقد مثل هذه الشراكة، التي تهدد أمنها ومصالح الطاقة في الشرق الأوسط وأوراسيا. ولا يخفى على أحد أن مصالح واشنطن في السياسة الخارجية تتصادم باستمرار مع مصالح طهران وبكين.
في القرن العشرين، كان الاتحاد السوفيتي المنافس السياسي الرئيسي للولايات المتحدة، لذلك بشّر انهياره في سنة 1991 بظهور عالم أحادي القطب في أواخر التسعينات وأوائل سنة 2000. في القرن الحادي والعشرين، لم يكن هناك شك في أن جمهورية الصين الشعبية ستكون المنافس والنظير الجديد “القريب” للولايات المتحدة، باعتبارها دولة ذات قاعدة اقتصادية أضخم بكثير من الاتحاد السوفيتي. وتعد مبادرة الحزام والطريق الصينية، الرائد في طموحات الرئيس الصيني شي جين بينغ العالمية، أداة سياسية فعالة تهدد نفوذ السياسة الخارجية الأمريكية.
عندما يتعلق الأمر بالاستراتيجية الجيوسياسية، هناك مقولة يتداولها خبراء السياسة الخارجية مفادها أن “روسيا تلعب الشطرنج، والصين تلعب الغو، والولايات المتحدة تلعب كرة القدم”. تشكّل إيران – بمشاعرها القوية المناهضة للولايات المتحدة وجيشها الضخم الكبير واحتياطياتها الهائلة من النفط والغاز – جزءًا مهم من اللعبة العالمية التي تلعبها الصين.
تعد الصفقة بين الصين وإيران أحدث خطوة في محاولة بكين التوسع والانتقال من الهيمنة الإقليمية إلى قوة عالمية من خلال مبادرة الحزام والطريق. وغالبا ما تتعرض الصين إلى انتقادات من قبل محللي السياسة الغربيين بسبب ما يُطلق عليه “دبلوماسية الديون” – وهي سياسة تقوم على إثقال كاهل الدول النامية بالديون في شكل صفقات استثمارية بفوائد مجحفة. في كثير من الأحيان، تساعد هذه الديبلوماسية الصين على الاستفادة من الاستيلاء على البنية التحتية الرئيسية، ويعدّ ميناء هامبانتوتا في سريلانكا من بين أشهر الأمثلة على ذلك، حيث اضطرت الحكومة إلى تأجيره للصين لمدة 99 سنة بعد أن فشلت في سداد القروض الصينية.
تستغل بكين اليأس المتنامي في طهران الذي تفاقم بفعل الأزمات الصحية والاقتصادية الناجمة عن انتشار فيروس كوفيد-19
على نحو مماثل، تدين باكستان للصين بما لا يقل عن 10 مليار دولار وذلك لبناء ميناء كوادار، وقد قامت بتأجير الأراضي للحكومة الصينية حتى سنة 2059. علاوة على ذلك، تدين جزر المالديف للصين بنحو 1.5 مليار دولار والتي تشكّل حوالي 30 بالمئة من ناتجها المحلي الإجمالي.
من شأن هذه الاتفاقية الضخمة مع إيران أن تزيد من الاستثمارات الصينية في البنوك الإيرانية والاتصالات والبنية التحتية للنقل بما في ذلك المطارات والسكك الحديدية ومناطق التجارة الحرة. كما تتطلع الصين إلى الاضطلاع بدور مركزي في الفضاء السيبراني لإيران، حيث تفرض البلاد “سيطرة أكبر على ما يتم تداوله”. كما أن الاتفاقية المرتقبة تفتح آفاقا لعدد من مشاريع التعاون الدفاعي المحتملة وتشدد على ضرورة تضافر الجهود لتبادل المعلومات الاستخبارية.
على الرغم من أن هذا الاتفاق قد يوفر مستقبلا جديدا للاقتصاد الإيراني الذي يعاني من العقوبات الأمريكية، إلا أنه من المحتمل أن يجعل الجمهورية الإسلامية مديونة لبكين. ويُدرك العديد من أفراد النخبة الإيرانية المخضرمين من الناحية الجيوسياسية هذه الحقيقة.
الصين تضع خططا طويلة المدى
تستغل بكين اليأس المتنامي في طهران الذي تفاقم بفعل الأزمات الصحية والاقتصادية الناجمة عن انتشار فيروس كوفيد-19. كما دفعت الهجمات السيبرانية الأخيرة التي استهدفت بنية إيران التحتية النووية والبحرية الحكومة الإيرانية إلى أحضان الصين.
عموما، تقدم القوة العظمى الصاعدة سوق نفط لا حدود له، وتكنولوجيا عسكرية ومدنية واستثمارات ضخمة وتغطية سياسية محتملة على المسرح العالمي، بما في ذلك حق النقض في مجلس الأمن الدولي التابع للأمم المتحدة – أي كل الأمور التي تحتاجها إيران بشدة.
يرى البلدان أن الاتفاق مفيد لكلهما، ولكنه أيضا آلية محتملة لمواجهة هيمنة الولايات المتحدة في الشرق الأوسط. تعد إيران واحدة من أكبر خمسة منتجين للغاز الطبيعي في العالم وتسيطر على نسبة 15 بالمئة من احتياطيات أوبك من النفط الخام، ولكن اعتبارا من تشرين الأول/ أكتوبر من السنة الماضية، كان من المتوقع أن ينكمش اقتصادها بنحو 9.5 بالمئة بسبب إعادة تفعيل العقوبات الأمريكية. لذلك، انخفض إنتاج النفط وعائداته من حوالي أربعة ملايين برميل في اليوم في 2018 إلى مليوني برميل فقط اليوم. وسبقت هذه الحالة العصيبة انتشار فيروس كوفيدـ 19، الذي ضرب إيران بشكل خاص وأضر بالطلب على صادراتها الرئيسية.
العقوبات الأمريكية وصادرات النفط الإيرانية
من الواضح أن الجانب المعادي للولايات المتحدة في الصفقة هو ما يجذب انتباه واشنطن، إذ أنه من شأنه أن يدعم العملة الرقمية الصينية الجديدة “اليوان الرقمي” كوسيلة لتجاوز الأنظمة المالية الأمريكية وتقليل قوة الدولار. وسيفيد ذلك أيضًا أكثر مستهلكي الطاقة شرهًا في العالم ويوفر آلية لبيع النفط الإيراني أثناء التهرب من سياسة العقوبات الأمريكية.
من شأن الاستثمار الاستراتيجي للصين إلى جانب التعاون العسكري أن يعزز مكانة واحدة من أكثر القوى مناهضةً للولايات المتحدة، ويهدد الحلفاء الأمريكيين في الشرق الأوسط من الرياض إلى القدس، ويتيح للشركات الصينية الوصول إلى تريليونات الدولارات من الهيدروكربونات والأسواق غير المستغلة. أما الهند، التي حافظت تقليديا على علاقات جيدة مع إيران واشتبكت مؤخراً مع الصين عسكريا في جبال الهملايا، فتنظر بقلق إلى الحصار المزدوج الذي تنفذه بكين ضدها.
بكين تسيطر على أكثر مما تستطيع إدارته
هناك بعض القلق الإيراني من احتضان الصين الاقتصادي الكامل. في أواخر شهر حزيران/ يونيو، حذر الرئيس السابق محمود أحمدي نجاد في خطاب له أن صناع السياسة “يسلمون ثروة إيران إلى دول أخرى دون إبلاغ الأمة”. ومنذ ذلك الحين، انضم آخرون إلى موجة الانتقادات، بما في ذلك النائب المحافظ السابق علي مطهري، الذي بدا أنه اقترح على تويتر أنه قبل التوقيع على الاتفاق، يجب على إيران أن تحتج على وضع المسلمين الذين يُقال إنهم يتعرضون للاضطهاد في الصين، كما ينضم ولي العهد رضا بهلوي، زعيم المعارضة المنفي، إلى جوقة معارضي الاتفاق.
في حين أن الصين تحب التحدث عن مبادرة الحزام والطريق، فإن هناك أدلة متزايدة على أن أهداف بكين يمكن أن تنقلب ضد مصالحها. مع إعاقة فيروس كوفيدـ19 للاتجاه نحو العولمة، فإن دول آسيا الوسطى التي تمثل حجر الزاوية في مشروع الحزام والطريق، تشهد أيضًا تباطؤ اقتصادياتها. كما تم انتقاد مبادرة الحزام والطريق بسبب الهدر والاحتيال، وهو بالتأكيد جزء من نمط أوسع.
في المقابل، قال مصدر في وزارة الخارجية الأمريكية إن الولايات المتحدة ستواصل اتخاذ إجراءات ضد أي شركة صينية تخرق العقوبات. ومن جهة أخرى، فإن الشركات التي تشارك في اللعبة الصينية الإيرانية سوف تفعل ذلك على مسؤوليتها الخاصة، في حين أن المخاطر الاقتصادية والأمنية العالية يقع تخفيفها فقط من خلال الالتزام الاستراتيجي لبكين وتركيزها وصلابتها.
المصدر: فوربس